
** رحلة بين دفتي كتاب (دمعة ووردة على خدّ رام الله)**
___________________
بقلم: عبد السلام العابد
عن منشورات منتدى العصرية الإبداعي في الكلية العصرية الجامعية ، صدرت عام ٢٠٢٠ م الطبعة الأولى من كتاب :( دمعة ووردة على خد رام الله ) للأديب الدكتور حسن عبد الله.
يقع الكتاب في مئة وإحدى وخمسين صفحة ، وصمم غلافه الفنان التشكيلي الدكتور غازي انعيم.
ما يلفت الانتباه في تجربة الكاتب حسن عبد الله الأدبية هذا الاستثمار الواعي للوقت الثمين، وتكريسه للقراءة والكتابة البحثية والإبداعية ، في وقتٍ كان فيه معرضا لضغوط الحياة و السجن ، والتهديد والوعيد باستمرار الاعتقال والإبعاد . وهذا ما عرفته من خلال كتابه ( ثقافة الإرادة ...) ، حيث كتب قصصا قصيرة ورسائل وأبحاثا وهو معتقل، وينتظر عملية إبعاده عن الوطن التي لم تنفذ.
وكانت حصيلة مؤلفاته المنشورة قد بلغت عشرين كتابا أدبيا وبحثيا .
وإذا كان الكاتب حسن عبد الله قد استثمر فترة اعتقاله للإبداع والتأليف، و تابع مسيرته الإبداعية بعد خروجه من المعتقل، فإن الأيام الطويلة التي أمضاها في الحجر الصحي كانت حافزا له لقراءة المزيد من الكتب ، وإنجاز هذا الكتاب الجميل الذي يحتفي بفلسطين ومدنها ، ولا سيما مدينة رام الله التي شبهها بفتاة جميلة تنساب من عينها دمعة وجع وشجن، وعلى خدها الناعم وردة متفتحة تفوح جمالا وعطرا .
من بين مقاييس نجاح الكتاب المهمة في رأيي قدرته على شد انتباه القارىء ، وتحفيزه للمضي قدما في قراءته، وإذا ما ترك القراءة، فإنه يبقى على شوق لمتابعته في جلسات ثانية. ولا شك في أن هذا العنصر متوافر في كتاب أديبنا حسن عبد الله.إذ إنني لم أقرأه دفعة واحدة ، ولكنني قرأته على مدى عدة أيام ، وفي كل لقاء ،كنت أشعر بالشوق لمتابعة فصوله الآسرة .
ترى ما العناصر الفنية التي يجب أن تتوافر بالكتاب ؛ حتى يكون ناجحا وشائقا ومؤثرا ؟.
لعل اختيار المضامين المهمة يأتي في مقدمة هذه العناصر ، إضافة إلى أسلوب الكاتب الرشيق، وطريقة عرضه، وأحاسيسه الصادقة، وقدرته على تجسيد هذه الأحاسيس، ونقلها للقارئ ، و كذلك اللغة المشرقة البعيدة عن الركاكة والتصنع، و الخالية من الأخطاء النحوية والإملائية والمطبعية ، ولا ننسى نوعية الورق ، وحجم الخطوط، وترتيب السطور والصفحات ، وعلامات الترقيم وغيرها.
يحتفي كتاب ( دمعة ووردة على خد رام الله ) بسيرة المكان والإنسان، ويسافر بنا حسن عبد الله على أجنحة الخيال ؛ لنحلق بعيدا عن قيود فايروس الكورونا وموانعه، ونتواصل مع الأصدقاء والناس والأماكن الجميلة التي اشتقنا لها، وكانت لنا فيها ذكريات دافئة.
يتجول بنا الكاتب في مدينة رام الله ، ونذرع معا شوارعها ومؤسساتها ،ومقاهيها، ويحدثنا عن ماضيها وحاضرها ، ويصحبنا إلى بستان صديقه سامر الذي يغتسل بعبق الجوري ، ويطير بنا إلى القدس الشريف ، رغم حواجز الاحتلال، ونتجول في شوارعها ومساجدها وكنائسها، وأسواقها العامرة ، ونزور بيت لحم ونتعرف على ذكريات الكاتب مع أصدقائه في جامعتها، ونزور نابلس ،ووجدة المغربية ودمشق، وعمان ، ولا ينسى الكاتب أثناء الحجر الصحي الإجباري قصص أصدقائه وحكاياتهم وسيرهم الذاتية، و ذكرياته في المعتقل ، وأغاني أم كلثوم التي كانت تفتح للمعتقلين فضاءات الأزمنة ، وتعيدهم إلى ماضيهم وذكرياتهم مع أهلهم وأحبائهم .
وفي فصل ( مراسم استقبال بطيخة ) تتبدى قدرة الكاتب على توليد المعاني ، واستدعاء الأحداث التي تتشابه من تلافيف الذاكرة، فيبدأ الموضوع بسماع صوت بائع البطيخ وهو ينادي على بضاعته، وقرار شراء بطيخة ، وغسلها جيدا بسبب الكورونا، وطريقة التقطيع ، وحب الكاتب للبطيخ، وذكرياته الطفولية مع طقوس أكله في الماضي، والمقارنة بالحاضر ، وغزوات الأطفال على المقاثي ، وحكاية بائع البطيخ مع صديقه عبد الكريم في بيت لحم ، أثناء دراسته الجامعية ، ثم يتذكر أمه التي عافت البطيخ؛ لأن ابنها حسن في السجن ،والحوار الذي دار بين والديه حول هذا الموضوع ، وتتولد ذكريات البطيخ في الاعتقال ، وعزوفه عن تناوله ، بسبب نوعيته السيئة ولونه الأصفر ، ويواصل الكاتب حديثه عن البطيخ بطريقة شائقة، فيتذكر المقال الذي كتبه، والحوارات الإعلامية حول الموضوع . ويكتب عن جنين المشهورة بزراعته ، و لكن المعلومة التي تتحدث عن عدم زراعة البطيخ في جنين خاطئة ، يقول الكاتب :( إذا لا بطيخ الآن من إنتاج جنين ، وأهل المدينة أصبحوا يأكلون بطيخا غير بطيخهم ). ويقتضي التنويه إلى أن المزارعين الفلسطينيين ما زالوا يواصلون زراعة البطيخ في السهول ، ولا سيما في مرج ابن عامر، وأن الإنتاج وفير ، ونوعيته ممتازة ، وهو حلو المذاق .
إن الواجب يقتضي هنا التنويه إلى أهمية الدقة في التأكيد على صحة المعلومات والحقائق ، قبل كتابتها؛ ونشرها ؛ حتى تكون المعلومات صحيحة أولا، و حتى لا يصاب الكاتب والقاريء معا بالصدمة والأسف، والإحباط والتشكيك وعدم الثقة بالآخرين. والحقيقة، كما أكدنا سابقا أن محافظة جنين تعتبر سلة الغذاء الفلسطينية ، إلى جانب شقيقاتها في المحافظات الأخرى ، وأن مزارعيها نشطون و حريصون على زراعة أرضهم وتعميرها، وأن مساحات شاسعة من الأراضي تستثمر في زراعة البطيخ ، وبالتالي فإن البائع الذي أكد أن بطيخه من جنين لم يجاف الحقيقة .
وينهي الكاتب حديثه عن البطيخ بذكر أسعاره العالية ، وحرمان فقراء الشعب من شرائه ، ويكتب في السطور الأخيرة :(اكتشفت أنني لا أجد رغبة بالبطيخ في الحجر ... أجل فلم أذق طعم شريحة من خيال بطيخ، في اعتقالي الأول ، وامتنعت عن أكل شريحة بطيخ صفراء في اعتقالي الثاني ؛ لكي لا أسيء لذكرى البطيخ في مخيلتي ، واليوم أسجل امتناعا ثالثا عن البطيخ في الحجر ...ترى هل البطيخ في تجربتي مرتبط بالحرية ، حتى لو كانت نسبية ؟!!..ربما ). وختاما، فإن ما كتبته آنفا لا يغني عن قراءة هذا الكتاب الجميل ، والاستمتاع به، و أتمنى لأديبنا الدكتور حسن عبد الله مزيدا من الإبداع والعطاء الثقافي المتميز .
___________________
بقلم: عبد السلام العابد
عن منشورات منتدى العصرية الإبداعي في الكلية العصرية الجامعية ، صدرت عام ٢٠٢٠ م الطبعة الأولى من كتاب :( دمعة ووردة على خد رام الله ) للأديب الدكتور حسن عبد الله.
يقع الكتاب في مئة وإحدى وخمسين صفحة ، وصمم غلافه الفنان التشكيلي الدكتور غازي انعيم.
ما يلفت الانتباه في تجربة الكاتب حسن عبد الله الأدبية هذا الاستثمار الواعي للوقت الثمين، وتكريسه للقراءة والكتابة البحثية والإبداعية ، في وقتٍ كان فيه معرضا لضغوط الحياة و السجن ، والتهديد والوعيد باستمرار الاعتقال والإبعاد . وهذا ما عرفته من خلال كتابه ( ثقافة الإرادة ...) ، حيث كتب قصصا قصيرة ورسائل وأبحاثا وهو معتقل، وينتظر عملية إبعاده عن الوطن التي لم تنفذ.
وكانت حصيلة مؤلفاته المنشورة قد بلغت عشرين كتابا أدبيا وبحثيا .
وإذا كان الكاتب حسن عبد الله قد استثمر فترة اعتقاله للإبداع والتأليف، و تابع مسيرته الإبداعية بعد خروجه من المعتقل، فإن الأيام الطويلة التي أمضاها في الحجر الصحي كانت حافزا له لقراءة المزيد من الكتب ، وإنجاز هذا الكتاب الجميل الذي يحتفي بفلسطين ومدنها ، ولا سيما مدينة رام الله التي شبهها بفتاة جميلة تنساب من عينها دمعة وجع وشجن، وعلى خدها الناعم وردة متفتحة تفوح جمالا وعطرا .
من بين مقاييس نجاح الكتاب المهمة في رأيي قدرته على شد انتباه القارىء ، وتحفيزه للمضي قدما في قراءته، وإذا ما ترك القراءة، فإنه يبقى على شوق لمتابعته في جلسات ثانية. ولا شك في أن هذا العنصر متوافر في كتاب أديبنا حسن عبد الله.إذ إنني لم أقرأه دفعة واحدة ، ولكنني قرأته على مدى عدة أيام ، وفي كل لقاء ،كنت أشعر بالشوق لمتابعة فصوله الآسرة .
ترى ما العناصر الفنية التي يجب أن تتوافر بالكتاب ؛ حتى يكون ناجحا وشائقا ومؤثرا ؟.
لعل اختيار المضامين المهمة يأتي في مقدمة هذه العناصر ، إضافة إلى أسلوب الكاتب الرشيق، وطريقة عرضه، وأحاسيسه الصادقة، وقدرته على تجسيد هذه الأحاسيس، ونقلها للقارئ ، و كذلك اللغة المشرقة البعيدة عن الركاكة والتصنع، و الخالية من الأخطاء النحوية والإملائية والمطبعية ، ولا ننسى نوعية الورق ، وحجم الخطوط، وترتيب السطور والصفحات ، وعلامات الترقيم وغيرها.
يحتفي كتاب ( دمعة ووردة على خد رام الله ) بسيرة المكان والإنسان، ويسافر بنا حسن عبد الله على أجنحة الخيال ؛ لنحلق بعيدا عن قيود فايروس الكورونا وموانعه، ونتواصل مع الأصدقاء والناس والأماكن الجميلة التي اشتقنا لها، وكانت لنا فيها ذكريات دافئة.
يتجول بنا الكاتب في مدينة رام الله ، ونذرع معا شوارعها ومؤسساتها ،ومقاهيها، ويحدثنا عن ماضيها وحاضرها ، ويصحبنا إلى بستان صديقه سامر الذي يغتسل بعبق الجوري ، ويطير بنا إلى القدس الشريف ، رغم حواجز الاحتلال، ونتجول في شوارعها ومساجدها وكنائسها، وأسواقها العامرة ، ونزور بيت لحم ونتعرف على ذكريات الكاتب مع أصدقائه في جامعتها، ونزور نابلس ،ووجدة المغربية ودمشق، وعمان ، ولا ينسى الكاتب أثناء الحجر الصحي الإجباري قصص أصدقائه وحكاياتهم وسيرهم الذاتية، و ذكرياته في المعتقل ، وأغاني أم كلثوم التي كانت تفتح للمعتقلين فضاءات الأزمنة ، وتعيدهم إلى ماضيهم وذكرياتهم مع أهلهم وأحبائهم .
وفي فصل ( مراسم استقبال بطيخة ) تتبدى قدرة الكاتب على توليد المعاني ، واستدعاء الأحداث التي تتشابه من تلافيف الذاكرة، فيبدأ الموضوع بسماع صوت بائع البطيخ وهو ينادي على بضاعته، وقرار شراء بطيخة ، وغسلها جيدا بسبب الكورونا، وطريقة التقطيع ، وحب الكاتب للبطيخ، وذكرياته الطفولية مع طقوس أكله في الماضي، والمقارنة بالحاضر ، وغزوات الأطفال على المقاثي ، وحكاية بائع البطيخ مع صديقه عبد الكريم في بيت لحم ، أثناء دراسته الجامعية ، ثم يتذكر أمه التي عافت البطيخ؛ لأن ابنها حسن في السجن ،والحوار الذي دار بين والديه حول هذا الموضوع ، وتتولد ذكريات البطيخ في الاعتقال ، وعزوفه عن تناوله ، بسبب نوعيته السيئة ولونه الأصفر ، ويواصل الكاتب حديثه عن البطيخ بطريقة شائقة، فيتذكر المقال الذي كتبه، والحوارات الإعلامية حول الموضوع . ويكتب عن جنين المشهورة بزراعته ، و لكن المعلومة التي تتحدث عن عدم زراعة البطيخ في جنين خاطئة ، يقول الكاتب :( إذا لا بطيخ الآن من إنتاج جنين ، وأهل المدينة أصبحوا يأكلون بطيخا غير بطيخهم ). ويقتضي التنويه إلى أن المزارعين الفلسطينيين ما زالوا يواصلون زراعة البطيخ في السهول ، ولا سيما في مرج ابن عامر، وأن الإنتاج وفير ، ونوعيته ممتازة ، وهو حلو المذاق .
إن الواجب يقتضي هنا التنويه إلى أهمية الدقة في التأكيد على صحة المعلومات والحقائق ، قبل كتابتها؛ ونشرها ؛ حتى تكون المعلومات صحيحة أولا، و حتى لا يصاب الكاتب والقاريء معا بالصدمة والأسف، والإحباط والتشكيك وعدم الثقة بالآخرين. والحقيقة، كما أكدنا سابقا أن محافظة جنين تعتبر سلة الغذاء الفلسطينية ، إلى جانب شقيقاتها في المحافظات الأخرى ، وأن مزارعيها نشطون و حريصون على زراعة أرضهم وتعميرها، وأن مساحات شاسعة من الأراضي تستثمر في زراعة البطيخ ، وبالتالي فإن البائع الذي أكد أن بطيخه من جنين لم يجاف الحقيقة .
وينهي الكاتب حديثه عن البطيخ بذكر أسعاره العالية ، وحرمان فقراء الشعب من شرائه ، ويكتب في السطور الأخيرة :(اكتشفت أنني لا أجد رغبة بالبطيخ في الحجر ... أجل فلم أذق طعم شريحة من خيال بطيخ، في اعتقالي الأول ، وامتنعت عن أكل شريحة بطيخ صفراء في اعتقالي الثاني ؛ لكي لا أسيء لذكرى البطيخ في مخيلتي ، واليوم أسجل امتناعا ثالثا عن البطيخ في الحجر ...ترى هل البطيخ في تجربتي مرتبط بالحرية ، حتى لو كانت نسبية ؟!!..ربما ). وختاما، فإن ما كتبته آنفا لا يغني عن قراءة هذا الكتاب الجميل ، والاستمتاع به، و أتمنى لأديبنا الدكتور حسن عبد الله مزيدا من الإبداع والعطاء الثقافي المتميز .