الأخبار
تنديد عربي واسع بتصريحات إسرائيلية تدعو لفرض السيادة على الضفة الغربيةبريطانيا تحظر منظمة "بالستاين أكشن" المناصرة لفلسطينوزارة الأوقاف بغزة توضّح بشأن نفاد القبور في معظم مناطق القطاعأميركا تدرس تسليح إسرائيل بقاذفات الشبح "B-2" في خطوة غير مسبوقةمفاوضات غزة.. واشنطن ستدعم التمديد بعد هدنة 60 يومًا في هذه الحالةوزير إسرائيلي: مؤشرات إيجابية على اختراق قريب في مفاوضات غزةسوريا: مقتل وإصابة مدنيين بانفجار صهريج وقود في حماةالحكومة الفلسطينية: جهود مستمرة لوقف العدوان والإفراج عن أموالنا المحتجزةتقنيات أمان البيتكوين: كيف تحافظ على أموالك؟تفاصيل مقتل جندي إسرائيلي وإصابة ثمانية آخرين بكمائن في حي الشجاعيةمن جديد.. نتنياهو يتعهّد بـ"القضاء" على حماس واستعادة الأسرىسويسرا تبدأ إجراءات لإغلاق مكتب "مؤسسة غزة الإنسانية" في جنيف(حماس): نجري مشاورات وطنية لمناقشة مقترحات الوسطاء بشأن وقف إطلاق النار بغزةارتفاع عدد الصحفيين المعتقلين إدارياً في سجون الاحتلال إلى 22غزة: 142 شهيداً و487 جريحاً وصلوا المستشفيات خلال 24 ساعة
2025/7/3
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

مريوم المغربية

تاريخ النشر : 2022-07-23
بقلم: محمد بكر البوجي

ركبت سيارة الشركة في طريقي إلى البيت الذي تعهدنا بإصلاحه، مدينة الرملة قديمة متجددة بشوارعها وبيوتها وناسها ، أشاهد سيدات يلبسن أحدث الطراز الأوربي وسيدات يرتدين الزي الفلسطيني القديم ، كذلك الرجال . فتحت لي السيدة ، استقبلتني بترحاب ، بدات العمل ، جاءت تحمل صينية الشاي والبسكويت مع ابتسامة أنثوية ، سألتني عن اسمي ، أنا عادل من غزة ، أهلا بك ، أنا مريوم على اسم جارتنا العربية في تطوان ، أخرج عادل سيجارته وأخذ ينفث بشدة ، تذكر أنه ولد في هذا البيت ، يا لها من صدفة ، عام 1943 ولدت هنا في هذا المنزل ، هذه غرفتي بها ألعابي وطفولتي ،أشار عادل بيده إلى البيت المقابل لهم يعرفه جيدا ، سألها من يسكن هذا البيت ،أنه بيت قديم للفلسطينيين، بيت جارنا أبو خالد قالت: يسكنه وافدون من روسيا يأتون هنا فصل الشتاء و يقضون طول العام في بلدهم روسيا . قال عادل : عندما أطلقوا النار علينا وشردونا كان عمري خمس سنوات ، لا زلت أذكر . استأذن من السيدة دخول الحمام ، يعرفه جيدا ،كان يقصد رؤية البيارة من شباك الحمام ، إنها هي ، كما هي لا جديد فيها كما زرعها جدي وعمل بها أبي ولعبت بها هنا قبل أربعين عاما . سألته : مالي أراك شارد الذهن ، لا شيء لا شيء ، يقف عادل على الكرسي لإصلاح تلف في السقف ، الجو حار ، ألقى قميصه جانبا وبقي بملابس العمل الصيفية ، شورت وشباح ، يقف على طاولة ليواصل عمله في السقف ، تنظر إليه مريوم ، شاب مفتول العضلات، صدره مليء بالشعر عضلات صدره مفتولة واضحة ، بدأت تحدد ملامحه بالتفصيل تتلذذ وتمصمص شفتيها . فترة الغداء جاءت مريوم بالطعام وجلست تأكل معه على غير العادة ، زوجي مات في حرب الغفران عام 1973 في مصر ، كان يقود دبابة، الحكومة منحتنا هذا البيت الكبير ثلاثة طوابق وأنا أعيش وحدي . يأكل عادل وعيناه تتجولان في البيت وفي كل زواياه ،سألها: أين أولادك ؟ قالت : هم ثلاثة واحد أصيب في اشتباك على الجبهة اللبنانية وهو يعيش الآن في مستشفى الاحتياجات الخاصة ، وابنتي متزوجة في أمريكا ، والثالث عاد إلى المغرب حيث يقيم هناك في بيت العائلة القديم في تطوان ، أصلا نحن من المغرب من عائلة ، بنزكري ، معي باسبور مغربي أزور أحفادي هناك ، قال : لاحظت ذلك من لهجتك العربية ، وما الذي جاء بك الى هنا ؟ كنت طفلة صغيرة عندما هاجم العرب الملثمون بيتنا في المغرب وأحرقوه ثم أخذونا في سفينة إلى هنا ، كيف عرفت أنهم عرب ؟ هم قالوا لنا ، ابتسم عادل وقال :هم ليسوا عربا إنهم يتبعون جهات أجنبية هدفها ترحيلكم إلى فلسطين، ابتسمت وقالت أعرف ذلك جيدا كما حدثني جدي .
زوجي جاء من بولندا مع عائلته في بداية الخمسينيات ، يحب بولندا ، يتذكر رفاق مدرسته هناك ، كان دائم الحنين إليهم والحديث عنهم ، وعن بيت جده القديم هناك ، فيلا وسط حديقة كبيرة فيها أشجار مثمرة مثل التفاح والعنب الأسود ، حدثني وهو عائد من المدرسة مع رفاقه يدخلون حدائق البيوت ويلتقطون التفاح الأحمر ، تخرج لهم صاحبة البيت تصرخ عليهم ، يمسك التفاح بكلتا يديه ويهرب .أنا أحب الفلسطينيين ، أجد نفسي عند الجلوس معهم ، لي أصدقاء في يافا من عائلة الدجاني وكان زوجي أيضا يحبهم ، كانوا يشكون لنا مصادرة السلطات مستشفى الدجاني في حي النزهة في يافا ، كما تمنعهم من ترميم بيتهم الذي تضرر كثيرا في حرب 48 . كان زوجي رائعا معي ، طيب القلب ، يضحك معي على كل صغيرة وكبيرة كأنني طفلة أمامه ، يحبني يعشقني بقلبه الكبير ، كنت أشعر أنه الوطن الذي يسعني ويحميني ، طلبت منه ذات يوم أن يذهب معي إلى بيتنا في تطوان وافق بسرعة ، ذهبنا هو يحمل باسبور بولندي وأنا باسبور مغربي . تبتسم مريوم وهي تحدثني : كان لا يمكن أن يترك ليلة تضيع هكذا دون قضاء رجولته ، تتنهد : زمان كانت الحياة أجمل ، مات وماتت معه لذة الحياة ، لم أعد استمتع بشيء ، لا بالطعام ولا بالنوم ولا بالسهر ، ولا حتى بالشرب ، كان الشراب معه لذيذا ، كان يعبث بكل أنحائي في كل جزء ، يصبه على جسدي ويترع بلسانه تارة ويشفط تارة أخرى ، ذهبت معه طعم الحياة واقترب طعم الموت ، الحياة هنا لم تعد تطاق ، حروب مستمرة لا نهاية لها ولا أمل .
أمسكت مريوم عادل من ذراعيه ونظرت إلى وجهه قائلة : تعال معي حتى ترى شيئا غريبا ، مشى خلفها حتى وصلا عداد الكهرباء .انظر مكتوب عليه اسم الشركة التي ركبت العداد ، إنها شركة كهرباء القدس الفلسطينية، ابتسم وقال: أعرف ذلك جيدا ، أنا أول مرة أحضر هنا للعمل فقط منذ أسبوعين . استمر عادل في عمله لإنجاز ما كلفته به الشركة ، يقف مادا ذراعيه إلى السقف وهي تنظر إليه ، عضلات فخذيه مرسومة مثل لوحة فنان عالمي ، سألته عن سر هذا ، أجاب : أنا بطل كمال الأجسام ، هوو انت رائع عادل . لحظة انتهاء يوم العمل أراد ارتداء ملابسه ، لكنها قفزت أمامه ، اقترح أن تأخذ حماما ساخنا أفضل لك ، وافق ودخل الحمام، هو هو كما هو منذ أربعين عاما ، كانت أمي تحممني هنا أقف عاريا وأبكي من خشونة الليفة . حمل شنطة العمل وأراد الخروج ، عادل لماذا تذهب كل يوم إلى غزة ، مشوار طويل ومرهق عليك، ممكن تنام هنا البيت واسع كما ترى وأنا وحيدة ، قال : أعرف أن البيت واسع لكن زوجتي وأولادي بانتظاري . في اليوم التالي لبست مريوم ملابس شفافة وتعطرت بانتظار العامل قد ترى منه شيئا جديدا ، أرادت مجاملته وأطلقت عليه لفظ مهندس ، ابتسم وقال : فعلا أنا مهندس معماري ، لكن لا عمل لي فجئت إلى هنا . أحضرت صينية الشاي والبسكويت ، نظرت إلى السرير وهي تبتسم ، هز عادل رأسه أنه يعرفه ، فهمت هي أنه موافق على مرادها ، قامت وألقت نفسها على السرير وأشارت إليه بإصبعها ، تعال ، نظر إلى خزانة أمه وتذكر كيف ضبط والده وهو يلهث ذات ليلة على السرير ، تذكر أمه التي ماتت برصاص جنود الاحتلال عام 1967 .
أتذكر عندما دخل الجنود بيتنا بعد انتهاء الحرب ، فتشوا كل شيء في البيت حتى الملابس الداخلية لأمي ، عثروا على الذهب الذي اشتراه أبي لأمي حين زواجهما في الرملة قبل الهجرة عام 48 ، رأت أمي الذهب بيد أحد الجنود ، اعترضت وبدأت بالصراخ في وجهه ، وضع الذهب في جيوبه وخرج ، لاحقته بالصراخ ، خاف أن تهيج عليه أهل الحارة ، أطلق النار عليها من مدفع العوزي ، أصيبت في قدميها ووسطها ، لم نتمكن من الذهاب إلى المستشفى ، بعد أيام رأيتها وهي تغمض عينيها إلى الأبد . أمي رأيتها في المنام وأنا أصرخ خلفها وأبي يصرخ ويقول : دعيهم يأخذون كل شيء لقد سرقوا الوطن فلا قيمة للذهب دونه ، دوما أراها في المنام ترتدي ملابس بيضاء بأجنحة وهي تصرخ مضرجة بالدم وتطير في السماء بجوار المسيح .
أبي يرفض الزواج بعدها ، كان يقول : تحرم علي نساء الأرض بعدك يا أم عادل ، عاش مسكينا حرم نفسه من لذة الحياة ومتاعها حافظا على عهده معها قال لي في لحظة صفاء وشرود ذهني : يا ولدي عندما خطبتها كانت أجمل جميلات الكون ، أجمل جميلات البلد ، ضحكت وقالت لي : غدا تتزوج الثانية عندما أكبر وأشيخ قلت لها ونحن نجلس سوية تحت شجرة البرتقال في بيارتنا : عهدا لك أمام السماء العالية وأمام الوطن وبحق هذه الشجرة ، شجرة برتقال الشموطي ، أنني لن أطأ امرأة قبلك ولا بعدك ، يا ولدي عهد الله في قلبي ولا يمكن لي أن أخونها ، لقد نقشنا اسمينا على جذع الشجرة التي تعاهدنا في ظلها ، هناك في بيارة الرملة .
لم يلتفت إليها وقام إلى عمله ، فترة الغداء جاءت بطاجن مغربي باللحمة وقالت إنه لك صحتين وعافية ، ثم أردفت قائلة : عادل لماذا لا تأتي أنت وأولادك للعيش معي هنا في الطابق الأول، وحياة سيدي الحسن ، فكر مليا وهز رأسه بالموافقة ، لكن هل السلطات تسمح بذلك ، لا دخل لهم إنه بيتي أنا باسمي أنا وأولادي ، وافق عادل . بعد أيام ركب السيارة هو وأولاده ووالده للعيش في بيتهم الأصلي وليعمل والده في البيارة ، إنه بيتنا لماذا لا نعود اليه ! في الطريق أوقفهم شبان يلبسون أزياء سوداء غريبة ويطلقون اللحي والشعر المجدول أوقفوا السيارة للتفتيش إنهم لا يتكلمون العبرية الصحيحة ولا العربية ، غرباء ، ثم أطلقوا النار باتجاههم فأصابوه في فخذه ، صرخ الأب طالبا العودة إلى المخيم ، يا ولدي ما نفعله خطأ كبيرا ليس بهذه الطريقة تتم العودة ، انتظر يا والدي هؤلاء غرباء لن يفتوا من عزيمتي ، لا بد أن نعود بأي طريقة ، مريوم وبيتنا بانتظارنا ، سأستمر و على أقرب مستشفى نمر للعلاج . سمعنا أن عادل وأولاده وأحفاده يعيشون هناك ويعانون من مشاكل عدم الاعتراف بهم في مجال التعليم الحكومي ولا التأمين الصحي ولا كل المعاملات الرسمية .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف