* مع الكاتب نسيم قبها وروايته ( شجرة العروس )*
_____________________
بقلم : عبد السلام العابد
أهداني الكاتب نسيم قبها باكورة أعماله الأدبية المنشورة في فن الرواية حملت عنوان:(شجرة العروس ).
صدرت الرواية عن منشورات مجلس الكتاب والأدباء والمثقفين العرب عام ٢٠١٩م ، وتقع في مئة وعشرين صفحة.
إنني أعرف منذ سنوات طويلة نسيما معلما للرياضة، ومثقفا واعيا ، ومهتما بالشأن الثقافي العام ، وله خواطر ونصوص أدبية ومقالات وتحليلات سياسية متنوعة ، وقد جاء نشره لهذه الرواية مفاجأة سارة.
وأول ما يلفت الانتباه عنوان الرواية (شجرة العروس )، فما طبيعة هذه الشجرة؟، وكم عمرها؟، ومن زرعها؟ ، وأين تقع ؟، ولماذا سميت بهذا الاسم الجميل ؟ .ويتعرف القاريء على تاريخ هذه الشجرة، من خلال قراءة صفحات الرواية.فهي ( شجرة بلوط معمرة من فصيلة السنديان ، يقارب عمرها أربعة قرون ، وتقع على تخوم أكبر حرش طبيعي في فلسطين ابتلعه جدار الفصل العنصري ، وسُميت بهذا الاسم، نسبة لعادة قديمة في جغرافيا المنطقة ( زواج البدل ) ، حيث يتم تسليم واستلام العروسين، القادمين من مناطق متنوعة من فلسطين التاريخية ، بحضور الأهل والأقارب ، وفي أجواء احتفالية بهيجة .
يُدخلنا الكاتب في أجواء الرواية ، منذ سطورها الأولى، حيث يُحضر أبو جميل أحد مواطني طورة الشاي الساخن ، ويصبه بكؤوس بلورية ، ويقدمه للعمال الذين يجلسون في ظلال شجرة العروس، قبيل ذهابهم إلى أعمالهم في أراضي عام ثمانية وأربعين .
وتحدث تطورات متعاقبة ، ومتشابكة ، بين المواطنين وقوات الاحتلال ، في سياق الأحداث المتلاحقة التي عمت الوطن، خلال الانتفاضة الثانية ، بعد العام الفين ، حيث تم اجتياح المدن والمخيمات والقرى الفلسطينية . ونتعرف على شخصية غامضة لشاب ظل متواجدا تحت شجرة العروس ، وحينما تم حظر التجوال ، دعاه أبو جميل لبيته ، ونام في القرية ، وحينما جاء المخاضُ أم سعيد ، ولم يتمكن زوجها من اصطحابها إلى مشفى جنين ؛ بسبب الحواجز ، يتقدم الشاب الذي يمتلك خبرة في هذا المجال ، ويساعدها على الولادة بنجاح.
ومن خلال الأحداث، تتكشف ملامح شخصية هذا الشاب المناضل ، فهو من قرية مجاورة، ويسمى صابر، وأبوه كان أسيرا ، ويعرفه أبو السعيد حق المعرفة ، وله معه في المعتقل ذكريات مريرة و دافئة .
ويعرفنا نسيم قبها على تطورات الأحداث في الفترة ما بين ألفين والفين وأربعة، بطريقة قصصية سلسة وممتعة ، حيث تشترك في الاضطلاع بأدوار الرواية شخصيات أساسية وثانوية ، تحمل دلالات نضالية ووطنية وتمثل أجيالا فلسطينية متتابعة ، ومنها: أهداءالفتاة التي أحبها صابر، وأم سعيد ، وأبو سعيد زوجها ، وأبو جميل ، وعادل، والشيخ مروان، وسلمى ، ورشيد ، وأبو جعصة ، وغيرهم .
وتعتبر شجرة العروس من أهم عناصر القصة والشخصية المحورية فيها. ففي ظلالها حدثت وقائع ومشاهدات وأحداث كثيرة ومهمة ، وهي تمثل التاريخ و الأصالة والهوية ، والثبات والتجذر في الأرض، والمحبة والانتماء ، والمقاومة الفاعلة ، والتمسك بإرث الأجداد ، والماضي والحاضر والمستقبل .
وشجرة العروس هذه التي تقف شامخة، في طورة ، تتحدى جدار الفصل العنصري ، وتمد جذورها في أعماق الأرض ،و تشرئب أغصانها في الفضاء الرحب، فترى مدن الوطن وقراه، شرقا وغربا وشمالا وجنوبا .
لقد كانت هذه الشجرة العملاقة شاهدة على الوقائع والأحداث التي شهدتها بلادنا طوال أربعة قرون ، ولا سيما خلال فترة الاحتلال، والانتفاضة الثانية التي ركز عليها الكاتب ، ففي ظلالها تم عقد الاجتماعات والمهرجانات الشعبية والنضالية، وبالقرب منها كان يعقد أبو السعيد وصابر وعادل وأبو جميل اجتماعاتهم السرية ، ولقاءاتهم مع المواطنين؛ للدفاع عنها، ومواجهة الاستيطان ومصادرة الأراضي ، ومقاومة إجراءات بناء جدار الفصل الذي ابتلع مساحات واسعة من أراضي المواطنين، وفصل بين مدن الوطن وقراه ، بل فصل القرية ذاتها، عن أراضيها ، وأمسى المواطن الفلسطيني غير قادر على زيارة مكان قريب منه، إلا بعد أن يسافر جنوبا ، ثم يسلك طريقا آخر موازيا ، حتى يصل إلى المكان القريب من قريته، رغم أنه يستغرق دقائق قليلة للوصول إليه، في الظروف العادية .
وإضافة إلى ما ذكرت آنفا ، فإن رواية شجرة العروس حافلة بالمشاهد والأحداث الاجتماعية و القيم الإنسانية النبيلة والأصيلة التي يتمسك بها إنساننا الفلسطيني المتجذر في بلاده ، وقد استطاع الكاتب أن يدخلنا إلى عالم القرية الجميل و البسيط والأصيل والذكي في الوقت ذاته.
وتحدث نسيم قبها، من خلال سرده القصصي الشائق، وتعقيباته وتحليلاته عن العديد من الظواهر التي سادت وانتشرت في هذه الحقبة التاريخية التي عاشها شعبنا بعد العام ألفين ، مثل: المطاردة، والملاحقة والاعتقال، واستغلال الظروف، والأنانية، والحزبية الضيقة، وانفضاض الناس عن مدّعي النضال ،وعدم اقتناعهم بهم وبخطبهم الجوفاء ؛ لأن الأقوال لا تتساوق مع الأعمال، وكذلك هجرة الأرض والعمل في المستوطنات والداخل، والجدار، وبيع المواشي ، وانتشار المسلكيات الاستهلاكية السلبية ، والتسرب من المدارس، وعدم الاهتمام بالتعليم، وغيرها من الظواهر السلبية، يقول الكاتب:( يصلي الناس الذين فقدوا المواشي التي كانت ترافقهم في صلوات( استسقاء) سابقة، ويخطب بهم المؤذن والذي لم يحسن الخطابة ، فيما يبدو أنه تغير كل شيء في طورة، فلا الشيخ شيخ، ولا الأرض تقطر ، ولا السماء انهلت ، ولا طعم للحياة يشبه الماضي الرغيد ) .
ورغم هذا الحزن الذي يبدو بين ثنايا السطور ، إلا أن الأمل يظل موجودا ، ما دامت شجرة العروس حية ومتجذرة في أرضها، وما دام نهج الشهيد أبي السعيد وصحبه الأنقياء حاضرا في أذهان الناس وأفئدتهم ، وهذا ما يبدو واضحا في آخر فقرة من الرواية :( يتقدم أبو جميل بروية إلى ذلك الطفل الذي عاد يمارس طقوسه ، بوشوشة شجرة العروس وملامستها ؛ ليسأله بلطف عن اسمه ، فيجيب الطفل : اسمي غير مهم يا جدي أبا جميل، ولكنّ كنيتي هي أبو السعيد ).
_____________________
بقلم : عبد السلام العابد
أهداني الكاتب نسيم قبها باكورة أعماله الأدبية المنشورة في فن الرواية حملت عنوان:(شجرة العروس ).
صدرت الرواية عن منشورات مجلس الكتاب والأدباء والمثقفين العرب عام ٢٠١٩م ، وتقع في مئة وعشرين صفحة.
إنني أعرف منذ سنوات طويلة نسيما معلما للرياضة، ومثقفا واعيا ، ومهتما بالشأن الثقافي العام ، وله خواطر ونصوص أدبية ومقالات وتحليلات سياسية متنوعة ، وقد جاء نشره لهذه الرواية مفاجأة سارة.
وأول ما يلفت الانتباه عنوان الرواية (شجرة العروس )، فما طبيعة هذه الشجرة؟، وكم عمرها؟، ومن زرعها؟ ، وأين تقع ؟، ولماذا سميت بهذا الاسم الجميل ؟ .ويتعرف القاريء على تاريخ هذه الشجرة، من خلال قراءة صفحات الرواية.فهي ( شجرة بلوط معمرة من فصيلة السنديان ، يقارب عمرها أربعة قرون ، وتقع على تخوم أكبر حرش طبيعي في فلسطين ابتلعه جدار الفصل العنصري ، وسُميت بهذا الاسم، نسبة لعادة قديمة في جغرافيا المنطقة ( زواج البدل ) ، حيث يتم تسليم واستلام العروسين، القادمين من مناطق متنوعة من فلسطين التاريخية ، بحضور الأهل والأقارب ، وفي أجواء احتفالية بهيجة .
يُدخلنا الكاتب في أجواء الرواية ، منذ سطورها الأولى، حيث يُحضر أبو جميل أحد مواطني طورة الشاي الساخن ، ويصبه بكؤوس بلورية ، ويقدمه للعمال الذين يجلسون في ظلال شجرة العروس، قبيل ذهابهم إلى أعمالهم في أراضي عام ثمانية وأربعين .
وتحدث تطورات متعاقبة ، ومتشابكة ، بين المواطنين وقوات الاحتلال ، في سياق الأحداث المتلاحقة التي عمت الوطن، خلال الانتفاضة الثانية ، بعد العام الفين ، حيث تم اجتياح المدن والمخيمات والقرى الفلسطينية . ونتعرف على شخصية غامضة لشاب ظل متواجدا تحت شجرة العروس ، وحينما تم حظر التجوال ، دعاه أبو جميل لبيته ، ونام في القرية ، وحينما جاء المخاضُ أم سعيد ، ولم يتمكن زوجها من اصطحابها إلى مشفى جنين ؛ بسبب الحواجز ، يتقدم الشاب الذي يمتلك خبرة في هذا المجال ، ويساعدها على الولادة بنجاح.
ومن خلال الأحداث، تتكشف ملامح شخصية هذا الشاب المناضل ، فهو من قرية مجاورة، ويسمى صابر، وأبوه كان أسيرا ، ويعرفه أبو السعيد حق المعرفة ، وله معه في المعتقل ذكريات مريرة و دافئة .
ويعرفنا نسيم قبها على تطورات الأحداث في الفترة ما بين ألفين والفين وأربعة، بطريقة قصصية سلسة وممتعة ، حيث تشترك في الاضطلاع بأدوار الرواية شخصيات أساسية وثانوية ، تحمل دلالات نضالية ووطنية وتمثل أجيالا فلسطينية متتابعة ، ومنها: أهداءالفتاة التي أحبها صابر، وأم سعيد ، وأبو سعيد زوجها ، وأبو جميل ، وعادل، والشيخ مروان، وسلمى ، ورشيد ، وأبو جعصة ، وغيرهم .
وتعتبر شجرة العروس من أهم عناصر القصة والشخصية المحورية فيها. ففي ظلالها حدثت وقائع ومشاهدات وأحداث كثيرة ومهمة ، وهي تمثل التاريخ و الأصالة والهوية ، والثبات والتجذر في الأرض، والمحبة والانتماء ، والمقاومة الفاعلة ، والتمسك بإرث الأجداد ، والماضي والحاضر والمستقبل .
وشجرة العروس هذه التي تقف شامخة، في طورة ، تتحدى جدار الفصل العنصري ، وتمد جذورها في أعماق الأرض ،و تشرئب أغصانها في الفضاء الرحب، فترى مدن الوطن وقراه، شرقا وغربا وشمالا وجنوبا .
لقد كانت هذه الشجرة العملاقة شاهدة على الوقائع والأحداث التي شهدتها بلادنا طوال أربعة قرون ، ولا سيما خلال فترة الاحتلال، والانتفاضة الثانية التي ركز عليها الكاتب ، ففي ظلالها تم عقد الاجتماعات والمهرجانات الشعبية والنضالية، وبالقرب منها كان يعقد أبو السعيد وصابر وعادل وأبو جميل اجتماعاتهم السرية ، ولقاءاتهم مع المواطنين؛ للدفاع عنها، ومواجهة الاستيطان ومصادرة الأراضي ، ومقاومة إجراءات بناء جدار الفصل الذي ابتلع مساحات واسعة من أراضي المواطنين، وفصل بين مدن الوطن وقراه ، بل فصل القرية ذاتها، عن أراضيها ، وأمسى المواطن الفلسطيني غير قادر على زيارة مكان قريب منه، إلا بعد أن يسافر جنوبا ، ثم يسلك طريقا آخر موازيا ، حتى يصل إلى المكان القريب من قريته، رغم أنه يستغرق دقائق قليلة للوصول إليه، في الظروف العادية .
وإضافة إلى ما ذكرت آنفا ، فإن رواية شجرة العروس حافلة بالمشاهد والأحداث الاجتماعية و القيم الإنسانية النبيلة والأصيلة التي يتمسك بها إنساننا الفلسطيني المتجذر في بلاده ، وقد استطاع الكاتب أن يدخلنا إلى عالم القرية الجميل و البسيط والأصيل والذكي في الوقت ذاته.
وتحدث نسيم قبها، من خلال سرده القصصي الشائق، وتعقيباته وتحليلاته عن العديد من الظواهر التي سادت وانتشرت في هذه الحقبة التاريخية التي عاشها شعبنا بعد العام ألفين ، مثل: المطاردة، والملاحقة والاعتقال، واستغلال الظروف، والأنانية، والحزبية الضيقة، وانفضاض الناس عن مدّعي النضال ،وعدم اقتناعهم بهم وبخطبهم الجوفاء ؛ لأن الأقوال لا تتساوق مع الأعمال، وكذلك هجرة الأرض والعمل في المستوطنات والداخل، والجدار، وبيع المواشي ، وانتشار المسلكيات الاستهلاكية السلبية ، والتسرب من المدارس، وعدم الاهتمام بالتعليم، وغيرها من الظواهر السلبية، يقول الكاتب:( يصلي الناس الذين فقدوا المواشي التي كانت ترافقهم في صلوات( استسقاء) سابقة، ويخطب بهم المؤذن والذي لم يحسن الخطابة ، فيما يبدو أنه تغير كل شيء في طورة، فلا الشيخ شيخ، ولا الأرض تقطر ، ولا السماء انهلت ، ولا طعم للحياة يشبه الماضي الرغيد ) .
ورغم هذا الحزن الذي يبدو بين ثنايا السطور ، إلا أن الأمل يظل موجودا ، ما دامت شجرة العروس حية ومتجذرة في أرضها، وما دام نهج الشهيد أبي السعيد وصحبه الأنقياء حاضرا في أذهان الناس وأفئدتهم ، وهذا ما يبدو واضحا في آخر فقرة من الرواية :( يتقدم أبو جميل بروية إلى ذلك الطفل الذي عاد يمارس طقوسه ، بوشوشة شجرة العروس وملامستها ؛ ليسأله بلطف عن اسمه ، فيجيب الطفل : اسمي غير مهم يا جدي أبا جميل، ولكنّ كنيتي هي أبو السعيد ).