الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

ستة توائم من العنبر بقلم: السفير منجد صالح

تاريخ النشر : 2020-09-28
ستة توائم من العنبر بقلم: السفير منجد صالح
ستة توائم من العنب
السفير منجد صالح

في بهو قسم الطوايء في المستشفى الحكومي الكبير في هافانا تفوح رائحة المواد المُعقّمة. القسم نظيف ومرتّب وخال من المرضى أو الزائرين.

الساعة الكبيرة على الحائط تُشير إلى الثالثة والربع فجرا. الطبيبة المُناوبة ماريا تيريزا كاستيّو تتثاءب نصف نائمة على طاولة مكتبها. تدفن رأسها، بشعرها القصير الفاحم البرّاق، في حضن ساعديها المُتكئين على سطح الطاولة الأملس.

تتمنطق بزيّ حمامة بيضاء، ناصعة البياض. يتدلّى من رقبتها سمّاعة الفحص، تُزاحم رأسها في الإتكاء على الطاولة.

صوت دبيب اقدام تدخل بهو الطوارئ وتقترب ببطئ من طاولة الطبيبة التي تُغالب نعاسها وربما ضجرها.

رفعت الطبيبة ماريا رأسها المُتثاقل على حفيف صوت رجل يقول لها بإرتجاف ووجل:

-         "صباح الخير دكتورة، نحن بحاجة عاجلة لمساعدتك".

-         "صباح الخير"، أجابت الدكتورة، وقد إنتفضت كالنمرة من مقعدها وأشارت بيدها إلى أقرب سرير في قسم الطواريء.

إمرأة تتلوّى وكأن حيّة لسعتها، تمشي "مفاحجة"، بساقيها المُتباعدتين، بخطوات السلحفاة، تتشبّث بيديها بقوة بذراع رجل يرافقها.

للوهلة الأولى لا تفسير لدى الدكتورة ماريا لهذه الصورة الحيّة المُتحرّكة أمامها فجأة.

إستلقت السيدة حنطية اللون فاتنة الملامح على السرير بصعوبة وبمساعدة مرافقها والطبيبة وهي مستمرّة في تلوّيها وتوجّعها وتأوّهاتها المضطردة.

شعرها الطويل الأسود الفاحم يبدو رطبا ينسدل بفوضى على كتفيها وتلتصق خصلات منه في رقبتها وتغطّي خُصلات أخرى معظم مساحة إتساع جبهتها المُتعرّقة النازفة قطرات دافئة.

منظر المرأة يوشي بأنها خارجة من معركة حامية الوطيس، جريحة لا يُعرف حتى اللحظة مدى قوّة إصابتها.

إنكبّت الدكتورة ماريا عليها لمداواتها بينما انزوى الرجل الذي يرافقها في "قرنة" يلوذ بصمت مطبق كصمت القبور. يهطل العرق من كافة أنحاء جسمه ويبلل رأسه ووجهة وعينية. يُداوم على مسح وجهه وعينيه بمنديل أصبح لا يستوعب مزيدا من العرق.

تمتم الرجل بشفتية المتعرّقتين المُرتجفتين: "ما هذه المصيبة"؟؟!!" وثبّت بصره الجاحظ، شاردا ساهما، في رفيقته المرأة التي ما زالت تتلوّى على السرير بين يدي الدكتورة ماريا.

الرجل، بيدرو سافيدرا، مهندس معماري، يبلغ من العمر خمسة وثلاثين عاما. والمرأة "الملسوعة" التي تتلوّى على السرير، تحت نظر وسمع ويدي الدكتورة ماريا، هي زوجته باولا فوينتس، تبلغ من العمر ثلاثين عاما وعدّة أشهر، معلّمة كيمياء، سمراء ممشوقة القوام، مكتنزة قليلا، يزيدها بعض إكتناز جسدها وبروز أردافها جمالا على سحر.

لقد إنقلب حالهما، أو بالأحرى حالها، مئة وثمانين درجة بالتمام والكمال. وبدلا من أن تكون ترفل بالسعادة والنشوة و"الفرفشة والإنبساط"، في حديقة من الزهور اللطيفة وبحيرة من الرحيق والعسل، دخلت بدلا من ذلك في مستنقع موحل من الأشواك، يُخيّم عليه سحابة داكنة من البؤس والشقاء والعناء، لم تستطع الفكاك منها إلا بمساعدة الدكتورة ماريا.

بعد منتصف تلك الليلة الليلاء، بدأ بيدرو المهنس المعماري، ذو الخيال الواسع والابتكار الفريد، يُهنّدس ويُخطّط ويرسم ويُنفّذ مع زوجته باولا، معلّمة الكيمياء "الشاطرة"، للغوص في بحر الحب والوله والغرام والهيام، في ليلة حمراء، والشرب حتى الثمالة من النبيذ الأحمر المُصنّع بيتيّا، الحامي على المرء في الأجواء والليالي الكاريبية الدافئة الرطبة.

وكانا يسبحان متلاصقين، كما ولدتهما أمّهاتهما، في مياه محيط الغرام الدافئة، ويزيد العرق المُتدفّق من مسامات جسديهما في شدّة إلتصاقهما.

خطرت للمهندس "فكرة جُهنّمية"، قبلتها زوجته في التوّ والحال، أو ربّما كانت هي من أوحت ووشت له بالفكرة الناريّة الخارقة، كونها معلّمة كيمياء، خبيرة في الحقل والمجال.

فقد شعر بيدرو بأنّه يرغب بالمزيد من "كأس الندامى"، بالمزيد من الخمر، من النبيذ الأحمر. لكنّهما كانا قد أتيا على الثلاث زجاجات المتوفّرة لديهما، ولم يبق فيها نقطة واحدة. إذن ما العمل؟؟

ومضت في رأسه فكرة تصنيع النبيذ محليا وفوريّا وبيتيّا وبما هو مُتاح. كان بجانب السرير الذي تدور عليه "العمليّات الحربية بالسلاح الأبيض" طاولة يعلوها صحنا يتوسّطة قطف عنب مُتورّد. ومن العنب يُصنّع النبيذ.

في سنوات غابرة كانت الصبايا الحسان ممشوقة القوام ومكتنزة الأجسام تقوم بدور تصنبع النبيذ من العنب. حيث تدوس بأقدامها الحافية على حبّات العنب في حوض مليء بفاكهة الدوالي ليسيل عصيره من أسفل الحوض. يُخمّر ويشرب الشارب منه نبيذا هنيئا مريئا وثمالة من تحت أقدام الحسان ورائحتها الزكية.

لكن هذه الطريقة أصبحت "كادوك"، قديمة، بالنسبة للمهندس المعماري العصري وزوجته مُعلّمة الكيمياء الحسناء، التي تسبح في بحر شبقها ولذّتها.

نظر المهندس بيدرو إلى قطف العنب المتورّد بجانبه، ومدّ يده إليه واختار ثمانية حبّات، أجود وأكبر ثمانية حبّات وأفضلها لونا. المهندس ينوي أن يُصنّع أجود أنواع النبيذ بطريقة مُبتكرة وسريعة وفوريّة ولم تخطر على بال "إنس ولا جن" من قبل.

ربما أراد أن يُسجّل اختراعه سبقا في "موسوعة كتاب غينس" للإختراعات والأرقام القياسية المُبتكرة.

حمل الثمان حبّات في يده اليُسرى وأخذ يُدخل بأنامل يده اليُمنى حبّة وراء حبّة، بتؤدة وحرص وهندسة، في فرج زوجته اللاهب المُتعرّق الرطب. كي يستعيدها فيما بعد بفمه وشفتيه ولسانه وقد تخمّرت، ولو قليلا، بفعل الحرارة والرطوبة، ويشربها أكلا هنيئا مريئا وصحة وثمالة وبطعمها ورائحتها الزكية المميزة.

سارت العملية "الظريفة" على ما يُرام في البداية. ومُعلّمة الكيمياء، باولا، تتلوّى من النشوة واللذة وقد تحوّلت إلى قطّة جامحة بموائها وحشرجتها و"غنجها" في ليلة مُقمرة.

استطاع المهندس الهمام أن يستعيد حبّتين بلسانه النشط، الذي تفوّق على نشاط قلم الرسم في يده وهو يخطّ رسم مجسّم عمارة جديدة ومُبتكرة.

لكن الأمور أخذت تنحو منحا مختلفا مغايرا، لم يكن مُنتظرا ولا بالحسبان مُعتبرا. فقد زاد تلوّي الزوجة الشبقة وأصبحت تترافق مع تجلّيات وحشرجات "الغنج والدلال" والسباحة في مياة اللذة والنشوة العميقة الزلال، أصوات صراخ مكتوم أوّلا، ثمّ شيئا فشيئا إلى صراخ بادي وظاهر وجدّي، وتلوّي أشدّ وأشدّ لكن ليس بفعل اللذة والنشوة بل بسبب الألم والضيق والقسوة.

فبدل أن يسترجع المهندس المقدام الحبّات الستة الباقية ليأكلها ويشربها حتى قمّة الثمالة والنشوة، يبدو أنّه ساعد، خلال محاولاتة المُتكررة والحثيثة للإستعادتها، في دفع الحبّات عميقا في "مصنع النبيذ الصغير"، اللاهب الرطب، الذي لا يتحمّل هذه الكمية من العنب دفعة واحدة.

هذا إلى جانب أن بعض الحبّات قد بدأ يخرج عصيرها الحامض في عمق معلّمة الكيمياء، مما تسبّب "بتفاعلات كيميائية" مع عصارتها الذاتية بفعل عوامل الحرارة والرطوبة الداخلية التي تتفوّق على الحرارة والرطوبة الخارجية في الليالي الكاريبية الصافية الدافئة الوادعة الحالمة.

اشتدّ الألم على معلّمة الكيميا، فإضطرّ الزوجان، والحالة هذه، لعمل "هدنة" ووقف كافة "العمليات الحربية"، الهجومية والدفاعية، والمشتركة. ونقل المصابة إلى المستشفى لعمل اللازم وتلقّي العلاج المُناسب.

قامت الدكتورة ماريا بسحب الحبّات الستّة، بملقط خاص بالجراحة، من عمق فرج مُعلّمة الكيمياء، التي استمرّت في التلوّي من الألم، وزوجها الذي اقترب إلى جانبها يتصبب عرقا شفقة عليها وخجلا.

وعندما أتمّت الدكتورة العملية، وضعت حبّات العنب الستّة في وعاء صغير، تناولته بيدها وقدّمته للمهندس المعماري قائلة:

-         "مبروك، لقد ولدت لك زوجتك ستة توائم"!!! وضحكت.

كاتب ودبلوماسي فلسطيني
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف