الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الوباء الآتي بقلم د.غسان عبد الله

تاريخ النشر : 2021-04-16
الوباء الآتي

بقلم: د.غسان عبد الله

تباينت الاراء والتحليلات العلمية والطبية حول فايروس كورونا وكثرت الشائعات وندرت التحاليل العلمية الموضوعية . الملفت للنظر، يكاد الجميع قد ركّز على الجوانب الصحية الجسمانية، وقلما تم تناول ألانعكاسات  السيكولوجية والسلوكية السلبية الخطيرة ألاتية لا محالة ، والتي ستنعكس على كافة المجالات الحياتية الكثيرة وذلك في كافة أرجاء المعمورة .

شهد العالم ، وعبر حقبات تاريخية متفاوتة ، أشكالا وأنماطا عدة من ألامراض التي تم تصنيفها بالوباء  ورغم أنه تم السيطرة عليها علميا وطبيا ( الجدري، الدفتيريا / الحصبة ... وما زالت الابحاث الطبية متسارعة على قدم وساق ، لايجاد أدوية لامراض أخرى خبيثة كالسرطان بأنواعه  )،بعد أن كلّفت البشرية أعدادا كبيرة من الوفيات والاصابات وتراجع ملحوظ في النمو الاقتصادي العالمي تمثل في اغلاق  العديد من المؤسسات الاقتصادية وتراجع نمو البعض  الاخر، الا أننا مقبلون على تبعات أشد خطورة على البشرية قاطبة،بسبب جائحة الاضطرابات السلوكية والعقلية وتنامي أشكال العنف جراء ما خلفته جائحة كورونا ، سواء بفعل الفيروس اللعين ، اوسلسلة الاخطاء البشرية (في بدايات  مرحلة كورونا البغيضة) بدءا من الاشاعات والاجتهادات الخاطئة وعدم المبالاة والاكتراث من خلال عدم الالتزام بالمعايير الصحية المطلوبة ، وما واكب ذلك من خطوات مواجهة بعضها ان لم يكن غالبيتها اتسم بردة الفعل ، مما قلّل من نجاعتها وفاعليتها.

نحن بحاجة الى التركيزعلى ضرورة الاستعداد للجائحة القادمة والمتمثلة في مشاكل الصحة النفسية ، ألامر الذي يتطلب وضع استراتيجيات خاصة بالحماية الاجتماعية والنفسية والاقتصادية، لا سيما أننا فقدنا الكثير من ألاعزاء مقارنة بحجم مجتمعنا السكاني ، وعانى الكثير بسبب البطالة التي كانت لها انعكاسات سلبية كثيرة .

يتفاوت مدى التأثر لدى الفئات المجتمعية ليس فقط بين أفراد الطبقة الاقتصادية العالية والطبقة العاملة ( على اعتبار انه بات لا وجود ملحوظ ،أو كما كان سابقا ، في مجتمعنا الفلسطيني للطبقة الوسطى – من وجهة نظر الكاتب )، الا انه ، وبناء على دراسات  وانطباعات أعدها الكاتب وتم نشرها سابقا في العديد من الصحف المحلية( صحيفة القدس مثالا) والمجلات ( مجلة البيادر نموذجا )  وغيرها محليا ودوليا، الا اننا نجد ان فئة الاطفال واليافعين- جيل المستقبل - ، ذكورا واناثا ، لا سيما في التجمعات السكانية المهمّشة ، هم أكثر تأثرا ، وبالاخص فئة الاطفال، التي سجلت حالات فقدان قليلة جدا ، مقارنة مع الفئات العمرية ألاخرى . نعم نتوقع ارتفاعا ملحوظا ومتناميا في شكل / نمط الخسارة  والمعاناة النفسية والاجتماعية التي ستدفعها  هذه الفئة عاجلا أم اّجلا ،بعض من هذه :العنف الاسري،التنّمر،اضطرابات سلوكية مثل الخوف الدائم من الاتي،اللامبالاة،الانطواءعلى الذات والانزواء جانبا،انخفاض مستوى تقدير الذات ومستوى الدافعية ،ألتأتأة ،متلازمة ما بعد المرض، القلق ،الاكتئاب  ،الفوضى وغيرها الكثير ، حتى بعد التعافي من كورونا  .

هناك عوامل عديدة تقف وراء ذلك ، لعل منها :-

-        حالات الفقدان الكثيرة بسبب الموت جراء الكورونا او المعاناة الطويلة لاحد افراد الاسرة أو الاقارب او الجيران .

-        هيمنة ثقافة الاشاعة والتسليم بها من قبل نسبة كبيرة من السكان جراء الخلفيات الثقافية المتفاوتة . أثرت الشائعات ، والتي يذهب البعض لاعتبارها جريمة يحاسب عليها القانون ، على الرأي العام وقد يكون تأثيرها قد امتد الى بعض من صانعي القرار ، على الاقل في بدايات الجائحة ، فمثلا  اعتبر البعض  أن الفيروس مجرد كذبة مختلقة ( قاوم هؤلاء هذه الكذبة بعنادهم ورفضهم للانصياع الى مجمل التعليمات والارشادات الصحية ، الى ان اقتربوا هم أو بعض من أحبتهم الى حالة المعاناة الشديدة وبعضهم توفاه الله ) ،وهناك من اعتبر وباء فايروس كورونا مؤامرة سياسية لثنيه عن مواصلة العمل لتحقيق مشروعه  السياسي الوطني ، 

-        تواصل مسلسل انهيار القيم والاخلاق الحميدة وبشكل كارثي ،أحد ابرز اشكال الانهيار في القيم  هو التركيز على الربح المادي دون الاكتراث بالجوانب الانسانية ،مما عزّز الانانية والفردية بدلا من التفكير بالجماعة والمصلحة العامة

-        غياب سياسة رادعة وواضحة لمواجهة الوباء، مثلما هو الحال المتمثل في غياب خطط فاعلة لمواجهة  والتقليل من الاثار النفسية والاجتماعية للجائحة ، ناهيك عن تدني نسبة الوعي الذاتي لاهمية الصحة النفسية ، رغم الزيادة البطيئة على معدل الوعي  هذا ،مقارنة مع مجتمعات بشرية اخرى .

-        للاسف الشديد ، لعبت وسائل التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الاعلام دورا سلبيا ، تمثل في المساهمة بنشر ثقافة الاشاعة ، عن قصد أو غير قصد، ناهيك عن تصريحات ممن يفترض بهم القيام بدور توعية الشعب وتوجيهه الوجهة الصحيحة ، عمد مثل هؤلاء الى التهويل والمبالغة الزائدة دون التركيز الكافي على ضرورة تذويت الخطر الداهم من فيروس كورونا ، أيضا ابتعدت بعض وسائل الاعلام لترك السيف لباريها في اعطاء التصريحات ، في الوقت الذي كنا ولا زلنا بحاجة الى رفع معنويات الشعب ، لما للعامل النفسي من دور في تعزيز المناعة لدى الانسان ، من منا لا يتذكر دوام استخدام " ضرورة التباعد الاجتماعي ،بدلا من التباعد الجسدي ، فنحن بحاجة ماسة للتقارب الاجتماعي في ظل ألازمات لما يوفر هذا التقارب من أمان نفسي وطمأنينة .

بعد عقد ونيّف من تفشي هذا الوباء ، باتت تتجلى  هذه  الأثاره وانعكاساتها العديدة على جميع مناحي حياة الانسان في المعمورة ( سيكولوجيا ، اجتماعيا ـ تعليميا ، ثقافيا ومما لا شك فيه اقصاديا )، لدرجة يمكنني القول أنه باتت  هناك حالات من بارانويا ، وكوروفوبيا،والكمكمة،مما زاد من حدة هذه الحالة جراء عدم التجربة السابقة لغالبية ألاجيال الحالية التي تحاول التعايش مع هذا الوباء ، مع ضرورة التأكيد على ان من المبكر الجزم وبشكل مطلق في تداعيات جائحة كورنا. مثل تلك الاوبئة انذاك دفعت بالبشرية الى تبني سياسة التكافل وتقديم العون للاخرين ، كما ساهمت في اختراع سبل كفيلة بتحسين الحياة البشرية ، ولعل نظام الصرف الصحي المتطور اليوم ، والذي بدأ به العالم البريطاني جون سنو هو أحد نتاجات وباء كوليرا ، وكذلك وخلال انتشار مرض السل ، فكرة الحاجة الى التعرض للشمس لأكتساب اليود من الطاقة الشمسية ، لما له من أهمية في تفعيل وتعزيز جهاز المناعة لدى البشر 

رغم بدء ظهور سلوكيات اعتبرها ايجابية مثل الكف عن المصافحة والتقبيل والتباعد الجسدي ،الا اننا   أننا لا ندري اليوم ماذا سيكون هناك من انعكاسات وتطورات ايجابية  تستجيب للاحتياجات الصحية البشرية  ما بعد كورونا ، الا انني أشدد عل القول : مثلما انبرت طواقم الجيش الابيض لمساعدة الشعب في مواجهة هذه الجائحة ، والتخفيف عنهم من خلال توظيف كل الطاقات والقدرات المتوفرة ، كان يتوجب على قطاع المثقفين والمختصين في علم النفس السلوكي والطب النفسي والمرشدين/المرشدات التربويين ومزودي الخدمات الاجتماعية  الحذو حذو في تقديم العون والمساعدة ، كل وفق تخصصه وقدراته .

 اذن ما العمل ؟؟؟؟

لكل فعل ردة فعل . ليست هذه الحالة الاولى التي شهدتها المعمورة، ففي عام 1918 عانت الشرية من مرض الانفلونزا ،وقبلها مرض الطاعون الذي قضى على حوالي ربع سكان أوروبا في القرن13

بعد الاصغاء  والالتزام التام بالارشادات الطبية من المختصبين فعلا والانصياع لها بأقصى درجة ممكنة لا سيما في ظل الازمات والشدائد كون ذلك يعتبر من مؤشرات ممارسة الانتماء الوطني الصادق .

تجيء الخطوة الثانية والمتمثلة في ايجاد حالة من التوازن السلوكي من خلال :

مجابهة الهلع والهوس الذاتي او العائلي ،ألبحث عن الايجابيات في سلوكيات الفرد/ العائلة وتكرار ترديدها وذلك من باب تحفيز الاخرين للاقتداء بهذا السلوك ،اغتنام الفرصة لتعزيز قيم التكافل والتعاضد مما يعمل على توليد الشعور بالرضا عن الذات والشعور بعمل شيء ايجابي من شأنه المساهمة في تغيير الاجواء ورفع مستوى التقدير للذات ،كمجتمع يميل الى التدين في غالبيته ، من المفيد جدا بل والمطلوب اللجوء الى ممارسة الشعائر الدينية مع دوام التذكير بالاية الكريمة " قل لن يصيبكم الا ما كتب الله لكم " والحديث النبوي الشريف " اعقل وتوكل " .

هناك  ضرورة  لبناء تكتيكات جديدة مهنية وعملية للانتقال  السلس بفكر ونمط حياة الناس الى أنماط جديدة ، تتوائم مع الظروف والمستجدات التي أوجدتها الجائحة ، اذ من الصعب ،بل والمستحيل أن تعود أنماط ما قبل  الجائحة الى فترة ما بعد الجائحة .

 أولى قطاعات المجتمع التي يجب البدء بها هي الاطفال واليافعين ، وذلك من خلال برامج تثقيفية توعوية غير تقليدية ، وليكن التركيز فيها على اللعب والانشطة  والفعاليات الحرة ، مما يتيح فرص تعزيز مهارات التعاون وألاصغاء والتعلم من الاخر ( التعلم التعاوني والجمعي)، ناهيك عن اكتساب مهارات التعددية والالتزام بالانظمة والقوانين المناسبة واهمها تنظيم ألذات self-regulation وادارة الوقت Time – management  وتعلم مبدأ win-to – win بدلا من الربح والخسارة win or loose  . الشريحة الثانية  هي العائلة ،ولتكن البداية في ترشيد نمط الاستهلاك ، أي شراء ما أحتاج وليس ما أريد ، واختزال عدد المناسبات العائلية وضمن دائرة المقربين من الدرجة ألاولى.

يتأتى كل هذا عبر نظام التربية والتنشئة الاجتماعية ونظام التربية والتعلم اللذان يجب أن يتناغما معا في التركيز على تعليم المهارات النفسيةوالاجتماعية مثل : مهارات الاتصال والتواصل، مهارة القدرة على خلق وتعزيز التوازن ، مهارة حل المشكلات من خلال لغة الحوار ، مهارة اتخاذ القرارات ، مهارة النقد والنقد الذاتي ، مهارة التفكير الابداعي والابتكار لا الاعتماد على النقل والتقليد .

 هكذا يمكن أن  نكون قد أرسينا أسسا لمواجهة والحد من اتاثيرات السيكولوجية والسلوكية اّنفة الذكر، ولتكن ألبداية في تعزيز ألايمان والالتزام بما جاء في الديانات السماوية  .

 
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف