بقلم: حماد صبح
شنت إسرائيل على غزة خمس حروب وحشية دامية في ثلاثة عشر عاما ، وهو معدل لم يعرفه تاريخ البشرية ، والمقدر عقلا أنه لن يعرفه مستقبلا . في الحروب الخمس قتلت وجرحت اللآلاف ، وهدمت عشرات اللآلاف من البيوت والبنى التحتية الحيوية التي لم يُعدْ بناء إلا القليل منها ، ودمرت عشرات الكيلومترات من الطرق وأرصفتها ، وخلفت آثارا سيئة في التربة والزراعة تظهر في كثرة الأمراض والآفات التي تصيب النبات والشجر ، وتصعب مقاومتها . ولتلك الحروب آثار نفسية على مواطني غزة يتعزون في التغلب نسبيا عليها بقوة إيمانهم بالله _ جل قدره _ وبأنهم مثابون في الدنيا والآخرة على مآسيهم التي تسببها لهم هذه الدولة التي سرقت وطنهم ، وتريد أن تقضي عليهم بأي وسيلة تقدر عليها إخفاء لشواهد جريمة سرقتها ، وتأمينا لمستقبل وجودها مثلما تتوهم . وإضافة لما سبق من مصبراتهم ومقوياتهم على وحشية إسرائيل ، هم ورثة ثقافة عربية متحدية للصعاب ، ثقافة تمجد البطولة والأبطال ، وترى الخوف والجبن أمام الأعداء عارا يرفضه الرجل العربي والمرأة العربية ، وتفيض الحكايات الشعبية العربية والشعر العربي في كل عصوره بهذا الرفض . يقول الشاعر الجاهلي الحصين بن حمام الذبياني : " تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي = حياة مثل أن أتقدما " ، ويقول المتنبي : " وإذا لم يكن من الموت بد = فمن العجز أن تموت جبانا " ، و : " عش عزيزا أومت وأنت كريم = بين طعن القنا وخفق البنود " ، وينصح أبو بكرالصديق _ رضي الله عنه _ : " احرص على الموت توهب لك الحياة ! " ، ويقتنع كل فلسطيني بأن قتلانا في الجنة ، وقتلى عدونا في النار . وتنفذ توجيهات هذه الثقافة وإشعاعاتها إلى النفوس بنسب متفاوتة مهما تباينت مستوياتها الثقافية والمعرفية ، وتقدم إلى رجال المقاومة مباشرة في نطاق التوجيه المعنوي . وموازنة بين هلع مستوطني إسرائيل في أصغر مواقف الخطر وبين ثبات مواطني غزة وسائر المواطنين الفلسطينيين فى أعتى مواقفه ؛ تبين في وضوح مقنع البون الواسع بين الطرفين مع فارق القوى المادية الهائل بينهما ، وما يوفر للمستوطنين الإسرائيليين من الدعوم النفسية المصحوبة بالمال ومحسنات الحال . ومشهور مذكور نبأ إطاحة الهلع نفسيا ب 15 % منهم بعد مشاهدتهم بعض صور أحداث الحرب الروسية الأوكرانية ، وأحسب بعض أطباء النفس في العالم التقطوا ذلك النبأ ليضيفوه إلى مباحثهم في طب النفس . وكان داعيا للنظر والدرس والاستخلاص في الحرب العدوانية الخامسة على غزة ؛ انتفاء أي سبب مباشر لها ، وتهليل القيادة السياسية والقيادة العسكرية وكثير من الإعلام الإسرائيلي لإنجازاتها ، ثم الإفاقة الفورية من سكرة المبالغة ، والإقرار بأنه لا موجب حقيقيا لتلك السكرة ، وأن الزعم بالفصل بين حماس والجهاد كان مغالى فيه ، وأنه ما من ردع تحقق ، وأن ما كان سابقا سيكون لاحقا ، وأنه لا حل عسكريا لمعضلة غزة ، ولا حل اقتصاديا لكل المعضلة الفلسطينية ، وأن الحل سياسي ولو طال الزمن ، وأنه لصالح الفلسطينيين ، ولا صالح لإسرائيل فيه . ومع خيبتهم في غزة بادروا للهجوم في الضفة ، فقتلوا إبراهيم النابلسي واثنين من رفاقه وجرحوا سبعة . وواصلوا الصراخ بأن المقاومة تتحداهم في الضفة بالسلاح ، وأنها مرشحة للتصعيد الخطر ،فأين المفر ؟! والحق أنه لا مفر لهم ، فالشعب الفلسطيني تخلى كليا ونهائيا عن أي وهم باستعادة شيء من حقوقه الوطنية بمفاوضة إسرائيل ومسالمتها ، وأن الوسيلة الفعالة لاستعادة هذه الحقوق هي المقاومة المسلحة . إسرائيل تقاتله وتقتل أبناءه بالسلاح ، ومن يستعمل السلاح لا رد عليه إلا بالسلاح . أجل ، الفرق واسع بين سلاحنا وسلاحهم ، ولا موازنة بحال بينهما إلا أن القليل من سلاحنا سيفعل الكثير المؤلم فيهم ، وقدم هذا السلاح القدوة في تحرير غزة في 12 سبتمبر 2005 . ما كانت ستبارح غزة بعد 38 عاما من احتلالها وإقامة 21 مستوطنة فيها لولا سلاح المقاومة ، وأكثره ، خاصة الهاونات ، محلي الصنع قليل الدقة أو منعدمها . الضفة الآن تسير على طريق غزة ، وتصطدم في مسيرها بسلبيات ، وتسعفها فيه إيجابيات ، وستهب عليها سلبيات من الخارج ، وستهب عليها إيجابيات منه . وحتما ستهزم الإيجابيات السلبيات . إسرائيل تترنح في صراع خاسر مع الشعب الفلسطيني الذي يوقن إيقانا مطلقا متمكنا أن سيطرتها الوحشية عليه ليست قدرا مقدورا ، وأن في قدرته ، على جسامة التضحية ، أن يزيل هذه السيطرة ، وأن يعاقب في النهاية هذا الكيان الوحشي على جرائمه التي ينهال بها عليه منذ أن وطىء مستوطنوه ترابه الوطني في متوالية دموية مخربة لا تتوقف . ويتزايد كل يوم مؤيدو الشعب الفلسطيني في العالم ، ويتناقص مؤيدو إسرائيل ، وما أعظم السمو الخلقي والإنساني لنادي سيلتك الأسكتلندي وجماهيره في هتافهم بالحرية للشعب الفلسطيني في انطلاق الدوري في بلادهم ، وما أعظم خسة ونذالة كل عربي أو مسلم يفتح قلبه وبابه لكيان ارتقى إلى ذرا الوحشية المتخلفة الغابية اسمه إسرائيل .
***
في يونيو 1967 ، بعد العدوان الإسرائيلي ، كتب إسرائيلي اسمه توفي إيلي أمينوف : "
الاحتلال يؤدي إلى الحكم الأجنبي ، والحكم الأجنبي يؤدي إلى المقاومة ، والمقاومة تؤدي إلى القمع ، والقمع يؤدي إلى الإرهاب والإرهاب المضاد ، وضحايا الإرهاب أبرياء عموما . " . لم يأبه أحد في إسرائيل بما قاله محذرا منه ضمنا ، وسارت إلى يوم الناس هذا في متوالية السبب والنتيجة التي حددها دقيقا . توفي أمينوف قبل أسبوع . ويبدو اسم " أمينوف " عربي الأصل ، فهو مؤلف من " أمين " و " أوف " التي تعني " أب " في الروسية ، فاسمه إذن أو كنيته " أبو أمين " .
شنت إسرائيل على غزة خمس حروب وحشية دامية في ثلاثة عشر عاما ، وهو معدل لم يعرفه تاريخ البشرية ، والمقدر عقلا أنه لن يعرفه مستقبلا . في الحروب الخمس قتلت وجرحت اللآلاف ، وهدمت عشرات اللآلاف من البيوت والبنى التحتية الحيوية التي لم يُعدْ بناء إلا القليل منها ، ودمرت عشرات الكيلومترات من الطرق وأرصفتها ، وخلفت آثارا سيئة في التربة والزراعة تظهر في كثرة الأمراض والآفات التي تصيب النبات والشجر ، وتصعب مقاومتها . ولتلك الحروب آثار نفسية على مواطني غزة يتعزون في التغلب نسبيا عليها بقوة إيمانهم بالله _ جل قدره _ وبأنهم مثابون في الدنيا والآخرة على مآسيهم التي تسببها لهم هذه الدولة التي سرقت وطنهم ، وتريد أن تقضي عليهم بأي وسيلة تقدر عليها إخفاء لشواهد جريمة سرقتها ، وتأمينا لمستقبل وجودها مثلما تتوهم . وإضافة لما سبق من مصبراتهم ومقوياتهم على وحشية إسرائيل ، هم ورثة ثقافة عربية متحدية للصعاب ، ثقافة تمجد البطولة والأبطال ، وترى الخوف والجبن أمام الأعداء عارا يرفضه الرجل العربي والمرأة العربية ، وتفيض الحكايات الشعبية العربية والشعر العربي في كل عصوره بهذا الرفض . يقول الشاعر الجاهلي الحصين بن حمام الذبياني : " تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد لنفسي = حياة مثل أن أتقدما " ، ويقول المتنبي : " وإذا لم يكن من الموت بد = فمن العجز أن تموت جبانا " ، و : " عش عزيزا أومت وأنت كريم = بين طعن القنا وخفق البنود " ، وينصح أبو بكرالصديق _ رضي الله عنه _ : " احرص على الموت توهب لك الحياة ! " ، ويقتنع كل فلسطيني بأن قتلانا في الجنة ، وقتلى عدونا في النار . وتنفذ توجيهات هذه الثقافة وإشعاعاتها إلى النفوس بنسب متفاوتة مهما تباينت مستوياتها الثقافية والمعرفية ، وتقدم إلى رجال المقاومة مباشرة في نطاق التوجيه المعنوي . وموازنة بين هلع مستوطني إسرائيل في أصغر مواقف الخطر وبين ثبات مواطني غزة وسائر المواطنين الفلسطينيين فى أعتى مواقفه ؛ تبين في وضوح مقنع البون الواسع بين الطرفين مع فارق القوى المادية الهائل بينهما ، وما يوفر للمستوطنين الإسرائيليين من الدعوم النفسية المصحوبة بالمال ومحسنات الحال . ومشهور مذكور نبأ إطاحة الهلع نفسيا ب 15 % منهم بعد مشاهدتهم بعض صور أحداث الحرب الروسية الأوكرانية ، وأحسب بعض أطباء النفس في العالم التقطوا ذلك النبأ ليضيفوه إلى مباحثهم في طب النفس . وكان داعيا للنظر والدرس والاستخلاص في الحرب العدوانية الخامسة على غزة ؛ انتفاء أي سبب مباشر لها ، وتهليل القيادة السياسية والقيادة العسكرية وكثير من الإعلام الإسرائيلي لإنجازاتها ، ثم الإفاقة الفورية من سكرة المبالغة ، والإقرار بأنه لا موجب حقيقيا لتلك السكرة ، وأن الزعم بالفصل بين حماس والجهاد كان مغالى فيه ، وأنه ما من ردع تحقق ، وأن ما كان سابقا سيكون لاحقا ، وأنه لا حل عسكريا لمعضلة غزة ، ولا حل اقتصاديا لكل المعضلة الفلسطينية ، وأن الحل سياسي ولو طال الزمن ، وأنه لصالح الفلسطينيين ، ولا صالح لإسرائيل فيه . ومع خيبتهم في غزة بادروا للهجوم في الضفة ، فقتلوا إبراهيم النابلسي واثنين من رفاقه وجرحوا سبعة . وواصلوا الصراخ بأن المقاومة تتحداهم في الضفة بالسلاح ، وأنها مرشحة للتصعيد الخطر ،فأين المفر ؟! والحق أنه لا مفر لهم ، فالشعب الفلسطيني تخلى كليا ونهائيا عن أي وهم باستعادة شيء من حقوقه الوطنية بمفاوضة إسرائيل ومسالمتها ، وأن الوسيلة الفعالة لاستعادة هذه الحقوق هي المقاومة المسلحة . إسرائيل تقاتله وتقتل أبناءه بالسلاح ، ومن يستعمل السلاح لا رد عليه إلا بالسلاح . أجل ، الفرق واسع بين سلاحنا وسلاحهم ، ولا موازنة بحال بينهما إلا أن القليل من سلاحنا سيفعل الكثير المؤلم فيهم ، وقدم هذا السلاح القدوة في تحرير غزة في 12 سبتمبر 2005 . ما كانت ستبارح غزة بعد 38 عاما من احتلالها وإقامة 21 مستوطنة فيها لولا سلاح المقاومة ، وأكثره ، خاصة الهاونات ، محلي الصنع قليل الدقة أو منعدمها . الضفة الآن تسير على طريق غزة ، وتصطدم في مسيرها بسلبيات ، وتسعفها فيه إيجابيات ، وستهب عليها سلبيات من الخارج ، وستهب عليها إيجابيات منه . وحتما ستهزم الإيجابيات السلبيات . إسرائيل تترنح في صراع خاسر مع الشعب الفلسطيني الذي يوقن إيقانا مطلقا متمكنا أن سيطرتها الوحشية عليه ليست قدرا مقدورا ، وأن في قدرته ، على جسامة التضحية ، أن يزيل هذه السيطرة ، وأن يعاقب في النهاية هذا الكيان الوحشي على جرائمه التي ينهال بها عليه منذ أن وطىء مستوطنوه ترابه الوطني في متوالية دموية مخربة لا تتوقف . ويتزايد كل يوم مؤيدو الشعب الفلسطيني في العالم ، ويتناقص مؤيدو إسرائيل ، وما أعظم السمو الخلقي والإنساني لنادي سيلتك الأسكتلندي وجماهيره في هتافهم بالحرية للشعب الفلسطيني في انطلاق الدوري في بلادهم ، وما أعظم خسة ونذالة كل عربي أو مسلم يفتح قلبه وبابه لكيان ارتقى إلى ذرا الوحشية المتخلفة الغابية اسمه إسرائيل .
***
في يونيو 1967 ، بعد العدوان الإسرائيلي ، كتب إسرائيلي اسمه توفي إيلي أمينوف : "
الاحتلال يؤدي إلى الحكم الأجنبي ، والحكم الأجنبي يؤدي إلى المقاومة ، والمقاومة تؤدي إلى القمع ، والقمع يؤدي إلى الإرهاب والإرهاب المضاد ، وضحايا الإرهاب أبرياء عموما . " . لم يأبه أحد في إسرائيل بما قاله محذرا منه ضمنا ، وسارت إلى يوم الناس هذا في متوالية السبب والنتيجة التي حددها دقيقا . توفي أمينوف قبل أسبوع . ويبدو اسم " أمينوف " عربي الأصل ، فهو مؤلف من " أمين " و " أوف " التي تعني " أب " في الروسية ، فاسمه إذن أو كنيته " أبو أمين " .