الأخبار
بايدن ونتنياهو يجريان أول اتصال هاتفي منذ أكثر من شهرإعلام إسرائيلي: خلافات بين الحكومة والجيش حول صلاحيات وفد التفاوضالاحتلال يفرج عن الصحفي إسماعيل الغول بعد ساعات من اعتقاله داخل مستشفى الشفاءالاحتلال يغتال مدير عمليات الشرطة بغزة خلال اقتحام مستشفى الشفاءاشتية: لا نقبل أي وجود أجنبي بغزة.. ونحذر من مخاطر الممر المائيالقسام: نخوض اشتباكات ضارية بمحيط مستشفى الشفاءالإعلامي الحكومي يدين الانتهاكات الصارخة التي يرتكبها جيش الاحتلال بحق الطواقم الصحفيةمسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي"إسرائيل حولت غزة لمقبرة مفتوحة"تقرير أممي يتوقع تفشي مجاعة في غزةحماس: حرب الإبادة الجماعية بغزة لن تصنع لنتنياهو وجيشه النازي صورة انتصارفلاديمير بوتين رئيساً لروسيا لدورة رئاسية جديدةما مصير النازحين الذين حاصرهم الاحتلال بمدرستين قرب مستشفى الشفاء؟جيش الاحتلال يعلن عن مقتل جندي في اشتباكات مسلحة بمحيط مستشفى الشفاءتناول الشاي في رمضان.. فوائد ومضار وفئات ممنوعة من تناولهالصحة: الاحتلال ارتكب 8 مجازر راح ضحيتها 81 شهيداً
2024/3/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

طفلتي الكبيرة سامية.. لنختلف سجالٌ للتراب فرضيات بقلم سامية الجيلاني رمان

تاريخ النشر : 2021-11-27
طفلتي الكبيرة سامية.. لنختلف سجالٌ للتراب فرضيات     بقلم سامية الجيلاني رمان
طفلتي الكبيرة سامية لنختلف سجالٌ للتراب فرضيات

بقلم: الأديبة التونسية سامية سالم الجيلاني رمان

لم أكن أعرفها، لم أتوقع أن التقي بها يوما ما، لم يكن في بالي أني سألتقي في يوم ما بشابة تحمل عنفوان الحياة بكل معاني التمرد على المألوف، لم اتعود ان أن أرى حركة فنطازية تؤديها فتاة ما لتترجم كلماتها من خلال الحركات المدهشة والسريعة بقدميها ويديها ورأسها وحركات جسدها الممشوق المملوء بالثورة على المألوف والمعتاد.

حينما رأيتها تهرول قادمة إلينا ونحن نقف بانتظارها في شارع عام في العاصمة تونس وهي تتأبط اوراقها، وهي حالة لم أألفها من قبل، شعرت أن هناك خطأ ما، أو ربما مظهرا من مظاهر الالتزام إلى الحد الأقصى، والتعبير عن الأسف عن التأخر في الموعد ولكن بشكل حركات لا بالكلمات، لكن سيل كلماتها الجارف الذي تدفق بعد ذلك بدون مقدمات وبسرعة صاروخية كنت لا أفهم منها سوى كلمات مبعثرة بسبب اختلاف اللهجات العربية انساني تلك الحالة التمردية، وشغلني بالحالة الجديدة التي لم أألفها هي الأخرى من قبل، حيث رافقت الكلمة حركة الجسم لتتحول إلى عرض مسرحي يسلب الألباب، ولا يعطيك مجالا لترمش بعينيك.

كان كل الذي نجحتُ في تبينه من كلامها انها ستدير جلسة الحوار بيننا وبين الفلاسفة والمثقفين والأدباء والفنانين التونسيين في المدرسة السليمانية، وهذا أربكني كثيرا، ليس أنا فحسب بل جميع أعضاء الوفد الثقافي العراقي الذين لفتهم الحيرة والدهشة مثلي.

لكن حينما بدأت الجلسة الحوارية وبدأت سامية هذه الطفلة الناضجة عقلا وفكرا تتكلم، هذه الفيلسوفة المبدعة المتألقة التي تتزاحم الكلمات على لسانها وتتدافع بالمناكب، وجدتها كائنا آخر، كائنا سحريا خرافيا انشقت عنه أرض تونس بعد ان فركت كف الزمن مصباح علاء الدين، كائنا مثاليا في منتهى الحذاقة والثقافة والود والاحترام والرقة، وقد نجحت سامية بإدارة الجلسة بامتياز تام، واثبتت مقدرتها الثقافية والقيادية من خلال تلك الكاريزما المحببة التي قربتها إلى نفوسنا بشكل لا يصدق. حينها أيقنت وايقن معي الجميع أن ما قامت به من قبل في بداية لقائنا بها هو ترجمة لأفكارها، وأن الطاقة التي تحملها في أعماقها هي التي جعلتها تؤدي كل تلك الحركات التي أدهشتنا، وقد استغربنا في بداية الأمر لأنه ليس مألوفا لدينا، ثم لما ألفناه وجدناه أسلوبا حضاريا للتعبير عن الذات بالكلمة والحركة والفكرة.

انتهت جلستنا الحوارية على خير، وحينما خرجنا من أجواء الجلسة وسرنا في طريقنا إلى الباص لنعود إلى الفندق شاهدنا مقهى رصيف جميل وبسيط اغرانا الجلوس فيه، كانت سامية ترافقنا، فقد تعلقت بنا وبطيبة العراقيين، وحينما جلسنا في المقهى لتناول القهوة والعصائر والشاي الأخضر، كانت سامية تؤدي تلك الحركات المحببة إلى النفس، كنت انظر إليها وكأنها طفلتي التي تحبب نفسها إليَّ، وهو شعور ترجمته نظرات أعضاء الوفد العراقي؛ الذين كانوا جميعهم يشاركوني فيه، كلنا كنا ننظر إلى الطفل المخبوء في داخلها وهو يتوهج عطاء وطيبة وجمالا روحيا وصباحة وجه وتلال من الأخلاق الرفيعة والكلمات الهادرة بلا توقف، استغلت الجلسة وأخذت صورا للذكرى مع الجميع وألقت على مسامعنا إحدى قصائدها المائزة التي رافقتها تلك الحركات.

بقيت سامية مدار أحاديثنا إلى أن التقينا بها في جلسات أخرى تبين لنا من خلالها أننا امام قامة إبداعية مملوءة بالتألق والسمو الروحي والعقلي، وهذا ما حببها إلينا فتعلقنا بها كما يتعلق الأب بطفلته المدللة.

بعدها انشغلنا ببرنامجنا الثقافي وابتعدنا عنها لغاية عودتنا إلى العراق، وبعد عدة أيام وصلني طلب صداقة على صفحتي في الفيس لتتحول سامية إلى صديقة محببة على قلبي ووجداني زهرة في ربوع صفحتي،

بعدها أرسلت لي مجموعتها (لنختلف سجالٌ للتراب فرضيات) هدية البنت لأبيها الذي يحبها.

وإذا ما كنت لا أجيد كتابة النقد الأدبي لأنه بعيد عن تخصصي، فإن ذائقتي الأدبية اعطتني موهبة تمحيص العمل الأدبي وتفكيكه والحكم عليه، وقد سبق وكتبت الكثير من القراءات عن منجزات أدبية أغرتني للكتابة عنها، وقد راقت كتاباتي للآخرين، وهذا ما شجعني على قراءة مجموعة سامية والكتابة عنها، ولاسيما وانها استوقفتني بدأ من العنوان (لنختلف سجالٌ للتراب فرضيات)، هذا العنوان الذي بدا لي مبهما، متهكما مغرقا بنوع من التصنع المقصود؛ ربما لأني لم أقرا كثيرا من نتاج أدباءنا في مغربنا العربي من قبل لأعرف طريقة اختيارهم للعنوانات!

لكن ما إن بدأت أقلب صفحات مجموعتها حتى وجدتني أمام بركان من المشاعر الثائرة والنافرة والساخنة والمعمقة، وحقولا من الصور الغريبة المدهشة التي تسلب اللب، وتجبرك على التحديق بها باندهاش، وفيض مشاعر تبدو قلقة صعب عليَّ وصفها. وجدت ثورة الكلمة تكاد تناغم ثورة الفكر، وحينها عرفت كيف رسم الفنانون العظماء لوحاتهم الخالدة بكل تلك الروعة والجمال؛ من خلال تناغمهم الروحي مع الفرشاة واللون والرقعة والموضوع.

بدوت أحبو على مهل في أجواء تلك الصفحات كطفل يتعلم المسير، يقف.. يتهيأ.. يحرك قدمه.. يخطو، ثم يسقط لينهض من جديد، وكأنها دورة الحياة.

وخلال رحلتي في فيافي هذا العمل اكتشفت حقيقة تأثير اختلاف الثقافات على نحت معاني المفردات وطرق استخدامها وربطها ببعضها، اكتشفت أسلوبا جديدا للكتابة لم اعهده في نتاج أدباءنا الشرقيين ولاسيما الرجال منهم، أسلوبا لونه التلاقح الثقافي مع الموروث، مع مناهج الثقافة والسلوك العام، وأثر البيئة والمجتمع.

ففي مجتمعاتنا الشرقية تجد عادة نوعا من الرصانة المصطنعة أحيانا، والتزمت الحدي إلى درجة الخشونة غير المتعمدة وغير المقصودة، طالما أن منها نبعت ثقافة المجتمع الذي تقوده سلوكيات مغرقة بالموروث، حيث تشم أثر الوقائع الساخنة بكل صورها المأساوية، وطبيعة البداوة الغائرة في أعماق النفس، ورصانة الإرث الحضاري المغرق بالتنوع من (أنت كالكلب في وفائه) إلى (عيون المها بين الرصافة والجسر)، كل تلك التناقضات فرضت نفسها بقوة على شخصيتنا المشرقية فخدشت رقة الكلمة في أحيان كثيرة، لا افتقارا للجمال والرقة، فتلك لدينا منها الكثير وإن كان بعضها مصطنعا، وإنما لأن اللوعة مداد يصبغ الكلمات بوحشية مأساته، وتبرأ ممن لا يجاريها في مساراتها المتعرجة المتعبة التي تقود إلى التيه أحيانا.

ما وجدته في مجموعة سامية هزني من الأعماق، كنت أقرأ باندهاش واعيد قراءة بعض المقاطع مرات ومرات، عشت اوقاتا مفعمة بالحيرة وانا أبحث عن الرابطة بين العنوان الذي صيغ بعناية فائقة واختير بذائقة رفيعة؛ والنص الذي بني بجزالة وحذاقة وخبرة وفن وحكمة. نعم أعرف أن الحديث لا يكفي ولابد من شواهد عليه، ولكني لا اريد واقعا الاستشهاد بمقاطع مما قرأت لأني أجد الاقتباس المجتزأ المبتور لا يفي النص حقه ربما لن المجموعة بكاملها تبدو وحدة مترابطة سياميا غير قابلة للفصل لأن الفصل يهدد حياتها، ولذا لا أعتقد أن الاقتباس سينجح في رسم صورة حقيقية للمضمون ببعديه النفسي والروحي وببنائه الأسلوبي المعمق، وأعتقد ان أفضل طريقة لفهم المضمون هي في قراءة المجموعة كلها في جلسة واحدة دون انقطاع، وحينها ستدركون أنكم لم تضيعوا الوقت الذي قضيتموه معها هباء، فقد شدتني مجموعة سامية إلى درجة أني تركت أعمالي المكدسة والمستعجلة لأقرأها أكثر من مرة ولأكتب عنها بعض ما خرجت به من تصور وشعور بعد إعادة قراءتها للمرة الرابعة، وربما سأعود إليها.

ملاحظة أخيرة: على خلاف معظم أدباءنا الشرقيين من النساء والرجال، اهتمت سامية بالحركات فقامت بتشكيل جميع الكلمات وكأنها خبيرة في لغة العرب وإعرابها، وهذا ما زاد المجموعة جمالا ورصانة.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف