تيه في الزقاق
قصة قصيرة : محمد عارف مشّة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحرقتُ علبة سجائري منتظرا قدومها. منشغلا بما تشاهده عيناي، علّها تظهر من بعيد .
هي الساعة الخامسة مساء تكثر فيه المارّة والسيارات. شيخ كبير السن ترتجف يده على عصاه. لحيته بيضاء. ثيابه قصيرة رثة، ظننتُ للوهلة الأولى انه أحد المتسولين. سرتُ نحوه. اقتربتُ منه ببطء. اقتربتُ أكثر. اهتزت عصا الرجل. خلتُ أن شاربيه قد تحركا. أو بأنه تململ بقصد الهرب. ابتسمتُ له كي أشعره بالاطمئنان. تحركت قدماه. أيقنتُ أن الخوف بات يمتد من قلبه إلى ساقيه، كسريان تيار كهربائي، كبرت ابتسامتي. زاد اضطراب ساقيه. كدتُ أشعر بحرارة لهاث أنفاسه. بحلقت عيناه مذعورة بدهشة ، ثم صرخ فزعا: أهو أنت؟
نظرتُ خلفي فلم أجد أحدا. عن يميني. عن يساري. لم أر أحدا، أيقنت أنه يقصدني. فقلت له ممازحا: نعم إنه أنا فمن أنا، ومن تكون أنت؟ وكبرت ابتسامتي أكثر، فألقى العجوز بعصاه إلى البعيد، وركض هاربا.
دفعتني دهشةُ حب الاستطلاع اللحاق به، ونسيت البنت التي كنت انتظرها.
ركضتُ خلفه. أسرع في ركضه. وصل زقاقا. دخلتُه... الزقاق مظلم. الزقاق صامت. ركضت خلفه خائفا. لمحت ابتسامة في ظلمة عينيه. تعثرتُ. سقطتُ فوق جسد دافئ. نهض الجسد فزعا. نظرتُ للجسد الواقف بذعر فعرفتُ أنها امرأة. زاد ارتباكي. خوفي. نسيتُ الرجل وأطلت في اعتذاري للمرأة. أشارت لي بيدها غاضبة أن أخرج من هنا، فخرجتُ.
نظرت إلى الجهة التي أشارت لي بيدها، فوجدتها أشد ظلمة. كبر الخوف في نفسي. توسلت لها نظراتي أن أعود من حيث أتيتُ. صرخت عيناها آمرة، امتثلتُ لأمرها وتابعت خوفي، أنظرُ نحو الأرض كي لا أتعثر بجسد من الأجساد الملقاة في الزقاق.
سمعتُ وقع أقدام هامسة تسير خلفي. كبر ذعري، فتشاغلت عن ذعري بعد أصابع يدّي تارة. وبقضم أظافري تارة أخرى. لكن همس الخطوات نما في صحراء خوفي النابضة بفحيح الأفاعي.
اقتربتُ من الباب الخشبي، فكان مغلقا. سحقا. أين سأذهب وكيف سأخرج؟ همستُ لنفسي. اقترب همسُ الخطوات، فطمأنتُ نفسي علّ همس الخطوات القادم من خلفي يُخرجني من خوفي.
أصابني الفرح قليلا قبل أن أسمع صوت الشيخ ثانية يزأر كأسد، فكان همسي شبه الصارخ: تبا لكل الأشياء التي جعلتني شرابا سائغا، لهذا الشيخ الخرف.
اقترب الشيخُ فكان فحيح أنفاسه كأفعى، ضمني إلى صدره، ضغط بقوة، فعرفتُ أنه شاب قوي يتظاهر بالشيخوخة، كدتُ أختنق. حاولتُ الصراخ، فجفّ حلقي، وابتلع الخوف لساني.
ــ ما بك؟ قالت البنت التي لا زالت تقف جواري، وأضافت: هل أنت خائف؟
هل رأيتها مرّت من هنا؟ سألتُ
- من هي؟
- فتاتي
- وأنا من تكون؟
- أنت بنت
ــ وهل فتاتك ولد؟ قالتها بسخرية وانفجرت ضاحكة.
تحسست رأسي فلم أجده. أنفي. عيني. فمي. صرختُ فلم يخرج الصراخ من فمي. صرخ رجل يقف جواري، وأضاف: من سمح لك أن تصرخ بفمي ؟
ــ فمك؟ قلتّ بدهشة وأضفت: بل هذا فمي، وهذا لساني.
ابتسم سخرية، ثم قال: لقد كان هذا فمك قبل أن تقوم بتأجيره لي ، قالها الرجل بلساني، ومضى مبتعدا عني .
قصة قصيرة : محمد عارف مشّة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحرقتُ علبة سجائري منتظرا قدومها. منشغلا بما تشاهده عيناي، علّها تظهر من بعيد .
هي الساعة الخامسة مساء تكثر فيه المارّة والسيارات. شيخ كبير السن ترتجف يده على عصاه. لحيته بيضاء. ثيابه قصيرة رثة، ظننتُ للوهلة الأولى انه أحد المتسولين. سرتُ نحوه. اقتربتُ منه ببطء. اقتربتُ أكثر. اهتزت عصا الرجل. خلتُ أن شاربيه قد تحركا. أو بأنه تململ بقصد الهرب. ابتسمتُ له كي أشعره بالاطمئنان. تحركت قدماه. أيقنتُ أن الخوف بات يمتد من قلبه إلى ساقيه، كسريان تيار كهربائي، كبرت ابتسامتي. زاد اضطراب ساقيه. كدتُ أشعر بحرارة لهاث أنفاسه. بحلقت عيناه مذعورة بدهشة ، ثم صرخ فزعا: أهو أنت؟
نظرتُ خلفي فلم أجد أحدا. عن يميني. عن يساري. لم أر أحدا، أيقنت أنه يقصدني. فقلت له ممازحا: نعم إنه أنا فمن أنا، ومن تكون أنت؟ وكبرت ابتسامتي أكثر، فألقى العجوز بعصاه إلى البعيد، وركض هاربا.
دفعتني دهشةُ حب الاستطلاع اللحاق به، ونسيت البنت التي كنت انتظرها.
ركضتُ خلفه. أسرع في ركضه. وصل زقاقا. دخلتُه... الزقاق مظلم. الزقاق صامت. ركضت خلفه خائفا. لمحت ابتسامة في ظلمة عينيه. تعثرتُ. سقطتُ فوق جسد دافئ. نهض الجسد فزعا. نظرتُ للجسد الواقف بذعر فعرفتُ أنها امرأة. زاد ارتباكي. خوفي. نسيتُ الرجل وأطلت في اعتذاري للمرأة. أشارت لي بيدها غاضبة أن أخرج من هنا، فخرجتُ.
نظرت إلى الجهة التي أشارت لي بيدها، فوجدتها أشد ظلمة. كبر الخوف في نفسي. توسلت لها نظراتي أن أعود من حيث أتيتُ. صرخت عيناها آمرة، امتثلتُ لأمرها وتابعت خوفي، أنظرُ نحو الأرض كي لا أتعثر بجسد من الأجساد الملقاة في الزقاق.
سمعتُ وقع أقدام هامسة تسير خلفي. كبر ذعري، فتشاغلت عن ذعري بعد أصابع يدّي تارة. وبقضم أظافري تارة أخرى. لكن همس الخطوات نما في صحراء خوفي النابضة بفحيح الأفاعي.
اقتربتُ من الباب الخشبي، فكان مغلقا. سحقا. أين سأذهب وكيف سأخرج؟ همستُ لنفسي. اقترب همسُ الخطوات، فطمأنتُ نفسي علّ همس الخطوات القادم من خلفي يُخرجني من خوفي.
أصابني الفرح قليلا قبل أن أسمع صوت الشيخ ثانية يزأر كأسد، فكان همسي شبه الصارخ: تبا لكل الأشياء التي جعلتني شرابا سائغا، لهذا الشيخ الخرف.
اقترب الشيخُ فكان فحيح أنفاسه كأفعى، ضمني إلى صدره، ضغط بقوة، فعرفتُ أنه شاب قوي يتظاهر بالشيخوخة، كدتُ أختنق. حاولتُ الصراخ، فجفّ حلقي، وابتلع الخوف لساني.
ــ ما بك؟ قالت البنت التي لا زالت تقف جواري، وأضافت: هل أنت خائف؟
هل رأيتها مرّت من هنا؟ سألتُ
- من هي؟
- فتاتي
- وأنا من تكون؟
- أنت بنت
ــ وهل فتاتك ولد؟ قالتها بسخرية وانفجرت ضاحكة.
تحسست رأسي فلم أجده. أنفي. عيني. فمي. صرختُ فلم يخرج الصراخ من فمي. صرخ رجل يقف جواري، وأضاف: من سمح لك أن تصرخ بفمي ؟
ــ فمك؟ قلتّ بدهشة وأضفت: بل هذا فمي، وهذا لساني.
ابتسم سخرية، ثم قال: لقد كان هذا فمك قبل أن تقوم بتأجيره لي ، قالها الرجل بلساني، ومضى مبتعدا عني .