بِقَلَم: خَالِد الزَّبُون
قِصَّة قصيرة
يَعُودُ إلَى مَنْزِلِهِ مَسَاء مُنْهَك الْقُوَى ، شَارِدُ الذِّهْن
وَالْفِكْر ، صَرِير البَابِ الخشبي الْكَبِير المُزْعِج يُذْكِّرُه أَنَّهُ
قَدْ وَصَلَ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي يَسْتَقِرُّ بِهِ وَطَنُه الصَّغِير ،
وايقَضَه مِن حَالَتِه النَّفْسِيَّة ، دَخَلَ إلَى غُرْفَتِه وجفونه عَلَى
وَشَكِ الْإِغْلَاق فاستلقى عَلَى فِرَاشِهِ وَغَطَّ فِي نَوْمٍ عَمِيقٍ ،
لَمْ يَسْتَطِعْ التفكير بشيء أَوْ يَتَحَدَّثَ مَعَ أَفْكَارِه ، وهو يعيد
شَرِيط ذِكْرَيَات الْيَوْم ، وَمَع ٱذَانِ الْفَجْرِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ
النَّوْمِ ، تَغْلَّب عَلَى ارهاقه فَصَلَاةُ الْفَجْرِ مِنْ أولوياته وَيحرصُ
عَلَى أَدَائِهَا فِي الْمَسْجِدِ وَيَبْدَأ مَعَهَا يَوْمَه الطَّوِيل ،
تَوَضَّأ وَأَسْرَع الْخُطَا وَهُوَ يَدْعُو اللَّهُمَّ وَفّقْنَا لِمَا
تُحِبُّه و تَرْضَاه ، انْتَهَت الصَّلَاةُ وَفِي طَرِيقٍ عَوْدَتِه ، كَانَ
يُحِبُّ رَائِحَة الفلافل وَالْفُول تَعْبِقُ الْمَكَان عِنْد مَطْعَم أَبُو
مَحْمُود فَالْجَمِيع يَشْهَدُ لَهُ بِجَوْدَة مَا يُقَدِّمُهُ لِلنَّاس ،
وَأَمَّا الْخُبْز الطَّازَج الَّذِي يَحْرِصُ عَلَى شِرَائِهِ مِنْ
التَّنُّورِ ، فَسَعِيدُ الطَّحَّان خَبَّازٌ بَارِعٌ ، لَه صولات وجولات
وَاسْم لامع فِي الْحَيِّ ، عَادَ إلَى مَنْزِلِهِ ، وَعَلَى مَائِدَةِ
الإِفْطَارِ ، يَفْتَقد أَبْنَائه سَلْمَى فِي الصَّفِّ الثَّالِثِ
وَمُحَمَّدٌ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ وماريا فِي الرَّوْضَةِ ، لَقَدْ كَانُوا
بَهْجَة حَيَاتِه وسعادته ، وأمله الَّذِي ينْعَش قَلْبِه , وَيَنْشُر عِطْرًا
جَمِيلًا ٱخاذا عِنْدَمَا يملأ عَيْنَيْه بِهِم ، فَهو يَعْمَلُ حَارِسا فِي
أَحَدِ المولات الْكَبِيرَة وَتَتَغَيَّر ورديته كل أُسْبُوع، وَيرْسم يَوْمه
بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ . وَأَمَّا زَوْجَته الطَّبِيبَة الّتِي تعرف عَلَيْهَا
عَنْ طَرِيقِ خَالَتِه أَم حَسَن الَّتِي كَانَتْ تعْرِف كُلّ نِسَاء الْحَيّ
، وتُبَادِر بِشَكْل دَائِم فِي عَمَلِ اجْتِمَاعِيٌّ تأمل أَن تَنَالَ
الْخَيْر وَالرِّضَا عَنْ نَفْسِهَا وَبِنَاء بُيُوت قَائِمَة عَلَى الوُدِّ
وَالْمَحَبَّةِ وَالْخَيْر وتشْعِر أَنَّ في كُلَّ مَنْزل لَهَا ابْن وابْنِة
وْأَحْفَاد ، لَقَد ذَهَبَ مَعَهَا لِرُؤْيَة رِبَاب الطَّبِيبَة ذات
الثَّلَاثِينَ مِنْ عُمْرِهَا وَأما هو فتَجَاوَز الْخَامِسَة وَالثَّلَاثِين
، لَمْ يَمُر إلَّا يَوْمَيْنِ حَتَّى جَاءَتِ الْمُوَافَقَة وَتَمّ تَحْدِيدُ
مَوْعِد الزِّفَاف ، كَان فَرَحًا بِه غُصَّة ، هِي طَبِيبَة وَهُو حَارِسٌ
وَالثَّقَافَة بَيْنَهُمَا بَعِيدَةً وَلَكِن مُوَافَقَتهَا وَحَدِيثُهُمَا
عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ السَّعِيد شَجَّعَه عَلَى الزَّوَاج ، وَبِنَاء أَسَرَة
يسودها الْحَبّ وَالتَّفَاهُم وَالسَّعَادَة ، بَيْته الْقَدِيم أنجز ترميمه ،
وَبَعْد عِدَّة سَنَوَاتٍ كَانَ يَشْعُرُ بِالضَّغْط وَصَدْرُه يُؤْلِمُه ,
وَبِأَنّ فَجْوَة كَبِيرَة بَيْنَهما وَهِي تَتَّسِع وَتَكَبَّر وَتُصْبِح
كأخدود فِي الْأَرْضِ ، تَتَعَالَى عَلَيْه وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ نَظْرَةً
دونية ، يَرَى ذَلِكَ عِنْدَمَا يرافقها فِي مناسباتها وتجاهلها له وَعدم
حديثها عِنْه بِفَخْر وَاعْتِزَاز أمَام زملائِها الْأَطِبَّاء ، نَفْسِيَّته
كُلَّ يَوْمٍ تَتَفَجَّر بركانا يَقْذِف حِمَمًا مِنْ الْغَضَبِ الَّذِي
يَجْتَاح قَبْلَه الْبَرِّيّ , فهي تَرْفُض زِيَارَة إخْوَتِه ومبادلتهم
التَّهَانِي والتبريكات فِي مناسباتهم ، وتَقنع نفسها بأَنَّهُمْ مِنْ عَالِمٍ
يَفْتَقِرُ إلَى الرقِّيّ وَالثَّقَافَة ، وَفِي الأمْس تَطَوَّر الْحَدِيث
بَيْنَهمَا وَأَحَسّ بِأَن كَرَامَتَه وَكِبْرِيَائه يَتَدَحْرَجُ وَيترنَّحُ
عِنْدَمَا ارْتَفَع صَوْتُهَا وَلَمْ تَتْرُكْ كَلِمَة إلَّا وَقَدْ
اهَانَتَهُ بِهَا وَهِيَ تَحْزِم حقائبها وَتَطْلُب مِنْهُ أَن يَتْرُكَهَا
وَيُعْطِيَهَا حُرِّيَّتَهَا لأنه لَيْسَ مِنْ ثَوْبِهَا وَأَصْبَحَت تَشْعُر
بالاشمئزاز مِنْه , لَمْ يَتَمالَكْ نَفْسَهُ وَصَفعَها عَلَى وَجْهِهَا ،
وَلَم يَنْدَمَْ وَبَعْدَ عِدَّة أَسَابِيع وَرَفْضِهَا الْعَوْدَةَِ إلَى
بَيْتِ الزَّوْجِيَّةِ وإصرارها عَلَى الِانْفِصَال وكلماتها مِثْل الطعنة في
الخاصرة ، وَفِي لَحْظِة وَصَل إلَى قَنَاعَةٍ لَم يَتَرَدَّدْ إنْ
يَنْطِقَهَا ثَلَاثًا وَيَبْحَثَ عَنْ ضَوْءِ آخِرِ فِي الْحَيَاةِ مَعَ
أَبْنَائِه .
قِصَّة قصيرة
يَعُودُ إلَى مَنْزِلِهِ مَسَاء مُنْهَك الْقُوَى ، شَارِدُ الذِّهْن
وَالْفِكْر ، صَرِير البَابِ الخشبي الْكَبِير المُزْعِج يُذْكِّرُه أَنَّهُ
قَدْ وَصَلَ إلَى الْمَكَانِ الَّذِي يَسْتَقِرُّ بِهِ وَطَنُه الصَّغِير ،
وايقَضَه مِن حَالَتِه النَّفْسِيَّة ، دَخَلَ إلَى غُرْفَتِه وجفونه عَلَى
وَشَكِ الْإِغْلَاق فاستلقى عَلَى فِرَاشِهِ وَغَطَّ فِي نَوْمٍ عَمِيقٍ ،
لَمْ يَسْتَطِعْ التفكير بشيء أَوْ يَتَحَدَّثَ مَعَ أَفْكَارِه ، وهو يعيد
شَرِيط ذِكْرَيَات الْيَوْم ، وَمَع ٱذَانِ الْفَجْرِ الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنْ
النَّوْمِ ، تَغْلَّب عَلَى ارهاقه فَصَلَاةُ الْفَجْرِ مِنْ أولوياته وَيحرصُ
عَلَى أَدَائِهَا فِي الْمَسْجِدِ وَيَبْدَأ مَعَهَا يَوْمَه الطَّوِيل ،
تَوَضَّأ وَأَسْرَع الْخُطَا وَهُوَ يَدْعُو اللَّهُمَّ وَفّقْنَا لِمَا
تُحِبُّه و تَرْضَاه ، انْتَهَت الصَّلَاةُ وَفِي طَرِيقٍ عَوْدَتِه ، كَانَ
يُحِبُّ رَائِحَة الفلافل وَالْفُول تَعْبِقُ الْمَكَان عِنْد مَطْعَم أَبُو
مَحْمُود فَالْجَمِيع يَشْهَدُ لَهُ بِجَوْدَة مَا يُقَدِّمُهُ لِلنَّاس ،
وَأَمَّا الْخُبْز الطَّازَج الَّذِي يَحْرِصُ عَلَى شِرَائِهِ مِنْ
التَّنُّورِ ، فَسَعِيدُ الطَّحَّان خَبَّازٌ بَارِعٌ ، لَه صولات وجولات
وَاسْم لامع فِي الْحَيِّ ، عَادَ إلَى مَنْزِلِهِ ، وَعَلَى مَائِدَةِ
الإِفْطَارِ ، يَفْتَقد أَبْنَائه سَلْمَى فِي الصَّفِّ الثَّالِثِ
وَمُحَمَّدٌ فِي الصَّفِّ الْأَوَّلِ وماريا فِي الرَّوْضَةِ ، لَقَدْ كَانُوا
بَهْجَة حَيَاتِه وسعادته ، وأمله الَّذِي ينْعَش قَلْبِه , وَيَنْشُر عِطْرًا
جَمِيلًا ٱخاذا عِنْدَمَا يملأ عَيْنَيْه بِهِم ، فَهو يَعْمَلُ حَارِسا فِي
أَحَدِ المولات الْكَبِيرَة وَتَتَغَيَّر ورديته كل أُسْبُوع، وَيرْسم يَوْمه
بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ . وَأَمَّا زَوْجَته الطَّبِيبَة الّتِي تعرف عَلَيْهَا
عَنْ طَرِيقِ خَالَتِه أَم حَسَن الَّتِي كَانَتْ تعْرِف كُلّ نِسَاء الْحَيّ
، وتُبَادِر بِشَكْل دَائِم فِي عَمَلِ اجْتِمَاعِيٌّ تأمل أَن تَنَالَ
الْخَيْر وَالرِّضَا عَنْ نَفْسِهَا وَبِنَاء بُيُوت قَائِمَة عَلَى الوُدِّ
وَالْمَحَبَّةِ وَالْخَيْر وتشْعِر أَنَّ في كُلَّ مَنْزل لَهَا ابْن وابْنِة
وْأَحْفَاد ، لَقَد ذَهَبَ مَعَهَا لِرُؤْيَة رِبَاب الطَّبِيبَة ذات
الثَّلَاثِينَ مِنْ عُمْرِهَا وَأما هو فتَجَاوَز الْخَامِسَة وَالثَّلَاثِين
، لَمْ يَمُر إلَّا يَوْمَيْنِ حَتَّى جَاءَتِ الْمُوَافَقَة وَتَمّ تَحْدِيدُ
مَوْعِد الزِّفَاف ، كَان فَرَحًا بِه غُصَّة ، هِي طَبِيبَة وَهُو حَارِسٌ
وَالثَّقَافَة بَيْنَهُمَا بَعِيدَةً وَلَكِن مُوَافَقَتهَا وَحَدِيثُهُمَا
عَنْ الْمُسْتَقْبَلِ السَّعِيد شَجَّعَه عَلَى الزَّوَاج ، وَبِنَاء أَسَرَة
يسودها الْحَبّ وَالتَّفَاهُم وَالسَّعَادَة ، بَيْته الْقَدِيم أنجز ترميمه ،
وَبَعْد عِدَّة سَنَوَاتٍ كَانَ يَشْعُرُ بِالضَّغْط وَصَدْرُه يُؤْلِمُه ,
وَبِأَنّ فَجْوَة كَبِيرَة بَيْنَهما وَهِي تَتَّسِع وَتَكَبَّر وَتُصْبِح
كأخدود فِي الْأَرْضِ ، تَتَعَالَى عَلَيْه وَتَنْظُرُ إِلَيْهِ نَظْرَةً
دونية ، يَرَى ذَلِكَ عِنْدَمَا يرافقها فِي مناسباتها وتجاهلها له وَعدم
حديثها عِنْه بِفَخْر وَاعْتِزَاز أمَام زملائِها الْأَطِبَّاء ، نَفْسِيَّته
كُلَّ يَوْمٍ تَتَفَجَّر بركانا يَقْذِف حِمَمًا مِنْ الْغَضَبِ الَّذِي
يَجْتَاح قَبْلَه الْبَرِّيّ , فهي تَرْفُض زِيَارَة إخْوَتِه ومبادلتهم
التَّهَانِي والتبريكات فِي مناسباتهم ، وتَقنع نفسها بأَنَّهُمْ مِنْ عَالِمٍ
يَفْتَقِرُ إلَى الرقِّيّ وَالثَّقَافَة ، وَفِي الأمْس تَطَوَّر الْحَدِيث
بَيْنَهمَا وَأَحَسّ بِأَن كَرَامَتَه وَكِبْرِيَائه يَتَدَحْرَجُ وَيترنَّحُ
عِنْدَمَا ارْتَفَع صَوْتُهَا وَلَمْ تَتْرُكْ كَلِمَة إلَّا وَقَدْ
اهَانَتَهُ بِهَا وَهِيَ تَحْزِم حقائبها وَتَطْلُب مِنْهُ أَن يَتْرُكَهَا
وَيُعْطِيَهَا حُرِّيَّتَهَا لأنه لَيْسَ مِنْ ثَوْبِهَا وَأَصْبَحَت تَشْعُر
بالاشمئزاز مِنْه , لَمْ يَتَمالَكْ نَفْسَهُ وَصَفعَها عَلَى وَجْهِهَا ،
وَلَم يَنْدَمَْ وَبَعْدَ عِدَّة أَسَابِيع وَرَفْضِهَا الْعَوْدَةَِ إلَى
بَيْتِ الزَّوْجِيَّةِ وإصرارها عَلَى الِانْفِصَال وكلماتها مِثْل الطعنة في
الخاصرة ، وَفِي لَحْظِة وَصَل إلَى قَنَاعَةٍ لَم يَتَرَدَّدْ إنْ
يَنْطِقَهَا ثَلَاثًا وَيَبْحَثَ عَنْ ضَوْءِ آخِرِ فِي الْحَيَاةِ مَعَ
أَبْنَائِه .