الأخبار
قرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيلإسرائيل ترفض طلباً لتركيا وقطر لتنفيذ إنزالات جوية للمساعدات بغزة
2024/3/28
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

حسن عبادي يستعيد حكاية إيفا شتال حمد بقلم:رائد محمد حواري

تاريخ النشر : 2020-08-26
حسن عبادي يستعيد حكاية إيفا شتال حمد
رائد محمد حواري/ نابلس
هذا الكتاب يضم شهادة "إيفا شتال/ سميرة" عما جرى في مخيم تل الزعتر، ورغم ألم وقسوة العودة إلى تلك الأحداث الدامية، التي فقدت فيها زوجها "يوسف" وجنينها ـ كان في الشهر السابع ـ ويدها التي بترت، وإصابة رجلها، إلا أنها تجلدت وقدمت شهادتها، فهي تتحدث عن قضية تبنتها وأصبحت جزءا منها، من كيانها.
تحدثنا عن بداية عملها لصالح الشعب الفلسطيني: "درست الأمر مع نفسي، واتخذت القرار النهائي بالتطوع في مهمة، بدأت أعمل ساعات إضافية في المساء وأيام العطل لكي أوفر المال الكافي لرحلة.. قرأت كل شيء استطعت الحصول عليه حول فلسطين والفلسطينيين والشرق الأوسط" (ص17)، فهي لم تأتِ كضيفة، بل كمتطوعة/ كمناضلة، تحملت تكاليف السفر والإقامة وخطورة وجودها في المكان، وهذا تذكير نحن في فلسطين كيف كانت شعوب العالم تتعامل مع قضيتنا، وكيف استطعنا بثباتنا ونضالنا أن نكسب العديد من المناضلين والمناضلات، وليس المرتزقة أو المأجورين.
أما الحياة الاجتماعية في المخيم فكانت بهذا الشكل: "... فكل الذين قابلتهم وفي كل مكان في المخيم هم أناس مرحون منفتحون كرماء، لقد عشت معهم باطمئنان فأحببتهم وعاشوا معي بأحاسيسهم فأحبوني، لقد أصبحت واحدة منهم" (ص20)، أيضا تذكرنا بكيف كان حالنا في سبعينيات القرن الماضي، وكيف كانت حياة الناس الاجتماعية في المخيمات، وهذا الأمر يستدعي المقارنة بواقع مخيماتنا اليوم وأين وصلنا اجتماعيا.
تقول عائشة عودة في روايتها "أحلام بالحرية": "الحديث عن الألم ألم أضافي" لهذا نجد العديد من الأشخاص الذي يتحدثون عن مأساتهم يبكون، ولا يستطيعون إكمال حديثهم، لهذا سأحول الاختصار قدر الإمكان، من مشاهد المجزرة: "في شارع صغير تجمع حوالي 25 شخصا حول فرن، ليحصلوا على الخبز، كانت مغامرة أن يحصلوا على طعامهم وفق هذا الشكل، ولكنهم كانوا جياعا، وفجأة سقطت قذيفة صاروخية وسطهم فأصيب الجميع بجروح كنت بعضها مميتة ومهلكة.
... إن الذي ألمني هو أن غالبية المصابين الخطرين كانوا من الأطفال والنساء والمتقدمين في السن.
... علينا معالجة الجرحى بإمكانيتنا البسيطة، ولمدة أربع وعشرين ساعة كان الكل يعمل دونما انقطاع، كنت أعمل وأبكي، وكان اليأس يعصر قلبي لأني لا أستطيع أن أفعل المزيد" (ص24 و25)، هذا على صعيد القتل الجماعي، لكن هناك مشاهد أخرى متعلقة بالقتل الفردي، القنص: "في المناطق الخطرة ثبتت ملصقات تحذر سكان المخيم من الاقتراب منها، ولكن ذات يوم جيء بطفل إلى المستشفى والدماء تسيل منه بغزارة بعد أن أصابته إحدى رصاصات القناصين، كان عمره ست سنوات فقط، لم يكن ـ طبعا ـ بقادر على قراءة التحذير، وقبل أن يموت كان جسده قد برد جدا... بنت عمرها تسع سنوات خرجت لتعلب في نفس المنطقة بعد الهدوء النسبي في ذلك الوقت، لم تكن هي الأخرى تعرف القراءة والانتباه إلى التحذير فأصيبت برصاصة في راسها اخترق خدها وخرجت من أحد أذنيها" (ص27 و28)، هذه بعض المشاهد مما جرى في تل الزعتر.
أما عن استشهاد زوجها "يوسف" وأصابتها فتقول: "... شعرت في حينها أني ويوسف قد طرنا في الفضاء... ثم ساد المكان سكون تام وخيم ظلام حالك على البيت وصرخت! "يوسف.. يوسف" ولكن لم يجب، حاولت أن أحرك نفسي باتجاهه لكني لم أقدر... ذراعي اليمنى فقدت الحركة، فحاولت أن أحرك ساقي اليسرى لكنها كانت خاملة تماما". (ص29)
إذن المشاهد قاسية ومؤلمة ومن الصعب متابعتها بتفاصيلها وتناولها، لهذا سأكتفي بما جاء فيها للحديث عما جرى داخل المخيم، لكن هناك أحداث دامية حدثت بعد أصابتها وقبيل خروجها من المخيم، تحدثت عنها أثناء خروجها ومجموعة من المصابين من المخيم، بعد أن تم التنسيق مع الصليب الأحمر: "ولكن بعثة الصليب الأحمر لم تأت في الموعد المحدد، ذلك أن القوى اليمينية كانت قد قررت منع خروجي من تل الزعتر... بدأ القصف عند الساعة السادسة صباحا وحتى الثامنة مساء سقطت خلالها على المخيم البائس ما بين عشرة آلاف و12 ألف قذيفة، بمعدل 28 قذيفة في الدقيقة الواحدة" هذا (توديعة) لها ولأهل المخيم، فكل بيت وبناء، وكل إنسان في المخيم مستهدف بالقصف والقذائف: "استمر القصف لعدة أيام فتحول الملجأ إلى قبر للخمسمائة إنسان، المساكين الذين كانوا يحتمون داخله!"، (ص40) وبعد تدخل السفارة السويدية يتم التنسيق والاتفاق على خروجها مع مجموعة من المصابين، وفي طريق خروجهم كان هذا المشهد: "... وفجأة قفز أحد الكتائبيين إلى داخل إحدى الشاحنين التابعتين للبعثة اللتين كانتا تحملان عددا من الجرحى، واختار جريحا من بينهم وطعنه بحربة البندقية،... ها هي هنا.. الأجنبية زوجة يوسف حمد" ،(ص41) بهذه المشاهد تذكرنا "إيف شتال/ سميرة" بما جرى من مجازر في تل الزعتر، فهي ما زالت عالقة في ذاكرتها رغم مرور أكثر من ست وأربعين سنة على المجزرة.
إذن الكتاب قاسٍ ومؤلم حتى لنا نحن من تعودنا على الأذى والموت والقهر، لكن "حسن عبادي" المعد والمقدم للكتاب/ أوجد طريقة تخفف علينا شيئا من الألم والقسوة، فجعل الكتاب يأتي بمقدمة وضعها هو، مهدت الفكرة، وهيأت القارئ ليدخل منطقة مظلمة من تاريخ العرب الحديث، ثم أتبعه بشهادة "إيفا شتال" المؤلمة، بعد يأخذ الكتاب شكل آخر جديد، رسائل "إيفا شتال" لحسن ولزوجته" وهي رسائل أدبية، يدخل فيها السياسي، لكنه لا يمكن أن يكون كالذي جاء في شهادتها، والجميل في هذا الرسائل أننا نجده أقرب إلى أدب الرحلات، حيث تحدثنا عن المدن الفلسطينية التي زارتها وأثرها عليها وعلى زوجها "نستور"، وهذا الأمر يأخذنا إلى مسألة اجتماعية مهمة لنا في فلسطين، "إيفا شتال" بعد عودتها إلى السويد وتعافيها، وبعد سنوات تتعرف على "نستور" فتتزوجه، لكنها تبقى محتفظة باسم عائلة زوجها الشهيد "حمد"، فهي "إيفا شتال حمد"، وهذا الوفاء لزوجها السابق لم يعترض عليه زوجها "نستور" الحالي، وهذا يأخذنا إلى الطريقة الإنسانية التي يتعامل بها المناضلون، فهم لا يهتمون بالأسماء والألقاب والهيمنة على الزوجات وفرض أسماء عائلاتهم عليهن، بل يحترمون قرارهن وما هن عليه، حتى أن "نستور" زار مع إيفا" عائلة يوسف وقبره.
فهناك قضايا إنسانية لا يمكن أن تكون إلا من خلال طريقة تعامل علمية، بعيدا عن التفكير التقليدي المستند على أفكار جاهزة.
بعد رسائل "إيفا" يقدم "بسام الكعبي" شاهدة عنها وعن نضالها وتاريخا، متناولا أهم المحطات التي مرت بها، وهو يعطي صورة واضحة ودقيقة عما مرت به، ثم يقتبس الكاتب شيئا من كتاب "حكايتي مع تل الزعتر" للكاتب عبد العزيز اللبدي، يتحدث فيه عن "إيفا" ودورها الحيوي في إسعاف أهل المخيم، وهناك مقال للكتابة "تغريد الحاج" بعنوان "حب في زمن الحرب" تتحدث فيه عن "إيفا" وزوجها "يوسف"، ثم يختم الكاتب الكتاب بقصيدة "تل الزعتر" للشاعر الفلسطيني "معين بسيسو" وكأنه بها يريد أن يؤكد أن وجع "تل الزعتر" لم يقتصر على الناس العادين فحسب، بل أثر في الشعراء، فكانت القصيدة خاتمة للمادة الأدبية للكتاب، وفي نهايته وضع الكاتب مجموعة من الصور "لإيفا" والأصدقاء الذين رحبوا بها في فلسطين.
لوحة الغلاف بريشة يوسف عراقي، تحرير وتنقيح فراس حج محمد، تصميم مجد للتصميم، حيفا، طبعة 2020.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف