الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

"نزار قبّاني" الثائر على الاستبداد بقلم: محمَّـد عبد الشَّافي القُوصِي

تاريخ النشر : 2021-10-08
"نزار قبّاني" الثائر على الاستبداد

بقلم: محمَّــــد عبد الشَّــافي القُوصِــي؛

      لا يوجد شاعر احتدم حوله الجدلُ مثل (نــزار قبّاني)! حتى عند موته رفض نفر من "المتشدّدين" الصلاةَ على جثمانه في أحد مساجد لندن، متّهمينَ إياه بالزندقة والفسوق!

     فقيلَ لهم: هلاَّ شققتُم عن قلبه؟ فردَّوا بانزعاج: نعم، شققنا عن دواوينـــــه !!

  وهنا اشتعل النزاع بين الفريقيْن!! فقال أنصاره : إنه شاعر عروبيٌّ لديه غيْرة على العروبة لا توجد عند سواه، وأنه فضح الأنظمةَ العميلــةَ وعرّاها أمام الدنيا كلها. وقالوا أيضاً: إنَّ مقامه –رضيَ اللهُ عنه- في الأواخر، لا يقلّ عن مقام "حسّانّ" في الأوائل! ثمّ استشهدوا بشعره الذي يقول فيه:

     دمشقُ يا كنز أحلامي ومروحتي .. أشكو العروبةَ أمْ أشكو لك العربا

     لقد أشبعوا القدسَ أحلاماً مُزيّفةً .. وأطعموها سخيفَ القول والخُطبا

     وقبر "خالـــد" في حمْص نُلامسه .. فيرجفُ القبـرُ في زُوّاره غضبا

     يا ابنَ الوليــد ألاَ سيفٌ نُؤجّـره  .. فكلّ أسيافنا قد أصبحتْ خشبا !

  لكنّ خصومه لا يَرونَ فيه سوى شاعر عاكف في القمقم الأنثوي، ولم ينجح في فك ارتباطه بالمرأة، وسحب قواته الغازية من أرضها. حتى في أشعاره السياسية؛ لم يستطع أن يغادر جزيرة النساء، فقد جعل الوطنَ امرأة، والبندقية امرأة، والسياسة امرأة! وقد اتّهموه بالاستبداد والديكتاتوريّة؛ حينَ جعل "المـــرأةَ" حبيبته رغم أنفها، فقد قرّر هو ... وما عليها سوى الإذعان والطاعة لقراره الشهرياري دون  مناقشة، عندما قال في أُولَى قصائد ديوانه (القــرار):

 إنّي عشقتكِ واتخذتُ قراري .. فلمنْ أُقدّم يا تُرى أعـذاري!

لا سُلطةٌ في الحبّ تعلو سُلطتي .. فالرأيُ رأيي والخيار خياري!

  من جانبنا؛ إذا أردنا أنْ نُنصفَ (نـــزار)؛ فإننا نقول: إنه ليس كذلك ... فهو شاعر جيّد، لكن شعره لا يخرج عن الضرب الثاني الذي أشار إليه "ابنُ قتيبة" في مقدّمة كتابه (الشّعر والشّعراء) أيْ: ممّا حسُنَ لفظه وقصر معناه!

*   *   *

 عندما دخل "نــزار" الساحةَ الأدبية، وفي يده مجموعته الشعريّة الأولى (قالت لي السمراء) رأى فيها "المحافظون" محاولة لتحريك الحجارة في (شطرنج) الخليل!

 كان نزار ينظر إلى المرأة على أنها مادة ميتة في أكثر الشعر العربي، ولم تتحرّر نظرته من هذا الميراث إلاَّ عندما جلس على مقاعد (الهايد بارك) في لندن، وتحاور مع الجنس الآخَر.

وقدْ أغرتْ قصائده -بحلاوة إيقاعها وعذوبة ألفاظها- أشهَر المغنّيين والمغنّيات العرب، خاصة عندما صدر ديوانه (الحبّ لا يقف على الضوء الأحمر) الذي قال فيه:

  هذا كتابي الأربعون .. ولمْ أزلْ .. أحبو كتلميذٍ صغير في هواكِ

  كل اللغات قديمة جداً .. لابدَّ من لغةٍ أُفصِّلها عليك حبيبتي ..

   لابدَّ من لغةٍ تليق بمستواكِ

  حلَّقتُ آلافَ السنين .. وما وصلتُ إلى ذُراكِ

  وجلبتُ تيجانَ الملوك .. وما حصلتُ على رضاكِ

  وصعدتُ فوق الأبجديّة كيْ أراكِ

   يا مَن تخيط قصائدي ثوباً لها ..

  هل ممكن بين القصيدة .. والقصيدة .. أنْ أراكِ !

  هكذا كان بستان "نزار" تحوطه الأزهار والورود، وكان قاموسه الشعري يَضجّ بأصناف العطور، وأصوات النساء، وأسماء المطاعم والملاهي والمقاهي إلى أن جاء زلزال (الخامس من حزيران) المدمِّر، ووقعت الواقعة، فتحوّل نزار إلى شاعر من شعراء الهجاء الغلاظ! وصارت أشعاره أشبه بزجاجات حارقة، وعبوات ناسفة، وقد جرّ عليه الشّعر "السياسي" الكثير من الأزمات والمصائب؛ فحُرِمَ من دخول أغلب العواصم العربية، وصُودِرتْ دواوينه، ومُنِعتْ أغانيه من الإذاعات العربية، وقَضَى بقية عمره في المهاجر، حتى لفظ آخر أنفاسه وهو يحلم بالحريّة ... وما علِمَ أنها حلم بعيد المنال! 

 نعم؛ لقد أخرج "نــزار" مُسدّسه، وأطلق النار على المستبدّين والطغاة الذين أورثوا شعوبهم العار .. بدءاً من قصيدة (هوامش على دفتر النكسة) التي لا يُسمَع فيها سوى شتيمة الزعيــم "المُلهَــم"، وصفْعه بالأحذية، وضربه بالنعال القديمة ... ثمّ فضحه على الملأ في قصيدته الشهيرة، التي يقول فيها:

    لا تفكّر أبداً .. فالضوء أحمر .. لا تُكلّم أحداً .. فالضوء أحمر

    لا تنم بين ذراعي زوجتك .. إنَّ زوّار الفجر موجودون تحت الكنبة!

     لا تفكّر بعصافير الوطن .. وبأشجار وأنهار وأخبار الوطن

    لا تفكّر في الذين اغتصبوا شمس الوطن .. إنَّ سيف القمع يأتيك صباحا!

   كما نراه في قصيدة (الكتابة بالحبر السري) يتهكّم بشدة من كُتّاب السلطة، وأبواق الحُكّام، وحملَة المباخر، مثل (هيكـــل) وأشباهه الذين كانوا يُصفّقونَ للزّعيـــــم، في السرّاء والضرّاء:

    هُم يكتبون .. كأنهم لا يكتبونْ ..

  ويُعاصرون سقوط تاريخ .. وهم مثل الدجاج مُدجّنـون!

   البائعونَ ثقافةً مغشوشةً .. والكاتبونَ قصائداً سريةً

  ماذا يريد الأدعياءُ الكاذبون؟ وهم عند النظام .. موظّفون !

  ماذا يريد الهاربون .. من الشهامة والرجولة .. ماذا يريد الهاربون؟

  ماذا يريد اللاعبونَ على اللغاتِ .. الشاطرونَ .. الماكرون؟

 الشاهدونَ على جريمة شنقِنا .. ماذا تراهم يَشهدونْ؟    

  لقد ترك "نزار" تراثاً ثرياً في الجانب السياسي، ولعلّ أشهر قصائده، وأكثرها ذيوعاً: (تزوّجتك أيتها الحرية، كتابات على جدران المنفى، منشورات فدائية على جدران إسرائيل، المَحضَر الكامل لحادثة اغتصاب سياسي، لقد مرَّ عشرون عاماً علينا، الممثّلون، القدس، الغاضبون).

أمّا قصيدة (السيرة الذاتية لسيّاف عربي) فقد تعرّض "نــزار" بسببها للحرمان من دخول جميع الدول العربية، وهي تقع في 154 بيتاً، ومُقسّمة إلى سبعة مقاطع، والفكرة الرئيسية في القصيدة هي تصوير الطغيان والقهر والتسلّط والاستبداد والإقطاع السياسي الذي ابتُليتْ به أوطاننا. وقيل: إنّه كان يقصد بها "عبد الناصر"، وقيل: "السادات"، وقيل: صدّام، وقيل: بورقيبة، وقيل: حافظ الأسد. وقيل ... وقيل ... لكنّني أرى أنّ القصيدةَ مُفصّلة على هؤلاء السفَلَة جميعاً؛ ربائب الصهيونية، وصناعة الماسونية، وخدم الغرب، ومَعرّة التاريخ ... الملعونين على جميع الألسنة!

*    *   *

      تعالوا نستمع إلى جانب من "السيرة الذاتية للطاغية العربي"؛ التي تشمئز منها الشياطين:

      أيّهــــــــا النّــاس ... لقد أصبحتُ سلطاناً عليكم

   فاكسروا أصنامكم .. بعد ضلال واعبدوني !

   أنا الأولُ والأعدلُ .. والأجملُ من بين جميع الحاكمين

   وأنا مخترع المشنقة الأولى .. وخير المرسلين !

 كلما فكّرتُ أن أعتزل السلطة .. ينهاني ضميري!

  من ترى يحكم بعدي هؤلاء الطيبين ؟!

 مَن سيشفي بعدي الأعرج والأبرص والأعمى .. ومَن يُحيي عظامَ الميّتين

 كلما فكرتُ أن أترككم .. فاضتْ دموعي كغمامة

 وتوكلتُ على الله .. وقررتُ أن أحكم الشعب إلى يوم القيامة!

   أيّهــــــا النّــاس .. أنا أملككم .. مثلما أملكُ خيلي وعبيدي

  وأنا أمشي عليكم .. مثلما أمشي على سجّاد قصري

   فاسجدوا في قيامي .. واسجدوا في قعودي !

    أيها الناس أنا "الحجَّــــاج"

  وأنا جنكيز خان .. جئتكم بحرابي  .. وكلابي وسجوني

  لا تضيقوا أيها الناس ببطشي .. فأنا أقتل كيْ لا تقتلوني!

 وأنا أشنق كيْ لا تشنقوني .. وأنا أدفنكم في ذلك القبر الجماعي كيْ لا تدفنوني!

    يا جماهير بلادي .. يا جماهير الشعوب العربية

   أنا سجّانكم وأنا مسجونكم .. فلتعذروني

    اعذروني إنْ تحولتُ لهولاكــــو جديد

   أنا لمْ أقتل لوجه القتل يوماً ... إنما أقتلكم كَيْ أتسلّى!!

   أخيراً؛ رحم اللهُ (الشاعر) الذي رفض الإخوة المتشدّدون الصلاةَ على جثمانه الطاهر!!
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف