الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

جماليات الرؤى في قصيدة (جراح) للشاعرة التونسية القديرة منجية حاجي

تاريخ النشر : 2020-12-22
جماليات الرؤى في قصيدة (جراح) للشاعرة التونسية القديرة منجية حاجي

صورة الكاتب

بقلم - محمد المحسن

جماليات الرؤى في قصيدة (جراح) للشاعرة التونسية القديرة منجية حاجي

(جراح)

يمشي على جبيني التّراب تسللا
عبر مسافاتٍ فاض بها الطريق على خطاي
كما صمت الفيافي
تسربل عبر دموع المآقي
سرنا على الجراح علّها تندمل
فازدادت صراخا
حفظنا لغة الطير
كي نبوح ببعضٍ من صمت المرايا
قلنا مالم تقله الرّيح للوادي حين هبوب
مالم يوشوش به الزهر للعشب حين مغازلة
ما لم يصرّح به الحمام حين ناح
فوق قباب المساجد
ما لم يقله التّراب للنعل
حين وطأت...بقايا المقابر
ما لم تبح به الشمس غروب
كما قلنا ما لم تقله السنابل
حين يداهمها صهيل المناجل
قلنا... وقلنا... وقلنا... وأقمنا على الصمت. ..
حـــ....... دّا..
............
.............
(منجية حاجي تونس)
تصدير:

الجمالية تختلف عن الجمال،لأن الجمال صفة تلحظ في الأشياء وتبعث في النفس سرورا ورضا،ولكن الجمالية صفة يمكن الاستدلال عليها من عبر مجموعة ملامح وصفات بعينها تصف شيئا ما.
والجمالية في النص الشعري تتماس بشكل مباشر مع منظومة الأطر التي تؤسس للنسق الجمالي للنص،وهذه الأطر ليست شروطا صارمة يجب اتباعها للحصول على نسق جمالي، ولكنها حالة من التنوع والمرونة تفرزها الذائقة الإبداعية..
أن تقول شعراً فهذا رائع،أما أن يشكل هذا الشعر نسقاً جمالياً فهذا أروع،الشعر في حد ذاته ملمح جمالي إذا ما أضيف إلى شيء أو وصف به شيء،فأنت إذا ما أردت أن تصف لوحة فنية أو مقطوعة موسيقية أو أي نتاج إبداعي فلن تجد أدق من كلمة -شعرية- لتكون الوصف القرين للجمال والروعة والإبداع..
وإذن؟
الشعرإذا،بذاته جمالية أو ملمح جمالي،فما بالك أن تحاول الوصول إلى جماليات الجمال،أو بعبارة أكثر دقة جماليات الملمح الجمالي.
والجمالية هنا تختلف عن الجمال، فالجمال-كما جاء تعريفة في المعجم الوجيز-صفة تلحظ في الأشياء وتبعث في النفس سروراً ورضى،وهو اسم عكس القبح،ولكن الجمالية شيء آخر أكثر عمقاً ويمكن الاستدلال عليها عبر مجموعة ملامح وصفات بعينها تصف شيئاً ما،فلكل شيء جماليات وإن اختلفت في نسبيتها ولكنها موجودة،حتى القبح ذاته له جماليات،ومن جماليات القبح الإجادة في إظهاره كقبح وليس شيئاً آخر.
والجمالية في النص الشعري تكون على تماس بشكل مباشر مع منظومة الأطر التي تؤسس للنسق الجمالي لهذا النص،وهذه الأطر ليست نقاطاً وشروطاً تمثل بياناً (مانيفستو) صارماً يجب اتباعه للحصول على نسق جمالي،ولكنها حالة من التنوع والمرونة تفرزها الذائقة الإبداعية،فما بين جيد ورديء مساحة شاسعة تسمح بقدر كبير من التباين،وهذا النسق الجمالي ممتد ومتسع أيضاً،ولكنه على قدر من الثبات،فبعيداً عن المضمون،يمكن أن تجد نصاً شعرياً قديماً وآخر حديثاً يشتركان في معيار جمالي ما،فالتداعي الدلالي والمغايرة والقدرة على الإدهاش،كلها مفردات لنسق جمالي لقصيدة ما للمتنبي،أيضاً يمكن أن تجد هذا النسق في نص شعري حديث،فالجمالية قرينة الإبداع الحقيقي بعيداً عن أي متغيرات.

نص الشاعرة التونسية منجية حاجي،استطاع أن يختزل الكثير من محاور اللغة ويبقي المعنى في عمق هذه اللغة بالرغم من الوجع الظاهر على النص،لكنه يحمل الكثير من الانزياح الذي يؤدي إلى تركيب الصورة الشعرية بزخم كبير،بحيث يشعر المتلقي بعمق لحظة الألم التي كانت هي المحور في"جراح مؤلمة" لأن الشاعرة بنيت النص على نسق (الوجع)..
أي أن امتداد المعنى بقي في عمق اللغة،وهذا ما جعل الصور الشعرية مشعة بأطياف مواسم الحزن كأنها سيمفونية الصورة،والمتكاملة بشكل يعطي لخيال المتلقي مساحات واسعة من التأويل،لأن الرؤيا التي كونت في محوره بقيت في عمق مسالك اللغة،لأن الدلالة ترادفت مع الاستعارة الذهنية للمدرك الحسي في تكوين الصورة الشعرية..
وقد استطاعت الشاعرة"القيروانية" المتميزة منجية حاجي،أن تحقق التوازن النفسي اللغوي وفق صيغة الحاضر الغائب حيث بقى الانزياح يثبت الاستعارة مع البقاء على حركة الصورة الشعرية المتنقلة،وهذا جعل الصورة الشعرية مركبة على قدر المشاعر النفسية داخل النص.أي أن بؤرة النص بقيت تشع منها وتنسق شتات الرؤى..نص عميق وموجع وبإيقاع لغوي تصويري ..
قراءة تفكيكية للقصيدة:
نطلق اللغة الشعرية في هذه القصيدة للتعبير عما يُفتعل في النفس من انفعالات،فنجد الذات الشاعرة تُملي على نفسها بعضا من مجازات دلالية متخطية اللغة المعجمية رغم مباشرة الحوار،وتظل لغة السهل الممتنع هي اللغة المهيمنة على النص الموسوم بـ”إنهم ينتظرون قصيدة”. حين قراءتنا لهذا النص نلاحظ تصاعد المحتوى الشعري بقدرة الإحالة إلى ما هو أرحب شعرية وأكثر دفقًا في السياق الرمزي. أول ما نقرأ “العنوان” بوصفه أول مفتاح إجرائي يمنح المتلقي اختراق مغالق النص،إذ يمثل “علاقة دالة تكثّف البنية الكلية للنص، تظل دلالته أعلى سلطة نصية باذخة الحضور.
ولأن لغة الشعر تتجاوز العزلة لترتمي في أحضان المشاركة، فإن الذات الشاعرة تمنح المتلقي مشاركتها بوحا يختلج النفس بعمق يؤثت لمشاهدة تصويرية آنية حينا واسترجاعية حينا آخر،ويشيد حوارا روحيا يتجلى في عالم خاص تُشخّص فيه القصيدة لتكون هي المخاطَبة الحاضرة وحوارها هو المهيمن على النص.
المتمعن في عنوان قصيدة ( جراح) للشاعرة التونسية القديرة منجية حاجي يلاحظ أنه عنوان موجع،وفقت الشاعرة في اختياره رأساً لجسد قصيدتها،لأنه تعبير صادق عن مضمونها ..
العنوان يشي بأنه مؤلم أن تتفجر الطموحات والآمال ،فتتطاير شظاياها متناثرة تقتل الأحلام،وتغتال الفكر،مخلفة وراءها الهم والألم والتمزق العاطفي . اعتمدت الشاعرة في الكشف عن انفعالاتها وآلامها الذاتية على التشخيص ،” فالتشخيص ذو قدرة كبيرة على التكثيف العاطفي،وعلى الإيحاء والإيجاز ”وهذا من سمات الشعر"الدرامي"
منحت الشاعرة ”منجية حاجي ” الألم كياناً مجازيا يشاركها حياتها ومشاعرها،فصورت الحرف كالإنسان يبكي ألماً وحزناً وتأثراً لموقف أبكاه، وأتعبه وأرهقه وأزعجه،فوقف ساكناً دون حركة ( أي عجز عن التصرف )، وتبث الحروف شكواها وهمومها للسطر متوجعة..
النقاء المنزه عن الدنس والأدران( المحفور في روح الشاعرة وأحلامها وأمانيها)،يرتدي أثواباً متعددة من المحبة والصفاء والنقاء،أثواب الطهر هذه مزينة بشفافية جمال الروح وطيبتها،فالجمال كما قيل ” يؤنس وحشة الروح ” .
ما بين استعارةٍ وطباق بنت الأستاذة منجية صورةً في غاية التأثير والجمال والعمق.
بهذه الانسيابية والتآلف بين البلاغة واللغة،القصيد جدولاً رائقاً متهادياً،يجعلنا نتحسّس موسيقاه من صورٍ منسجمةٍ مع مفرداتٍ مع تراكيب بيانيةٍ،مضفورةٍ ببراعةٍ واقتدار،بعفوية أكاد أقول مخادعة؛ فهذا الجمال والبناء المحكم،لا يبدعه إلا شاعرةٌ مسكونةٌ بالشعر لها رؤيتها،وتملك من الإبداع ما يجعلها توصل لنا رؤيتها بغاية الألق والجمال.
وهنا أضيف:
إن الحديث عن التطور في الشعر العربي المعاصر،يستوجب علينا الانتباه إلى الجوانب الشكلية التي تجاوز فيها الشعر الناحية الإيقاعية للقصيدة العربية، وصولا إلى تطوير الرؤية الشعرية -حسب متطلبات العصرنة- لدى الشاعر وتناوله للقضايا التي تحيط به وبمحيطه بأسلوب يتماشى مع العصر الأدبي الحديث..وباعتبار أن التجديد الأساسي في القصيدة ليس في جوانبه الشكلية كما يعتبرها البعض فحسب،بل ضرورة توفرها على هذه الرؤية التي تخدم الحدث والزمان والمكان واللغة،وعلى الشاعر أن يعبر عن محيطه وأن يتجاوب مع أحداثه وفق قوانين محكمة،وهذا أمر لا يتحقق لكل من يكتب الشعر،ولكنه يتحقق فقط للشاعر الذي يمتلك حسا شعريا رفيعا وثقافة واسعة تؤهله لبلورة خطاب شعري جميل.
ولهذا السبب،نجد أن الشعراء المقروئين في هذه المرحلة،هم الشعراء الذين يمتلكون رؤية شعرية ناضجة،رغم بعض الضعف الذي قد يعتري قصائدهم،فقد يظهر الشاعر وكأنه يتحدث عن قضية شخصية،ولكنه سرعان ما يتبين أن ما كان يعالجه في النص هو خاص بالآخرين،مستخدماً لغة سهلة واضحة،معتمداً على المنهج الحداثي حيث الفرضية والرؤية الشعرية.
إذ يرى العديد من النقاد أن الرؤية الشعرية هي الحد الفاصل بين الشعر الحداثي الجيد في نسقه الجمالي وغيره من الشعر،والدليل على ذلك،إذا ما أردنا-كما أسلفت- أن نصف لوحة فنية أو مقطوعة موسيقية أو أي نتاج إبداعي،فلن نجد أدق من كلمة -شعرية- لتكون الوصف القرين للجمال والروعة والإبداع.
خـتاماً: النـص مـشبع بـالنزعـة الـروحـية والـوطـنية دون أن ننسى المواجع في خبايا القصيدة،شاعرة متمـكـنة مـن أدواتـها الــفنـية،لـغة وأسلـوباً سـلساً،وبنـاءً معمارياً وصورة رائعة مذهلة،فقد نجحت الشاعرة (منجية حاجي) فــي تجسيد مــا يعتمــل فــي صدرهــا مــن شظايا انفـعالات مضطربة ومتحركة بأسلوبها الواعي الـذي يجعلـك تـحس بجمالـيات الـنص وإيحـاءاته.
وأخيرا أتمنى مزيدًا من العطاء والإبداع والتألق المتواصل للشاعرة التونسية السامقة -منجية حاجي-

(وهذه شهادة مني)

محمد المحسن (ناقد تونسي)

 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف