الأخبار
ماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيلإسرائيل ترفض طلباً لتركيا وقطر لتنفيذ إنزالات جوية للمساعدات بغزةشاهد: المقاومة اللبنانية تقصف مستوطنتي (شتولا) و(كريات شمونة)الصحة: حصيلة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة 32 ألفا و490 شهيداًبن غافير يهاجم بايدن ويتهمه بـ"الاصطفاف مع أعداء إسرائيل"
2024/3/28
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

من وحي الواقع بقلم محمد بوعنونو

تاريخ النشر : 2020-10-06
من وحي الواقع بقلم محمد بوعنونو
من وحي الواقع                       
بقلم محمد بوعنونو      
طالب باحث، تاوريرت، المغرب

كانت الشمس تجرّ ذيولها معلنة مغيبها، وكعروس حسناء طفقت تنتقب بغيوم المساء المتفرقة هنا وهناك، وكأنها تخفي حسنها وتحجب بهاءها وتستر جمالها المنسكب شلالا نورانيا يسر الناظرين ويبهر الآنام أجمعين.

في هذه اللحظة التي يخلع فيها النهار ثوب النور، ويتسربل بحلل الظلام، كان حارس السيارات يلعب بالنّرد ويراقب موقف السيارات بحذر شديد مخافة أن يتسلّل أحد دون أن يؤدي ثمن ركن السيارة، عن يمينه فتيات في عمر الزهور، تقودهن امرأة لا يشتكى قصر منها ولا طول، ممتلئة الجانبين، ذات بشرة تميل إلى الصفرة، وصوت هو إلى الجهورة  أقرب منه إلى الرقة والرخامة، عارضة إياهن في سوق النخاسة والرغبات الشهوانية، ملقية بهن في مستنقع البهمية، من حين لآخر يأتي هذا أو ذلك، يساوم اللحوم البشرية المعروضة الليلة، يومئ إلى أصغرهن سنا، فترسل سيدتهن ضحكات مرعبة، ثم تسرّ إليه بكلمات لا يسمعها أحد غيرهما، وفي لحظة قد تطول وقد تقصر، يؤدي الذئب البشري ثمن فريسته، ثم يقودها أمامه، مكشّرا عن أنيابه رافعا ذيله فرحا بغنيمته، وبخطوات متتثاقلة يبتعدان حتى يلفهما الظلام.

في الجهة الأخرى رجل عليه أطمار بالية، يدفع بصعوبة عربة متهالكة، يعرض فيها بعض المكسرات والحلوى والسجائر، ينظر إلى المارّة ويتوسل إليهم بنظرات ملؤها الأسى والحزن، عسى أن يتفضل عليه أحد، فيبتاع منه شيئا مما يعرضه، فيرسم على وجهه ابتسامة وربما ساهم في إطعام طفل صغير أو امرأة بائسة أو أمّا يائسة أو شيخا ضريرا...   ولا من تفضل عليه!  

من بعيد تقدم عجوز قد تخلت عنها الدنيا كما تخلت عن كثيرات غيرها، وشكّلت على وجهها تجاعيد متتالية، كل تجعيدة تلخّص حكايات طويلة وتجارب كثيرة، عجوز قلبت لها الدنيا ظهر المجن، فبلغت من الكبر عتيا واشتعل رأسها شيبا، سخرت منها الفانية، فسخرت هي منها، أنفتها وكبرياؤها قد أبيا عليها التسوّل وتلقّي دراهم الصدقات المعجونة بالذل، ففضلت أن تخوض غمار تجارة كاسدة، ناسية المسكينة أن التجارة النسائية يكون رواجها في الغالب رهينا بما تملكه المرأة من جمال وما تتميز به من مقومات الإثارة الجنسية والدوافع الشهوانية، ذلك أن للجسد في التجارة حظا وثمنا، وربما ضاعف ثمن السلعة مرات عديدة.

                             فضلت أن تطوف بالمناديل في أرجاء المقاهي على التسوّل، تدخل المقهى بعينين غائرتين ويدين مرتعشتين وخطوات متثاقلة، تضع على كل طاولة علبة مناديل، ولا تنبس ببنت شفة، لعل قلبا يرقّ أو نفسا تغشاها الرحمة، فتبتاع منها علبة أو علبتين، فتحفظ ماء وجهها وتنال خبز يومها، لكن الناس عنها منشغلون، وبحديثهم فاكهون وعن الفضيلة غافلون، فالعجوز ليس فيها ما يثير، ولا ما يجعل اللعاب يسيل، فلم يعبأ أحد بالعجوز ولا بالمناديل، فترجع المسكينة بخطوات ثابتة ومحسوبة، خطوتين متتابعتين وواحدة مفصولة ترفع خلالها عينيها عسى أن تلمح درهما مكان علبة المناديل، ولكن هيهات هيهات الفضيلة، فتجمع ما تعبت في وضعه على الطاولات والدموع تراودها والغصات تخنقها، ولا من رحم شيبتها!

من داخل مقهى مكتظ بالزبناء، تخرج نادلة حسناء  في عمر الورود، وقد كشفت عن ساقيها وعرضت مفاتن جسدها، وأمعنت في رسم تفاصيل وركها وأردافها، ثم هفت تتبختر في مشيتها وتتفنن في خطواتها على طريقة عارضات الأجساد أقصد عارضات الأزياء! وفي حرص شديد على إخراج الحروف من مخارجها الصحيحة تطلب ثمن المشروب، فلا تسألني حينئذ عن الأعناق التي اشرأبت نحوها كالعيس كرعت عنقها راغبة في إطفاء لهيب ظمأ بعد رحلة طويلة، فإذا ما أرسلت ضحكات رخيمة قطعت آخر أوداج محبيها وعشاقها، رأيتهم حينئذ ضحايا قد رفعت قوائمها في استسلام تام معلنة ولاءها وخضوعها، حتى إذا تأكدت النادلة الحسناء من ركوع الجميع عند أخمص قدميها، طافت عليهم تجمع ثمن الطلبيات، فإذا بالدراهم تنهال عليها، وإذا بالزبائن تبالغ في إكرامها وإلاغداق عليها، وإذا ثمن المشروب يؤدى مضاعفا مرة ومرتين بل ثلاثة، في كرم عجيب وسخاء منقطع النظير وتعفف تام عن تلقي ما يفضل من دراهم زيادة على ثمنه الأصلي، وهم الذين بخلوا على بائع المكسّرات، وردوا بائعة المناديل خائبة يائسة بسبب درهم أو درهمين، وهم أنفسهم الذين يخدعون حارس السيارات، فيفرون منه دون دفع ثمن الحراسة، وهم الذين تسببوا في بكاء أطفال ونحيب نساء،  من أطفال بائع المكسرات وحارس السيارات، وأشباههما، ونساء تضارع بائعة المناديل وغير بائعة المناديل، ممن أبين أن يأكلن بثديهن وجغرافيا جسمهن، وهم الذين تسببوا في جعل فتيات لا يتجاوزن عقدهن الثاني يقبلن على سوق الشهوات البهمية، فما بالهم الآن كلهم  على مذهب حاتم في الجود والكرم؟

قلت هذا ونهضت أطلب الوحدة وأنشد السكينة، فسمعت صوتا يأتي من بعيد عبر نسمات المساء : إن للجسد لسحرا!  

[email protected]
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف