الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/28
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

النِّدَاء الأَخِير

تاريخ النشر : 2022-10-01
النِّدَاء الأَخِير

بقلم: سارة عماد الدين ريان

رأسي تؤلمنِي، لم أستغرب هذا الشيء فالحروف التي حُبِسَت بها كانت تقاتل لترى حريتها ويراها أشخاصاً..
"حرّر أفكارك ولا تدعها سجينة رأسك البيضاوي هذا"هكذا كان يقول أحدهم لي دائمًا ، لكنه لم يكن يدري أنّي أضعتُ المفتاح !
لا بأس دعنا نحاول ، نحرر حرفاً حرفا..

بدأت الحروف بالسقوط من رأسي، لكن عبث بلا فائدة، نالت حريتها بلا فائدة، لأنها لم تساعدني على تحرير أفكاري، فلم تكتب الحروف شيئاً، وقد نالت حريتها فهربت، وتركتني هُنا وحيداً سجين أفكاري، أحدهم قال لي بأني فقدت شغفي ولا فائدة من محاولتي للكتابة، وعليَّ أن أجد نفسي في شيءٍ آخر.. من الواضح أنّه فقد عقله، لأنّي أعرف من أنا جيداً، وأعرف أن الحروف سَتَفِرُّ منّي وإلي.

بحلول المساء وعندما كان الأرق قد بدأ باجتياحي ، وصلتني رسالة نصية على هاتفي المحمول ذي الأزرار اَلْمُهْتَرِئَة :"انتهى وأحلامه"، ما الذي يعنيه صديقي خالد بهذه الرسالة، لا أعلم… حاولت الاتصال به مراراً لأفهم ماهيّة رسالته ولكنه لم يُجِبْ…ضبطتُ المنبه العتيق الذي كنت قد اشتريته ذات مرة من محل في حيٍّ بعيد هجره أصحابه، ونمتُ انتصاراً على أرقي . . فقط نمتُ بلا أحلام بلا أي شيء آخر.. في الصباح رتبت حقيبة السفر كعادتي كل أسبوعين، أرتحل من مكانٍ لآخر، وعند خروجي من المنزل قابلتُ جاري الفظّ، وبسخريةٍ قال لي: إلى أين يا رحّال، يا ابن بطوطة وبضحكة تملؤها حماقته، ضحكها ودخل منزله دون أن أَنبس بأي كلمة.. كم أتمنى أن يكون هذا لقائي الأخير معه!
 
تابعت طريقي منهمكاً بأفكاري فهذه المرة ستكون رحلتي طويلة ، وربما أستقر، هاهاها الاستقرار الذي لطالما انتظرته وكرهته … كان صديقي طارق ينتظرني في نهاية الشارع داخل سيارته الحمراء ليوصِلَني إلى المطار… شدة الأفكار والتساؤلات التي كانت محتلة رأسي جعلتني أفتح الباب متثاقلاً ممّا جعل صديقي يظُن أنّي لا أريد مغادرة المكان، لكنّي أوضحتُ له كل شيء أمّا هو فقد ظلَّ صامتا يرفض الحديث عن رسالته التي أرسلها لي يوم أمس … كانت المسافة إلى المطار أحد عشر كيلو مترا أو بالأصح صمتا… كنّا صامتين طوال الوقت كلٌّ منّا يعيش داخل رأسه ولا يهمه أين جالس … وصلت أخيرًا وانقطع الصمت بكلماتٍ رقيقة من خالد:"رافقتك السلامة يا عزيزي"
 
شُكراً خالد وإن كنتُ قد نسيت قولها لكَ ، فالنداء الأخير كان قد أربكني، فقد أسرعتُ مهرولاً لركوب الطائرة، ومع أنَّنِي أفضل السفر بالقطار فضلاً عن الطائرة ولكن مقعداً فيها بجوار النافذة مكان لا بأس بهِ ، بل من حُسن حظي … بعد ساعات وصلتُ وجهتي، إنّها نابولي لطالما وصفها كان دائماً يلهمني ويجذبني لزيارتها، أخيراً يا نابولي!

في البداية ولأنّنِي في إيطاليا -وفي نابولي تحديدا-قررت الذهاب لتناول البيتزا، فذهبت إلى مطعمٍ كان يبدو بأنّه سيكون مكاني المفضل هُنا، كانت هذه المرة الأولى التي أجرِّب فيها البيتزا، عجينتها الرقيقة ومعجون الطماطم، وجبنة وبعض البهارات، كانت لذيذة، لقد أحببتُها وتفاصيلها.

من ثُمَّ ذهبت إلى الفندق لأرتاح، ليس من السفر فأنا لا أتعب من السفر بل أسافر لأرتاح، لا أفهم هؤلاء الناس الذين يقولون أنّ السفر مُتعب، إنّهم يخدعوننا حتما!
 
نمت قليلاً ثمَّ استقيظت، ولبستُ أفضل ماعندي وخرجت من الفندق ووقفت أمامه ألوِّح لسيارة تقلّني للمتحف الوطني في سان مارتينو، فحصلت على ما أريد ووصلت المتحف، كان مُدهشاً مُدهشا، وعند رؤيتي للوحات الفنية عادت رغبتي للرسم تقتلني، ولكن ماذا تفيد رغبتي إن كنت لا أُجِيده؟ حتماً لا شيء… ما زلت أتذكر لوحة "طاولة ستروزي " جيداً، وكيف أنساها والبحر الذي بها حرك ذاكرتي لذلك اليوم الذي رأيتُ فيه البحر لأول مرة، رمال ذهبية، ومياه جعلتها الشمس تلمع وتُضيء، أمّا عن السفن فقد منعني خوفي الأحمق من ركوبها ، فاتتني الفرصة فقد أخافني خوفي …ثمَّ تجولت في المدينة وعدت إلى الفندق وأغلقت حقيبتي وتركت الفندق لأعود مرة أخرى للمطار فلم أكن أنوي الاستقرار بنابولي ،وقد كانت محطة انتقال لمكانٍ آخر ، كانت بلجيكا هي وجهتي الرئيسيّة حقاً ولكنّي أحببتُ زيارة بعض الأماكن قبل الاستقرار بها…

الطائرة مرة أخرى ولكن هذه المرة بلا نداء أخير، ومن ثم هبطنا في نيويورك كانت هي أيضا محطة انتظار لطائرةٍ أخرى، لكن هذه المرة وعلى غير العادة ، فضلّتُ البقاء والانتظار في المطار مع أنّ الوقت كان يسمح لي أن أكتشف المدينة، لكنّي جلست على كرسي في المطار وأخرجت كتابي المفضل من الحقيبة وسماعات الأذن وعلى سيمفونية نغماتها قديمة وبأعلى صوت، حيث يفصلني عن العالم الخارجي، انهمكت في القراءة والسماع، ومن ثم ودون أن أشعر نمت واستيقظت، عندما استيقظت كان الوقت المتبقي لإقلاع الطائرة ليس بالكثير ولكنِّي فضلت متابعة القراءة والاستماع للسيمفونية، أنهيت قراءة الكتاب ونظرت للساعة وصُدِمت، فقد فاتتني الطائرة، وفاتني النداء الأخير، كيف يفوتني شئ كهذا، مشاعري في ذلك الوقت لم أفهمها، حينها كنت أشعر أن هناك تشويشاً كصوت تشويش راديو منزوع داخل رأسي…

أكره الانتظار، لذلك لن أنتظر طائرة أخرى، نيويورك أنا هُنا.
ذهبت لأقرب مقهى من المطار وتناولت رشفات قليلة من القهوة، وإذ بعيني تَحُطّ على ورقة معلقة على الحائط وبالإنجليزية مكتوب ما معناه: لا تفوتك دهشة ليلة النجوم . ماذا يعني ذلك لم أفهم في البداية فسألت أحد الجالسين في المقهى، فقال لي إنها لوحة لفنان مشهور …لوحة من جديد هذا يعني أنّه يجب عليَّ رؤيتها لأنّ الفن هو شغفي، ببساطة ركبت السيارة وبلغة إنجليزية ركيكة قلت للسائق إلى متحف الفن الحديث..

وصلتُ وعيوني تبحث عنها… وجدتها أخيراً، إنّها الدّهشة التي لم يسبق لها أن تحتلني بهذا الشكل قبل هذا، عيوني تُحدِّق ووجهي أصبح شديد الاحمرار ووقفت في مكاني بلا حراك… أفكاري أصبحت مرتبة وليست سجينة، وها هي الحروف تعود حرفا فحرف، شغف الكتابة يعود، وأنا أعود إلى نفسي، من الواضح أنّ النداء الأخير كان قد فات الحروف وليس أنا، أمّا عنّي فقد كان ندائيَ الأول، لِأُولد من جديد.

 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف