الأخبار
صحيفة أمريكية: حماس تبحث نقل قيادتها السياسية إلى خارج قطرعشرة شهداء بينهم أطفال في عدة استهدافات بمدينة رفح"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزة
2024/4/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

امرأة ضعيفة ترجمة حماد صبح

تاريخ النشر : 2021-11-24
قصة: امرأة ضعيفة 

ترجمة: حماد صبح
 
ذهب كيستونوف صبحا إلى مكتبه رغم نوبة داء المفاصل التي نابته ليلا وما خلفته في بدنه من وهن ، وشرع في الوقت المحدد يقابل عملاء المصرف والأشخاص الذين قدموا حاملين دعاواهم . بدا نحيلا منهكا ، وتكلم بصوت واهن لا يكاد يعلو على الهمس كأنه يُحتَضَر.

سأل سيدة تلبس معطفا عتيقا، ويوحي مظهرها الخلفي إلى حد بعيد بما يشبه جُعلا كبيرا : ماذا تريدين مني ؟!

فطفقت تتكلم سريعا : لعلمك يا صاحب الفخامة ، زوجي شيتشوكين مخمن الضرائب مريض منذ خمسة أشهر ، وأثناء انطراحه في البيت ، إن أذنت لي بقول هذا ، فصلوه من عمله يا صاحب الفخامة .وحين ذهبت لاستلام مرتبه خصموا منه أربعة وعشرين روبلا وستة وثلاثين كوبكا ، فسألتهم : " لماذا ؟! " ، فأجابوني : " اقترضها من مال النادي " ، وكفله الكتبة الآخرون . كيف حدث ذلك ؟! كيف اقترض المبلغ دون إذني ؟! مستحيل يا صاحب الفخامة . ما سبب اقتراضه ؟! أنا امرأة فقيرة . أكسب قوتي من إيجار بيت لي . أنا امرأة ضعيفة . لا حول لي ولا طول . أنا مجبرة على تحمل الإساءة من كل الناس دون أن أسمع كلمة طيبة واحدة.

وكانت تطرف بعينيها ، وتغوص في معطفها حتى منديلها ، فأخذ كيستونوف دعواها وراح يقرؤها ، ثم سألها هازا كتفيه : ما هذه ؟! لا أستطيع فعل أي شيء بها . واضح أنك جئت إلى العنوان الغلط يا سيدتي . لا يستطيع أي منا أن يفعل شيئا لدعواك . عليك أن تقدميها إلى الدائرة التي كان زوجك يعمل بها.

فقالت : لماذا يا سيدي العزيز ؟! ذهبت من قبل إلى خمسة أمكنة ، فلم يقبل أي واحد منها الدعوى .فقدت عقلي تماما . إنما الحمد لله ، بارك الله في بوريس ماتفييتش زوج بنتي الذي نصحني بالمجيء إليك قائلا : " اذهبي يا أمي إلى السيد كيستونوف ، فهو صاحب نفوذ ، وقادر على أن يفعل لك أي شيء . ساعدني يا صاحب الفخامة ! ".

_ لا نستطيع فعل أي شيء لك يا سيدة شتشوكين ، ويجب أن تفهمي أن زوجك خدم في القسم الطبي التابع للجيش ، ومؤسستنا تجارية خاصة . مصرف . وبالتأكيد يجب أن تفهمي هذا .
وهز كتفيه ثانية ، والتفت إلى سيد منتفخ الوجه يلبس زيا عسكريا . فقالت السيدة شتشوكين في صوت يبعث على الشفقة : يا صاحب الفخامة ! معي شهادة الطبيب التي تثبت أن زوجي مريض . هاهي ! إن تلطفت بالنظر إليها.

فقال كيستونوف ضيق الصدر : رائع جدا . أصدقك ، لكن أكرر أن لا جدوى لها عندنا . غريب ولا معقول تماما . مؤكد أن زوجك يعلم أين يجب أن تقدمي دعواك.

_ لا يعرف شيئا يا صاحب الفخامة . دائما يقول : " هذا ليس شأني . انصرفي ! " . هذا كل ما أناله منه . إذن شأن من ؟! يجب أن أقول كل شيء.

فالتفت إليها كيستونوف ثانية ، وطفق يشرح الفرق بين إدارة الجيش الطبية وبين مصرف خاص ، فأصغت إليه متنبهة ، وهزت رأسها موافقة ، وقالت : نعم . نعم . نعم . أفهم يا سيدي . في هذه الحالة قل لهم يا صاحب الفخامة أن يدفعوا لي على الأقل خمسة عشر روبلا تحت الحساب !

فزفر كيستونوف رادا رأسه إلى الخلف : أف ! لا سبيل إلى تفهيمك .افهمي أن تقديم مثل هذه الدعوى إلينا غريب غرابة تقديم دعوى طلاق مثلا إلى مختبر كيميائي أو إلى دائرة تحليل . لم يدفعوا لك حقك ، ما دخلنا نحن ؟!

فولولت السيدة شتشوكين : يا صاحب الفخامة ! دعني أذكرك في صلواتي بقية حياتي ! ارحم امرأة وحيدة محرومة ! أنا امرأة ضعيفة لا حول لي ولا طول . أنا قلقة حتى الموت . أنا مضطرة لتسوية أموري مع المستأجرين ، والاعتناء بشئون زوجي ، والطواف حول البيت للاعتناء به ، وأذهب هذا الأسبوع يوميا إلى الكنيسة ، وزوج بنتي عاطل عن العمل ، وقد لا آكل ولا أشرب . بالكاد أقف على رجلي الآن . ما نمت طول الليل.

شعر كيستونوف بسرعة وجَبان قلبه ، فوضع يده فوقه والكرب بادٍ على وجهه ، وأخذ يشرح للسيدة شتشوكين ثانية إلا أن صوته خذله ، فقال ملوحا بيده : لا . معذرة . لا أستطيع محادثتك . رأسي يدور . أنت تعيقننا وتضيعين وقتك . أف !
ونادى أحد كتبته : أليكسي نيكوليتش ! هل تتفضل بالشرح للسيدة شتشوكين ؟!
 
وذهب إلى حجرته الخاصة بعدما نظر في كل الدعاوى ، ووقع حوالى اثنتي عشرة دعوى في الوقت الذي كان فيه أليكسي لا يزال منشغلا بالسيدة شتشوكين .وسمع كيستونوف في غرفته صوت أليكسي الممتلىء الخفيض المنضبط ، وولولة السيدة شتشوكين الصارخة : أنا امرأة ضعيفة . امرأة بلا حول ولا طول . أنا امرأة صحتي ضعيفة . أبدو قوية شكلا ، لكن إن فحصتني بعناية فلن تجد في جسمي نسيجا واحدا سليما . لا أكاد أقف على رجلي ،وفقدت شهيتي .احتسيت صباح اليوم فنجان قهوتي دون أدنى التذاذ.

فوضح لها أليكسي الفرق بين الإدارات وبين النظام المعقد لإرسال الدعوى ، وما لبث أن أعياه الإجهاد ، فحل محله المحاسب . قال كيستونوف محتدا مفرقعا أصابعه بعصبية دون أن يتوقف عن الذهاب إلى إناء الماء : امرأة قبيحة قبحا مذهلا ! كاملة الغباء . أجهدتني وستجهدهم . يا لها من مخلوقة كريهة ! أف ! قلبي يخفق بعنف.

ودق جرسه بعد نصف ساعة ، فحضر أليكسي نيكوليتش ، فسأله واهن الصوت : كيف تسير الأمور ؟!

_ لم نستطع تفهيمها أي شيْ ! يا بيوتر أليكساندريتش ! ببساطة استنزفت طاقتنا . نتكلم في شيء ، وتتكلم هي في شيء آخر .
_ أنا ...لا أقدر على تحمل صوتها ... أنا مريض ، لا أقدر على تحمل هذا .

_ اطلب البواب بيوتر أليكساندريتش ! ومره بطردها !
فصاح كيستونوف مرعوبا : لا .لا . ستصرخ ، وفي البناية شقق عديدة ، ويعلم الله ما قد يظنه ساكنوها بنا . حاول أن تشرح لها يا زميلي العزيز !

وبعد دقيقة سمع صوت أليكسي نيكوليتش العميق ، وانقضى نصف ساعة ، وبدلا من صوته العميق الخفيض سمعت غمغمة المحاسب القوي الصوت . وفكر كيستونوف غاضبا هازا كتفيه في عصبية : امرأة كريهة بصورة عجيبة . عقلها لا يكبر عن عقل شاة . أظن وخز داء المفاصل (النقرس ) عاد لي . .. وصداع الرأس النصفي يعود .
وفي الغرفة الملاصقة كان أليكسي نيكوليتش في نهاية صبره ، فدق المنضدة بإصبعه ، وضرب جبينه ، وقال : الحقيقة أنك بلا عقل سوى هذا ...
فقالت مستشعرة الأذى : تعال ! تعال ! خاطب بكلامك زوجتك يا برغي ! لا تكن طليق اليدين كثيرا !
فنظر إليها مغضبا محنقا ، وقال في صوت هادىء مكتوم : غوري !
فصرخت : ما ... ذا ؟! كيف تتجرأ ؟! أنا امرأة ضعيفة ، لا حول لي ولا قوة . لن أتحمل هذا . زوجي مخمن ضرائب يا برغي ! سأذهب إلى المحامي ديمتري كارليتش ، ولن يبقى منك شيء بعدئذ . عندي ثلاثة محامين مستأجرين ، وسأجعلك ترتمي على قدمي قصاصا منك على كلماتك الوقحة . سأذهب إلى رئيسك يا صاحب الفخامة ، يا صاحب الفخامة !
فح أليكسي نيكوليتش عليها : انصرفي يا حشرة !
وفتح كيستونوف باب غرفته ، وتطلع في المكتب ، وسأل باكي الصوت : ماذا يحدث ؟!
كانت السيدة شتشوكين تقف وسط المكتب محمرة مثل سلطعون ، وتدير عينيها ، وتعابث الهواء بأصابعها ، وموظفو المصرف يقفون محمري الوجوه ، ينظرون إلى بعضهم مذهولين والاضطراب يبدو عليهم . وصرخت السيدة شتشوكين واثبة على كيستونوف ، ومشيرة إلى أليكسي نيكوليتش : هنا ! هذا الرجل ! إنه هنا ! هذا الرجل !
وضربته على جبينه ، وضربت المنضدة مضيفة : أمرته أنت بالنظر في موضوعي ، وهاهو يهزأ بي ، أنا امرأة ضعيفة لا حول لي ولا طول . زوجي مخمن ضرائب ، وأنا شخصيا بنت رائد في الجيش .
تأوه كيستونوف : رائع جدا يا سيدة . سأتولى الموضوع . سأتخذ خطوات . اذهبي وانتظري !
_ ومتى سأحصل على النقود يا صاحب الفخامة ؟! محتاجة إليها اليوم .
فمسح كيستونوف جبينه بيده المرتجفة ، وزفر ، وأخذ يشرح من جديد :
أعلمتك من قبل أن هذا مصرف . مؤسسة تجارية خاصة . ماذا تريدين منا ؟!
افهمي أنك تعيقين عملنا !
استمعت إليه السيدة شتشوكين وتنهدت ، ووافقت على كلامه : مؤكد . مؤكد .فقط أحسن إلي يا صاحب الفخامة ! دعني أدعُ لك بالخير ما عشت ! كن أباً ! احمني ! إن كانت الشهادة الطبية لا تكفي فأنا مستعدة أن أحضر من الشرطة شهادة مشفوعة بالقسم . مرهم بإعطائي النقود !
وبدأ كل شيء يسبح أمام كيستونوف ، ونفث كل ما في رئتيه من هواء في زفرة متطاولة ، وانهار يائسا فوق مقعد ، وسألها موهون الصوت : كم تريدين ؟!
_ أربعة وعشرين روبلا وستة وثلاثين كوبكا .
فأخرج محفظته من جيبه ، وانتزع قطعة نقد فئة خمسة وعشرين روبلا ، وقدمها إلى السيدة شتشوكين قائلا : خذيها و ... انصرفي !
فلفتها في منديلها ، ودستها في ثيابها ،وسألت مبتسمة ابتسامة متكلفة ، بل متغنجة : يا صاحب الفخامة ، وهل ممكن أن يحصل زوجي على وظيفة مرة أخرى ؟!
فقال كيستونوف موهون الصوت : أنا ماشٍ . أنا مريض . وجبان قلبي مرعب .
وعقب انصرافه إلى البيت ، أرسل أليكسي نيكوليتش نيكيتا لجلب بعض حب الغار ، وأخذ كل موظف عشرين حبة ،وطفقوا يعملون بينما لبثت السيدة شتشوكين ساعتين في الردهة في حديث مع البواب انتظارا لعودة كيستونوف . وعادت إلى المصرف في اليوم التالي .
الكاتب الروسي أنطون تشيكوف ( 1860 _ 1904.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف