الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

المسؤولية التقصيرية لناقل عدوى فيروس كورونا

تاريخ النشر : 2021-04-29
المسؤولية التقصيرية لناقل عدوى (فيروس كورنا) في فلسطين

اعداد الباحث: نور الدين صريع
بإشراف دكتور القانون المدني: محمد موسى خلف

مقدمة:
انتشر فيروس كورونا انتشارًا سريعًا وهائلًا في مختلف أنحاء العالم، ولم يترك شكًا على دلالته في خطورته على صحة الانسان، ولعل سبب هذا الانتشار الخطر يغزى إلى الأفراد الذين لا يتحملون المسؤولية المجتمعية ويتجولون ويخالطون بعضهم البعض تحت طائلة اللاشعور والبلادة من بعضهم، فهذا الفايروس لا ينتقل إلا عن طريق الرذاذ، والذي لا يتصور نقله إلى من الانسان في حالة كورونا ، وهذا ما دفع السلطات في مختلف أنحاء العالم إلى تركيز إجراءاتها الوقائية على الأفراد.

وفي فلسطين؛ بلغ عدد الإصابات (319,100) إصابة و(3419) حالة وفاة حتى تاريخ يوم 15/4/2021 ، الأمر الذي ينعت حالها بالموبوئةِ إلى حد التدهور، وهذا نتاج التخالط الكبير بين أفرادها؛ فلو التزم الفرد بالحجر أو وقى نفسه على الأقل لما أصيب الآخر، وهذه الأصابة ما هي إلا ضررٌ لحق المصاب، والضرر يلزمه الضمان، وغني عن التوضيح أن الفرد لا يكون ملزمًا بالضمان إلا إذا كان هنالك مصدرًا لهذا الالتزام، ولا يخفى من عنوان المقال أننا في صدد تناول المسؤولية التقصيرية؛ وبمسمى آخر الفعل الضار (مصدر الالتزام محل البحث في المقال).

وتكمن الخطورة لو افترضنا أن مصابًا بفيروس كورونا ما زال يتجول بين العامة وقد خالط آخرين ونقل لهم العدوى، فكيف يمكن أن يتم مساءلته مدنيًا (التقصيرية منها) في ظل التشريعات النافذة في الضفة الغربية، والتي على رأسها قانون الصحة العامة ، ومجلة الأحكام العدلية ، وقانون المخالفات المدنية ؟ ذلك أن هذه التشريعات لم تحتو أحكامًا خاصة ومباشرة لنقل عدوى المرض، الأمر الذي يتوقف بالتنيجة على ما إن كانت القواعد العامة للمسؤولية التقصيرية تحتوي حالة ناقل العدوى بالفيروس وتحمله المسؤولية، وإن حملته على فرضٍ؛ فما الآثار القانونية المترتبة على ذلك؟ وهل هذه المسؤولية تمتد على ناقل العدوى الذي لا يعلم بإصابته أصلًا؟
 
وفي سبيل الإجابة على هذه التساؤلات، سوف نقسم هذا المقال إلى عدة محاور في محاولةٍ لتوعية أفراد المجتمع بمخاطر التخالط ونقل العدوى، والتي يهمنا منها المسؤولية التقصيرية المقررة على ذلك وآثارها القانونية، والتي إن بانت شكلت رادعًا لمن يفكر الاقدام على التخالط ونقل العدوى، وكشفًا لحقوق المصاب عن الضرر الذي لحقه:

المحور الأول: تعريف العدوى بفيروس كورونا
يعرف الفيروس على أنه مجموعة من الجزيئات المعدية متناهية الصغر، وهي لا تستطيع التكاثر والنمو خارج جسم الكائن الحي، لكونها تحتاج إلى الخلايا الحية لاحتضانها للقيام بالعمليات الحيوية بدلًا عنها . ويعرف فيروس كورونا على أنه فصيل من الفيروسات واسعة الانتشار معروفة بأنها تسبب أمراضاً تتراوح من نزلات البرد الشائعة إلى الاعتلالات الأشد وطأة مثل متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (MERS) ومتلازمة الالتهاب الرئوي الحاد الوخيم (السارس) . وهذا الفيروس معدٍ، وقد سبق لنا الذكر أنه ينتقل عن طريق الرذاذ الصادر من الانسان دون غيره من الكائنات الحية، وتعرف العدوى كما عرفتها المادة الأولى من قانون الصحة العامة "بكل مرض قابل للانتقال إلي الآخرين بأي طريقة كانت"، ولم يعرف هذا القانون الشخص ناقل العدوى، إلا أنه وعلى ضوء تعريف العدوى يمكن تعريفه على أنه كل شخص نقل لغيره مرض قابل للانتقال بأي طريقةِ كانت، وهذا يعني أنه كان مصاب وأصاب غيره بالمرض، أي أن هذا الغير كان سليمًا لولا أن نقل له المصاب المرض وبات مصابًا مثله، وعرفت المادة الأولى من القانون سالف الذكر المصاب على أنه "كل شخص مصاب بأحد الأمراض المعدية أو يكون حاملاً لمسببها".
وبناءً على ما ذكر أعلاه، يمكن تعريف العدوى بفيروس كورونا على أنها عملية انتقال _بأي وسيلة كانت_ لفيروس كورونا من شخاص مصاب (حامل الفيروس) إلى آخر كان سليمًا وأصيب نتيجة هذه العملية.

المحور الثاني: الأساس القانوني للمسؤولية التقصيرية لناقل عدوى الفيروس
الأصل في الانسان براءة ذمته ؛ فلا يمكن تحميله المسؤولية إلا إن كان لها أساسًا في القانون، والأساس إما أن يكون مباشرًا صريحًا أو ضمنيًا، ويكون مباشرًا متى ورد نص في القانون يحمل المسؤولية لمن قام بفعلٍ معينٍ مثلًا، وبالحقية أن القوانين السارية في الضفة الغربية لم تورد نصًا صريحًا على مسؤولية ناقل العدوى التقصيرية، وحتى القرارات بقانون التي صدرت بغية مواجهة جائحة كورونا، إلا أن هذا لا يدعنا نسلم بأنه لا مسؤولية عليه في ظل العدالة التي يهدف القانون تحقيقها، لذلك كان علينا الاجتهاد بالبحث إن ما ورد بهذه القوانين نصوصًا تحمل ناقل العدوى المسؤولية على فعله بشكل ضمني، وهذا ما وجدناه بشكل مبدأي في مجموعة من النصوص في مجلة الأحكام العدلية، والتي منها "لا ضرر ولا ضرار"، "الضرر يزال"، "الضرر لا يزال لمثله"، "الضرر يدفع بقدر الإمكان"، ولكن هذه النصوص يستنتج منها أنها تدفع الضرر وتنهي عنه بكل أشكاله، ولا تحمل المسؤولية نتيجة ارتكابه أو الاتيان به للغير، بل وكل ما يقال عنها في حالتنا محل المقال أنها أساس قانوني لا يجيز نقل العدوى للغير. أما عن الأساس القانوني للمسؤولية التقصيرية بحد ذاتها على فعل الإضرار بالغير بنقل عدوى الفيروس له؛ فإنه يتطلب توجيه بوصلة البحث مباشرة إلى أركانها الثلاث (الخطأ، الضرر، العلاقة السببية) ؛ فإن توافرت مجتمعة، أقيمت عليه المسؤولية، والتي نستعرضها على الآتي:
 
1. الفعل (الإضرار/ التعدي) (الخطأ): ويعنى بهذا الفعل (التعدي) أنه الانحراف عن السلوك المألوف بين الناس، وذلك بتجاوز الحدود الواجب التزامها؛ مما يؤدي إلى الاضرار بالغير أو بمصلحة مشروعة له وفقًا للقوانين والأعراف، ويكون هذا الإضرار إما بالعمد أو الإهمال أو بمخالفة القانون وأحكامه، والمقصود بالعمد أن إرادة الشخص اتجهت ابتداءً للإضرار بالغير، وأما الإهمال فيكون عندما يخل الشخص بواجب عليه أو بما ما كان لا عليه القيام به، ومخالفة القانون صورة عامة لكلا المتقدمتين . 

ويتشكل هذا الفعل من عنصرين وفقًا لقانون المخالفات المقدم على مجلة الأحكام لكونه الخاص: المادي وهو التعدي أو الإضرار، والمعنوي وهو الإدراك والتمييز ؛ وسن التمييز حسب القانون سالف الذكر هو اثنى عشر عامًا وما علاه . وبالرجوع للحالة محل المقال، نجد أن ناقل العدوى قد أهمال وخالف القانون، إذ أن القانون يوجب بألا ضرر ولا ضرر، وكل ملحق للضرر ملزم بالضمان إذا كان مميزًا، وناقل العدوى قد ألحق الضرر بالغير بإصابته للفيروس، كما وخالف الإجراءات المعلن عنها عن رئيس الوزراء تنفيذًا للقرارات بقانون التي أناطت له الصلاحيات في مواجه هذه الجائحة ، وذلك بمخالطته لغيره، فالإجراءات بعموها فرضت الحجر على المصاب أولًا، ومنها وفي بعض الأوقات من فرضت حظر التجول، وما كان لناقل العدوى أن يصيب غيره لو التزم بيته وما خالطه، وهذا يستوى مع عدوته لأفراد عائلته وهو مصاب، لأنه كان عليه أن يحجر نفسه عنهم.

والتعدي من ناقل العدوى إما أن يكون عمدًا أو بغير عمد، وكلاهما يلزمه الضمان؛ فيتصور منه العمد إذ اتجهت إرادته لنقل العدوى ل س وهو عالمًا بآثار فعله، ويستوى معها كذلك لو أخطأ طريقه وأصاب ص، ويقاس العمد من عدمه بالمعيار الذاتي (د.أمين دواس) أي البحث في مكنون ضميره وظروفه الخارجية. أما التعدي بغير عمد؛ كأن يكون أصاب غيره نتاج هفوةٍ منه، كما لو كان محجورًا وطلب من زوجته غسل ملابسه الذي ارتداها أثناء إصابته، وأصيبت الآخيرة وهو غير قاصد لذلك؛ فكان عليه ألا يفعل وأن يكتفي بعزل ملابسه معه أيضًا، وهذا عملًا بالمعيار الموضوعي، والذي يقيس السلوك على أساس الرجل العادي، والذي لو كان في موقف المصاب لما فعل ما فعله.

وركن الفعل (الخطأ) هذا يحتمل أن يكون ايجابيًا أو سلبيًا، والمقصود بالايجابي القيام بالفعل (يتطلب حركة عضلية)، وبالسلبي الإمتناع عن الفعل . وفي الحالة محل المقال، يكون الفعل ايجابي متى أقدم ناقل العدوى على مخالطة غيره بخروجه من بيته مثلًا وهو مصاب، وبدورنا نرى أنه يمكن أن يقع منه الخطأ بصور سلبية، وذلك لو كان ابنه غير المميز مصاب وخرج للعب مع أبناء الجيران بعلمه، فغير المميز يجهل أنه عليه الحجر ويجهل الحجر أصلًا، ورعايته وإدارته في هذا الشأن واجبة على والديه، ولما خرج للعلب كان على والده منعه من ذلك، إلا أن امتناعه عن منعه يحقق الصورة السلبية من الخطأ.
والإضرار بالغير قد يقع مباشرة أو بالتسبب، وعرفت مجلة الأحكام العدلية المباشرة بنص المادة (887) على أنه "إتلاف الشيء بالذات، ويقال لمن فعله فاعل مباشر"، ومناط هذه الصورة أن الفاعل قام بفعله مباشرة دون تدخل فعل آخر بينهما، كأن يتلف الشخص مزروعات جاره بحرقها؛ فهنا لم يتدخل فعل آخر بين فعله والحرق. أما الإضرار بالتسبب، فقد عرفته مجلة الأحكام في نص المادة (888) على أنه "إحداث أمر في شيء يفضي إلى تلف شيء آخر"، ومثاله أن يقوم شخص بقطع المياه عن مزرعة جاره فيفضي ذلك لتلف المزروعات، وفي هذه الحالة فعله بقطع المياه لم يفضي مباشرة لتلف المزروعات بل تسبب بها. ونشير إلى أن الفاعل المباشر يكون ضامنًا في كل الحالات، أم المتسبب؛ فلا يكون ضامنًا إلا بالتعمد . وفي الحالة محل المقال يتصور أن يكون ناقل العدوى مباشرًا، وذلك لو ركب السيارة بجانب شخصٍ آخر فأعداه، ونتصور أيضًا أن يكون متسببًا؛ كما لو نقل العدوى لصديقه بقصد أن يعدي زوجته وهو يعلم أنه لا بد من الاختلاط بينهم.
وفي هذا الصدد، نعيد السؤال الذي طرحناه بالمقدمة، حول المسؤولية التقصيرية لناقل العدوى وهو لا يعلم أنه مصاب؟


وإجابة هذا التساؤل ببساطة تعيدنا إلى الفقرة السابقة؛ فإن كان مباشرًا ضمن فعله بكل الحالات، وإن متسببًا فلا، لكونه لا يتصور العمد بهذه الحالة وهو لا يعلم أصلًا بأنه مصاب، ونرى أن هذه الحالة تستوي مع من تلقى الطعم، وذلك لكونه لا من إثبات للآن بأن تلقي الطعم كفيلًا بالوقاية وبشكل نهائي من الفيروس .

2. الضرر: يقصد بالضرر "الخسارة أو التلف الذي يلحق بمال، أو سلب الراحة أو الأضرار بالرفاه الجسماني أو السمعة أو ما إلى ذلك" ، والضرر إما أن يكون ماديًا أو أدبيًا، ويتمثل المادي في الإخلال بحق _ كالضرر الملحق في سلامة الجسد_ أو مصلحة مشروعة للمضرور، ويتصور في الحالة محل المقال متى ألحق الشخص الذي انتقلت إليه عدوى الفيروس وتأذى بآلامه من أعراض الإصابة بالفايروس وهذا ضرر جسدي، أو أصابة مادية لكون أنه تعطل عن عمله مثلًا، ولا يرد القول أننا في حالة طوارئ والأعمال معطلة، لكون بعض القطاعات لم تتوقف عن العمل، كالقطاع الصحي متمثلًا بالمستشفيات مثلًا، عدا عن أن الضرر قد يمتد لما بعد حالة الطوارئ. وأما الضرر الأدبي (المعنوي) فيعرف على أنه كل ضرر يؤذي الانسان في شرفه او يصيب عاطفته ومشاعره ، وهذا الضرر يكون تصوره فيما إذ توفي المصاب ولحق الحزن والألم أهله مثلًا.

ويشترط في الضرر محل المقال أن يكون الضرر محققاً، كأن يثبت بشهادة طبية أصابة المضرور بالفيروس؛ وقد يكون مستقبلي متى توافر سببه و لم تحدد آثاره بعد، وأن يكون الضرر مباشراً متوقعاً كان أم غير متوقع؛ فنقل العدوى لآخر قد لا يتصور معها وفاته؛ لكنها إن وقعت ألزم ناقل العدوى بتحمل المسؤولية عن الوفاة؛ ويجب أن يكون الضرر قد لحق المضرور شخصيًا، ويشترط أيضًا أن يُصيب الضرر حقاً أو مصلحة مالية للمُتضرر، وهذا غني عن التوضيح .

3. العلاقة السببية: ويعنى بها هنا أن يكون الضرر الذي لحق المصاب هو نتيجة لفعل ناقل العدوى، فلا يتصور أن يتحمل الثاني المسؤولية والضرر الذي لحق الأول لم يكن لسبب فعله. وهذه العلاقة تثبت طبعًا بكافة وسائل الإثبات لكونها واقعة مادية، ويقع عبء إثباتها على المضرور، وللمدعى عليه إثبات تخلصه من المسؤولية بإثبات قطع العلاقة السببية ، كأن يثبت أن الضرر وقع نتيجة لسبب أجنبي كالقوة قاهرة؛ أو أنه وقع نتيجة لفعل المضرور؛ كأن يثبت أن المضرور دخل لسرقة غرفته وهو مصاب ونتيجة للعبث في مقتنياته الخاصة انتقلت إليه العدوى، وفي صدد الإثبات هذا قد يثور تساؤلًا ما إن إختلط الشخص بعدة مصابين في آن وانتقلت إليه العدوى؛ فعلى من تثبت المسؤولية؟
بالحقيقة أن إجابة هذا التساؤل بسيطة تكمن في نص المادة (10) من قانون المخالفات المدنية التي نصت على أنه " إذا اشترك شخصان أو أكثر في تبعة فعل بمقتضى أحكام هذا القانون، وكان ذلك الفعل يؤلف مخالفة مدنية، يتحمل ذلك الشخصان أو أولئك الأشخاص تبعة ذلك الفعل بالتضامن، وتجوز إقامة الدعوى عليهما أو عليهم مجتمعين أو منفردين"، ونضيف على هذا التساؤل حالات عدة قد تتصور في العلاقة السببية:
- حالة تسلسل الأضرار؛ كأن يكون المضرور في المشفى بسبب إصابته من ناقل العدوى واشتعل بها حريقًا توفاه، فهل يتحمل ناقل العدوى مسؤولية ذلك؟
 
برأينا لا يتحمل، وذلك عملًا بأحكام المادة (60) من قانون المخالفات التي لا تحمل المسؤولية إلا عن الضرر الذي ينشأ بصورة طبيعية في سياق الأمور الاعتيادية، والذي ينجم مباشرة عن الفعل ، ووفاة المضرور محترقًا نتيجة غير طبيعة ولا اعتيادية لنقل العدوى.
- حالة تداخل فعل المضرور مع فعل ناقل العدوى، كالشخص الذي يعيل المصاب بالفيروس أثناء اصابته؛ ويخالطه دون اتخاذ اجراءات الوقاية الكافية وأصيب هو الآخر، فهل يتحمل ناقل العدوى المسؤولية عن إصابة المعيل؟

وفي هذه الحالة نرى سلامة ما توجه إليه الدكتور أمين دواس مستندًا لقرارات محكمة التمييز الأردنية من أن تداخل فعل المضرور مع فعل المدعى عليه (ناقل العدوى) يوجب انتقاص المسؤولية على الثاني بالقدر العادل لمخالفة كل منهما والاشتراك نوعًا ما في تحقق نتيجة الضرر، إلا أن هذه الصورة غير مسلم بها في كل الاحتمالات؛ فإذا استغرف فعل أحدهما الآخر تحمل الأول المستغرق.

وبناءً على ما ذكر أعلاه؛ فإن الأساس القانوني للمسؤولية التقصيرية على ناقل عدوى الفيروس هو احتواء القواعد العامة للمسؤولية التقصيرية فعل ناقل العدوى وما أحدثه من ضرر لغيره بناءً عليه، ومدى توافر أركانها الثلاثة فيه.

المحور الثالث: آثار المسؤولية التقصيرية لناقل عدوى فيروس كورونا

إذا توافرت الأركان الثلاثة في الفعل محل المقال كما سبق الذكر؛ فإن محدث الضرر يكون ضامنًا في مواجة المضرور، وللأخير إقامة دعوى مستقلة على الأول أمام المحكمة التي يقيم فيها محدث الضرر (ناقل العدوى) أو أمام المحكمة التي يكون محل عمله ضمن دائرة اختصاصها، أو أمام المحكمة التي يقيم في دائرة اختصاصها المدعي (المضرور) أو التي وقع الحادث في دائرتها ، كما وله إقامتها بالتبعية مع الدعوى الجزائية إذا كانت هنالك دعوى جزائية مقامة على محدث الضرر فيما لو شكله فعله هذا جرمًا .

وبغية الدعوى على محدث الضرر هو المطالبة بضمانه للفعل الضار الذي أحدثه (مطالبة مالية/ المطالبة بالتعويض)، والتعويض (الضمان) نوعين: عيني ونقدي، ويقصد بالعيني إجبار محدث الضرر على التنفيذ العيني على سبيل التعويض، ويتحقق ذلك عندما يكون الخطأ الذي ارتكبه المدين في صورة يمكن إزالتها وإعادة الحال لما كان عليه قبل وقوع الضرر ، والتعويض النقدي غني عن التوضيح.

وبالحقيقة أن محدث الضرر يكون ضامنًا ضمانًا عينيًا بالدرجة الأولى ومن ثم النقدي إذا استحال الأول؛ لكونه إذا فقد الأصل يصار إلى البدل ، والأصل هو التعويض العيني، ولعل الضرر محل المقال وخاصة الجسدي منه؛ من المجمع عليه أن يستحال فيه التعويض العيني، إلا أننا بدورنا نرى أن التعويض النقدي بمفهومه العام هو أصلًا بغية إعادة الحال لما كان عليه المضرور، وإلا لماذا يستمر محدث الضرر في التكفل بمصاريف العلاج؟! ولكنه في حالتنا محل المقال لا يكون ملزمًا بتحقيق نتيجة، أي أنه غير ملزم بإعادة الحال، بل عليه بذل عناية الرجل العادي في سبيل تحقيق ذلك، وهذا ما يفرق فيه عن التعويض العيني الذي يكون ملزمًا فيه بتحقيق النتيجة.

ويقدر التعويض عن الضرر المادي الذي لحق المصاب إن بقيَّ حيًا بتقدير قيمة نفقات العلاج التي تكبدها من أجل شفائه وتحسين حالته الصحيه، وأثمان الأجهزة الطبيه المساعدة، ونفقه الإقامه من أجل التداوي، ونقص دخل المصاب أو ربحه فيما يستقل من أيام حياته . وأما إذا توفي؛ فيقدر التعويض بتقدير قيمة نفقات العلاج قبل وفاته، وما فقده من دخل نتيجة تعطله عن العمل قبل وفاته، ونفقات نقل جثته من مكان الحادث إلى مكان السكن، ونفقات إقامة بيت العزاء، وفي حالة وفاته من يستحق التعويض زوجه ووالديه وأولاده . هذا وهنالك تعويض عن الضرر المرتد الذي يصيب المعالين شخصيًا، وهو الضرر الذي يصيب الغير والمرتبط ارتباطًا وثيقًا بالمضرور المباشر، وقد يكون المعال من الورثة (زوج المضرور المباشر ووالدية وأولاده عملًا بأحكام قانون المخالفات) فيكون له صفتين بالدعوى؛ صفة شخصة وأخرى إرثية، وطبعًا وكما كل التقادير؛ يقدر هذا التعويض من القاضي بدلًا لإعالتهم.

ومن الجدير بالذكر، أن الحصول على التعويض جراء الضرر الذي لحق المصاب لا يكون فقط بسلك الطريق القضائي، بل لا مانع من الاتفاق على التعويض بين محدث الضرر والمضرور وتوقيع صك صلح بينهما، لكون الاتفاق وقيام الفرد بما عليه من التزامات هو الأصل وسلك الطريق القضائي هو الاستثناء. ونشير أخيرًا إلا أنه وفي كل الحالات لا يمكن الاتفاق على إعفاء محدث الضرر من التعويض، وإن تم فهو باطل، ويكون للمضرور رفع دعوى في شأن ذلك .

الخاتمة:
منذ أن بدأنا كتابة هذا المقال أدركنا أن الموضوع لا يغطيه مقال من عشرة صفحات، إلا أنه وعملًا بالقاعدة الفقهية القائلة: (ما لا يدرك كله لا يترك جله) شرعنا في كتابته على أمل أن نتناول المواضيع الرئيسية على الأقل في فرض المقال، وذلك لأنه لا من دراسات سابقة تناولت هذا الموضوع في فلسطين، ولأن الموضوع غاية في الأهمية لما نراه يوميًا من كوارث في الاختلاط بين الأفراد؛ وانتشار الفيروس بشكل سريع وخطر، وحتى يعمد غيرنا لدراسة الموضوع بشكل تفصيلي والبناء على ما أتممناه في هذا المقال.

وبخصوص النتائج التي توصلنا إليها؛ فلا يسعنا إعادة مناولتها، لكونه وكما ذكرنا بأن هذا المقال موجز، وهو أصلًا عبارة عن نتائج لما ترتب في عقل الكاتب من أحكام لمحل المقال، إلا أننا وعلى أي حال؛ نذكر فيما توصلنا إليه من أن ضرر نقل العدوى هو من الأضرار التي تشملها الأحكام العامة المانعة للضرر في مجلة الأحكام العدلية، كما وأن أساسه القانوني يكمن في أن القواعد العامة للمسؤولية التقصيرية احتوته بقدر جيد، وإذ ما توافرت هذه الأركان في الفعل (نقل العدوى) يكون للمضرور رفع دعوى أمام المحكمة المختصة للمطالبة بالتعويض.
 
وعن توصياتنا؛ فهذا المقال هدف ابتداءً لمخاطبة العموم في الحث على عدم التخالط، وأخذ سبل الوقاية الكافية لمنع انتشار الفيروس، وإلا كانو عرضةً للمسؤولية التقصيرية إذ ما نقل المصاب منهم العدوى لغيره ولو من غير عمد أو بلا علم منه بإصابته، وهذا ما نوصي به. وبالحقيقة لم نهدف أبدًا بالخروج بتوصيات للمشرع، إلا أننا نحبذ لو خصص أحكام للمسؤولية التقصيرية على ناقل العدوى للمرض بشكل عام، وذلك لخصوصيته بعض الشيء، ولخروج صوره أحيانًا عن الصورة العامة للضرر، وهذا لم يفعله المشرع في مشروع القانون المدني مثلًا؛ فصحيح أننا لم نتناول أحكامه في المقال، إلا أننا ولما ترتآي له كل الدراسات ونحن بالمثل؛ بحثتنا بشكل خارجي فيه ولم نجد أحكام خاصة لنقل العدوى بهذا الخصوص مع أنه تشريع حديث بعض الشيء (مشروع حديث)، ووجب تميزه عن تشريعات الدول المجاورة على الأقل.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف