الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

في الكذرى السنوية على وفاة الشاعرة الفلسطينية الكبيرة المرحومة فدوى طوقان - من: حاتم جوعيه -المغار -الجليل

تاريخ النشر : 2020-12-14
بقلم - حاتم  جوعيه المغار
الجليل 

-الشَّاعِرَةُ  والمُعَانَاة    

- (في الذكرى السنويَّة على وفاة الشاعرةِ الفلسطينيَّة الكبيرة " فدوى طوقان" )
 

نفسي  مُوَزَّعة ٌمُعَذ َّبَة ٌ            بحَنينِهَا  بغموض ِلهفتِهَا

شَوق ٌ إلى المَجهُول ِ يدفعُهَا       مُتقحِّمًا جدرانَعِزلتِهَا 

شوق ٌ إلى ما لستُ أفهمُهُ             يدنو  بها  في  صمتِ وحدتِهَا

أهيَ  الطبيعة ُصاحَ هاتفها             أهيَ الحياة ُ تهيبُ  بابنتِهَا

ماذا أحِسُّ ؟ شُعورَ  تائهةٍ             عن  نفسِهَا تشقىَ بحيرتِها  

عندما أتحدَّثُ عن هذه الشَّخصيَّةِ أشعُرُ  وكأنني أتحدَّثُ عن نفسي … هذهِ الشَّخصية ُ التي  تجسِّدُ واقعًا  َنحيَاهُ  بكلِّ  أبعادِهِ ومفاهيمِهِ ... الواقع  الذي أعاني منهُ  ويُدخلُ في نفسي  اليأسَ  والمللَ  والإنتظار  فأصبُو  مُتلهِّفا ً إلى غدٍ جديدٍ …غدٍ  مُشرق ٍ …غدٍ  أتحَرَّرُ  فيهِ من عبءِ الماضي …غدٍ  ُتفكُّ  قيودي  فأنطلقُ  لأغنِّي على دروبِ الحياةِ  من جديد . هذهَ  الشَّخصيَّة ُهي : " فدوى طوقان " -  شاعرة الحزن والمعاناة  وشاعرة الأرض  والوطن. 

شاعرة ُ فلسطين  فدوى طوقان  استطاعت  أن  تخترقَ الحواجزَ  لتطِلَّ  بعبقريَّتِهَا   وفنِّها  وشعرها  وإبداعِهَا  من  نافذتِهَا  الصَّغيرةِ  المجهولةِ  إلى المجهول … إلى العالم ِ البعيد والواسع    .    نشأت  في أسرةٍ  أرستقراطيَّةٍ  مُحافظةٍ  شأنها شأن جميع  الفتيات العربيَّات اللواتي أسْدِلَ  دونهنَّ  الحِجابُ  فيقبعنَ  في  البيت إلى أن  يأتي  إليهنَّ  الخُطَّاب  فيتزوَّجن … كانت  تشعرُ   بقيمتِها الكبيرةِ وطاقاتِها  الفذ َّة العظيمة التي باستطاعتها أن  ُتثبتَ  وجودَها  بينَ ذويها  الذي كانوا يتجاهلونها وينظرونَ  إليها  كانها ضلعٌ  قاصرٌ  ليسَ  لهُ  أيُّ  نفع ٍ  وقيمةٍ وهي  ترى أنَّ  بإمكانها القيام بأعمال إيجابيَّةٍ  كثيرةٍ  قد تفيدُ غيرها ولا  يستطيعُ الكثيرونَ أن يحققوها   .    لقد  وهبهَا  الخالقُ حِسًّا   مُرهفا  ومشاعرَ رقيقة ً وخيالا ً واسعًا  كانت تحلِّقُ   فيهِ  إلى  أبعدِ الأماكن والحدود  لتهربَ   من  واقعها  الكئيب  وظلمةِ   سجنها المستمرَّة  ... آمنت أنَّ لكلِّ  إنسان مهما  كانت نوعيَّتهُ الحقّ في التعبير عن رأيهِ  وبالعيش حُرًّا طليقا ً...  يرسمُ  حياتهُ   لوحدِهِ   ويقرِّرُ  ويصنعُ   مصيرَهُ  بيديهِ  ولا  يحقُّ  للآخرين حتى  لو  كانوا  أهلهُ  وإخوتهُ  بالتدَّخُّل ِ في  شؤونِهِ  ورسم  حياته  كيفما يبتغون  . 

والفتاة ُ عندها  لا  تختلفُ عن الرَّجل  فالإثنان  منَ البشر وليسَ  من العدالةِ  أن  ُتسْجَنَ  الفتاة ُ في البيت وتعاملَ  وتعاقبَ  بالسِّياط   لأتفهِ  الأسباب  فمن حقِّها أن تخوضَ الحياة  وتخرجَ وترى العالمَ  على حقيقتهِ  ولها أن  تشاركَ في  كلِّ  نشاط ٍ إيجابيٍّ  وتتركَ  بصماتها  في هذا  الوجود  .  

لقد  كانَ  صراعُ  فدوى  شديدًا مع محيطها  ومجتمعها … فدوى  هي الإنسانة ُ التي  تحطَّمَت ذاتُها  بأيدي الآخرين ( حسب قولها ) فعرفت  كيفَ  تستردُّهَا …    كانت  تحيَا   في   سعير ِ الحزن ِ والوحدةِ  والشَّقاء ... ذاقت  ظلمَ ذوي القربى والأهل … كادت  التقاليدُ أن تقضي عليها ولكنَّ الشَّاعرة َ  الحالمة َ الطموحةَ استطاعت أن تشقَّ  طريقها وسط َ الأشواك ِ والصَّبَّار ... وسط َ المرارةِ  والمُعاناةِ  والعذاب …  استطاعَت أن  تجتازَ  كلَّ  العراقيل لتصلَ  إلى حيثُ  تريدُ  .  

فدوى هي الإنسانة ُ التي لم تعِشْ لنفسِها  فقط ، لقد  وَهَبت  حياتهَا لأجل ِ  العطاءِ والفداء  فكانت  َمعينا ً لا ينضبُ  فغنَّت  للطبيعةِ السَّاحرةِ … للحياةِ …للسَّعادةِ ... للوطن …غنَّت للحُبِّ الإنساني بكلِّ  معانيهِ  وأبعادِهِ  السَّامية … الحُبّ  الذي  يحملُ في طيَّاتِهِ  دفءَ العاطفة وعذوبة  المنطق ، والوفاء اللامحدود ،  فكأنهَا  في  كتاباتها  تعطينا   نفحة ً  صوفيَّة ً  فتذهبُ  بنا  إلى  عالم ٍ آخر ٍ بعيدٍ  ... عالم ٍ  مُنزَّهٍ  عن  كلِّ  شرٍّ … عالم ٍ  كلُّهُ   حُبٌّ  ووفاءٌ  وسلام   .  تقولُ  مثلا ً  : 

( "  أحِبُّكَ   للفنِّ   يسمُو  هَوَاكَ  بقلب  نحوَ  الرِّحابِ  العُلا 

 فيُدني  إليهَا  معاني السَّماءِ وينأى بها عن  معاني الثَّرى

سَمَوتَ بقلبي وفكري فرَاحَا يفيضان بالشِّعرِ سُمُوُّ الهوَى

وَنضَّرتَ عيشي فأضحَى غضيرًا ترفُّ عليهِ زهورُ المُنى 
ورفَّ  في القلبِ  حُلمٌ  سعيدٌ جميلُ الخيالاتِ  حلوُ  الرُّؤى   )

وتقولُ  :                                                                                                                  .                 (" أعطنا حُبًّا فبالحُبِّ كنوزُ الخير ِ فينا  تتفجَّرْ  

 وأغانينا   سَتخضرُّ   على  الحُبِّ   وَتُزهِرْ 

وتنهَلُّ   عطاءً  ،   وثراءً  ،   وخُصوبّهْ

أعطنا حُبًّا نبني العالمَ المُنهارَ  فينا من جديدْ 

 وَنُعيدْ   //     

 فرحة َ  الخِصبِ   لدُنيانا  الجَدِيبَهْ  
 أعطِنا  حُبًّا   نفتحُ   أفقَ  الصُّعُودْ    
ننطلقُ من كهفِنا من عزلةِ  جُدرَان ِ الحَديدْ  
أعطنا نورًا  نشقُّ  بهِ  الظلمات  المُدلهِمَّهْ 
وعلى وقع ِ سناهُ ندفعُ الخطوَ إلى ذروةِ  قمَّهْ
نجتني  بهِ   انتصاراتِ  الحياهْ    "  )   . 

هيَ  تريدُ أن  نحيا  لنحِبَّ ونغني   لا  لكي نكرهَ  ونحقدَ … تريدُ أن  نرسمَ  الحياة َ  بقبل ٍدافئةٍ  ينبثقُ  منها الأملُ  والفجر … فدوى هي الإنسانة ُ  التي   أعطت وأعطت  دونَ أن  تأخذ َ.    

لقد وقفت  نفسَها ودافعت  بكلِّ  قواها  وطاقاتِها عن  قضايا إجتماعيَّة   إنسانيَّة عديدة ،  أمَّا  في الجوانب  الوطنيَّة  والقوميَّة  فهي القضيَّة ُ  والإلتزام  في جميع أبعادِها  ، كرَّسَت  قسمًا  كبيرًا  من  شعرها   لشعبها  الفلسطيني  الذي  ذاقَ   مرارة َ  التشريد   والبعاد … الشَّعب الذي  أبعِدُ  مُرغمًا عن  وطنهِ  وسَط َ  الدَّسائس  والخيانات  العربيَّة الرَّجعيَّة   والعروش  المُعفِّنة الآثمة التي لعبت  دورًا قذرًا  وأودَت  بهِ  إلى هذا المصير.   
فدوى حينما  تكتبُ عن  شعبِها عاطفتها  صادقة ٌ  كينبوع ٍ  عذبٍ يتدفَّقُ  دونما  انقطاع … هيَ كحمامةٍ  تبكي  وتسجعُ على  ذويها … عندما تتحدَّثُ عن الأطفال  والفتيات في مُخيَّمات اللاجئين تنقلُ  لنا صورة ً  كاملة ً ومُعبِّرة ً  لواقعِهم الأليم .       تقولُ  في  إحدى  قصائدها  :  

( " أختاهُ  هذا  العيدُ  رَفَّ  سَناهُ  في  روح ِ الوُجُودِ  
وأشاعَ  في  قلبِ  الحياةِ  بشاشَة َ  الفجر ِ السَّعيدِ
وأراكِ  ما  بينَ  الخيام ِ  قبعتِ   تمثالا ً  َشقِيَّا 
 مُتهَالِكا ً  يطوي   وراءَ   عمودِهِ   ألمًا   عتيَّا…  
يرنو  إلى اللاشيىءِ  مُنسَرِحًا مع ِ الأفق ِ البعيدِ
أختاهُ   مالكِ إذا  نظرتِ   إلى  جوع ِ  البائسينْ
ولمَحتِ أسرابَ  الصَّبايا  من  بناتِ  المنُترَفِينْ
العينُ  تخجلُ   في   مُحَيَّاها   ويلتمعُ   السُّرورْ   
أطرَقتِ  واجمَة ً  كأنَّكِ   صورة ُ  الألم ِ  الدَّفينْ   " ) 

هيَ لم تتشرَّدْ  ولم  تتغرَّبْ  مثلهم  ولكنَّها ذاقت مرارة َ الغربةِ  في  وطنِها وبينَ ذويها … هي مثلهم  تحيَا حزينة ً مُلوَّعة ً ذاقت منَ  المآسي  ما  ذاقت  واكتوَت بنيران اليأس والخيبة ، في  قلبِها  جراحٌ  هيهات أن  تندملَ  فتقضُّ    عليها مضجعَها ... ولكنَّ فدوى  مع  كلِّ الضغوطاتِ الإجتماعيَّةِ  والأزمَاتِ  التي  مرَّت بها تبقى  ثابتة ً  في مواقفها  ترقضُ التقاليدَ البالية والسَّلبيَّة التي يتبنَّاها  ويتمسَّكُ بها المجتمعُ  وتتحدَّى كلَّ  العراقيل والسُّدود التي تقفُ  في وجهها   .     وفي  مواقفها  الوطنيَّة  والسِّياسيَّة   ثابتة  أيضًا  لا   تتزعزعُ  فترفضُ  الواقعَ العربيّ  المُزري  (  على جميع  الأصعدة )   وتستنكرُ  تلكَ   القيودَ   والسُّدود  والجهات الرَّجعيَّة التي  تقفُ  حاجزًا  أمامَ  مسيرةِ  شعبِها الباسلة ، فتصبُّ جامَ  غضبها  على  المُحتلِّينَ  بنبرةٍ  كلها  قسوةٍ   وتحدٍّ  .. كما  أنها  تذمُّ  الانظمة َ العربيَّة َ الَّرَّجعيَّة َ  والحُكَّامَ  العرب  الذين  يرتعونَ  في  قصورهم  ولا  ينظرونَ  إلى الوطنِ  المسلوب  .  

إنَّ  فدوى  مهما عصفَ  بها  اليأسُ وألمَّت بها المصائبُ والمِحَنُ  لا  تستسلمُ وتبقى بذرة ُ الأمل ِ موجودة ً في داخلها  ُتنبئها  بغدٍ  جديدٍ  ومُشرق ٍ - تقولُ:                                  ( " أغنِّي  ولو  سَحَقتنِي  القيودُ    أغاريدَ   نفسي   وَأشواقِهَا

 ُتبَارِكُ   َلحْنِيَ   أمِّي  الحياة ُ      فلحنِيَ  مِنْ عُمْق ِ أعماقِهَا).    

 

 والجديرُ بالذكر ان الكثيرين  أطلقوا عليها  لقبَ ( خنساء  فلسطين )  وذلك  لأشعارها  الذاتيَّة  الحزينة الكثيرة  ولقصائِدِها  الرِّثائيَّة   المُترعة  بالحزن ِ  والألم ِ واللوعةِ  التي نظمتها  في رثاءِ  إخوتِها ،  وخاصَّة ً  أخوها  الشَّاعر الكبير الرَّاحل (  شاعر  فلسطين   قبل النكبة )  إبراهيم   طوقان  ، وأخوها  الآخر  نمر   .   

وأخيرًا: بعد  حياةٍ حافلةٍ  بالكفاح ِ والعطاءِ  وبعد  صراع ٍ مرير  مع المرض تقضي شاعرتنا  الكبيرة  نحبَهَا عن عمر ٍ يُناهزُ السادسة  والثمانين (  86  )  وبموتِها  تفقدُ الحركة ُ  الشِّعريَّة ُ والأدبيَّة ُ الفلسطينيَّة ُ  والعربيَّة ُ بشكل ٍعام  ركنا ً هامًّا من أركانها حيثُ  كانَ لهذهِ الشَّاعرة ِ  الفذ َّة العُملاقة  دورٌ  كبيرٌ  فيه  مسيرةِ  وتألُّق الشِّعر العربي  في  العصر الحديث  .   

  

 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف