بِقَلَم: خَالِد الزَّبُون
ابتسامتُه كَبِيرَةٌ وَلَا يَكَادُ يَتَوَقَّفُ عَنِ إظْهَارِ الفَرَحِ وَفِي مُحَيَّاه كَثِيرٌ مِنْ الْمَرِح ، لَقَد تَمّ قُبُول سكرتيرة بَعْد اِسْتَقالَه سَعِيد سِكْرِتِير مَكْتَبِ الْمُديرِ الْمَالِيّ لِشَرِكَة سَمَر للمحاسبة ، لَقَدْ كَانَ صَعْب المِراس وَلَا يَتَقَبَّل الإرشادات وَفِي تَمَرَّد كَامِلٍ عَلَى برُوتُوكُول الْعَمَل وَلَعَلّ أَهَمِّهَا تَرْتِيب هندامه وَدَائِمًا رَائِحَة الطَّعَام مُنْتَشِرَة فِي مَلَابِسِة ، لَقَدْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ المراجعين يُوجِّهون الِانْتِقَاد لِعَدَم شُعُورِهِم بِالرَّاحَة أَثْنَاء الِانْتِظَار وَمَن الْمُعَامَلَةِ الَّتِي تَتَّسِم بِالْجَفَاف وَكَأَنَّك فِي صَحْرَاءَ قَاحِلَةٍ ، لَقَدْ كَانَ الْحَدِيثُ مَعَه يُؤَدِّي إلَى مُشْكِلَةٍ وَاشْتِبَاك لَفْظِيٍ وَفِي كُلِّ يَوْمٍ تَزْدَاد أُلْهُوَّةُ وتبتعد الْمَسَافَاتُ فِي الرُّؤْيَةِ وَالْحُلُول تَتعقدُ مِمَّا يُقَرِّبُ النِّهَايَة وَيُعَجِّل فِي إنْهَاء خَدَماتِه وَهَذَا مَا تَمَّ الِاتِّفَاق مَعَهُ بَعْدَ حُصُولِهِ عَلَى أَتْعابه ، يَوْمُِ عَمَلٍ جَدِيد وبموظفة جَدِيدَة هَذَا مَا كَانَ يُحَدِّثُ بِهِ نَفْسَهُ ، انْقِلَاب كفصول الطَّقْس وَالِانْتِقَالُ مِنْ زَمْهَرِير الشّتَاءِ إلَى جَمَال الرَّبِيع ، فدوى وَفِي مُنْتَصَف الثلاثينات وَتَحْمِلل شَهَادَةً فِي إدَارَةِ الْمُكَاتَب وَالتَّعَامُل مَع ظُرُوف الْعَمَل ، لَا أُرِيدُ أَنْ يَدْخُلَ أَحَدٌ عِنْدِي بِدُونِ إذْنِ حَاضِرٌ سَيِّدِي أُرِيد جَدْوَلَ أَعْمَالِ يَومِئ هَذَا مَا اعْمَل عَلَيْه اسْتِقْبَال الزبائن بِحَاجَةٍ إِلَى إعَادَةِ نظرلاَ تَقْلَقْْ وَعِنْدِي خِبْرَه كَبِيرَة اذْهَبِي الْآن تُغَادِر إلَى مكتبها وتنهمك فِي تَرْتِيبِ المَلَفّاتِ وَيَعُودُ إلَى ابتسامته الْأُولَى ويستلقي عَلَى الْكُرْسِيِّ بِاسْتِرْخَاء كَبِيرٍ وَبَيْنَمَا هُوَ فِي أَفْكَارِهِ يَرْحَل مَعَهَا فَإِذَا هِيَ تَدْخُل عِنْدَه ، تُعْطِيه مَوَاعِيدَه لِمُدَّة أُسْبُوع ، وفجأة يَنْقَلِب وَيكفهِّر وَجْهَه وَتَرَى الْعُبُوسَ يجتاحه ، مَا هَذَا ؟ مَاذَا سَيِّدِي ؟ رَائِحَة مزعجة تنبعث من مكان ما ، وَلَا أُرِيدُ أَنْ اِشْتَمها واريدك أَن تُلطِّفي الأجْوَاء وَأَنْ يَكُونَ العِطْر هُوَ الرَّاحَةُ الطَّاغِيَة فِي الْمَكْتَبِ وَعِنْد انْتِظَار المراجعين ، هَذَا أَمْرٌ وَلَا يُقْبَلُ النِّقاشُ ، غادري بِسُرْعَة وتعملي عَلَى تَنْفِيذِ الْقَرَار ؟ حَاضِرٌ سَيِّدِي يَعُودَ مَرَّةً أُخْرَى وَيَتَفَقَّد مَاذَا وَضِعَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ مِنْ طَعَامٍ ، وَيَأْكُلَه ، وَتَعُود السكرتيرة ، لَقَد قُمْت بِرَشّ العِطْر فِي كُلِّ أَرْجاءِ الشَّرِكَة وَلَكِنَّ سَيِّدِي ، وَأَرْجُو أَنْ لَا تَغْضَبْ مِنِّي هُنَاك رَائِحَة تَصْدُر مِنْك وَيَبْدُو أَنَّه رائحة ثُوم , يُغَيِّرُ جِلْسَتَهُ وَيَطْلُب مِنْهَا المغادرة ، وفجأة تُيْقِظَهُ زَوْجَتُه وَتَقُولُ لَهُ : - تَتَحَدّث مَع نَفْسِك وَأَنْت نَائِمٌ يَبْدُو إِنَّك مَرِيضٌ يُصِيبَك الْهَذَيَان فَيَقُول مَا هَذِهِ الرَّائِحَةِ السَّيِّئَة ؟ إنَّهَا تُؤْلِم صَدْرِي ، إنَّهَا رَائِحَة الدَّوَاءُ الَّذِي قُمْت بِرَشّ الْمَنْزِل مِنْهُ لِلْقَضَاءِ عَلَى النَّامُوس . . هَيَّا قُم مِن فِرَاشِك ، فيبادرها بِالْكَلَام أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَبْقَى يَحْلُم وَيَحْلُم لِأَنّ رَائِحَة الْحلْمِ لَا تَخْتَلِفُ عَنْ رَائِحَةٍ الْوَاقِع .