الأخبار
(حماس): قدمنا رداً إيجابياً وجاهزون للدخول فوراً في مفاوضات حول آلية التنفيذلماذا على حماس أن توافق لا أن تناور؟(أونروا): الناس يسقطون مغشياً عليهم في غزة من شدة الجوعفلسفة المصلحةقناة إسرائيلية: جدال كبير بين نتنياهو وقيادة الجيش حول استمرار العمليات العسكرية في غزةغزة: 138 شهيداً و452 جريحاً غالبيتهم من طالبي المساعدات في آخر 24 ساعة(رويترز): مصرفان عالميان يرفضان فتح حسابات لـ"مؤسسة غزة الإنسانية"كاتس: الجيش الإسرائيلي يعد خطة لضمان ألا تتمكن إيران من العودة لتهديدناترقُّب لرد حماس.. وإعلام إسرائيلي: ترامب قد يعلن الاثنين التوصل لاتفاق بغزة(فتح) ترد على تصريحات وزير الصناعة الإسرائيلي الداعية لتفكيك السلطة الفلسطينية30 عائلة تنزح قسراً من تجمع عرب المليحات شمال أريحا بفعل اعتداءات الاحتلال ومستوطنيهمقتل جنديين إسرائيليين وإصابة اثنين آخرين بجروح خطيرة في معارك قطاع غزة20 شهيداً في غارات للاحتلال على مواصي خانيونس وحي الصبرة بمدينة غزةغوتيريش: آخر شرايين البقاء على قيد الحياة بغزة تكاد تنقطعترامب وبوتين يبحثان الحرب في أوكرانيا والتطورات بالشرق الأوسط
2025/7/5
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الدّلالات و التّحدّيات في رواية بنسمايا لمصطفى القرنة بقلم : إسلام قريع

تاريخ النشر : 2020-09-13
الدّلالات و التّحدّيات في رواية  بنسمايا لمصطفى القرنة بقلم : إسلام قريع
الدّلالات و التّحدّيات في رواية
بنسمايا لمصطفى القرنة

كثر هم أدباؤنا العرب، ممّن يجمعون بين الحرفة في اللّغة و الإبداع ، و في سماء أردنّنا أسماء تبرق لتضيء عتمة الرّتابة و الملل الّلذانِ أصابا الأدب في الآونة الأخيرة ، كلنّا نقرأ روايات و كتابات أصابتها عدوى التّكرار ، فأصبحت اتّجاهات القرّاء إلى نوع واحد من الرّوايات الأدبيّة و الّتي شهدنا منها الكثير في ساحة الأدب الرّوائيّ ، سواء على مستوى الأردنّ أم الوطن العربيّ بشكل عامّ.
وعندما نقول أدب الرّواية في الأردنّ فإننا نرى أسماء قد حصدت المراتب الأولى على مستوى الإبداع و التّجديد، و حصلت على اهتمام النّقاد المتخصّصين و غير المتخصّصين على حدّ سواء. و من أبرزهم في السّاحة الثّقافيّة الأردنيّة: مصطفى القرنة، و مؤنس الرّزّاز، ليلى الأطرش، هاشم غرايبة، و غيرهم العديد من المبدعين النّشطين ، و نخصّ الحديث في هذا المقال عن الرّوائيّ النّاشط و الّذي تميّز بعمله المتواصل ، و إثراء بستان الثّقافة عاما بعد عام برواياته و دواوينه الرّائعة ،الرّوائي و الكاتب و الشّاعر مصطفى القرنة.
جمع بين الشّعر و النثر جمعا يليق بإبداعه و تميّزه ، برزت ملامحه واضحة في كتاباته الشّعرية و النثريّة ، كما و أثرى نصوصه على الصّعيدين ( الشعريّ و النثريّ) بثقافته الواسعة في ميادين عدّة من أدب و سياسية و تاريخ ، خاصّة الأخيرة تلك فقد زخر أدبه بها و انفرد عن غيره من خلالها .
مَنْ يقرأ للقرنة يجد روح التّجديد،و الحيويّة و الغرابة، ويعمّ على كتاباته الطّابع الغرائبيّ و الأسطوريّ خاصّة في رواياته الأخيرة، مثل: المدرّج الرّوماني، بنسمايا، و فئران لاغوس.
بنسمايا ، محور الحديث في هذا المقال ، رواية أصدرها القرنة في عام 2018 م حديثة الولادة ، عن دار الإسراء للنّشر و التّوزيع ، و بدعم من وزارة الثّقافة الأردنيّة ، تحدُّها 292 صفحة ، خلق فيها روحا جديدة للرّواية العربيّة ، بطولة شخصيّة الشّاعر فلاح وجنّي بابل العراقيّة الّذي يدعى بنسمايا ، و هو جنّي يرافق الشّاعر فلاح .تعرض الرّواية صورا متخيّلة عن الحضارة البابليّة القديمة في إرثها وعاداتها و تقاليدها ، و خرافاتها الّتي كانت تتبعها في مأكلها ومشربها ، وغيرها من الموروثات المتّبعة لديهم ، كأيّ حضارة مرّت على التّاريخ .
يتفرّد هذا العمل الرّوائيّ و يتميّز عن غيره من الأعمال على أنّه يوظّف الموروث التّاريخيّ والرّمز ، والخيال بشكل ملحوظ و بارز ، و ذلك ما أجمع عليه النّقاد الّذين تناولوا هذا العمل في بداية توهّجه ، حيث إنّ المقاربات النّقديّة باختلاف أصحابها في مسالكهم المنهجيّة في تحليلهم لنصّ الرّواية لم يعطوه حقّه من جانب المغزى ، و الوظيفة ، لأنّ الأديب عندما يتناول عملًا أدبيًا كهذا مليئا بالزّخم التّاريخيَ ، و الحضاريّ ، و الّذي قد حوّل فيه كلمات قد سطّرت على ألواح ، أو أخفيت بين طيّات اللّفائف الدّفينة إلى عمل دراميّ قائم بذاته من شخوص و مكان و زمان و حبكة ،بالتّأكيد هو يرمي بصنّارته إلى ما وراء هذه الحضارة ، و إلى ما خلف هذه السّطور . بابل العراقيّة ومن منّا لم يقرأ أو حتّى يسمع بإحدى أكبر الحضارات المرموقة ذات الامتداد الطّويل و الحكم الفريد من نوعه المتمثّل بنبوخذ نصر رمز القوّة، و العظمة في الحضارة البابليّة ، فعدا عن قراءتنا للتّاريخ عبر هذه الرّواية ، فنحن نعيد أمجاد بابل و الكنعانيين أثناء قراءتنا لرواية بنسمايا ، بدلا من قراءة التّاريخ العقيم الّذي يعرض لنا أرقاما و أسماءً دون إطلاق العنان للعقل لعيش تلك الحقبة أو تلك الحضارة كما فعل القرنة ، فقد جعلنا نعيش الحضارة البابلية في كلّ تفاصيلها و قد شُغفنا بها حبَا عندما وجدناها تجسّد لنا مواقفا كنّا قد سمعنا عنها دون أن نتخيّلها ، من انتصارات و انهزامات ، كانت حبيسة كتب التّاريخ و الأطالس .
رغم وجود الخيال في الرّواية إلّا أنّها تجسّد القوّة و الجبروت الّذي كانت عليه الحضارة البابليّة وسط جموع من البلاد كانت هي ألماستهم ، نرى اليهود المستضعفين و الّذين قد غلبوا على أمرهم في عيشتهم الذّليلة بين البابليين ، حيث كانوا مهانين من أهل بابل، نساؤهم تستبدّ و رجالهم لا سلطة لهم في شيء من أمرهم . إذا وجه المفارقة واضح في الرّواية وما نحن عليه الآن ...نرى اليهود قد طغوا في الأرض و مشوا فيها مرحا ، و أنّ الحضارات الّتي كانت تتمتّع بالقوّة و الجبروت قد انهارت و سلبت حقّ التّمتّع بالسّلطة . إذا الزّمن عجلة و التّاريخ يعيد نفسه ... هل للتّاريخ أن يعيد نفسه ؟ و نسترجع أمجادا كنّا قد حقّقناها ؟
نبوخذ نصر ليس فقط شخصيّة تاريخّية مهمّة فحسب ، بل هو رمز للقوّة و العظمة ، كان همّه الأوّل و الأخير أن يقيم بلادًا قويّة منيعة ، بعيدا عن ملهيات الحياة ومغرياتها ، بما قد يتمتع به ملكًا عتيدًا مثله ، فهنا نبوخذ نصر بشخصيته هو رمز.
القرنة جعلنا نتخّذ مبدأ المفارقة دون أن نحسّ على ذواتنا ، فشتّان بين ما تقرأه من قوّة للحضارة البابليّة آنذاك، و ما كان عليه اليهود من انكسار و خوف ، و بين ما هو على أرض الواقع الأليم حاليّا ، لقد انقلبت الآية رأسًا على عقب ، المفارقة مضحكة مبكية ، نقرأ و نتساءل أكنّا بهذه القوّة المنيعة يومًا أمام اليهود؟ أكنّا أصحاب نفوذ و سلطة ؟
ذلك ما ولّده لدينا واقعنا الأليم الكليم ، إذا فالنّصّ الذي بين يدينا غير أنّه خدم التّاريخ من حيث تجسيده له و حياكته على شكل قصّة كاملة متكاملة الأركان، إلّا أنّه يخدم قضايانا الّتي نعيش ، منها ما نحن نعاني منه من انكسار و اضطهاد من حضارات و شعوب لم تكن موجودة و لم يكن يحسب لها حسابا . يؤمَلنا الرّوائيّ على أن نعيد أمجادنا ولو تخيّلًا ، أن نعيش حضارة نتمنّى أن نعيشها الآن ، حضارة كانت قد بنيت بالقوّة و النّهضة ، و قد هدمت بالوهن و الضّعف والتّخلّي عن المبدأ .
فالنّاقد الفذّ يدخل للنّصّ من بابين: باب المعنى الصّريح في ظاهره، و الّذي يكون واضحا له وللقارئ العاديّ ويكون غالبا متعارفا و متّفقا عليه من قبل النّقّاد و القرّاء.
و باب المعنى المبطّن الّذي يحمل في طيّاته ترميزًا يخدم النّصّ لا ينتبه إليه القارئ العاديّ و لا يغفله النّاقد المتمكّن، الّذي يبحث دائما ما وراء الظّاهر؛ ليستنبط المعاني المخمليّة ، و الّتي تكون محطّ اختلاف في آراء النّقاد بين مؤيّد و معارض ، وبين من يجد فيه معنى ترميزيّا و آخر لا يجد ، هذا من ميّزات النّصّ المحنّك و الغنيّ ، أن يكثر الحديث حوله و حول مراميه الأدبيّة على مختلف الميادين ، ممَا يجعل النّصّ أكثر شغفا و أكثر عمقًا . فقد انهالت دراسات نقديّة من مختلف الشّخصيّات على صعيد الوطن العربيّ ، في شتّى الموضوعات حول رواية بنسمايا ، و الّتي ركّزت في مجملها على المضمون للرّواية ، و على استخدام الرّوائيّ القرنة للموروث التّاريخيَ ، و يوجد جانب لابدّ للتّنويه له و هو الجانب الوظيفيّ للرّواية ، فلنترك المغزى للنّقاد و من هم أهل له ، و نأتي للجانب الوظيفيّ للرواية ، و الّتي من الممكن أن تكون داعمًا و رافدًا لكتب التّاريخ المعقّدة ، و التي ما يلبث القارئ أو الدّارس بقراءة الصّفحة الأولى حتّى يشعر بمللٍ ، وكلل مفرطين نتيجة الجمود و الجفاف في توصيل المعلومة ، أين دارسي التّاريخ و معلّميه عن هذا الإبداع ؟
أن تجعل تاريخًا رواية يملؤها الشّغف و الخيال ذلك الجانب بحدّ ذاته يستحقّ الوقوف مليًا عنده ، و أن نجعله منهجا في التّعرَف على تاريخ الأمم و الحضارات بطريقة أكثر رحابة و إمتاعا من سردٍ ينقصه الحيويّة التّي نجدها في رواية بنسمايا مثلا .
ففكرة الرّواية لاقت صدى كبيرا عند القرّاء فطريقة الطّرح و الأداء ، و اختيار الشّخصيّات و الأسماء ، حيث إنّه جعل كلّ الأدوات تخضع لهذا الموروث ، قسّم روايته لألواح بما يتناسب و طبيعة العيش في تلك الحقبة ، فكانت الرّواية تدخلنا إلى عالمها بكلّ ما أوتيت من معطيات ، طريقة السّرد ، الأسماء ، الأماكن ، الحبكة ، انتقاء الكلمات ، الحوار ، حتّى الخيال طوّع ليخدم ما جاءت به الرّواية ، فحريّا لها أن تقرأ في حصص التّاريخ و محاضرات الحضارات ليستشعر المتلقّي التّاريخ الّذي لا يسمع منه سوى صدى ضعيف المدى .
و علاقة التّاريخ بالسّياحة علاقة وطيدة ، بل قويّة جدّا ، فنرى السّائح الأجنبيّ و نظيره العربيّ ، عندما يزور بلادا غير بلاده ، أوّل ما يسأل عنه هو تاريخ هذه المنطقة ، و الحضارات الّتي أُقيمت على أرضها كون التّاريخ هو جزء لا يتجزّأ منّا ، فهو هُويّتنا الّتي تعترف بنا كأصحاب أرض و أ صحاب سلطة ، فمن الجميل أن يجد الحضارة على هيئة رواية أو قصّة تقصّ عليه أو تعطى له كهديّة يأخذها معه إلى بلاده ، فبذلك نكون قد ضربنا عصفورين بحجر واحد أوّلا من النّاحية السّياحيّة و ثانيا من النّاحية الثّقافيّة ، نكون قد عرّفنا هذا السّائح على ثقافتنا و على مثقّفينا .
بقلم : إسلام قريع .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف