الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

وحِّدوا لبنانَ قبلَ اتّحادِ المشرِق بقلم سجعان قزي

تاريخ النشر : 2021-04-16
وحِّدوا لبنانَ قبلَ اتّحادِ المشرِق

بقلم: سجعان قزي

أخْبرَتْنا دوائرُ القصرِ الجُمهوريِّ أنَّ الرئيسَ ميشال عون يُخطِّطُ لإقامةِ اتّحادٍ مشرِقيٍّ اقتصاديّ. أنّى له ذلك والمشرِقُ مُشتّتٌ ولبنانُ مُبعثَر؟ كلُّ ما بدأَ بالاتّحادِ الاقتصاديِّ انتهى بالوِحدةِ السياسيّة. ضمُّ ألمانيا النازيّة النمسا سنةَ 1939 بدأ بإلغاء الرسمِ السياحيِّ الذي كان هِتلر فَرضَه على النمساويّين، ونشوءُ الاتّحاد الأوروبيّ الحالي بدأ باتّفاقٍ حولَ الفولاذِ والحديدِ سنةَ 1954. نحن ضِدَّ أيِّ وِحدة. فلْنوحِّدْ لبنانَ أوّلًا، أو لنُنشِئْ، على الأقلّ، اتّحادًا بين دويلاتِه. لو أرَدنا تحقيقَ مشاريعَ اتحاديّةٍ أو وِحدويّة، لفَعلْناه من البابِ العريضِ مع الشريفِ الحسين ونجلِه الملك فيصل قبلَ إنشاءِ "لبنانَ الكبير"، ومع أنطون سعادة وميشال عفلق قبلَ الاستقلالِ، ومع عبد الناصر قبل ثورةِ 1958، ومع حافظ الأسد بعدَ حربِ السنتين. لو أردنا تحقيقَ تلك المشاريعِ لفَعلناه قبلَ سقوطِ ألوفِ الشهداءِ من أحزابِنا ومقاومتِنا ومجتمعِنا دفاعًا عن لبنان ضدَّ جميعِ أنواعِ الاتّحادات، وقبلَ استشهادِ مئاتِ الضبّاطِ والجنودِ من الجيشِ اللبنانيّ في 13 تشرين الأول 1990.

صحيحٌ أنَّ هذا المشرِقَ مشرِقُنا بتاريخِه الآراميِّ والكنعانيِّ والفينيقيِّ والسِريانيِّ والعربيِّ، لكنْ أين تاريخُ المشرِق العظيمِ من حاضرِه الشقيّ. وفي المطلَق، يَجدُر بنا الانفتاحُ على أفكارِ الاتّحاداتِ الاقتصاديّة، والعالم صار في زمنِ العولمة. لكنَّ الشرقَ الأوسطَ لا يزال في زمنِ القبائلِ والمذاهبِ والإتنيّاتِ والاستبدادِ والحروبِ والفتنِ والمجازرِ والاجتياحاتِ والظلاميِّة، ويَحتاج عقودًا ليَستعيدَ وعيَه ويَرِجعَ قادرًا على إنشاءِ اتّحاداتٍ حضاريّة وسلميّة. لذا، لا حديثَ عن أيِّ اتّحادٍ قبلَ أن يُصبحَ المشرقُ ديمقراطيًّا ومدنيًّا وعَلمانيًّا، وقبلَ أنْ تَستقِرَّ أنظمتُه وتَلتزمَ عدمَ تدخّلِ البعض في شؤونِ البعضِ الآخَر. وأساسًا إنَّ ميثاقَ جامعةِ الدولِ العربيّةِ يَتضمّنُ ما يَكفي من نصوصٍ لتطويرِ التعاونِ في إطارٍ عربيٍّ جامِعٍ بعيدًا عن التجزئةِ الجغرافيّة، خصوصًا أنْ ليس كلُّ قريبٍ بقريب ولا كلُّ بعيدٍ ببعيد.

أيُّ دولةٍ عربيّةٍ مشرقيّةٍ قائمةٌ ومستقرّةٌ وموحَّدةٌ حتى نُنشِئَ معها اتّحادًا اقتصاديًّا؟ أين اقتصادُ دولِ المشرِق وتجارتُها؟ أين إنماؤها ومصارِفُها؟ أين صناعاتُها وطاقاتُها؟ أيُّ دولةٍ مشرِقيّةٍ تَتمتّعُ بنظامٍ اقتصاديٍّ يَتناغمُ مع نظامِ لبنان حتّى نُقيمَ معها اتّحادًا على غرارِ اتّحادِ مجلسِ التعاونِ الخليجي؟ وأين تَقِفُ حدودُ الاتّحادِ المشرقيّ؟ أتَقتصرُ على المشرِقِ العربيِّ أم تَشْطحُ حتّى بلادِ فارس؟ وما هي الأسبابُ الموجِبةُ لمثلِ هذا الاتّحاد، ولبنانُ يُصارِعُ من أجلِ تثبيتِ كيانِه تجاهَ أطماعِ المشرِق؟ وأيُّ دولةٍ مشرِقيّةٍ تكتفي باتّحادٍ اقتصاديٍّ فلا تُحوّلُه مشروعَ هيمنةٍ على لبنان وتذويبٍ تدريجيٍّ لكيانِه؟ التاريخ المعاصرُ شاهدٌ على ذلك. هل مثلُ هذا الاتّحادِ المشرقيِّ يَدُرُّ علينا ملياراتِ الدولارات ويُنقِذُ الاقتصادَ اللبنانيَّ ويُوقفُ الانهيارَ ويُثبِّتُ الحدودَ اللبنانيّةَ/السوريّة؟ طبعًا، لا شيءَ من هذا كلِّه. لذا، لا يَحِقُّ، بالتالي، لأيِّ سلطةٍ شرعيّةٍ أن تُقرِّرَ هذا المشروعَ لأنّه يَنقُضُ استقلالَ كيانِ لبنان ووجودَه المميّزَ، وقد ناضلْنا عصورًا لبلوغه.

تساؤلاتٌ عِدّة يُثيرها اقتراحُ إنشاءِ اتّحادٍ مشرقيٍّ فيما الشعبُ اللبناني يَبحثُ اليومَ عن نصفِ رغيفٍ، والمشرِقُ مسرحُ صراعٍ دمويٍّ بين مشروعَي الهِلالين السُنيِّ والشيعيٍّ ومشروع ِالأقليّات والأكثريّات. وما نخشاه أن يَستُرَ هذا المشروعُ الاتحاديُّ الأهدافَ والغايات التالية:

1)   خلقُ مشرِقٍ لبنانيٍّ/عربيٍّ/إيرانيٍّ يُعزّزُ من جِهةٍ التمدُّدَ الإيرانيَّ في الشرقِ الأوسط العربيّ، ويُحيي من جهةٍ أخرى مشروعَ تحالفِ الأقليّات. وفي هذا الإطارِ لا يجبُ أنْ يسهوَ عن البالِ أنَ مشروعَ الأقليّات، في أساسِه وغائيّتِه، يَشمُل اليهودَ العرب، وقد أصبحوا إسرائيليّين، ولا يقتصر على الأقليّاتِ العربيّةِ المسيحيّةِ والإسلاميّةِ كالدروز والعلويين والشيعة والأكراد، إلخ...

2)   تكوينُ هذا الإتحادِ، الاقتصاديِّ العنوان، يَجعلُ لبنان جُزءًا من "جَبهةِ الممانعةِ" السياسيّةِ والعسكريّةِ التي تقودُها إيران. لكن لبنانَ الذي ظلَّ خارجَ جَبهةِ الممانعةِ حين كانت عربيّةً لن يَنضمَّ إليها وقد أصبحت إيرانية. ولبنانُ الذي بقي بمنأى عن هذه الجبهةِ حين كان الصراعُ العربيُّ/الإسرائيليُّ لا يزال في عزِّ عسكرتِه في العقودِ الماضية، لن يَلتحقَ اليومَ بها، والعرب يُوقِّعون اتّفاقات سلامٍ مع إسرائيل.

3)   إنشاءُ اتّحادٍ اقتصاديٍّ في الظاهرِ وسياسيٍّ في البُعد قد يؤدّي أيضًا إلى تغطيةِ انعطافِ النظامِ السوريِّ نحو إجراءِ صلحٍ مع إسرائيل في إطارِ تسويةِ الحرب السورية. وهذا يُعيدنا إلى سياسةِ "وِحدة المسارِ والمصير" التي كانت مُتَّبَعةً بين 1990 و2005 ويؤمّنُ كذلك غطاءً سوريًّا لاتّفاقِ سلامٍ لبنانيٍّ/سوريٍّ مع إسرائيل.

4)   السيرُ في هذه النزعةِ المشرقيّةِ في الظرفِ الحاليِّ هو تنفيذٌ صريحٌ لدعوةِ السيّد حسن نصرالله إلى الاتّجاه شرقًا عوضَ بقاءِ لبنان منفتحًا على جميعِ دولِ العالم وملتزِمًا سياسةَ الحيادِ ومتعاونًا بخاصّةٍ مع الدولِ التي تتماهى مع لبنان نظامًا حرًّا وحضارةً وثقافةً وديمقراطيّةً واقتصادًا متقدِّمًا.

5)   التحاقُ لبنان باتّحادٍ مشرقيٍّ، مناهِضٍ بسياستِه غالِبيّةَ الدولِ العربيّة، سيَخلُق شرْخًا بين دولِ المشرِقِ، واستطرادًا لبنان، وبين سائر العرب، ولاسيّما دولُ الخليجِ ومِصر والمغرب.

واضحٌ أنَّ مشروعَ اتحادٍ مشرقيٍ في ظلِّ التمدُّدِ الإيرانيِّ هو نقيضُ الفكرِ المشرِقيِّ التاريخيِّ. وإذا كان هدفُه حمايةَ الأقليّات من اضْطهادِ الأكثرية، فالأكثريّةُ مُضطَهدةٌ أيضًا. في ما مضى، ارتَبطَت فكرةُ الأقليّاتِ عمومًا، وفي الشرقِ خصوصًا، بالجماعاتِ المضطَّهدةِ والباحثةِ عن الأمنِ والحرية، لكنَّ عددًا من الأقلياتِ في الشرقِ صار قاهرًا لا مقهورًا: من الشيعةِ في إيران مرورًا بالعلويّين في سوريا وصولًا إلى اليهودِ في فِلسطين وإسرائيل.

منذ نشوءِ لبنان اختار اللبنانيّون التضامنَ مع المقهورين والمضْطهَدين والمظلومين بمنأى عن انتمائِهم إلى الأكثريّةِ والأقليات. وأصلًا، هذا هو مفهومُ الكيانِ اللبنانيِّ وهذه هي الهوِّيةُ اللبنانية. وفيما نرفض اتّحادًا مشرِقيًّا يَنقُضُ الكيانَ اللبنانيَّ، نرفض أيضًا أنْ تذهبَ الهوّيةُ اللبنانيّة "فرْقَ عُملةٍ" في الصراعِ بين عروبةِ لبنان وفارسيّةِ لبنان. ليس المطلوبُ تثبيتَ عروبةِ لبنان ضِدّ الفارسيّة، بل تَثبيتُ لبنانيّةِ لبنان ووِحدتِه ليكونَ، في آنٍ معًا، شقيقَ العروبةِ وصديقَ الفارسيّة.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف