الأخبار
(يسرائيل هيوم): هكذا حاولت حماس اختراق قاعدة سرية إسرائيلية عبر شركة تنظيفجندي إسرائيلي ينتحر حرقاً بعد معاناته النفسية من مشاركته في حرب غزةالهدنة على الأبواب.. وتجار الحرب إلى الجحيممسؤولون أميركيون: ترامب يريد الاتفاق مع نتنياهو على شروط إنهاء حرب غزةنتنياهو: لقائي مع ترامب قد يسهم في التوصل إلى اتفاق بغزةالاحتلال يستدعي 15 محامياً للتحقيق لمشاركتهم في انتخابات النقابةفلسطين تقدم أول سفير لها لدى "الكاريكوم"البايرن يتلقى ضربة قوية.. الكشف عن حجم إصابة موسيالا ومدة غيابهصحيفة: إيران ضربت خمس منشآت عسكرية إسرائيلية بشكل مباشر خلال الحربريال مدريد يكمل المربع الذهبي لكأس العالم للأنديةفقه التفاوض الإسرائيليّ: من أسطرة السياسة إلى الابتزاز المقدس"الإعلامي الحكومي" بغزة: مؤسسة غزة الإنسانية متورطة في مخطط تهجير جماعي لسكان قطاع غزة(حماس): يجب أن يكون ضمانات حقيقية من الإدارة الأميركية والوسطاء لسريان وقف النارارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 57.418إسرائيل تقر مشروع قانون يمنع توظيف المعلمين الذين درسوا في جامعات فلسطينية
2025/7/7
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

خمسون عامًا ليس بوسع أحد أن يملأ مكانك غسان

تاريخ النشر : 2022-07-04
خمسون عامًا ليس بوسع أحد أن يملأ مكانك غسان
بقلم: خالد الفقيه
في رائعته عائد إلى حيفا قال غسان كنفاني على لسان سعيد س: "لا شيء، لا شيء أبدا، كنت أتساءل فقط، أفتش عن فلسطين الحقيقية، فلسطين التي هي أكثر من ذاكرة، أكثر من ولد، وكنت أقول لنفسي: ما هي فلسطين بالنسبة لخالد؟ إنه لا يعرف المزهرية، ولا الصورة، ومع ذلك فهي بالنسبة له جديرة بأن يحمل المرء السلاح ويموت في سبيلها، وبالنسبة لنا، أنت وأنا، مجرد تفتيش عن شيء تحت غبار الذاكرة! لقد أخطأنا حين اعتبرنا أن الوطن هو الماضي فقط، أما خالد فالوطن عنده هو المستقبل، وهكذا كان الافتراق، عشرات الألوف مثل خالد لا تستوقفهم الدموع المفلولة لرجال يبحثون في أغوار هزائمهم عن حطام الدروع وتفل الزهور، وهم إنما ينظرون للمستقبل، ولذلك هم يصححون أخطأنا، وأخطاء العالم كله"، فغسان لخص حكاية وطن طرد منه لاجئاً في رحلة تذوق فيها آلم وحسرة ضياع وطن كان من المفترض أن يجول في بقاعه وأن يشهد هذا الوطن على رحلة عمره التي لربما كانت أطول مما كانت عليه هناك في شتات اللجوء والقهر، وربما كان السكري لم يحتل جسده ولم يجعله رهين الأنسولين وحسرة الزمن.

خمسون عاماً على اغتياله في بيروت حيث تطاير جسده مع لميس إبنة شقيقته بجسدها الغض الطري بين ثنايا الحديد والصاج في السماء بعد الانفجار الذي نفذه الموساد لوقف كتيبة بأكملها عن الكفاح، كان غسان يدرك بأن عودته للوطن عبر إطلالة سماوية أقرب منها من الرجوع كما بدأت رحلة الخروج القهرية براً أو بحراً كما كانت لكثيرين. إدراكه هذا دفعه يوماً ليقول مقولته الشهيرة ذات البعد الفلسفي العميق "ليس بوسع أحد أن يملاْ مكان أحد"، وكأنه كان يستشرف المستقبل، فلا زال مكانه شاغراً ولم يستطع أحد من المثقفين والسياسيين والمقاتلين شغله.
إنتصر غسان الأديب المشتبك المقاتل بوعي وإدراك وهو يجسد ذلك بحرمان عدوه توقع ما كان وما أراد، فشعوره لم يخنه والحرية التي تمسك بها حياً وشهيداً هي التي لامقابل لها فهي ذاتها رغم أنه في خيم اللجوء وخنادق المقاومة تخلى عن غضبه مما جرى له ولشعبه ولكنه لم يغفر الخذلان الذي سبب ضياع فلسطين.
لخص غسان الخذلان الذي تعرض له الشعب الفلسطيني عندما سبر أعماق الفكر الصهيوني بحثاً ودراسة بقوله أن أكبر الجرائم اعتبار أخطاء الآخرين تشكل حقاً في الوجود لأغراب على حساب شعب بأكمله، فهم يسرقون رغيفك ليعطوك منه كسرة ثم يأمرونك أن تشكرهم على كرمهم بكل وقاحة، وهذا كان رداً مبكراً منه على القبول بأنصاف أو أجزاء الحلول ففلسطين عنده صليب دائري لا يقبل القسمة والتقسيم. "أتعرفين ما هو الوطن يا صفية؟ الوطن هو ألا يحدث ذلك كله".
وفي رفضه لكل ما لا يعيد الوطن بأكمله وأهله إليه رهن الأمر بإصرار سكان الخيمة في المخيم فهم البديل الثوري عن المدافعين الفاشلين عن القضية فتغييرهم عنده واجب ومرفوض تغيير القضية. فالنضال دفاعاً عن الوطن لإسترجاعه حق كونه الماضي والمستقبل الوحيد ففيه الشجر والغيم والظل والشمس الوهاجه والجذور العصية على الاقتلاع. والثورة كالخبز والماء وأكف الكادحين ونبض القلوب، والثورة لا يعرف معناها إلا من يعلقون البنادق على الأكتاف ويطلقون البارود دون إنتظار فأكتاف الرجال خلقت لحمل البنادق، والثوار كما يراهم غسان يموتون وسلاحهم بأيديهم ويرفضون الحياة وسلاحهم بيد عدوهم لأن الخيانة ميتة حقيرة في حد ذاتها. ولطالما إحتقر من يتفرجون فيما كان غيرهم يقاتل وإحتقر من تقلدوا ومارسوا دور الخونة.
ترجل غسان وقد وجد فكرته النبيله فكراً وعملاً وإن كان سيبدو سعيداً لو حققها ورآها تنبت بين برتقال يافا وعلى ضفاف بحر عكا حيث شهدت أسواره صرخات مولده الأولى، وهو يدرك بأن الصقور لا تآبه أين تموت، فغسان الإنسان لم يكن في نهاية المطاف إلا قضية آرقت مضاجع العالم كرجل لم يحتج في صعاب الأيام للملاجيء وهو المدرك بأن الحياة قصيرة ومهادنة مع الموت.
غسان لم يملأ مكانه أحد بعد خمسين عاماً لا في المواقع التي تقلدها ولا في الإرث الذي تركه رغم عمره القصير فهو تعلم منذ بواكير حياته أن يحب طفولته ويحب البسطاء وأن يقف في صف الفقراء ورتب خارطة الوطن على ذلك. فلم يرتد حتى زرع جنته في الأرض في عالم يسحق العدل والحق بعودة أبوين على متن زورق للبحث عن طفلهما المفقود لا تستطيع كل دموع الأرض أن تحمله.
غسان كنفاني عميد الأدب الفلسطيني رئيس تحرير مجلة الهدف المناضل السياسي والمقاتل الميداني والروائي والباحث والفنان المولع بالرسم والإعلامي الذي دوخ العالم بعدالة قضية شعبه لازالت مقاعده في هذه المواقع بلا إشغال حقيقي يسد الفجوة التي تركها. يحسب له بأنه أهدى البشرية عبقرية أخرى أيضاً لم يملأ مكانها أحد، فله يعود الفضل في  إكتشاف إبداع ناجي العلي رسام الكاريكاتير الذي دفع حياته ثمناً لما آمن به، غسان صادف ناجي في مخيمات لبنان بعدما شدته إحدى اللوحات على الجدار فسأل عن صاحبها وإلتقاه ليفتح الباب أمامه على صدر صفحات مجلة حركة القوميين العرب التي كان يرأس تحريرها منطلقاً منها للعالم ليملأه ضجيجاً بالأبيض والأسود الكاوي.
غسان رحل جسداً وبقي فكرة " تسقط الأجساد لا الفكرة" في الثامن من تموز عام 1972 عن عمر 36 سنه في عملية إغتيال نفذها الموساد في بيروت بتفخيخ سيارته. كانت رحلة لجوءه مع عائلته من عكا إلى لبنان ومنها تنقل بين سوريا والكويت ليستقر به المطاف في العاصمة اللبنانية، وخلال مسيرة حياته كتب روايات كثيرة منها عائد إلى حيفا، وأرض البرتقال الحزين، وأم سعد، وما تبقى لكم، ورجال في الشمس التي تعد تجسيداً فلسفياً عميقاً للفلسطيني الذي يبحث عن الحياة داخل صهريج يقوده العاجز أبو الخيزران, إلى جانب دراسات متعددة ومئات المقالات. فأي شخص أو جماعة بأكملها لديها القدرة على التعويض عن مكانته الإعلامية والروائية والفنية والسياسية نعم لقد كان أمة في رجل.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف