الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

التاريخ لا يكذب بقلم: عادل بن مليح الأنصاري

تاريخ النشر : 2020-10-02
التاريخ لا يكذب بقلم: عادل بن مليح الأنصاري
التاريخ لا يكذب

(عادل بن مليح الأنصاري)

اختلف سياسيان حول قضية ما ، فهدموا منزل مواطن أفنى حياته كي يبني منزل أحلامه ويضم بين جدرانه عائلته التي لا ذنب لها إلا أنها ولدت على أرض نخرها الفساد ، هلا جربتم هدم منازلكم كي تشعروا بمآسي الخلاف في الرأي؟
ويستمر خلاف الأغنياء ، ويستمر معه هدم منازل الفقراء ، تارة يهدم الحجر ، وتارة يقتل البشر ، لا فرق بين طفل وعجوز وامرأة ، منذ أن كان هناك رجلان على هذه الأرض فقط ، ومازال الخلاف يُحل بالقتل ، إذا لماذا نحزن ؟
كان لأبينا آدم ولدان أحدهما فاتل والآخر مقتول ، وبينهما خلاف في الرأي لم يستطع العقل أن يسوقهما لتحليلاته المنطقية نحو السلام ، وتدخل بدلا من ذلك أشياء جانبية ، هل هو الغضب والتهور ، هل هي الأنانية ، هل هو الغرور ، مهما يكن فقد خسر الإنسان الحكمة منذ حين .
لم يقتل البشر المرض أو الأوبئة أو غضب الطبيعة ، أو الحروب ، ولكن قتلهم العقل المهزوم أمام أدرانه الجانبية من غرور وغضب وأنانية وحب السيطرة والطمع ، أيها السياسي الفاسد ، يا ضحية أدران عقلك هلاّ افتعلت كارثة ووجهتها لأطفالك وأموالك وعائلتك لتشعر بما اقترفه عقلك من كوارث حلّت على غيرك؟
تنعمون بالفنادق وتتركون البؤساء في الخنادق ليوجهوا الموت للأبرياء في الأزقة والقرى والبيوت التي بالكاد تكفي لحمايتهم من شروركم .
أيها الفاسدون الفتلة ، ليتكم تحلوا خلافاتكم وجها لوجه كما يفعل فرسان الحكايات الخيالية ، وتتقابلوا بأسلحتكم أنتم فقط وأفكاركم ودماؤكم ، وتجنبوا البؤساء شروركم المحلقة في أبراج عاجية وتمطر عليهم موتا ونارا لا ذنب لهم به .
كيف صدقنا كذب التاريخ عنكم ، قادة وعظماء وزعماء ، وعباقرة حرب ، وأنتم تقبعون في غرفكم الحصينة وقصوركم الفارهة ، تسكرون وتزنون وترقصون وتأكلون الكافيار ، ثم ترسلون برقيات لجنودكم ، فجروا ودمروا واقتلوا وانسفوا ، واهدموا البيوت على رؤوس البسطاء ، واحرقوهم واقطعوا عنهم الماء والكهرباء ، واهدموا مستشفياتهم ومساجدهم ومعابدهم وأسواقهم وحقولهم ، وانشروا بينهم الجوع والخوف والمرض ، فقط لتلقنوا درسا لأعدائكم القابعين مثلكم في قصورهم وثكناتهم يسكرون كما تسكرون ويزنون كما تزنون ويأكلون ذات الكافيار ، ويرسلوا ذات البرقيات .
وبعد دمار البؤساء ، تحتفلون بالنصر وتوزعون النياشين وتتلقون المديح والفخر وتكتبون التاريخ كما تشتهون .

يخبرنا التاريخ أن ثمة قادة وعظماء ذات زمن , لم تسوقهم لميادين القتال والرجولة طمع أو مصالح قذرة أو مطامح شخصية , أو هوس أخلاقي عفن بالسلطة والثروة والسيطرة واستعباد الآخرين , والتفاخر بنشر الموت والدمار والويلات وهم يقارعون الكؤوس ويتمايلون في حفلات المجون , ويدخنون السيجار الكوبي ويراقبون الموت يترصد بالضعفاء عبر أجهزتهم الذكية ويضحكون نشوة بعذاباتهم , بل حملوا قضاياهم المقدسة لرفع ظلمٍ أو نشر سلام , أو زرع القيم النبيلة , ولكنهم لم يختبئوا كالجرذان في حصونهم المشيدة بالفساد والمجون والكِبر , بل تصدروا جيوشهم الشجاعة وفتحوا صدورهم للموت في سبيل قضاياهم , فمنهم من مات , ومنهم من استشهد , ومنهم من انتصر بفخر وشجاعة واعتزاز .
ليس كل القادة عبر التاريخ سواء , فالتاريخ يعرفهم حق المعرفة , أكانوا متعطشين للموت والدمار والخراب , أو مدافعين عن قيم الحق والأخلاق والصلاح .

التاريخ لا يكذب أيها الجبناء ، ولكن من يكتبونه يكذبون .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف