الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

سرت زالت تصلي بقلم: فرج الجطيلاوي

تاريخ النشر : 2020-09-26
قصة قصيرة:
سرت لا زالت تصلي
ألإهداء: إلى كل شهداء الوطن الذين لقوا حتفهم في مواجهة الغزو الصليبي المستجد واذنابه . إلى روح المجاهد الشهيد : الهمالي منصور.
(1)
هذه المشاعر الرحبة كالصحراء. العميقة كمياه خليج سرت.تكمن في رجل يمكن أن يأسرك ببساطة الهيئة. عفوية الحضور.الذين يعريفونه جيدا يصفونه بأن لديه نظرة ثاقبة لعواقب ألأمور. ألإقدام الذي لايحاذيه التردد. أنا حنظلة عرفت هذه الصفات و التمست هذه المعطيات عند ذاك الرجل الفارع الطول . ذي الوجه الصارم المفعم عزما .ذي الشارب الشامخ. عندما كنت التقي به في زيارته لأهلنا في طرابلس . كنت طالبا في الجامعة في ثمانينات القرن الماضي. إنه الهمالي منصور.فهووطن يسكنه وطن. كان وقتئذ في ألأربعين من العمر. رجل يحب ألأفاق. أستنشق الوهج منذ تعومة أظافره. التحق بخدمة الوطن مبكرا في سلاح المظلات. عندما كانت تشن الهجمات عبر الصحف على الجيش ويصفه بعض من أصحاب الرأي بـــ(الجيش حشيش وطيش". أعتنق مبدأ ألأعباء الثقيلة الصلبة التي تمليها القضية المركزية للأمة رغم أنه لايخوض في الجدل الفضفاض. ليس لديه لسان الفلاسفة، كما فعل تجار الشعارات حينها بقضية" قومية المعركة والعمل الفدائي". نفذ الهمالي بدمه ولحمه مهمة من المهام التاريخية دفاعا عن حياض هذه الجغرافيا. وتتويجا لصعود التاريخ .وثق في أدغال أوغندا أحدى لاأت الخرطوم .
أرتاد بصمت المخاطرة التي يعرف إنها تؤدي إلى المجهول أو الموت دفاعا عن قدسية الأمانة التي كلف بها مع مجموعة من الجنود الوطنيين الذين كان شغلهم الشاغل تعقب عدو ألأمة.
عاش وسط الثعابين و ألأسود ولم يخش متاهات ألأنهاروالمستنفعات حيث تتربص التماسيح . لم تسقط من يده البندقية في عملية الصراع ضد "الموساد". حوصر في ألأدغال مع رفاقه في المهمة. كانت الدنيا تتثأب من كل ألإتجاهات لإلتهامه لحما وعظما. الهمالي رجل يحب المواجهة ويستمتع بها .
(2)
كان الليل موجعا وفحيح ألأفاعي ترتعد منه الوحوش .عندما عرف الهمالي أن المنطقة الهدف لم تكن قد حددت بطريقة دقيقة. ادرك أن النجاة من هذه الفخاخ ليست بالأمر الهين، خاصة وأن المجموعة تفرقت. ربما مات من مات، ونجا من نجا. إيقنت نفسه إنه واحد ممن فقدوا الطريق أو لعلهم أخطأوا الهدف الذي يفترض أنه كان مرسوما بعناية.
هنا ألأمطار لا تتوقف عن الهطول. في صحاري سرت عندما تمطر السماء يصاحبها عادة الرعد والبرق. إذا سالت ألأودية لم ينتابه يوما التوجس الذي يسيطر على أ قرانه وعادة يرافق الزوابع. جغرافيا ألأدغال ليست كهذه التي يخبرها . إنها أرض ألأهوال المرعبة لقادم لا يعرف شيء عن تفاصيلها إلا ما زودته به إدارة التوجيه المعنوي بالقوات المسلحة أوالمحاضرات التعبوية والسوقية التي تلقها أثناء التدريب وألأستعداد لهذه العملية.
"أنت ياهمالي في بطن الحوت. كن كالنبي يونس!". هذا ما واجهته به نفسه في لحظة الغياهب.
أستغرقت رحلة المصيرالغامض هذه فترة ليست بالقصيرة بعيدا عن تراب الوطن ،محفوفة بالمخاطر. لم يخبر إلا النزر القليل مما حدث له بعد عودته حيا لأن ذلك من صميم طباعه وتطبعه. غير أنه دائما يستشهد بحجم الجراح التي نالت من جسده. قال لي ذات مرة: أنتم يا حنظلة أولاد المدارس والجامعات لم يواجه فيكم أحد معركة مع أسد جائع في شتاء أو عطشان في صيف. كما أن مطاردة التماسيح لأدمي مثلي قادم من وطن اخطر حيوانته المفترسة الضباع والذئاب امرلامفرمنه.وقد تنصب في طريقك فخا جماعة من اكلي لحوم البشر.
لم يكمل لي حادثة محاولة خطفه من قبل كوماندس صهيوني يوم أن تسلل للبحث عن لقمة عيش داخل احد احياء كامبالا ذات مرة. كان يريد أن يحدثني يومئذ غير أن طبيعة المهمة منعته من أن يسرد التفاصيل.أكتفى بالقول إنه وقع اشتباك!.
(3)
الهمالي مقاتل شرس في ساحات الوغي. غير أنه يتمتع بمشاعرعذبة وقلب أخضر معشوشب بالعشق. من يعرفه جيدا يخبرك إن سويداء قلبه تحتفظ برصيد هائل من مكابدة الشوق والعشق لحواء. يعتبر أسرار العشق تماما مثل المهمة التي كلف بها وخاض تجربتها . تلبية لنداء مواجهة العدو الذي املته عليه كلمة السر التاريخية في السيرة الغير مدنسة للثورة التي تنكر لها العديد من روادها ، كلمة" القدس". فلا يحبذ كشف قصة حب عاشها في شبابه. إنها مسألة عصية.
يقول في هذا الصدد: الشرف شرف وأسمه شرف!
والعيب أن يغطى الشرف بقشةّ!
يمتلك ذاكرة متقدة ويجيد دون مواربة الحديث العفوي. عندما تستمع إلى حديثه. تشعرإنك امام شخصية عميقة وصلبة.قد قلبه من فسيفساء الشقاء. طأطأت لنبله كل القامات. عركته لقمة العيش المغموسة في الكدروالكبرياء.
يا حنظلة: الوطن والوطنية ليست تشحيط عروق أو هتافات جوفاء . عمك الهمالي مات سبع مرات!.
اسأل عرب سرت! . كم مرة صلوا صلات الغائب علي؟
كان عندما يمر في حي من أحياء سرت الجديدة والتي أقيمت وهو غائب عنها يردد اطفالها الميامين: هاهو جاء عمي حمزة بن عبدالمطلب!
هذا الخيال الطفولي البريئ. إن دل على شيء انما اكد على ارتباط الذاكرة الجمعية للاطفال با لشخصيات الشامخة في التاريخ. فهو يشبه عبد الله غيث في شريط الرسالة، ومن هنا عرف أطفال سرت هذه الشخصية. شمخت في الذاكرة الجمعية لديهم شخصية بن عبدالمطلب
سلم على أحد ألأطفال وهو يما زحه بأبتسامته العريضة الودودة: حمزة بن عبدالمطلب اكلت كبده هند بنت عتبة ياولدي
تعرف هند بنت عتبة؟. سأ ل الهمالي الطفل وهو ممسكا بيده
يوميء الطفل برأسه مجيبا: نعم وهو مغبوط .مضيفا"حمالة الحطب".
يسأل الهمالي طفلا أخر: من طعن حمزة بن عبدالمطلب؟
يتسابق ألأطفال جميعهم على ألإجابة" وحشي..وحشي..وحشي. ياعمي !
(4)
يستطرد الهمالي وهو يحاور نفسه بعد أن أبتعد عن صبية الحي الجديد قائلا:
عمكم الهمالي أكلت كبده القطط السمان!. ويطعنه الف وحشي ووحشي!.
ينهمك في حوارات داخلية جابت به ألأفاق التي يعشقها وهو يمتع نفسه بالأحياء العزيزة في المدينة العزيزة.
جارف اللي كان منسي والعتعت شقيقه الغالي(*).
اليوم فيه عيشة رغيدة تحضن اللي كان جالي.
متع ناظريه بمياه النهر الصناعي وهو يتدفق في خزان القرضابية. يقول في هذا المقام: إذا كانت سرت هي عين الوطن.فاءن القرضابية عين سرت.
كانت في تلك ألأونة تجرى ألإستعدادات على قدم وساق لعقد قمة سرت التاريخية لتأسيسس ألإتحاد ألأفريقي. رفرفرت في شوارعها اعلام الدول ألأفريقية وقد كسيت قاعة "واقادوقو" بها فازدانت وتألقت بأضواء البهجة والترحيب . جال الهمالي وهو يتصفح هذه الرايات واحدة واحدة. توقف عند راية بلد ألأدغال. تسمر امامها طويلا. رفع راسه إلى السماء مردد:"الحمد لله.الحمد لله".
(5)
لم ينس الناس في سرت وربما مناطق أخرى من ربوع الوطن المداخلة التي تحدث فيها بعفويته وعبر الفضائيات الوطنية بتلقائيته المعهودة. إنه خريج مدرسة الحياة. وقد تجاوز الستين من العمر. رسخت تجربة ألأسر في ألأدغال لديه عزة النفس، لم يتطرق لمعاناته يوم تخلى عنه بنو جلدته. وأعتبروه يومئذ في عداد المفقودين . اختفى !. خان القضية كما ردد البعض ممن يحسدونه عل هذه المغامرة المحفوفة بالمجاهيل ! . ربما جنده الموساد المزروع في أحشاء أفريقيا وخاصة كمبالا مثلما زعم رفيق له تقاعص عن الواجب!. وقيل، فيما قيل. وهو الذي لم يعرف إلا جملة واحدة يتجه نحوها عقله. قبل أحاسيسه المترعة "القدس عروس عروبتكم". لم يسمح لنفسه أن يقول لهذه الجمهرة المصغرة:" إنه بطل يتجاهله الحاضر وليس ممن تسلط عليهم ألأضواء" !.
الهمالي لايمارس التشدق. كان دائما يقول لرفقائه في السلاح ممن نجوا من مهمة ألأدغال تلك:"يا رجال فشلت مهمتنا اونجحت"! ."لاتتحدثوا عن بطولات ولاتبالغوا في صعوبة واجب فرض علينا".
(6)
يقول موجها كلامه في تلك المداخلة للمؤتمرالشعبي الرباط ألأمامي بعيدا عن قصة ألأدغال : الله..الله في الشبابّ!. الشباب!. لله !الله!.في البنات العوانس! . الشباب صارت تتقاذفه التيارات! .لابد من الحيطة والحذر يا أخوة يا مسؤولينّ!
الشباب في عصر النت ليس كما عشنا نحن. المغريات تجعله يحرق نفسه رغبة في النجاة من نفسهّ!.
حرك عمامته. صمت قليلا. حاول رئيس الجلسة إقافه عن مواصلة حديثه الذي أبى إلا أن يكمله بصوت جهوري منبها : إسمعوا ! .هناك من يشد البلاد والعباد إلى الخلف يا أخوة!. توقف وهو يعيد عمامته إلى مكانها.
شدت كل ألأنظارإلى ما قاله هذا الرجل البسيط الذي لم يتخرج من كليات العلوم السياسية. نكس مديرو الجلسة رؤسهم.
كانت سبابته تصوب في كل ألإتجاهات كأنه يحذر من خطر داهم. كما كانت بندقيته وهو يتلمس دربه في ألأدغال الموحشه يتصدى لعدوم متربص.
كان صوته يرتفع أحيان، وتنخفض نيرته تارة أخرى. إنه لا يمثل دورا سينمائيا تاريخيا كما عبدالله غيث في أحد ألأدوار التاريخية.إنه يقتحم التاريخ . ينبه شقيقته الكبرى"روضة العتعت"،وأخاه الكبيرمن الرضاعة "الوضاح"لما يدبر، ويحاك. هكذا كان يرسل تعبيرات بسيطة لكنها مفعمة بالمعاني العميقة. كان لسان حاله يقول:إحذروا تلعثم التاريخ!وتقهقرالنهر!.
نبه الهمالي الجميع من ألإسراف في ألإهمال ، فالعواصف التي تصيب القمة ترتجف لها ألأطراف وأن هناك هواجس وهموم يجب عدم تجاهلها، كما ان الإصلاح يكون باهض الثمن إذا لم يكن جادا.
(7)
جمعتني أنا حنظلة مع عمي الهمالي منصور جلسة ودية في مناسبة فرح. حرصت ان انفرد به في جانب من جوانب خيمة الفرح في جارف.
طلبت منه ان يحدثني ولو قليلا عن حادثة مهمة فرقة الصاعقة التي ارسلت الى أوغندا في أواخر السبعينات من الفرن الماضي. وكان احد أفرادها . انتشرت على نطاق واسع اشاعات عن مصيرجنودها . ترددت اقاويل عن الفشل وأخرى عن القتل في كمائن نصبت مسبقة الترتيب.
أنت في حضرة هذا الرجل تشعر بالفخار. يتمتع بشخصية قيادية مغمورة هادئة. لا يطيل الكلام إلا في معانيه، لا يطرق الحديث إلا في أوانه. أزال عمامته عن جل وجهه.
أبتسمت . قلت في نفسي والله صدق صبيان الحي الجديد في سرت عندما اسموه حمزة بن عبد المطلب إنه عبد الله غيث في دور حمزة. العينان كعيني صقر. ألأنف يتجه نحو المدى لكنه لا ينحني.
لم يجب على سؤالي. بل رنا إلي مليا وتسأل ليجس نبض إحساسي وتفكيري نحو تلك المهمة.
أنت يا حنظلة ! ماهو الشيء الذي سمعته عنها؟.
تلعثم لساني. ادليت ببعض ما كنت قد سمعته ،وما تلقفته ألألسن.وخمنت به التكهنات حينها.
كان يهز رأسه إلى ألآمام والخلف. أو يمنة ويسرة.
عندما توقفت عن الكلام. كنت متلهفا لأن اسمع الحقيقية من مصدرها. حلق ببصره عاليا في السماء حيث كنا نجلس خارج الخيمة، وكان الغروب يطل والشفق يلاحق شعاعات الشمس.
تكلم بهدوء وهو يوجه الكلام بصوت خافت به بحة ينتابها وجوم و كأنه لا يريد أن يسمع أحد غيري ما يريد قوله:المهمة كانت صعبة. الموساد لم يأسر أحد من أفراد المجموعة إ إلا من اراد!. تعرضنا لأذا كثير. العدو لم يتمكن من قهرنا،وهذا هو المهم . لم نسلم أنفسنا ولم نسلم سلاحنا. كنا أقوياء .كان الوطن يصنع التاريخ يومئذا . صمت فترة وكان يمسك بالحصى ويرميه بعيدا.ثم سألني سؤالا إستدراكيا:
هل تعلم أن العدو الصهيوني اغلق كل سفاراته في معظم دول أفريقيا بفضل مثل هذه المواجهات ؟ . يضيف: نحن من زرعنا الرعب في كيانهم. مثلما حصل مع ألأمريكان عندما حاولوا التحرش بمياهنا واجواءنا يا حنظلة في الثمانينات من القرن الماضي!. كانت المواجهة هنا في خليج سرت . الذي صاريسمى "خليج التحدي". هل فهمت! وأردف باءستعجال:. أسال أمسيك(***) !، وأسأل الجعفري( **)!. أضاف وكان يبتسم . أسأل أسماك البحر ألأبيض المتوسط!.
توقف عن السرد.لاذ بالصمت . نهض ليصلي صلاة المغرب. تبعته حتى المصلى الذي أقيم قريبا من الخيمة. وكان ألإمام يستعد لإقامة الصلاة.
(8)
في ملاذات الغفلة،وإخفاقات النوايا الطيبة. في عتمة الليل،وفي عيون الذئاب الرمادية، وذاكرة ألأطماع المتربصة. كانت تختبيء حالة سرمدية. خيمت أجواء ثقيلة مشحونة بالتوجس والريب. ظهرت حالة من حالات تلعثم التاريخ وارتعاد فرائص الأرض من تحت ألأقدم . أغتيل الانتماء بطعنات التواطؤ بفعل مرض التبعية المزمن.
من أنتحار البوعزيزي،وانطلاق الصيحات في مدن النيل الباحثة عن لقم العيش الهانيء كان المدخل. تحرش الشيطان بالنخب المنعمة البلهاء في هذا الوطن الذي يطل على البحر ألأبيض المتوسط بشاطئ رحب. ينعم اهله بسعة العيش، ليس بينهم جائع وجاره شبعان ولا عار ورفيقه يرفل في الحرير. ولا خائف من ضياع عرقه ومستقبل أبنائه . خرجت مجموعات مسبقة التحريض تدمر مرابض ألأمن والأمان. أمتطت دونما دراية عواصف هوجاء اسموها "ثورة". تشرعن لكسر رقبة التاريخ المجيد. ترنحت القطط السمان .سقطت في المستنقع .
الخطر الداهم الذي حذر منه الهمالي في مؤتمر الرباط ألأمامي. يتجسد .تقوده ألأحقاد والإنفعا لات الرخيصة. تعالت أصوات النشاز الغامضة. خرج اللئيم بوجهه كأنه من نسل الورل وقد كسته قترة التعري بعد أن كان يصول ويجول في محافل ألأمم.
ليظهر ما بطنه نيف واربعين عاما. يقولون عنه إنه السكير الزنيم. أنطلق الورل يهذي. أنفصل عن ماضيه ولم ينسلخ جلده. توالى التباهي با الخنوع . سقطت جل ألأعمدة الهشة.هتكت كل ألأقنعة. تبجح الزنيم وهو يتبول على كرامته المكتسبة. سكب الدموع الرخيصة أمام العالم وهو يطلب من عدو ألأمس أن ينقذ ليبيا. يردد مبحلقا عينيه كالسارق في الظلمة: "أرجوكم أن تنقذوا ليبيا يا أمم متحدة!". ثمل بالخيانة حتى تقيأ، وكان سعيدا.
بينما تحركت جيوش الظلام تريد طمس قبسات النور.أرتفع صوت الهمالي في ظلمة الليل الحالك : ممن تنقذ ليبيا ياورل ؟
ماذا يكون في جعبة التباع؟
إلا التفاخر بسلة المتاع!.
ماذا يكون في عتمة الرذيلة؟.
خمار في قاعة ألأمم يعانق غريمه!.
عصف الغضب بالهمالي . أنقبض صدره. أنطلقت النداءات الصاعدة من صميم أعماقه، تحثه على الصمود والمثابرة والبحث عن طوق للنجاة من خطر ألأدغال المرعبة والعيون المعادية المتربصة مثلما حصل في غابات أوغندا. هذه المرة ليست كتلك. ألأدغال هذه أشجارها الخيانة التي زرعت خلف أسوار الغفلة، ووسط الحدائق الخلفية.لقد باض الورل في عش الصقر. فلم يعد هذا الورل يخشى هيبة الصقر.
اشتبك الهمالي في احاديث صامة موجعة مع ماضي هؤلاء القريب والبعيد. الذين تخلوا عن بوصلة القدس. وأولائك الذي سقطوا في جحور الخذلان المبين، ليكشفواعن تطلعات جيناتهم المشبوهة.
الأحاسيس التي كانت تحرك إتجاه سبابة عمي الهمالي وهو يحذر. دفعته دونما تردد إلى إمتشاق بندقيته التى لم تلامس أصابعه زنادها منذ أن احيل للتقاعد.التحق بجبهة القتال المكروه. كان يتقدم الصفوف. يحمي تارة صدورأ لمجاهدين. أويسيج ظهورهم في أحيان أخرى. عندما التقى بسليل ألأوسمة.عانقه بحميمة شديدة . حنى الوسام قامته وهويقول: لقد شبعنا الذئاب العفنة. وحرمنا ألأسود من المرابض العفيفة.
(9)
عندما أصيب المجاهد الهمالي منصور في معركة البريقة أو الوادي الحمرأثناء المواجهة مع الغزو الصليبي المستجد، وكانت اصابته بليغة وجراحه مثخنة. مزقت الشرايين وألأوردة. قاوم الامه بكبرياء. بادر وروحه تتأهب للصعود الى ربها مودعة جسده .وهو يردد بصعوبة متقطعة للمسعفين:"أنهضوا ليبيا..أنهضوا ليبيا. ما تنهضوني أنا !".
بقي هذا المشهد يبث حيا في أعماقي وتلافيف دماغي أنا حنظلة. ويستلهم من خزائن الذاكرة الرابضة للمواجهة التي كانت غير متكافئة مع أعداء طامعين كثر ،ولئيم حاقد. ضحك على نفوس قصيرة البصر والبصيرة.
أقتحمت صيحة الهمالي"أنهضوا ليبيا" إستجداءات الورل"أنقذوا ليبيا". ألإستنهاض مصدره العزيمة، فيما ألإستجداء مبعثه الهزيمة. جلبت إستغاثة الورل الذليلة للوطن الويل والثبور. يصدق فيها قول الشاعرالعروبي غازي الجمل(***)
بالطائرات المرسلات عويلا
ترمي بأطنان الردى تنكيلا
بالراجمات القاذفات قنابلا
فوق الرؤوس تدفقا موصولا.
ألإستنهاض الذي جادت به أنفاس ألهمالي وهي تغادر جسده . وجد صداه في كل العزائم. لم يمكث شاب قادر على حمل السلاح إلا و أمتشق بندقيته . أندفعوا يحاربون التدخل ألأجنبي في كل الجبهات. كما أن كل حرائر سرت أندفعن مودعات لحظات ألأشواق والحب إلى ساحات الجهاد يجسدن الشهامة:
سطر على هام الزمان بأننا
نساء الشهامة و الأعز قبيلا
جافى النوم عيون اطفال سرت الميامين ، وهم يودعون قوافل الشهداء . كانوا يعرفون أسمائهم وأين أصيب كل واحد منهم. يندفعون ولسان حالهم يلهج :
نحن الذين إذا ولدنا بكرة
كنّا في ساحات الوغى ا صيلا
نحن الشهادة و الشهيد و شاهد
و لأسدنا قد فصلت تفصيلا.
(10)
عندما وصل جثمان الشهيد الهمالي إلى المقبرة. أستقبلته حشود المشيعين الغا ضبين با لهتاف "الله وأكبر".النسوة الحزانى يولولن بالزغاريد، ولم تتوقف جنازات الشهداء . أقيمت الصلاة على أرواحهم، و سرت لا زالت تصلي.
فرج الجطيلاوي 1-9-2020
هوامش
(*) جارف والعتعت واديان من أودية سرت المعروفة.
(**) أمسيك والجعفري هما الطياران العربيان الليبيان اللذان اشتبكا في معركة جوية فوق خليج سرت ضد الطائرات ألأمريكية عام 1986م. وتم رسم خط الموت 32.
(***) ألأبيات الشعرية التي وردت في الجزء أ لأخيرمن القصة أخذت على سبيل ألإستدلال من قصيدة مسجلة للشاعر العربي غازي الجمل.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف