ياسمين
تَكوَّرَتْ في قَوقَعةِ اليأس، وأسدَلَتْ سَتائِرَ الحُزن؛ لِتُعلِنَ نِهايةَ حَياتِها
وما الحياةُ إلا تعبٌ ومَشقَّة، لَم تُخلَقِ الحياةُ لِلراحة، بَل لِلكدِ, والَعَمل، الحَياةُ لا تسيرُ بِخطٍ مُستقيم، فَنبضُ قلبِ الإنسان إذا ظَهرَ بِخطٍ مُستقيم يُخرج الجهازُ صوتاً توت توت توت؛ لِيُعلِنَ المَوت، وَالحياةُ كحالِ قلبِ الإنسان لا يَجِبُ أن تسيرَ بِخطٍ مُستقيم؛ كي لا تَموتَ أرواحُنا وندخُل في قَوقعَةِ اليَأس، ما أنتَ عليهِ اليوم لَن يدوم سواءً كُنتَ سعيداً، أم حزيناً، إن لَم تَذُق مَرارةَ الفَشل كَيفَ سَتعرِفُ لَذةَ النَجاح !, وإن لَم تُجرِب الظَلام كَيفَ سَترى النور!
*
ياسمين
كَوردةِ الياسَمين تَفوحُ بِرائِحَتِها الطَيِّبةِ أينَما ذَهَبتْ، وعَيناها المُتلألِئةُ البَريئةُ تُذيبُ قَلبَ كُلَّ مَن يُطالِعُها، وبِحَرَكاتِها العَفَوِية كانت تأسِرُ قَلبَ كُلَّ مَن يُراقِبُها، كانَت نابِعةً بِالأمل ...
حتى ذلكَ الوقت الذي جَعلَ فَتاةً كَياسمين ذابِلةً عَطِشة!، لقد ذاقَت أَلمَ اللَيالي، المَرَض كان يَأخُذُ كُلَّ يَومٍ جُزءاً مِن طاقَتِها, وعُمُرِها، لَقد ماتَت روحُها وبَقِيَ جَسدُها يُحارِب المَرَض، كانَت تَنتَظِرُ مَوتَها؛ حتى تَتخلصَ مِن أَلمِ العِلاج الكيماوي الذي يَدُسُّهُ الأطِباءُ فَيسري بِجَسدِها كالنار لِكَي يَسقُطَ شَعرُها الساحِر ذا الخُصلاتِ الذَهبية, ورُموشُ عَيناها, وحاجبيها، وأبَهتَ لونَ بَشَرَتِها، المَرضُ سَرَقَ أحلامَها, وعُمُرها, وجَمالَها...
*
فَجأةً
صوتُ بابٍ يُطرَق طق طق طق
حنان!!!
كانَت حنان صَديقةَ ياسمين مُنذُ الطُفولة
عندما رَأت حَنان حالَ صديقَتِها شَعرَت أنَّها على وشكِ البُكاء’ ولكنَها أمسَكَت عِبراتِها حتى لا تشعُرَ ياسَمين بِضعَفِها .
دَخَلَت حنان بابتسامةٍ تُخالِفُ ما يَشعُر بهِ قلبُها مِن ألم، وأَطرَقت بِكلمات:
ما أجملَ الصَباح بِرُؤيةِ الوَجهِ الجَميل، قاصِدةً بِكَلِماتِها ياسَمين, التَفَتت إِلَيها ياسَمين وَحَدَجتها بِنَظراتٍ مَخنوقة وكَأنها تَقول : عن أيِّ جَمالٍ تَتَحدثين !
ولكن بِالرُغمِ من مَرضِ ياسَمين ما زالتْ حَنان تَراها جَميلة، فَعِندَما تُحِبُ أحَدَهُم تَراهُ جَميلاً حَتى وإن كانَ في أَسوَءِ حالاته .
بَدَأت حنان بِالكلام عَن مَواقِفَ لَطيفةٍ, ومُضحِكَة جَمَعَتهُم مَعاً ، ولكنَّ ياسَمين لَم تَستَمِع لَها أبَداً، بَقِيَت نَظَراتُها سارِحةً بِالفراغ , أخرَجَت حنان مِن حَقيبَتِها كِتاباً، كانَت تَقرَأُه هِيَ وياسَمين في طُفولَتِهِما, وَوَضعتهُ على الطاوِلَةِ بِجانِب ياسَمين, وخَرَجت مِنَ الغُرفة مُهروِلةً, والدُموعُ تَملَأُ وَجهَها على حالِ صديقتِها المُتَعثِر.
*
في مُنتَصَف الَليل
لقد نامَ والِدُ ياسمين على الكُرسي المُقابِل لِسريرِها ، كانَت ياسَمين يتيمةَ الأُم، ماتَت أُمُها أثناءَ وِلادتِها لِياسمين, وقَد رَعاها بَعدَ ذلكَ أباها، الذي كانَ كُلَّ عائِلتِها، تَمنَت حينَها أن تكونَ أُمُها بِجانِبها في هذه المِحنة.
لم تَستَطع النومَ تِلكَ الَليلة، نَظرت إلى الطاوِلة حتى رَأت كِتاباً بدى لَها مَألوفاً، تَناولَته, وبَدأت تَتَصفحُ ورقاتِه فَقرَأت عِبارةً مَكتوبةَ بِخطِّ يَدِها "سوفَ أُحقِقُ أحلامي مَهما حصَل فأنا قَوية " فَتذكَرت حيناً أن هذا الكِتاب كانت تقرأُهُ هي, وحنان في الطُفولة، ابتسمت ياسَمين, وهي تُقلبُ الصَفحات، وكأنَها تُقلِب صَفحاتِ ماضيها الجَميل على عَكس الوَقت الحالي الذي تشعُرُ فيه بِاليأس, والضَعف, نظرَت بعينيها الضَعيفتين إلى الأعلى, وقالت بِجوفِها بانكسار :
ساعدِني يا الله، ضَع الأَمَلَ, والقُوةَ بِقلبي الضَعيف مِن جديد.
*
استيقظَتْ وفي قلبِها شُعورُ غَريب, وكَأن دُعائَها بِالأمسِ، قدِ أستجابَ اللهُ لهُ اليوم .
)أجيب ُ دعوة الداعِ إذا دعانِ)
عادَ الأملُ إلى حياةِ ياسَمين
عَزمت بِأن تُحارِب المَرض, وتَمتَلِك الإصرار, والقُوة لِمُحارَبَته، فَصَرخت بِأنَّها تَستطيعُ تَحقيقَ أحلامِها حتى, وهِيَ مَريضة، ليسَ هُناكَ شيءٌ يَمنعُكَ مِن تَحقيقِ أحلامِكَ إلا الموت.
تَفاجئَ أبيها, والأطِباء بِتغيُرِ حالةِ ياسَمين المُفاجِئة، لكنَهم كانوا سُعداءَ جِداً بِهذا التَغيُر.
طلَبت ياسَمين من أبيها أن يُحضِرَ لها لوحَ الشَطرنج، حُلُمُ ياسَمين أن تكونَ لاعبةَ شَطرنج مُحترفة، فَحققَ لها أبيها مطلبَها، فبَدأت تتَدربُ على اللعِب, وكانَ أدائُها يَتحسنُ يوماً بعدَ يوم, وكذلِك صِحتُها بدَأت تتَحسن يوماً بعد يوم، وكُلُّ شيءٍ بدأَ يتَحسن...
*
جاءَ الطبيبُ المُشرف على مَرضِ ياسَمين بعدَ أيامٍ من العِلاج على غُرفة ياسَمين، فكان هُناك أبا ياسَمين وصديقتُها حنان ، نظرَ الطبيبُ لهُم وفي عَينه بَعضُ الحُزن, وهو يربِطُ يديهِ معاً في حسرةٍ وقال :
للأسف ، ستُفارقُنا ياسَمين، وبَعدها ابتسمَ ابتسامةً عَريضة, وأكملَ كلامهُ, وقال: وتذهَبُ إلى البيت لِتُكمِل حياتَها، لقد تعافت تماماً مَن المَرض, وأصبَحت صِحتُها جَيدة ، نطَ والدُها فَرحاً، وأخذتها حنان بين ذراعيَها, وقبَلتها على وجنتَيها
وهي تقول : لقد تعافيتي، لقد تعافيتي .
*
كَبُرَت ياسَمين, وحَقَقت حُلُمَها فأَصبَحت أَمهرَ لاعِبَةَ شَطرنج، حَيثُ سافرَت إلى كوريا, وفازَت بـ ١٣ مباراة على التوالي .
«بالأحلام والأمل نعيش»
تَكوَّرَتْ في قَوقَعةِ اليأس، وأسدَلَتْ سَتائِرَ الحُزن؛ لِتُعلِنَ نِهايةَ حَياتِها
وما الحياةُ إلا تعبٌ ومَشقَّة، لَم تُخلَقِ الحياةُ لِلراحة، بَل لِلكدِ, والَعَمل، الحَياةُ لا تسيرُ بِخطٍ مُستقيم، فَنبضُ قلبِ الإنسان إذا ظَهرَ بِخطٍ مُستقيم يُخرج الجهازُ صوتاً توت توت توت؛ لِيُعلِنَ المَوت، وَالحياةُ كحالِ قلبِ الإنسان لا يَجِبُ أن تسيرَ بِخطٍ مُستقيم؛ كي لا تَموتَ أرواحُنا وندخُل في قَوقعَةِ اليَأس، ما أنتَ عليهِ اليوم لَن يدوم سواءً كُنتَ سعيداً، أم حزيناً، إن لَم تَذُق مَرارةَ الفَشل كَيفَ سَتعرِفُ لَذةَ النَجاح !, وإن لَم تُجرِب الظَلام كَيفَ سَترى النور!
*
ياسمين
كَوردةِ الياسَمين تَفوحُ بِرائِحَتِها الطَيِّبةِ أينَما ذَهَبتْ، وعَيناها المُتلألِئةُ البَريئةُ تُذيبُ قَلبَ كُلَّ مَن يُطالِعُها، وبِحَرَكاتِها العَفَوِية كانت تأسِرُ قَلبَ كُلَّ مَن يُراقِبُها، كانَت نابِعةً بِالأمل ...
حتى ذلكَ الوقت الذي جَعلَ فَتاةً كَياسمين ذابِلةً عَطِشة!، لقد ذاقَت أَلمَ اللَيالي، المَرَض كان يَأخُذُ كُلَّ يَومٍ جُزءاً مِن طاقَتِها, وعُمُرِها، لَقد ماتَت روحُها وبَقِيَ جَسدُها يُحارِب المَرَض، كانَت تَنتَظِرُ مَوتَها؛ حتى تَتخلصَ مِن أَلمِ العِلاج الكيماوي الذي يَدُسُّهُ الأطِباءُ فَيسري بِجَسدِها كالنار لِكَي يَسقُطَ شَعرُها الساحِر ذا الخُصلاتِ الذَهبية, ورُموشُ عَيناها, وحاجبيها، وأبَهتَ لونَ بَشَرَتِها، المَرضُ سَرَقَ أحلامَها, وعُمُرها, وجَمالَها...
*
فَجأةً
صوتُ بابٍ يُطرَق طق طق طق
حنان!!!
كانَت حنان صَديقةَ ياسمين مُنذُ الطُفولة
عندما رَأت حَنان حالَ صديقَتِها شَعرَت أنَّها على وشكِ البُكاء’ ولكنَها أمسَكَت عِبراتِها حتى لا تشعُرَ ياسَمين بِضعَفِها .
دَخَلَت حنان بابتسامةٍ تُخالِفُ ما يَشعُر بهِ قلبُها مِن ألم، وأَطرَقت بِكلمات:
ما أجملَ الصَباح بِرُؤيةِ الوَجهِ الجَميل، قاصِدةً بِكَلِماتِها ياسَمين, التَفَتت إِلَيها ياسَمين وَحَدَجتها بِنَظراتٍ مَخنوقة وكَأنها تَقول : عن أيِّ جَمالٍ تَتَحدثين !
ولكن بِالرُغمِ من مَرضِ ياسَمين ما زالتْ حَنان تَراها جَميلة، فَعِندَما تُحِبُ أحَدَهُم تَراهُ جَميلاً حَتى وإن كانَ في أَسوَءِ حالاته .
بَدَأت حنان بِالكلام عَن مَواقِفَ لَطيفةٍ, ومُضحِكَة جَمَعَتهُم مَعاً ، ولكنَّ ياسَمين لَم تَستَمِع لَها أبَداً، بَقِيَت نَظَراتُها سارِحةً بِالفراغ , أخرَجَت حنان مِن حَقيبَتِها كِتاباً، كانَت تَقرَأُه هِيَ وياسَمين في طُفولَتِهِما, وَوَضعتهُ على الطاوِلَةِ بِجانِب ياسَمين, وخَرَجت مِنَ الغُرفة مُهروِلةً, والدُموعُ تَملَأُ وَجهَها على حالِ صديقتِها المُتَعثِر.
*
في مُنتَصَف الَليل
لقد نامَ والِدُ ياسمين على الكُرسي المُقابِل لِسريرِها ، كانَت ياسَمين يتيمةَ الأُم، ماتَت أُمُها أثناءَ وِلادتِها لِياسمين, وقَد رَعاها بَعدَ ذلكَ أباها، الذي كانَ كُلَّ عائِلتِها، تَمنَت حينَها أن تكونَ أُمُها بِجانِبها في هذه المِحنة.
لم تَستَطع النومَ تِلكَ الَليلة، نَظرت إلى الطاوِلة حتى رَأت كِتاباً بدى لَها مَألوفاً، تَناولَته, وبَدأت تَتَصفحُ ورقاتِه فَقرَأت عِبارةً مَكتوبةَ بِخطِّ يَدِها "سوفَ أُحقِقُ أحلامي مَهما حصَل فأنا قَوية " فَتذكَرت حيناً أن هذا الكِتاب كانت تقرأُهُ هي, وحنان في الطُفولة، ابتسمت ياسَمين, وهي تُقلبُ الصَفحات، وكأنَها تُقلِب صَفحاتِ ماضيها الجَميل على عَكس الوَقت الحالي الذي تشعُرُ فيه بِاليأس, والضَعف, نظرَت بعينيها الضَعيفتين إلى الأعلى, وقالت بِجوفِها بانكسار :
ساعدِني يا الله، ضَع الأَمَلَ, والقُوةَ بِقلبي الضَعيف مِن جديد.
*
استيقظَتْ وفي قلبِها شُعورُ غَريب, وكَأن دُعائَها بِالأمسِ، قدِ أستجابَ اللهُ لهُ اليوم .
)أجيب ُ دعوة الداعِ إذا دعانِ)
عادَ الأملُ إلى حياةِ ياسَمين
عَزمت بِأن تُحارِب المَرض, وتَمتَلِك الإصرار, والقُوة لِمُحارَبَته، فَصَرخت بِأنَّها تَستطيعُ تَحقيقَ أحلامِها حتى, وهِيَ مَريضة، ليسَ هُناكَ شيءٌ يَمنعُكَ مِن تَحقيقِ أحلامِكَ إلا الموت.
تَفاجئَ أبيها, والأطِباء بِتغيُرِ حالةِ ياسَمين المُفاجِئة، لكنَهم كانوا سُعداءَ جِداً بِهذا التَغيُر.
طلَبت ياسَمين من أبيها أن يُحضِرَ لها لوحَ الشَطرنج، حُلُمُ ياسَمين أن تكونَ لاعبةَ شَطرنج مُحترفة، فَحققَ لها أبيها مطلبَها، فبَدأت تتَدربُ على اللعِب, وكانَ أدائُها يَتحسنُ يوماً بعدَ يوم, وكذلِك صِحتُها بدَأت تتَحسن يوماً بعد يوم، وكُلُّ شيءٍ بدأَ يتَحسن...
*
جاءَ الطبيبُ المُشرف على مَرضِ ياسَمين بعدَ أيامٍ من العِلاج على غُرفة ياسَمين، فكان هُناك أبا ياسَمين وصديقتُها حنان ، نظرَ الطبيبُ لهُم وفي عَينه بَعضُ الحُزن, وهو يربِطُ يديهِ معاً في حسرةٍ وقال :
للأسف ، ستُفارقُنا ياسَمين، وبَعدها ابتسمَ ابتسامةً عَريضة, وأكملَ كلامهُ, وقال: وتذهَبُ إلى البيت لِتُكمِل حياتَها، لقد تعافت تماماً مَن المَرض, وأصبَحت صِحتُها جَيدة ، نطَ والدُها فَرحاً، وأخذتها حنان بين ذراعيَها, وقبَلتها على وجنتَيها
وهي تقول : لقد تعافيتي، لقد تعافيتي .
*
كَبُرَت ياسَمين, وحَقَقت حُلُمَها فأَصبَحت أَمهرَ لاعِبَةَ شَطرنج، حَيثُ سافرَت إلى كوريا, وفازَت بـ ١٣ مباراة على التوالي .
«بالأحلام والأمل نعيش»