الأخبار
الاحتلال يرفض تسليم الحرم الإبراهيمي للجمعة الثالثة في رمضان(حماس): تصريحات رئيس شاباك تكشف تلاعب نتنياهو المتعمد بملف المفاوضاتالحكومة الإسرائيلية تصادق على إقالة رئيس (شاباك)(أونروا): أفظع المحن اللاإنسانية تحت أنظارنا اليومية في غزةإيران: رسالة ترمب "أقرب إلى تهديد" وسنرد عليها قريباًواشنطن: ترمب يدعم بشكل كامل ما تقوم به إسرائيل في غزةمجدداً.. جيش الاحتلال يعلن اعتراض صاروخ أطلق من اليمنوزير الخارجية الأيرلندي: المشاهد من غزة مروعةجيش الاحتلال يعلن بدء عملية برية في بيت لاهيا وأخرى برفحالمالية الفلسطينية: الاحتلال يحتجز سبعة مليارات شيكل من أموال المقاصة(هيومن رايتس ووتش): إسرائيل ارتكبت جرائم حرب أثناء احتلال المستشفيات في غزةأبو عبيدة: صواريخ اليمن رسالة بأن غزة ليست وحدهاشجون الهاجري تفاجئ والدتها بعيد الأم خلال كواليس "صنع في الكويت"تامر حسني يوجه رسالة مؤثرة إلى محمد سامي بعد إعلان اعتزالهالقسام تقصف تل أبيب وتعطل حركة الطيران بمطار بن غوريون
2025/3/21
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

عندما تولول الرجال

تاريخ النشر : 2022-08-18
بقلم: بهائي راغب شراب

الجدالية الأولى


بشير أم نذيرٌ بالخراب ،
محلقاً في الفضاء ..
طائر الحكمة جاء .. جاء .. جاء ..
يقترب من الجموع ..
فيصمت الناسُ خاشعين ليسمعوه ...
وهو يقول : السلاح أيها الناس فيه فصل المقال ..
وغاب طائر الحكمة عن الأنظار ..
ثم عاد فقال : السلاح أيها الناس إنه فصل المقال ..
أبو السعالي لم يُسبق مكرُه
ودهاؤه يؤدي إلى الوبال
وطار طائر الحكمة ... غاب عن الأنظار ..
***
تململ الناس واختلط الكلام ، وحكيم الجميع واقفٌ يلفه الوقار ، يشير بالسكون فيهدأ المكان ..
وعلا صوت يقول : يأيها الملأ الجميع ، الطائر الغريب صادقٌ فيما يقول ..
وعلا صوت يقول : يا حكيم مدينة الجميع ، الصوت الغريب صادق فيما يقول .
وعلا صوت يقول : الروح الغريب أَصْدَقَنا الكلام ، وأبو السعالي قادمٌ لا جدال
وحكيم الجميع واقف يلفه الوقار ، يشير بالسكون فيهدأ المكان ..
وقال : يأيها الناس إنكم مأمورون ، وكلنا مسَيرون وصائرون ،
وما سوف يكون سيكون ،
وأبو السعالي لابد أنه مجنون ،
يرميه الطمع فينا ويرميه المجون ، إنّا له لمانعون ، قادرون على ردِّه
ونحن في حرز مصون .
وعلا صوت يقول : ليكن ما تقول ، لكن لنحذر ونحصن الحصون ..
وعلا صوت يقول : الحكيم صادقٌ ونحن مسيرون ..
وعلا صوت يقول : للقضاء مستسلمون وبالقدَرِ مؤمنون ..
وعلا صوت يقول : وأبو السعالي مثلنا .. بشرٌ يهون
وعلا صوت يقول : يجري عليه ما جرى على الأولين من انتحار وذهول ..
وعلا صوت يقول : نحن الأُلَى وغيرنا الهون
وعلا صوت الحكيم : لا يكثر الجدال بينكم فيكثر الشقاق ، إننا جميع وكلنا رفاق .
***
ومن بعيدٍ تقدمت العجوز ، تلفها السكينة والهدوء ، وتكسو وجهها ملامح الحكمة وخبرات السنين ..
وعلا صوت يقول : إنها حكيمة النساء ، اسمعوا ما تقول وتدبروا رأي النساء
وعلا صوت الحكيمة : أيها الناس ، إنه الخطر المبين ، مدينة الجميع مطمع منذ القديم ، لقطّاع الطرق ولأفواج المعتدين ، فاحذروا أيها الناس وأتبعوا الأمر الجدير ،
بلادنا إن تسقط يتشتت الجميع ..
وعلا صوت الحكيم : نحترم رأي العجوز ، لكننا لا نستبين أين الخطر ..؟ أين العدو ؟ .. لم نسمع الا من الغريب ، أتانا شارداً يحذرنا من أمر غريب .. يحذرنا من الشر البعيد ...؟
وعلا صوت يقول : يا حكيمنا الجليل ، ماذا نقول عن طائر الحكمة وخبره الأكثر وضوح ، وكان دائما في قوله مصيب ..
وعلا صوت الحكيم : أيها الناس إننا جميع ونحن محصنون ، بواباتنا مغلقة ورجالنا متيقظون ، لم نؤخذ بغفلة ولم يغلبنا هجوم ، فاركنوا الى الهدوء ، واصلوا حياتكم واستعدوا لعيدكم القريب ، ولا تنسوا الطقوس
وعلا صوت يقول : لنبعث بمن يأتينا بالخبر اليقين
وعلا صوت يقول : أبو السعالي أيها الحكيم .. لنرسل من يرده قبل أن يوقعنا في الكمين .
وعلا صوت الحكيم : يؤجل الكلام فيه إلى ما بعد العيد وانتهاء الطقوس ..!
***
وعلا صوت يقول :
الجدال أوّل الأفول
***

جدالية الاحتلال

والعدو يقظان ، يراقب البلاد والعباد والجهات ، يرسم الخطط ، ويكدس العتاد والطعام ويتأهب للقتال ، ينتظر لحظة الهجوم عند ابتداء الطقوس لمّا ينحسر الهلال ، ودسّ بين الناس من يقول : إن الحياة أمان والعدو ضعيف جبان ، يخاف من الوقوع في متاهة الدروب والوديان في مدينة الجميع والشجعان ، ويقولون إن السلام سيّد الأيام ، لا يفسده غاز ولا يهزه الغربان ، فليخلد الوجدان للإستكانة ، والقلب للعشق والأحلام ..
وكان ما قد كان ، استسلمت المدينة للأوهام بعدما أزاحت من أمامها حقيقة الفعال ، نامت الخيول ، وهجعت الفرسان ، وخُبيء العتاد في مخازن الغلال .... ويا حسرة على العباد لمّا تنام عقولهم ويبلد فيهم الإحساس ، وحين يخلد إلى الغفو الأنام ... لا مفكر ولا حارس يقظان ، يحذر الناس عند الخطر ويمنع الأخطار ، والعيون أغلقت فلم تعد تميز بين الأصحاب والأغراب ..... حتى جاءت الليلة الليلاء ، وحلّت في البلاد اللحظة الخرقاء عندما انقشع الكلام وانكشف مكنون الجناة
***
أبو السعالي جاء.. جاء... جاء .. بالمكر والخداع ، معه فرسان وسلاح وجياد ، بدهاء الثعالب ، ومخالب الذئاب ، فُتِحَت البوابات بليل ، وأولياء الأبواب غياب ، سذّجٌ معصوبي العيون اتبعوا دسّ الغرباء ، أتوهم من وسط المدينة ، يحملون مصابيح الفضيلة ... اختلسوها لتكون دليلهم عند ارتكاب الجريمة .
قالوا للحراس : اكتملت الطقوس ، وآن موعد الرجوع ، قدومنا اكتمل فأسرعوا بالتبديل قبل أن يرتفع النفير يعلن انتهاء المسير .. الأن نحن عن البوابات مسئولون .. نحميها بالروح والبنين .. الى كهف الحياة توجهوا هكذا قال الحكيم .. لتبدأوا طقوس أعياد النكاح وأمرها يسير ... تزيدون النسل وتحمون المدينة من العبيد ..
***
واندفعت حثالات اللصوص ، يتبعهم من كل الأراضين الرعاع ... حاصروا كهف الحياة حيث الرجال والنساء يكملون طقوسهم ومعهم أولادهم وبناتهم ... ونادى أبو السعالي : ليخرج من جوف الكهف الرجال وإلا سنشعل النيران فيختنق الجميع من الصغار ومن الكبار ..
وغاص الكهف في لُجّة من الصمت المرعب المخيف ، وتجمد الناس من فجأة القادم المستحيل ، من سطوة وصوله الصاعق الذي لم يترك لهم وقتاً للعمل ولا للتفكير ، أُلجمت ألسنتهم وبالكاد قلوبهم تدفع دمائهم عبر الشرايين ، والناس جافلون قد أبرزوا عيونهم ينظرون ، لعلهم يرون حكيمهم ينطق أو يقول ، والحكيم صار مشغولاً بالمصير المشئوم وبالتقصير ، الذي ركنوا إليه ، فلم يتبعوا الأصول ، ونسوا قواعد العمل ، وفي خضم انشغالهم إذا هم يسقطون ..
والحكماء يعرفون أي مصير ينتظرهم إذا خرجوا مستسلمين للأعداء ، أو ظلوا في الكهف قابعين
والناس يتململون ، وبالدعاء بدأوا الكلام ، لعل الله ينقذهم فيبعد عنهم الكارثة الماحقة وينجون ... وهيهات .. هيهات .. الخوف في صدورهم يزداد وأصبح كالوباء يجمح بالكبار والصغار والنساء ....
وطال الانتظار دون أن يسمعوا مقالة أو نصيحة ترشدهم ما يجب عليهم فعله ..
أو هل يستسلمون فينقذون أرواحهم ونسائهم وأطفالهم وهكذا هم يظنون .. وطال السكوت ، ولم يعد مقبولاً البقاء معزولين ، فأبو السعالي يعود ويحذرهم من جديد .. وكتماثيل الجليد بدأوا يتحركون نحو مدخل الكهف لأنه لا بد لهم من التحرك وعدم السكون ولما همّوا بالخروج تلقفتهم أيادي الغزاة بطعن الرماح وقطع الرؤوس بالسيوف فمات من مات وعاد الباقون الى داخل الكهف يتخاصمون ..
وعلا صوت ضعيف : أيها الناس أبشروا فأنا أعلم بالكهف منكم ، منذ عشرات السنين أعلم ما لا يعلمه منكم أحد ، وبعض حكمائكم والكثيرون منهم ملجمون ، لا يتكلمون ، ألا اعلموا أن للكهف باب سريّ لم يستخدم منذ زمن طويل ، قد تبلغ عدة قرون ، لعدم الحاجة اليه ، ولمنع كشفه من قبل الطامعين فيستخدمونه في غزونا ونحن عنه غافلين والآن نكشف السر مرغمين .. هيا فليسرع الرجال باتجاه ذلك الممر البعيد ، يسيرون ورائي أدلهم عن السبيل ، حتى لا يبلغ الدخيل خبره من بعض ضعافنا ، فنخسر فرصة النجاة ونخسر طريق العودة إن شاء رب العالمين ....
انطلق الرجال الى خارج الكهف وهم يحمدون نجاتهم من الذبح بالسكين ، وتفرقوا في الشعاب والأودية والروابي هائمين ...
***
والنساء في حزن مقيم ، بقين لوحدهن يواجهن مصيرهن المجهول ومعهن أطفالهن الخائفين الذين لا حول لهم ولا قوة ويحتاجون الى المعين ... وقبل أن تخرج النساء من الكهف قالت الحكيمة العجوز : اثبتن في مواجهة الغريب ، وعلينا بالصبر حتى ندبر الوسيلة للخلاص ونكيد ، فمن داخل المدينة نستطيع أن نكون عيون الرجال ، ويمكننا أن نمهد لهم الطريق للرجوع ظافرين ... وسمع آخر الرجال رسالتها .. ليعمل الرجال ويكدحون ، ليبذلوا الجهد في التدريب وفي صنع وسائل الحروب ..
وخلت المدينة من الرجال
بقيت الإناث
وبقي الأطفال تائهين
فالطقوس أجلت الى حين ..
حين يعود الرجال تائبين
محملين بالحنين
راياتهم رجولة
يثبتهم اليقين .
***
مدينة الجميع ...
مدينة الورد والأحباب
عندما انقطع السحاب ...
تفشى في دروبها الخراب ،
وعاثت العصابات في أنحائها بالتخريب والفساد ..
ونعق طائرٌ يقول : كذلك آفة الغرور ، تودي بصاحبها
فيقتله الخمول ..!
***
مدينة الجميع ...
عندما تواتر في أنحائها الكلام ...
انهزم الفعل وانحبس السؤال..!
وغطت الأرضَ رايةٌ من ضباب ..
تغيب ورائها الحقيقة ويكمن داخلها الضياع ..
ويا حسرة على الرجال ..
بأسهم بينهم شديد وحكمتهم خواء
حكموا بالغيب .. فغشيهم السراب
انحازوا لظاهر الكلام فوقعوا في سوء النوايا ونتائج الخبال ..
ضاعت الحقيقة وأفلت الزمام بعد أن كانت أمامهم يملكونها ويحصرها المكان
رأوا العلامات ..
وسمعوا صرخة القادم فسكتوا
ولم يأبه أحد بمعاودة السؤال
***
أسياد وإماء
مدينة الجميع ..
يلفها الحزن العميق ..
ذكورها بعيد ..
كأنهم في أُبُوقِهم ... العبيد ..
ونساؤها تحت الحصار...
كالإماء من نسل العبيد ..
يتحملن الآلام ومذلة الأسر الثقيل ...
جمالهن يأسر الألباب وحسنهن فريد ...
ملكن كرامة الإنسان وبأسهن شديد
امتنعن على الرعاع
فلم ينالوا منهن قريباً ولا بعيد ...
نساء عرفن الوفاء فأبلين البلاء المجيد
وصددن شهوة الغزاة بعفة لا تقبل الخنوع
ولا تلين ..
***
وأبو السعالي ناقمٌ ، رجاله يسألون ويسألون .. ينتظرون إشارة الزعيم .. هو أدرى بلواعج الصدور ويعلم حدود ثورة الحميم ، يثيرهم صمود السبايا اللواتي فر أزواجهن من أمام الجنود وليس من المؤمل أن أحداً منهم يعود ..
والجنود ينتظرون الإشارة ، فهم بعد لم ينالوا حظهم في المغانم ومن صاحبات الخدور ..
النساء صرن إمائهن ولن يمنعهم عنهن طول الصدود .
والموت للنساء أسهل عليهن من إفشاء الطهارة ومن الجحود ..
لن يسمحن بتدنيس الأبدان ولا النفوس ..
وصبر الغزاة لن يجديهم فكبرياء الجواري يزيد ..
وفكر الغزاة .. ما السبيل ؟
كيف الوصول لنيل ما دونه الموت .
وأملٌ لا يستحيل ...!
***
إلى حكيمة النساء .. أبو السعالي جاء ، يتظاهر بالرجولة ويطلب الوداد ، يبدي الليونة وقلبه مجبول بالعفونة ، وللحكيمة وجه الكلام فقال : إنني حريص وأنا إنسان ، والرجال ينتابهم غضبٌ ... وتَمَلَكَهُم الشيطان ، وإن لم تستسلم النساء ستسيل من رقاب أطفالهن الدماء ، وسيقتلهن البوار بعد أن يصبحن فرجةً للرائح والغاد ، رجالي غاضبون ومستنفرون .. ينطلق من عيونهم الشرار وتعلمين كم هم أشرار ، لا أحكم ما يفعلون وحتى الآن الا في أضيق الحدود حتى تحين ساعة الانفجار .. فأمري النساء أن يتحللن من اللباس ويسلمن أجسادهن للرجال يفعلون بهن ما يشاؤون من اللهو بهن قبل أن يُمَرَغن رُغْماً عنهن في الأوحالِ ...
***
وحكيمة النساء صامتة واعية لما تسمع من الكلام ، يغيظها صوت أبو السعالي وتغضبها دناءة المعان ، وحكيمة النساء طاهرة الرداء والمرام ... النساء يتبعن قولها ... وقولها عندهن فعال ....
فكرت وفكرت واستوحت الإلهام ...
فرصة لا تعوض للقضاء على عصبة الغيلان
استقرت في سرِّها الى الحل ذو الحد الحسام وبدأت الكلام : .. يا زعيم الغزاة وقائد القتلة الطغاة .. أمام ما تقول لم يبق لنا خيار .. قد ملكتم المدينة بالسلاح وبالخداع ...
طردتم الرجال وسبيتم النساء..
ما أراك الا صادقاً في القول والفعال وما على النساء سوى الانصياع ..! لكن
طقوسنا مقدسة وإناثنا تعودن الفضيلة والصواب ..
أسلكوا طريق الأولين فتملكونهن أجمعين بلا ثمن وبلا عناء ...
***
سمع أبو السعالي الكلام واستوعب المعاني والمراد ... فاتسعت عيناه ببريق الانتصار وأومأ للحكيمة أن واصلي الحوار...
قالت الحكيمة : قد دخلتم المدينة وملكتم الديار ونحن منشغلين بأداء طقوسنا القديمة للنكاح وتقديم العهود للأطفال ..
باحتلالكم المدينة قطعتم الطقوس وبعد لم يبدأ النكاح
سأدور في المدينة وأقنع النساء ..
الطقوس يجب استكمالها ولا يهم من هم الرجال ...
الغزاة اليوم أسياد الشوارع والديار ...
لهم حقوقهم ، ولهم منا الطاعة والقناعة وحسن التبعل والجوار ..
هرب رجالنا ووحدنا بقينا في الإسار
لم يحاولوا الرجوع ، ولم يحرروننا من نير الاحتلال ، فليس لهم عندنا وفاء ، بل نذيقهم من كأس المذلة والمرار
وإذا عادوا فمرحباٌ ...
سنصلح الأمور ونرضى بهم عصبة من الأحرار ..
وأبو السعالي سامعٌ ويعجبه المقال ، مأخوذ بالكلام ومفتون بلحظة الانتصار ..
ووجهت الحكيمة اليه الكلام : أَعْلِمْ رجالك ليحفظوا الطقوس ويصبروا الى ساعة الاحتفال بالنكاح ..
هذا أصوب الحلول لما ترومه أنت ورجالك ..
وإن لم يعجبك فهات ما عندك من خطط القتال ..؟
قال أبو السعالي للحكيمة وهو يقفز فرحاً من زهو الخيلاء : إنك بحق حكيمة الآن وكل آن بل وحكيمة جميع الأنام ... إبدأي رسمك ولن يواجهك سلاح ...
لك الأمان ولمن تشائين من الأنام ...!
***



جدالية التحرير

ودارت الحكيمة على النساء وقالت لهن: قد وجدت الوسيلة للتخلص من أولئك الأوغاد ، فاسمعن قولي ونفذن ما أشير به ، تسلمن ويسلم الأطفال ... سنعيد الطقوس والاحتفال ، من البداية ونوهم الأعداء أن الزواج بهم مباح
أمددن أياديكن وخبئن هذا الترياق ، تشربنه قبل الطقوس وأثنائها تشربن السم مع الغزاة سأمزجه مع ماء الحياة ، يقضي عليهم بُعَيْد انتهاء الاحتفال وقبل أن يحل لهم الحرام ... فنتخلص منهم وتطهر الديار ..
وفي الوقت والحال أرسلت الحكيمة رسولها الى رجال المدينة القابعين في الجبال ، تخبرهم ما توصلت اليه من الخديعة والاحتيال ، وتدعوهم الى الحضور في الوقت والحال ، يدخلون من نفس المكان .. من باب الجدار حيث ستفتحه لهم خفية أثناء الاحتفال .. يأتون فيقتلون من بقي من عصابة أبي السعالي ...
وأوصت الحكيمة الجميع بالصمت وعدم الكلام ، انتظارا للحظة البدء واستكمالا للتحرر والانتقام ..
***
وأُستنفر الجميع ..
النساء يرددن عن أنفسهن البلاء
تمنطقن بالحرص والذكاء وبالرشاد
وأبدين من الرشاقة ومفاتن الأجساد ما أعمى بصائر الغزاة عما يدبر لطردهم من البلاد
واتبعن نصيحة الحكيمة بثبات واصطبار
ونجحت حيلة الحكيمة وحضر الرجال في موعد الحسم فسقط الدخلاء بين الموت والحياة..
***
تحررت المدينة وعاد الحال الى أفضل مما كان بعد أن أعادوا الطقوس وأحسنوا ترتيب المكان ..
***

جدالية العيد والأطفال
وتمر الشهور والأيام
والنساء حبالى ينتظرن قدوم الآت
حيث المخاض آن أوانه والرجال ينتظرن إنجاب الصبيان والبنات
والجميع ينتظر الولادة لتعم الأفراح وتشمل المكان
ولما أزف الميعاد ملأت الفرحة صدور الرجال ، الذين كانوا الأكثر في الابتهاج والأعظم شوقاً ليوم الميلاد ، يوم يجددون حياتهم ويعيدون بناء الثقة برجولتهم ... فالحياة لهم والدليل يولد الأن أمامهم .. أولادهم وبناتهم ...
المستقبل عامر .. ولا خوف بعد اليوم أن تهدم آمالهم ... وها هي مدينة الجميع تتواصل كسابق العهد والأيام .. ويرتفع لواء الجميع يظلل الناس جميعاً ، الأحرار منهم والعبيد ، القريب والغريب ، وقرر حكيم المدينة بناء على طلب الجميع .. أن يقام احتفال عجيب ، يختلف عن أي احتفال أقيم ، يسجله التاريخ في صفحات النصر والعزة والفرح العظيم .. سيحتفلون بيوم العهد .. وهو يجيء بسرعة لينسيهم أحداث يوم الاحتلال السيء السمعة البليد
ويوم الاحتفال تجمع الناس أمام كهف الحياة القديم حيث بدأت الطقوس بالترتيل وبالنشيد ، وأمام حكماء المدينة يسير الآباء والأمهات أزواجاً .. كل زوجين يحملان طفلهما الوليد الجديد ، يقدمان له عهدهما المبين .. أن يكون الأب خير راعٍ ومعلم وأقوى حارس أمين ، يدله الى درب العاملين الأوفياء والصالحين ... وتتقدم الأم فتقسم اليمين أن تظل لطفلها القلب الحنون والصدر الدافئ وتغذيه من ثدييها حليب العارفين والانتماء والصابرين ..
***
ويتواصل انطلاق الأناشيد والتراتيل بألحانها الشجية العذبة الى أن انتهى آخر زوجين من أداء اليمين والعهد ، قبل أن ينفلت الجميع من صفوفهم وقبل أن ينتقلوا الى مكان جديد تقدمت حكيمة النساء وقالت موجهة حديثها الى حكماء المدينة والناس أجمعين الذي استغربوا هذا الفعل منها ولم يكن ضمن برنامج الاحتفال المجيد ، والاحتفالات بعد لم تنته وبإمكانها قول ما تريد ... فالوقت بعد الاحتفال فيه متسع لكل من يريد أن يقول وأن يعبر بما يجيش في نفسه من أمور ... طلبت الحكيمة منهم الهدوء وأن يستمعوا اليها بتركيز شديد وتوجهت الى الحكيم بالكلام قائلةً : يا حكيمنا العظيم .. قد عشنا دائماً بالحب وكنا متعاونين ، مخلصين للمدينة وللمواطنين ، كانت قيمنا وأخلاقنا العالية مفتاحنا الى السعادة وفي نفس الوقت سلاحنا النبيل .. قهرنا به كل معتد أثيم ومنعنا به الشرور الكثيرة التي مرت علينا عبر السنين ، وتذكرون آخر الشرور فأمرها لم تنقض عليه الا شهور .. أيها الحكيم .. يا أيها الناس .. تعلمنا من الحياة ومن حوادث التاريخ أن ما من حادث يحل الا ويترك خلفه آثاراً تفرح أو تهين ، تقصر أو تطول ...
قاطعها الحكيم : ما الذي تقولين ..؟ وما مرادك يا حكيمة المدينة ، ونحن في وقت فرح وعيد ... أراك تجاوزت الحدود لتخوضي فيما لا يجب أن يخاض فيه بحديث قالت الحكيمة : مهلاً يا حكيمنا فما أريده الآن وقته المحدد لتعرفوه ، ولتقرروا على ضوءه ما أنتم فاعلون .. أتواصلون احتفالكم أم تقصرون ..؟ ،
قال الحكيم : ما بالك يا حكيمة أفصحي بما عندك من كلام قبل أن يستفحل الأمر ويتحول الى هزالة الكلام فالناس أصابهم القلق وعلى وجوههم بدت علامات العجب ..
قالت الحكيمة : أقول كلامي للجميع من حكماء ومن ناس عاديين ، تعلمون جميعكم ما حل بمدينتنا من شرور وكيف انهزم رجالنا وفرّوا بخزيّهم نحو الجبال ، وتذكرون أن النساء بقين وهن يعانين أضعاف المذلة والهوان وكيف كدن يسقطن لولا رحمة الله التي أوحت إلينا بالحل وبخطة الاحتيال ، فخدعنا أبا السعالى وهزمناه هو ورجاله ، وتذكرون كيف عدتم أيها الرجال ، وكيف حل بكم العنفوان فملكتم الحياة وأصبتم النساء بعد أن أكملنا مراسيم الطقوس الخاصة بالنكاح والأطفال .. واليوم تحتفلون بثمرة أصلابكم كما تعتقدون ، ونسيتم أن مدينتكم كانت محتلة ، ونسيتم أن نساءكم كنّ سبايا لدى الغزاة .. أريد أن أقول وأسأل السؤال ، ما هو الأثر السيء الذي تركه فينا الاحتلال .. ما هو الأثر السيء الذي تركه فينا الاحتلال ؟
أُخِذَ الحكيم من اللهجة الغريبة التي نطقت بها الحكيمة ، وثار في رأسه تساؤل غاضب مَلَكَهُ ولم يبده للناس ..
وقال للحكيمة : عفواً يا سيدة النساء ، نحن لم ننس دورك وجهدك وإخلاصك في تخليص مدينتنا من حثالات عصبة أبي السعالي ، وأشعر بما وراء حديثك من معان جسيمة تريدين الإفصاح عنها ، واما عن ما هية الأثر السلبي الذي خلّفه أبو السعالي فقد أزلناه وقضينا عليه ، ولم تعد لعصبته قائمة ولا شاردة ، وأصبحوا من المذلة والمهانة والتشتت ما يستحقونه وما لا يمكن لهم بعد ذلك أن يلموا أشعاثهم أو يجمعوا أخلاطهم التي ذوت من الوجود الى الأبد .. الى الأبد ، هذا هو الأثر السيء المتبقي الذي نعرفه .. أثر سيئ على أبي السعالي وعصابته لا علينا ، فها نحن كما ترين مجتمعين نحتفل بثمرة نصرنا الكبير ولا أحسب أنك تجعلين من احتفالنا هذا احتفالاً بهزيمة بدلاً عن النصر ، أم أنك ترين في أولئك المولودين الثمرة السيئة لانتصارنا .. مضحك فعلاً .. ها ها ها .. نعم مضحك فعلاً لو قصدت ذلك ... ها ها ها .. فما سبب العودة لتخويفنا منهم مرة أخرى


الجدالية الأخيرة

أبشير أم نذير
طائر الحكمة يطير
قادم من البعيد
طائر الحكمة آت
أصمتوا أيها الحفل العظيم
طائر الحكمة فوق الرؤوس يرفرف باتساع المدى ..
يقترب ويقول : أيها الناس .. أولادكم .. أولادكم ..
لا تصدقوا عجوزكم ..
وطار طائر الحكمة .. غاب عن الأنظار ...
غاب .. غاب .. غاب ..
وعلا صوت يقول : أبشير أم نذير .. ماذا يريد طائر الحكمة أن يقول ..؟
وعلا صوت يقول : أولادنا .. أولادنا ، اليوم عيد أولادنا ، اليوم يحملون أسماءنا ... يأخذون أشكالنا ، ويثبتون في مدينة الجميع صعودهم ، فجذورهم عميقة ، وفروعهم وثيقة ، أولادنا أولادنا ... لنواصل احتفالنا ..
***
وعلا صوت الحكيمة : طائر الحكمة راح ، أوقفوا صوت المزاح ، إنه لن يعود ، فاسمعوا ما انقطع من الكلام ..
وعلا صوت الحكيم : في الأمر ما يريب ، أكملي الحديث ، وبالله عجلي التفصيل
قالت الحكيمة : ألم تحتل مدينتنا ..! ، ألم نُسْبَ نحن النساء ، وظللنا محصورات بين أسوار المدينة ..!
وأنتم الرجال خارج الأسوار ..
ماذا تظنون الأعداء فاعلين بنا ومعنا ..
أنتم المنتصرون الآن .. هذا ما يهمكم .. أولسنا نحن النساء جميعاً أداة النصر وسببه ... وانتصرتم .. كلمة سهلة تتفوهون بها وقعها كالسحر على الآذان ...
واحتد صوت الحكيمة : أوليس لهذا النصر من ثمن ..!؟ أوليس لهذا النصر من ثمن ..؟!..
قاطعها الحكيم باستياء : لا.. لا تستمري .. لا تفسدي نشوة احتفالنا بالانتصار ، اليوم عيد لا تمزقي طقوسنا فتنتكس في سمائنا الرايات ..
قالت الحكيمة بقوة وثبات : وددت ألا أفسد الاحتفال .. لكنه يوم الحساب ، وقبل أن تواصلوا اعلموا الثمن الذي دفعته النساء .. وأنظروا فداحته وكم هو قاسٍ أن ندفعه ..
قال الحكيم والغضب يكاد يطيح بآخر ما يملك من حكمة ومن وقار : أقصري وأوضحي .. قد انقلب حالنا وتزلزل كياننا .. أعلمينا الخبر اليقين .. قبل أن تهوي بنا مطارق الجنون ..
قالت الحكيمة : أيها الحكيم .. أيها الرجال .. هذه لحظة الحقيقة ، سأخبركم ما خفي عنكم وما وجب أن تعرفوه بأنفسكم ..
منذ أول يوم تحررت فيه مدينة الجميع من براثن أبي السعالي ، حيث عدتم ونسيتم ومارستم حياتكم كأن شيئاً لم يحدث ، فلم تتدبروا ولم تفكروا ولم تعتبروا ، لكنكم تهربتم وابتعدتم عن الذكرى لأنها تؤلمكم وتثير كرامتكم التي مرغت هي وشرف نسائكم الذي ثلم وداسته الجحافل الحيوانية .. أردتم صيانة كبريائكم وقد ذلت رؤوسكم ، تهربون .. وهيهات لكم الفرار من قدركم ومما هو مكتوب على جباهكم .. ألا فاعلموا جميعكم يا من تظنون أنفسكم تحتفلون بيوم العهد لأطفالكم وإنتاج أصلابكم .. اعلموا جميعكم .. أولادكم ليسوا أولادكم ...!؟
تسمرت العيون وتجمدت الأنفاس .. الحكيمة قولها رهيب وهم لا يفهمون ..
وعلا صوت الحكيمة : أولادكم ليسوا من أصلابكم ..
تململ الجميع .. الحكيمة قولها كئيب ..
وعلا صوت الحكيمة : أولادكم لستم أباؤهم ..
وفاض الكيل بالجميع فزمجروا وهبوا راجفين
وتكلم الحكيم : يا حكيمة المدينة .. الرجال خائفون ، غابت الحقيقة وهم جاهلون لا يعرفون ، كيف يكون أولادهم ليسوا أولادهم .. اشرحي الأمور ..
قالت الحكيمة : الحقيقة في صدوركم ، ارجعوا لعقولكم تبصرونها لأنها تسكنكم ، وأنتم من صنعها ..
حقيقتكم هي حقيقة الرجوع ..
قال الحكيم : فعجلي التفسير ..
وعلا صوت الحكيمة : كيف عدتم الى الديار..
قال الحكيم : بتدبير الحكيمة الرشيد وبشجاعة النساء ..
وعلا صوت الحكيمة : بتضحية النساء ..؟
الحكيم : لا نعي المقال ..!
وعلا صوت الحكيمة : واصلنا طقوس الحياة لتنفرد النساء بالغزاة
قال الحكيم : أيمكن أن يكون ...؟
وعلا صوت الحكيمة : ليشربوا السم الزعاف
قال الحكيم : أيمكن أن يصير ..؟
وعلا صوت الحكيمة : ليعود الرجال الى الديار ..
قال الحكيم : ثمن محال ..
وعلا صوت الحكيمة : وقتها كان لنا مباح ، كي تعودوا لنا وتظلّون أنتم الرجال ..؟
وعلا صوت يقول : جريمة لا تزول ، تراكمت أوزارها ،
تبعثرت أطرافها ،
وحكيمنا لم يعد حكيمنا ،
وحكيمة النساء أصبحت جنوننا ..
وعلا صوت الحكيمة : قلت ما أردت أن أقول ، فلا تتسرعوا ، وتدبروا الأمور...
وأحذركم أن يمس النساء أو الأطفال منكم مكروه ، قد أقسمتم اليمين وقدمتم العهد الموثق بالتنفيذ ...
وانسلت الحكيمة من بين الجميع بعد أن زرعت فيهم سوسة التأويل ..
***
الرؤوس ليست الرؤوس ، والعقول ليست العقول ، والرجال يرفضون ما يسمعون ، ولا يصدقون .. يهربون من التفكير لكنهم محاصرون ، تضيق الدوائر حولهم تقفل عليهم منافذ الخروج ..
***
وهفوة الحكيم لا تصلحها سقطة الحكيمة
وتسقط المدينة
بليل قُضِيَ الأمرُ
اختل الميزان واعوج الفعل
وقتل الأبُ الإبنَ
وارتفعت أمام البوابات مشانق ....
تشنق الآمال الحلوة
تكدس جرم المشهد
وتنحى الرجل عن مثله ،
تمنى لو يقتل نفسه ، بعد أن انكشفت سوءته ، وهوت قدمه نحو هاوية الأسفل ..
***
ونادى عند الفجر مناد : الحكيمة قتلت
قالت قبل أن تذهب :
شككتم بالنساء فوردتم موارد الهلاك
وحق القول عليكم ..
تهيمون ... تهيمون ... تهيمون ..
وتبيدون أشقياء
أولادكم أولادكم ...
أولادكم من أصلابكم ..
أولادكم أنتم أباؤهم ..
ونادى المنادي : فات الأوان ..
وأسقط في الأيادي
وتجمع الغمام مع الركام ..
***
لم ينجب رجل من امرأة طفلاً
توقف الحرث
انقطع النسل
وسكنت الدورَ البومُ والغربان
***
ونعق الناعق بين خرائب تلك القصة
مدينة الجميع أساسها هش ومن هشيم
استوطنها الدود فانهارت العواميد
وسقطت السطوح
وتبدد الحلم الجديد
مدينة الجميع أصبحت لا مدينة ولا جميع
رسَّخ الليلُ فيها القواعد
وانحبس الفجر ومات الجنين
وصاح الصدى المدفون :
هكذا يكون الأفول ... خرائب وبوم
أقمار تغيب واستمرار ذبول .
***


من المجموعةالقصصية : عندما تولول الرجال للكاتب بهائي راغب شراب
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف