الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/28
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

التماثل والاختلاف في قصيدة "أنا لستُ يوسفَ"

تاريخ النشر : 2020-12-12
التماثل والاختلاف في قصيدة
"أنا لستُ يوسفَ"
بقلم - كميل أبو حنيش

في هذه المداخلة سأحاول (العودة) إلى النهج الكلاسيكي في النقد، والذي يعتمد التركيز على الفكرة، مبتعدا عن الألفاظ وما تحمله من دعم للفكرة.
كثير من الشعراء والأدباء تناصوا مع قصة يوسف، الشاعر كميل أبو حنيش في قصيدة "أنا لست بوسف" يضيف شيئا جديدا إلى هذا التناص فالعنوان يحمل معنى النفي "لست" لكن هناك تماثل واختلاف بين الشاعر والبني، ونبدأ بالتماثل بينهما قبل الاختلاف، بداية لقاء جاءت في الأحداث التي جرت للنبي وما تعرض له من أذية على يد اخوته:
أنا لستُ يوسفَ، لكنّني مثلُهُ
قَدْ رأيتُ الكواكبَ تسجدُ للشَّامخينَ
الذينَ يقولونَ: لا ... للخنوعِ
و لكنَّهم إخوتي يكرهونَ الشُّموخَ بصوتي
فيُلقونَ بي ، في غياهبِ جبٍّ عميقٍ
و باعوا بلادي ، و حتَّى قَميصي
الذي مزَّقَتهُ الذِّئابُ
و لم يَرحَموني، و لم يُوقِدوا
شمعةً في دِمائي"
فالرؤيا/المشاهدة متماثلة: "الكواكب تسجد، أخوتي يكرهون، غياهب جب، فيلقون بي، باعوا، قميصي، الذئاب"، فالتماثل يكاد أن يكون متطابق، وهذا منسجم مع فاتحة القصيدة التي جاء فيها "لكنني مثله".
"أنا لستُ يوسفَ، لكنَّني مِثلهُ
راوَدَتني النِّساءُ ، ولكنَّني لم أُبالي بِهنَّ
إذا ما قطَّعنَ الأيادي...
و أُغمضُ عينيَّ صوماً ...
فقدْ راوَدَتني البنادقُ و الأغنياتُ
بحبِّ البلادِ ...
فلبَّيتُ صوتَ النِّداءِ ...
و أمشي بدربي طويلاً ... طويلاً
و في السِّجنِ لازلتُ
أهوى بلادي
و أعشقُ أيضاً عيونَ النِّساءِ
***
أنا لستُ يوسفَ ، لكنني مِثلُهُ
سوفَ ألبثُ في السِّجنِ دهراً طويلاً
و أمضي أؤوّلُ أحلامَ أصحابي المُترعينَ
بحُبِّ الحياةِ : فمَن يأكلُ السِّجنُ مِن قلبهِ
سوفَ يقضي شهيداً
و يُدفَنَ في قلبِ قبرٍ بلا أيِّ اسمٍ
و مَن سوفَ يبقى ، سيمضي بعدِّ
النُّجومِ - الّتي لا يَراها - بقلبِ السَّماءِ"
بعد البيع والذهاب إلى مصر، هناك تماثل واختلاف في ذات الوقت، التماثل في "راودتني النساء" والاختلاف في الاتجاه إلى المنقذ من المراودة، فالنبي اتجه إلى الله، والشاعر إلى البنادق، والفرق بينهما أن الشاعر استمر متعلقا بحب النساء: "وأعشقُ أيضاً عيونَ النِّساءِ"، وأيضا المكوث في السجن، فالنبي مكث في السجن بضع سنين، والشاعر ما زال في السجن: "وفي السِّجنِ لازلتُ/ سوفَ ألبثُ في السِّجنِ دهراً طويلاً" كما أن هناك اختلاف في خاتمة كلا من النبي والشاعر، فالأول ذهب إلى الملك والعرش، والثاني سينتهي به المطاف إلى :
"سوفَ يقضي شهيداً
ويُدفَنَ في قلبِ قبرٍ بلا أيِّ اسمٍ"
فالنبي أخذ حقه في الحياة الدنيا والأخرة، لكن الشاعر سينتهي إلى القتل والمحو والإلغاء، وحتى دون قبرا أو شاهدا عليه، وهذا ما يجعل معاناة الشاعر أعظم وأكبر من معاناة النبي، وهذا يأخذنا إلى ما أراده الشاعر من وراء القصيدة، فهو يقول ـ بطريقة غير مباشرة ـ أنه ورفاقه الأسرى في فلسطين ـ قدموا/تعرضوا لابتلاء أعظم وأكبر من ذلك الذي حدث للنبي يوسف، الذي أخذ حقه من الحياة قبل وفاته، رغم (تواضع) ما قدمه، فعدد سنوات السجن كانت قليلة ومحدودة، وتوجت بالوصول إلى السلطة، وما زالت ذكراه حاضرة وحية عند المؤمنين/الموحدين، لكن حال الشاعر أصعب بكثير، فهو في السجن إلى نهاية العمر وبعد نهايته، وسينتهي بعد الموت، وتكون خاتمته نهاية مطلقة، لا ذكر ولا قبر وشاهد، بمعنى أنه لم يأخذ شيئا في لدنيا ولا في (الآخرة)، لهذا تضحية الشاعر أعظم من تضحية النبي وأهم وأكثر إثارة، وكأن الشاعر بهذه القصيدة يدق جدران المقدس، ويطالب أن نعيد النظر فيما نعتقد أنه (عطاء/تضحية/صبر/جلد) عظيم، لكنه ـ إذا ما قورن بعطاء الشاعر وتضحيته وجلده سنجده قليل وقليل جدا.
وهذا ما يدعو إلى الثورة والتمرد على ما هو كائن/حاصل، وهنا يأتي الاختلاف/التناقض والتعارض بينهما، يختم الشاعر القصيدة بهذا الثورة:
"أنا لستُ يوسفَ ... لا لستُ يوسفَ
حتّى أؤوّل حُلُمَ المُلوكِ
و أعمَلُ خازنَ قمحٍ لدى أيِّ فرعون منهمُ ...
و لكنَّني سوفَ أسعى لهدمِ العروشِ ...
و نسفِ السِّجونِ ...
و زرعِ الزَّمانِ بصوتِ الكرامةِ و الكبرياءِ
لكي تستحيلَ السِّنينُ العِجافُ
لدهرٍ مليء السَّنابلِ ... و الأغنياتِ
لتفنى بهذا عصورُ الشَّقاءِ ..."
تكرار النفي "لست يوسف" والنقاط التي تعني استمرار هذا النفي وديمومته، تشير إلى انهاء اللقاء/التماثل بينهما، فالشاعر يكشف الحقيقة التي أراد تقديمها من خلال "لست يوسف" وحتى لست مثله، فالنبي يوسف أخذ شيئا من حقه من الحياة وما زالت ذكراه حاضرة وحية، وقبل أن يكون على العرش، مع الملوك، بمعنى أنه (روض) وقبل أن يكون في ومع السلطة، لكن الشاعر يرفض وجودها لهذا نجده يطالب بهدمها كليا، وبصورة مطلقة:
"ولكنَّني سوفَ أسعى لهدمِ العروشِ ...
و نسفِ السِّجونِ"
كما أن الخاتمة التي يقدمها الشاعر أجمل وأبهى من تلك التي قدمها النبي يوسف، فالنبي تحدث عن سبع سنين سمان، بمعنى أنه بعد انقضاء السبع السمان ستعود الطبيعة إلى ما كان عليه، ربيع وخريف، حياة وموت، خصب وجذب، لكن الخاتمة عند الشاعر كانت ربيع دائم وخصب مستمر وجمال لا يذبل:
" لكي تستحيلَ السِّنينُ العِجافُ
لدهرٍ مليء السَّنابلِ ... و الأغنياتِ
لتفنى بهذا عصورُ الشَّقاءِ ..."
بهذه الخاتمة يكون الشاعر قدم ثورته لنا، وعلينا أن نقف متفكرين فيما يُقدم.
القصيدة منشورة على صفحة شقيق الشاعر كمال أبو حنيش.

 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف