رام الله - دنيا الوطن
صدر حديثاً عن مركز دراسات ثقافات المتوسط (ميسك-MISC) كتاب حمل عنوان " العَلَوِيُّون، الخوف والمقاومة" متبوعاً بعنوان فرعي يسأل (كيف بنى العَلَوِيُّون هُوِيَّتهم الجَمَاعِيَّة في سورية؟). والكتاب من تأليف الباحث النرويجي المتخصص بالجغرافيا البشرية " تورشتين شيوتز وورن" الذي كان قد ذهب إلى سورية في العام 2002، وتابع زياراته لها حتى 2009. ومن ترجمة الصحفي والمترجم السوري "ماهر الجندي".
وهذه هي الطبعة الثانية للكتاب بعد صدوره في طبعة محدودة سنة 2018 عن دار ميسلون للنشر في تركيا، ولأهمية هذا الكتاب، وندرة الكتب التي تتناول الهويات الطائفية في سوريا، نعيد نشره في مركز دراسات ثقافات المتوسط (ميسك-MISC) ليكون متاحاً بين يدي المهتمين من خلال منشورات المتوسط.
جاء الكتاب بمقدمات ثلاث، أولها للكاتب والباحث السوري المعروف "ياسين الحاج صالح"، حيث يقول: " هذا موضوع لم يجرِ تناوُله من قبل، ولا تكاد تتوفَّر حتَّى عناصر أوَّليَّة حوله (شهادات، مذكّرات، مقالات ...). هذا لأنه، مع كلِّ ما يتَّصل بالطَّائفيَّة والعلاقة بين الجماعات الأهلية، خَطِر سياسيَّاً، محفوف بالتحريم والكَبْت، وقد يتعرَّض مَنْ يدنو منه لانكشاف يمتدُّ بين التهديد الأمني وبين التسفيه الطَّائفيِّ من قِبَل حرَّاس التابو. لكنْ، وحده الكلام عن هذه الألغام في جسدنا الاجتماعي هو ما كان يمكن أن يساعد في نَقْل وجودها السِّرِّيِّ إلى العَلَن، ويحفِّز على التفكير بسياسة نَزْع ألغام وطنية، ورَسْم خرائط لتوزُّعها ومواضع تفجُّرها المحتمَلَة، فيجعل من متساكنِين لا يثقون ببعضهم مجتمعاً متفاعلاً."
أما المقدمة الثانية فهي للمترجم الأستاذ ماهر الجنيدي ويتحدث فيها عن علاقته بالعلويين والطائفية وهذا الكتاب نفسه. ومنها: "تلك كانت البداية في التَّعرُّف على الهواجس الطَّائفيَّة التي كانت تُدهِشني على صعيدَيْن: الأوَّل هو وجودها كهواجس دون وطنيَّة، ولا علميَّة، بالنسبة إليَّ أنا الذي تلقَّى معارفه الأولى في بيت علمانيٍّ، لم تُذكَر فيه الخلافات الطَّائفيَّة والمذهبيَّة والدِّينيَّة إلَّا من باب البحث العلمي التَّأريخيِّ ونقاش الآراء. والثاني هو التعتيم الرَّسْمِيُّ على التَّنوُّع الطَّائفيِّ، وتصويره على أنه قشرة من دون جذور، إلى الدرجة التي جعلت الطوائف الأخرى مجهولاً، تُحاك حوله الأساطير، تلك الأساطير التي لم تفعل في ذهني سوى دَوْر الناسف الذي يطيح الحقيقة بمِعِيَّة الخيال، والصِّدْق بمِعِيَّة الكذب، والوقائع بمَعِيَّة المختلق."
أما المقدمة الثالثة فهي مقدمة المؤلف والتي كتبها خصيصاً للطبعة العربية من الكتاب ومنها: " كان ثمَّة قصَّة ظللتُ أواجهها باستمرار: مزايا العَلَوِيِّيْن وهيمنتهم. فهمتُ عمَّنْ كانوا يتحدَّثون، وأن تلك هي القصَّة الخارجية لأولئك الذين ينتمون إلى شبكات المحسوبية السِّياسيَّة والاقتصادية للنظام والنُّخب. ومع ذلك، فإن العَلَوِيِّيْن الذين التقيتُ بهم في قرى الجبال السَّاحليَّة أو في ضواحي دمشق، لم يكونوا على الإطلاق في مثل هذا الحال، إذ كانوا يعيشون في ظروف متواضعة، وليس لهم على ما يبدو أيُّ تأثير أو دالَّة على ما حَدَثَ في سورية، حالهم حال غيرهم. فهم أنفسهم تحدَّثوا عن كونهم مجرَّد ضحايا، مثلهم مثل الجميع.
وعندما فتَّشتُ عن أدبيات تتناول العَلَوِيِّيْن عسى أن أتعرَّف على المزيد عنهم، كان معظم ما عثرتُ عليه يتعلَّق بالطقوس والمعتقدات الدِّينيَّة فحسب، وكان يصعب الاعتماد على الكثير منها، بسبب تحيُّز مَنْ كَتَبَهَا الواضح وتحامله الصريح، ولأنها كانت، وعلى نحو ملحوظ، تشبه حديث الأغلبيات المتفوِّقة عن الأقلِّيَّات، في جميع أنحاء العالم. لم يقدِّم لي ذلك شيئاً، فنشأتْ فكرة البحث، التي أثمرتْ هذا الكتاب/ الأطروحة، من رغبةٍ في معرفة كيف يرى العَلَوِيُّون أنفسَهم، وكيف هي علاقتهم ببقيَّة الشعب السُّوريِّ من خلال انقسام "نحن وهم" الذي بدأ يتجلَّى لي. ومن أجل تجنُّب الوقوع في الفخِّ الواضح المتمثِّل في التَّحيُّزات والتقييمات والأحكام المُسبَّقة، اقترح أستاذي أن أستخدم نظرية الخطاب لفَهْم هذا المجال، وهي النَّظَريَّة التي استغرقتْ منِّي وقتاً طويلاً لفَهْمها، ولكنها، أيضاً، النَّظَريَّة التي غيَّرت رؤيتي إلى العالم إلى الأبد. شعرتُ حينها أنني أُسهم، بقَدْر ما، في فَهْم الهُوِيَّة الدِّينيَّة في سورية، مستخدِماً منهجيَّة لم يسبقْ لأحد أن قَارَبَها. بذا، لم يكن الدِّيْن هو ما يهمُّني، بل الظواهر الاجتماعية والسِّياسيَّة التي تنشأ عن رؤية العالم من منظور الدِّيْن أو العِرْق فقط، وبالتالي ابتسار الناس واختزالهم بكونهم أعضاء في هذه المجموعات. الدافع هو الخوف. ومن الخوف تنشأ الكراهية."
صدر حديثاً عن مركز دراسات ثقافات المتوسط (ميسك-MISC) كتاب حمل عنوان " العَلَوِيُّون، الخوف والمقاومة" متبوعاً بعنوان فرعي يسأل (كيف بنى العَلَوِيُّون هُوِيَّتهم الجَمَاعِيَّة في سورية؟). والكتاب من تأليف الباحث النرويجي المتخصص بالجغرافيا البشرية " تورشتين شيوتز وورن" الذي كان قد ذهب إلى سورية في العام 2002، وتابع زياراته لها حتى 2009. ومن ترجمة الصحفي والمترجم السوري "ماهر الجندي".
وهذه هي الطبعة الثانية للكتاب بعد صدوره في طبعة محدودة سنة 2018 عن دار ميسلون للنشر في تركيا، ولأهمية هذا الكتاب، وندرة الكتب التي تتناول الهويات الطائفية في سوريا، نعيد نشره في مركز دراسات ثقافات المتوسط (ميسك-MISC) ليكون متاحاً بين يدي المهتمين من خلال منشورات المتوسط.
جاء الكتاب بمقدمات ثلاث، أولها للكاتب والباحث السوري المعروف "ياسين الحاج صالح"، حيث يقول: " هذا موضوع لم يجرِ تناوُله من قبل، ولا تكاد تتوفَّر حتَّى عناصر أوَّليَّة حوله (شهادات، مذكّرات، مقالات ...). هذا لأنه، مع كلِّ ما يتَّصل بالطَّائفيَّة والعلاقة بين الجماعات الأهلية، خَطِر سياسيَّاً، محفوف بالتحريم والكَبْت، وقد يتعرَّض مَنْ يدنو منه لانكشاف يمتدُّ بين التهديد الأمني وبين التسفيه الطَّائفيِّ من قِبَل حرَّاس التابو. لكنْ، وحده الكلام عن هذه الألغام في جسدنا الاجتماعي هو ما كان يمكن أن يساعد في نَقْل وجودها السِّرِّيِّ إلى العَلَن، ويحفِّز على التفكير بسياسة نَزْع ألغام وطنية، ورَسْم خرائط لتوزُّعها ومواضع تفجُّرها المحتمَلَة، فيجعل من متساكنِين لا يثقون ببعضهم مجتمعاً متفاعلاً."
أما المقدمة الثانية فهي للمترجم الأستاذ ماهر الجنيدي ويتحدث فيها عن علاقته بالعلويين والطائفية وهذا الكتاب نفسه. ومنها: "تلك كانت البداية في التَّعرُّف على الهواجس الطَّائفيَّة التي كانت تُدهِشني على صعيدَيْن: الأوَّل هو وجودها كهواجس دون وطنيَّة، ولا علميَّة، بالنسبة إليَّ أنا الذي تلقَّى معارفه الأولى في بيت علمانيٍّ، لم تُذكَر فيه الخلافات الطَّائفيَّة والمذهبيَّة والدِّينيَّة إلَّا من باب البحث العلمي التَّأريخيِّ ونقاش الآراء. والثاني هو التعتيم الرَّسْمِيُّ على التَّنوُّع الطَّائفيِّ، وتصويره على أنه قشرة من دون جذور، إلى الدرجة التي جعلت الطوائف الأخرى مجهولاً، تُحاك حوله الأساطير، تلك الأساطير التي لم تفعل في ذهني سوى دَوْر الناسف الذي يطيح الحقيقة بمِعِيَّة الخيال، والصِّدْق بمِعِيَّة الكذب، والوقائع بمَعِيَّة المختلق."
أما المقدمة الثالثة فهي مقدمة المؤلف والتي كتبها خصيصاً للطبعة العربية من الكتاب ومنها: " كان ثمَّة قصَّة ظللتُ أواجهها باستمرار: مزايا العَلَوِيِّيْن وهيمنتهم. فهمتُ عمَّنْ كانوا يتحدَّثون، وأن تلك هي القصَّة الخارجية لأولئك الذين ينتمون إلى شبكات المحسوبية السِّياسيَّة والاقتصادية للنظام والنُّخب. ومع ذلك، فإن العَلَوِيِّيْن الذين التقيتُ بهم في قرى الجبال السَّاحليَّة أو في ضواحي دمشق، لم يكونوا على الإطلاق في مثل هذا الحال، إذ كانوا يعيشون في ظروف متواضعة، وليس لهم على ما يبدو أيُّ تأثير أو دالَّة على ما حَدَثَ في سورية، حالهم حال غيرهم. فهم أنفسهم تحدَّثوا عن كونهم مجرَّد ضحايا، مثلهم مثل الجميع.
وعندما فتَّشتُ عن أدبيات تتناول العَلَوِيِّيْن عسى أن أتعرَّف على المزيد عنهم، كان معظم ما عثرتُ عليه يتعلَّق بالطقوس والمعتقدات الدِّينيَّة فحسب، وكان يصعب الاعتماد على الكثير منها، بسبب تحيُّز مَنْ كَتَبَهَا الواضح وتحامله الصريح، ولأنها كانت، وعلى نحو ملحوظ، تشبه حديث الأغلبيات المتفوِّقة عن الأقلِّيَّات، في جميع أنحاء العالم. لم يقدِّم لي ذلك شيئاً، فنشأتْ فكرة البحث، التي أثمرتْ هذا الكتاب/ الأطروحة، من رغبةٍ في معرفة كيف يرى العَلَوِيُّون أنفسَهم، وكيف هي علاقتهم ببقيَّة الشعب السُّوريِّ من خلال انقسام "نحن وهم" الذي بدأ يتجلَّى لي. ومن أجل تجنُّب الوقوع في الفخِّ الواضح المتمثِّل في التَّحيُّزات والتقييمات والأحكام المُسبَّقة، اقترح أستاذي أن أستخدم نظرية الخطاب لفَهْم هذا المجال، وهي النَّظَريَّة التي استغرقتْ منِّي وقتاً طويلاً لفَهْمها، ولكنها، أيضاً، النَّظَريَّة التي غيَّرت رؤيتي إلى العالم إلى الأبد. شعرتُ حينها أنني أُسهم، بقَدْر ما، في فَهْم الهُوِيَّة الدِّينيَّة في سورية، مستخدِماً منهجيَّة لم يسبقْ لأحد أن قَارَبَها. بذا، لم يكن الدِّيْن هو ما يهمُّني، بل الظواهر الاجتماعية والسِّياسيَّة التي تنشأ عن رؤية العالم من منظور الدِّيْن أو العِرْق فقط، وبالتالي ابتسار الناس واختزالهم بكونهم أعضاء في هذه المجموعات. الدافع هو الخوف. ومن الخوف تنشأ الكراهية."