صورة أرشيفية للكاتب
بالروح النقدية يكون التقدم ...!!!
إلاّ أن دعوى البعض بنقد الاحتفاء بفكر عصر النهضة اليوم تتناسى تماما حالة التجاهل والإهمال الكبير الذي عانى منه هذا الفكر في العقود السابقة، بدعاوى متعددة من قبل عدد من الدارسين والمفكرين تارة باتهام هذا الفكر بالماسونية (نموذج جمال الدين الأفغاني)، وتارة بالتعاون مع الاحتلال والمبالغة في العقلنة والتأثر بالعلوم الحديثة (نموذج محمد عبده) وتارة بالتحالف مع السلطة وخدمتها (نموذج محمد رشيد رضا وخير الدين التونسي والطهطاوي) وتارة بعدم إدراك هذا الإنتاج (نموذج مالك بن نبي).
لقد صدرت "فتوى فكرية" وفقهية تاريخية –غير مباشرة- تدعو إلى مصادرة وإهمال فكر عصر النهضة، قدم لهذه الفتوى محمد محمد حسين وأكد عليها محمد قطب ومفكرو السلفية اللاحقون، كجمال سلطان وغيره. وما حدث أن هذه الفتوى بنت جدارا حقيقيا بين الحالة الإسلامية وبين الإفادة من تراث عصر النهضة، إلى أنْ حدثت جملة من المتغيرات العالمية والفكرية –لا مجال للحديث عنها الآن- ارتبطت بوجود حالة اجتماعية تتجاوز فكر "الإحيائية الإسلامية" أعادت الاعتبار لمفكري عصر النهضة وإنتاجهم الأدبي والفكري، فرجع كثير من الدارسين والباحثين والإسلاميين اليوم إلى هذا الفكر يتحاورون معه ويحللونه ويدرسونه من جديد، وعقدت العديد من المؤتمرات لدراسة مفكري النهضة، وهو حق طبيعي لمفكري النهضة بعد هذه العقود من التجاهل الكبير.
وهنا لا بد من توضيح أمرين رئيسين :
الأول :
أن الاحتفاء بفكر النهضة وإعادة الاعتبار له شيء وتقديسه شيء آخر، وأعتقد أن الحالة التي نحتاجها اليوم هي حالة دراسية بحثية نقدية، وليست حالة تقديسية.
الثاني :
أنّ الدعوات التي تنطلق وتطالب بالرجوع إلى مفهوم النهضة لا تطالب بتكرار واجترار ما أنتجه ذلك الفكر، وإنما بالتواصل معه بتمييز بين ما يمكن البناء عليه وبين ما يرتبط بالشروط التاريخية. وهذا ما يميز خطاب ما يسمى الفكر الإسلامي الجديد والذي يتصالح مع منطلقات الإصلاحية الأولى ولا يحاربها، ويبني عليها.
والأهم من ذلك أنه –كما يوضح المسيري- ينعتق من صراع الهوية السياسية إلى متطلبات النهوض والتنمية ويخرج من ريقة الدولة والسلطة إلى فضاء الأمة، وهي ذات الشواغل التي فرضت نفسها على الإصلاحيين الأوائل وعدنا إليها اليوم بعد مرحلة وفترة طويلة من النكوص الفكري .
بقلم - د. يسري عبد الغني
يجدر التنويه بداية إلى الجهد الكبير الذي نحتاج إلى بذله في استقراء وتحليل مصادر الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر، وبالروح النقدية التحليلية التي يجب أن نسعى إليها ، وضرورة الإلمام بالقضايا والإشكاليات الرئيسة التي شكلت جدل الواقع وفرضت التحديات والأسئلة على استجابات الفكر الإسلامي عبر مراحل تطوره المختلفة.
يجدر التنويه بداية إلى الجهد الكبير الذي نحتاج إلى بذله في استقراء وتحليل مصادر الفكر الإسلامي الحديث والمعاصر، وبالروح النقدية التحليلية التي يجب أن نسعى إليها ، وضرورة الإلمام بالقضايا والإشكاليات الرئيسة التي شكلت جدل الواقع وفرضت التحديات والأسئلة على استجابات الفكر الإسلامي عبر مراحل تطوره المختلفة.
إلاّ أن دعوى البعض بنقد الاحتفاء بفكر عصر النهضة اليوم تتناسى تماما حالة التجاهل والإهمال الكبير الذي عانى منه هذا الفكر في العقود السابقة، بدعاوى متعددة من قبل عدد من الدارسين والمفكرين تارة باتهام هذا الفكر بالماسونية (نموذج جمال الدين الأفغاني)، وتارة بالتعاون مع الاحتلال والمبالغة في العقلنة والتأثر بالعلوم الحديثة (نموذج محمد عبده) وتارة بالتحالف مع السلطة وخدمتها (نموذج محمد رشيد رضا وخير الدين التونسي والطهطاوي) وتارة بعدم إدراك هذا الإنتاج (نموذج مالك بن نبي).
لقد صدرت "فتوى فكرية" وفقهية تاريخية –غير مباشرة- تدعو إلى مصادرة وإهمال فكر عصر النهضة، قدم لهذه الفتوى محمد محمد حسين وأكد عليها محمد قطب ومفكرو السلفية اللاحقون، كجمال سلطان وغيره. وما حدث أن هذه الفتوى بنت جدارا حقيقيا بين الحالة الإسلامية وبين الإفادة من تراث عصر النهضة، إلى أنْ حدثت جملة من المتغيرات العالمية والفكرية –لا مجال للحديث عنها الآن- ارتبطت بوجود حالة اجتماعية تتجاوز فكر "الإحيائية الإسلامية" أعادت الاعتبار لمفكري عصر النهضة وإنتاجهم الأدبي والفكري، فرجع كثير من الدارسين والباحثين والإسلاميين اليوم إلى هذا الفكر يتحاورون معه ويحللونه ويدرسونه من جديد، وعقدت العديد من المؤتمرات لدراسة مفكري النهضة، وهو حق طبيعي لمفكري النهضة بعد هذه العقود من التجاهل الكبير.
وهنا لا بد من توضيح أمرين رئيسين :
الأول :
أن الاحتفاء بفكر النهضة وإعادة الاعتبار له شيء وتقديسه شيء آخر، وأعتقد أن الحالة التي نحتاجها اليوم هي حالة دراسية بحثية نقدية، وليست حالة تقديسية.
الثاني :
أنّ الدعوات التي تنطلق وتطالب بالرجوع إلى مفهوم النهضة لا تطالب بتكرار واجترار ما أنتجه ذلك الفكر، وإنما بالتواصل معه بتمييز بين ما يمكن البناء عليه وبين ما يرتبط بالشروط التاريخية. وهذا ما يميز خطاب ما يسمى الفكر الإسلامي الجديد والذي يتصالح مع منطلقات الإصلاحية الأولى ولا يحاربها، ويبني عليها.
والأهم من ذلك أنه –كما يوضح المسيري- ينعتق من صراع الهوية السياسية إلى متطلبات النهوض والتنمية ويخرج من ريقة الدولة والسلطة إلى فضاء الأمة، وهي ذات الشواغل التي فرضت نفسها على الإصلاحيين الأوائل وعدنا إليها اليوم بعد مرحلة وفترة طويلة من النكوص الفكري .