الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

رجل الفسبا

تاريخ النشر : 2020-11-26
رجل الفسبا

صورة للكاتب

بقلم - د. سامي الكيلاني

قرر أن يعمل في العطلة الصيفية بعد إنهاء الصف الحادي عشر عسى أنيساهم في مصروف البيت ويوفر بعض النقود للسنة الدراسية القادمة. انضم إلى جماعاتالعمال المياومين الذي يذهبون إلى البلدة القريبة خلف الخط الأخضر. 
يغادر الفراشوالنعاس ملء جفنيه، والشمس ما زالت مختبئة خلف الأفق. في كل يوم تبدأ الحركة فيساحة العمال قبل اكتمال انتشار الضياء. يصلها مبكراً بأمل متجدد في أن يكون حظهأفضل من اليوم الذي سبقه. أسوأ الأيام تلك التي يدفع فيها أجرة المواصلات منالقرية إلى ساحة العمال في البلدة ومنها إلى القرية دون أن يحظى بعمل، كل شيء يهونعن هذه النتيجة. حتى العمل في تفريغ شاحنة الإسمنت الذي عمل به قبل أسبوع كانتآلامه أهون من نتيجة العودة فارغ الجيب واليدين.

أراد أن يبدأ يومه متفائلاً، أقنع نفسه أن هناك دائماً باباًللتفاؤل، يمكن أن تنفتح فيه طاقة للفرج من حيث لا يدري، ألم تكون هذه الطاقة هيالتي أرسلت له ذلك الشاب القوي الصلب ليكون شريكه في العمل في تفريغ شاحنةالأسمنت؟ 
كانت أكياس الإسمنت ساخنة، يبدو أن الشحنة كانت قادمة مباشرة من المصنع،صَلَتْ جلده بسخونتها وهدّت جسمه النحيل بثقلها. هجمت عليه موجة قنوط حين تذكر مامرّ به، كيف ترنح تحت الكيس الأول ثم مضى، لكنه أصرّ أن يصدّها، ومن أجل صدّ تلكالموجة قرر أن يتذكر الجانب المضيء من تلك التجربة. كانت تجربة أليمة، ورغم ذلك اعتبرها ناجحة إذ تعلّم منهاأن يصبر وأن يأمل خيراً.

كان وقت الأمل بأن يحصل على عمل قد انقضى وبدأ يفكّر بالتوجه إلىالسيارة التي ستعيده إلى القرية خالي الوفاض، حتى بدون خفي حنين، حين حضر ذلك الشخص في سيارة صغيرة وقال إنه يريد عاملين للعمل، واختاره مع ذلك الشاب. 
ركبا السيارة وانطلق بهما سائقها، لم يسأل لا هو ولا الشاب الآخر إلى أين يمضيا، المهمسيكون عمل وسينجو اليوم من العودة الخائبة. وصلت السيارة باب مخزن وأمامه شاحنة صغيرة. 
شرح لهما سائق السيارة الصغيرة، الذي تبين من حديثه أنه مقاول بناء يريد أنينقل بالشاحنة الصغيرة أكياس الأسمنت إلى ورشة عمله في قرية مجاورة. 

تقدم الشابا لآخر من كومة أكياس الإسمنت التي يقف فوقها عامل في المخزن، حمل عامل المخزن كيساً وكأنه يحمل كيس خضروات صغير ووضعه على كتف الشاب الآخر الذي انطلق به نحو الشاحنة.
تقدم ووقف في الوضع المطلوب ليلقي عامل المخزن بكيس على كتفه، كان الثقل هائلا، ترنّح قليلاً ثم مشى باتجاه الشاحنة، دفع بالكيس إلى أرضية صندوق الشاحنة ولحق ب الشاب الذي انطلق مرة أخرى إلى المخزن. لم يشعر من الألم والصدمة كيف انتهت عملية التحميل. 
ركبوا إلى جانب السائق في الشاحنة التي انطلقت خلف سيارة المقاول. فيالطريق لاحظ الشاب وضعه، كان في غاية اللطف والتضامن معه، قال له إن عليه فقط أنيبقى في صندوق الشاحنة ليجر الأكياس إلى طرفها ومن ثم يردّها على كتفه لينقلها من السيارة إلى الورشة. 
وكان ذلك، لكنه في الأكياس الأخيرة لم يستطع حتى جر الأكياس إلى طرف السيارة فكان الشاب الآخر يصعد إلى صندوق الشاحنة يجر الكيس ويوقفه عندطرف الصندوق ليقوم هو بدفعه إلى كتف الشاب. انتهى العمل، قبض الأجرة وطلب المقاولمن صاحب الشاحنة الصغيرة أن يعيدهما إلى ساحة البلدة. تحدثا، كان الشاب الآخر لطيفاً جداً، قال إنه كان أصغر منه عندما بدأ العمل، وأنه يتمنى لو بقي في المدرسة مثله. 

رغم عضلاته التي تصيح من الألم، والحرارة التي يشعر بها في كتفه وظهره، شكرالشاب الذي نزل في الطريق عند المفرق المؤدي إلى قريته القريبة من الشارع الرئيسي.

بدأ عدد العمال الموجودين في الساحة انتظارا لمن يشتري قوة عملهم بالتناقص، كالعادة هو من الذين يختارهم المشغلون في النهاية، هذا إن حالفه الحظ، جسمه الأقرب إلى النحالة و"ترفعه" أو عدم رغبته في المزاحمة وعرض نفسه يجعلانه آخر المختارين إن تم اختياره.

ها هو رجل الدراجة النارية "الفسبا" يأتي ويستعرض المتبقين في الساحة. 
كم يكره نظرة هذا الرجل التي تستعرض الذين أمامه من الرأس حتى أخمص القدم، يفعل ذلك دون أن يترجل عن دراجته، عندما يصل إليه في النظر يسرع دونأن يتوقف في التفحص وكأن لسان حاله يقول "المكتوب يقرأ من عنوانه، ماذا بإمكان هذا الولد أن يعمل؟"، يأخذ عاملا أو عاملين ويمضي. 
وصل اليوم متأخراعلى غير عادته، الوقت قريب من الضحى، والعمالالمنتظرون في الساحة يعدون على أصابع اليد. جال رجل الفسبا نظره في المتبقين، وعندما وصله ابتسم ابتسامة صفراء ساخرة، وأشار له بسبابته أن تعال. تخيله يقول له"رغم نحافتك سأجربك اليوم". رد عليه بعد تردد قليل "آسف أنا لديّشغل". كبر في عين نفسه ولم يفكر في الثمن الذي سيدفعه مقابل ذلك، العودة فارغ الجيب واليدين.

 
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف