صورة الكاتب
بقلم - د.سامي الكيلاني
بريموس-قصة قصيرة
حمل البريموس* ومضى متثاقلاًنحو الحارة، الحارة ليست الحارة أو الحي السكني، الحارة هي مركز القرية حيثالمحلات الأكبر من دكان الحي، قاصداً محل السمكري. أسوأ ما في الأمر أنه يجب أنيحمل البريموس بطريقة حذرة لئلا ينطبع السخام على ملابسه. المشي حاملاً بريموسرأسه أسود مليء بالسخام فوق العادة، نتيجة للهبّات المتتالية التي تنتابه، مهمةصعبة، ولكن الأصعب منها أن يلتزم بالتوصيات التي حملها من البيت، "انتبه ألاّيضحك السمكري عليك، لا تقبل إن قال لك أن رأس البريموس ميؤوس منه وبحاجة إلىتغيير". إذن المهمة ليست مجرد حمل البريموس هكذا عارياً من البيت إلى محلالسمكري والعودة به إلى البيت بسلام دون ملابس متسخة. هذه مهمة مقدور عليها رغمصعوبتها، ولكن المهمة الأصعب أن يتصدى كولد لنقاش تكنولوجي عالي المستوى معالزعيم، مصلح البريموس، لتفنيد رأيه إن قال باختصار أن الرأس ميؤوس منه ولا يفيد فيهالنفض. كاد البريموس مع اهتزاز المشي في الطريق الترابية أن يلامس ملابسه أثناءسرحانه، لذلك قرر أن يوقف هذا الحوار الداخلي الذي كان يحضره للرد وليترك الأمرللحظته، هكذا قرر وركز كل انتباهه على الطريق وعلى حمل البريموس بعيداً عن ملابسه.
كان الزعيم مشغولاً بنفض رأسبريموس آخر، وضع البريموس على باب المحل الصغير ووقف يراقبه دون أن يتحدث معه،فرصة لتحضير مناقشته في وجه القرار الصعب، الزعيم منهمك في عمله، رأس البريموس قيدالعلاج مثبتاً إلى منفاخ هوائي يشبه المنفاخ الذي يستعمل لنفخ عجلات الدراجاتالهوائية، يضعه فوق شعلة قوية لبريموس آخر حتى يتوهج ثم يبدأ بالنفخ. انتبه لهالزعيم فسأله عما يريد، شرح له الأمر تماماً كما علمه الوالد، مجرد هبات وسخام.حمل الزعيم البريموس وتفحصه بعين واحدة بعد أن أغلق الأخرى بحركة تلقائية أتقنهامع الزمن. نطق، سقط عليه القرار كالصخرة "لا ينفع معه النفض، بحاجة إلىتغيير". طارت كل المرافعات التي كان قد حضّرها لتفنيد هذا الرأي المتوقع. إنهالطمع ليس إلاّ. لم يكن أمامه إلاً أن يقول "لا، أبي لا يريد ذلك، بس إذا ممكننفض"، نهره الزعيم "خذه وانصرف من هون، ما ظل غير الاولاد يفهموناالشغل"، وأضاف شيئاً لم يفهمه جيداً وهو يمضي مبتعداً، إما شتيمة وإما تحسراًعلى أيام الزعيم في الكويت.
قرر أن يذهب إلى السمكريالآخر، إلى الشيخ ناصر، كان الأمر اجتهاده الشخصي حتى لا يعود خائباً، العودةالخائبة خسائرها كثيرة، ليس أقلها معاناة الوالدة في التعامل مع هذا البريموس ومايتركه من سخام على إبريق الشاي والطناجر. الذهاب إلى المحل الآخر يكلفه مشياًحذراً آخر في هذا اليوم الصيفي الحار منذ بدايته.
كان الشيخ ناصر منشغلاً بلحامإبريق توتياء كإبريق الوضوء الذي يستعمله جده. تبسم الرجل في وجهه، تشجّع وشرح لهمشكلة البريموس. قال له الشيخ "سأحاول، إن تحمل النفض ومشى الحال كان به عمي،وإن ما زبط لازم نغيره". قرر أن يأخذ الأمر على عاتقه، ليس بحاجة إلى مشي حذرآخر إلى البيت ليستشير والده، ولم يجرؤ أن يقول للشيخ ما دار بخلده، أن من حقه أنينسحب من الأمر إذا ثبت بعد المحاولة أن النفض لا ينفع.
كانت العملية طويلة، وكان الوقتالذي قضاه مراقباً جالساً على حجر عند باب المحل الصغير طويلاً جداً. أنهى الشيخالعملية الصعبة، وتلفت إليه "زبطت عمي". حمل البريموس بحذر أقل لأنالرأس كان أقل سخاماً، ومضى نحو البيت يشعر بالفخر يحضّر رواية اجتهاده الذي أصابليرويها بحذافيرها لوالديه، وقرر أن يبالغ في الصورة المنفرة للزعيم.
* علامة تجارية لموقد كيروسين وأصبحت جميع الأنواع تحمل هذاالاسم.
بريموس-قصة قصيرة
حمل البريموس* ومضى متثاقلاًنحو الحارة، الحارة ليست الحارة أو الحي السكني، الحارة هي مركز القرية حيثالمحلات الأكبر من دكان الحي، قاصداً محل السمكري. أسوأ ما في الأمر أنه يجب أنيحمل البريموس بطريقة حذرة لئلا ينطبع السخام على ملابسه. المشي حاملاً بريموسرأسه أسود مليء بالسخام فوق العادة، نتيجة للهبّات المتتالية التي تنتابه، مهمةصعبة، ولكن الأصعب منها أن يلتزم بالتوصيات التي حملها من البيت، "انتبه ألاّيضحك السمكري عليك، لا تقبل إن قال لك أن رأس البريموس ميؤوس منه وبحاجة إلىتغيير". إذن المهمة ليست مجرد حمل البريموس هكذا عارياً من البيت إلى محلالسمكري والعودة به إلى البيت بسلام دون ملابس متسخة. هذه مهمة مقدور عليها رغمصعوبتها، ولكن المهمة الأصعب أن يتصدى كولد لنقاش تكنولوجي عالي المستوى معالزعيم، مصلح البريموس، لتفنيد رأيه إن قال باختصار أن الرأس ميؤوس منه ولا يفيد فيهالنفض. كاد البريموس مع اهتزاز المشي في الطريق الترابية أن يلامس ملابسه أثناءسرحانه، لذلك قرر أن يوقف هذا الحوار الداخلي الذي كان يحضره للرد وليترك الأمرللحظته، هكذا قرر وركز كل انتباهه على الطريق وعلى حمل البريموس بعيداً عن ملابسه.
كان الزعيم مشغولاً بنفض رأسبريموس آخر، وضع البريموس على باب المحل الصغير ووقف يراقبه دون أن يتحدث معه،فرصة لتحضير مناقشته في وجه القرار الصعب، الزعيم منهمك في عمله، رأس البريموس قيدالعلاج مثبتاً إلى منفاخ هوائي يشبه المنفاخ الذي يستعمل لنفخ عجلات الدراجاتالهوائية، يضعه فوق شعلة قوية لبريموس آخر حتى يتوهج ثم يبدأ بالنفخ. انتبه لهالزعيم فسأله عما يريد، شرح له الأمر تماماً كما علمه الوالد، مجرد هبات وسخام.حمل الزعيم البريموس وتفحصه بعين واحدة بعد أن أغلق الأخرى بحركة تلقائية أتقنهامع الزمن. نطق، سقط عليه القرار كالصخرة "لا ينفع معه النفض، بحاجة إلىتغيير". طارت كل المرافعات التي كان قد حضّرها لتفنيد هذا الرأي المتوقع. إنهالطمع ليس إلاّ. لم يكن أمامه إلاً أن يقول "لا، أبي لا يريد ذلك، بس إذا ممكننفض"، نهره الزعيم "خذه وانصرف من هون، ما ظل غير الاولاد يفهموناالشغل"، وأضاف شيئاً لم يفهمه جيداً وهو يمضي مبتعداً، إما شتيمة وإما تحسراًعلى أيام الزعيم في الكويت.
قرر أن يذهب إلى السمكريالآخر، إلى الشيخ ناصر، كان الأمر اجتهاده الشخصي حتى لا يعود خائباً، العودةالخائبة خسائرها كثيرة، ليس أقلها معاناة الوالدة في التعامل مع هذا البريموس ومايتركه من سخام على إبريق الشاي والطناجر. الذهاب إلى المحل الآخر يكلفه مشياًحذراً آخر في هذا اليوم الصيفي الحار منذ بدايته.
كان الشيخ ناصر منشغلاً بلحامإبريق توتياء كإبريق الوضوء الذي يستعمله جده. تبسم الرجل في وجهه، تشجّع وشرح لهمشكلة البريموس. قال له الشيخ "سأحاول، إن تحمل النفض ومشى الحال كان به عمي،وإن ما زبط لازم نغيره". قرر أن يأخذ الأمر على عاتقه، ليس بحاجة إلى مشي حذرآخر إلى البيت ليستشير والده، ولم يجرؤ أن يقول للشيخ ما دار بخلده، أن من حقه أنينسحب من الأمر إذا ثبت بعد المحاولة أن النفض لا ينفع.
كانت العملية طويلة، وكان الوقتالذي قضاه مراقباً جالساً على حجر عند باب المحل الصغير طويلاً جداً. أنهى الشيخالعملية الصعبة، وتلفت إليه "زبطت عمي". حمل البريموس بحذر أقل لأنالرأس كان أقل سخاماً، ومضى نحو البيت يشعر بالفخر يحضّر رواية اجتهاده الذي أصابليرويها بحذافيرها لوالديه، وقرر أن يبالغ في الصورة المنفرة للزعيم.
* علامة تجارية لموقد كيروسين وأصبحت جميع الأنواع تحمل هذاالاسم.