الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

سيد الجحيم بقلم:إيناس ثابت

تاريخ النشر : 2020-08-25
سيد الجحيم

"يا سيد الأساطير والجحيم..

يا صاحب الشأن العظيم..

يامن له السبق في هذا الطريق..

أكتب إليك راجيا العفو والسماح..طالبا رفقتك من جديد

 فلم أعرف إنسانا في هذا العالم أصدق منك، أنت تشبهني وأنا أشبهك..

فمن أين جاء الإنفصام بيننا؟ وبم ظننت أني تميزت عنك؟

تعال يا عزيزي..تعال يا إبليس العظيم.. نطلب الرحمة معا أو نلعن الحياة، فلست الأسوأ من جنس البشر."

 لم تكن في نيتي الكتابة إليه أو التأثير عليه لولا هذا الجيشان بداخلي، فأنا على يقين أنه يسمع صدى الحروف المختنقة في جوفي دون حديث، ويرى كيف أفضى بي الحال..؟ وحيدا في غرفة تطل شرفتها على شجرة مريرة كالزقوم، جافة الأوراق يابسة الأغصان، ألفتها وألفتني وحفرتها وشما على ذراعي ولو عرفت سابقا مقام العزيز إبليس  لحفرت شوكته أيضا على صدري.

 لا أتذكر ملامح طفولتي لأقصها عليه، أو مراهقتي التي راكمتها مذ زمن بعيد في خزانة النسيان، واليوم بتُ أعاشر الوحدة، أسكنها وتسكنني حتى نسيت معنى التعبير وصياغة الجمل والكلمات. لا يتحدث  إليّ أحد ولا يطرق بابي أي إنسان ولو عن طريق الخطأ، حتى بواب البناية لا يعيرني أي اهتمام أو يتكلف قليلا بإلقاء  تحية الصباح،  وجارتي التي تلوي لسانها كل صباح : "جود مورنينج ماي ليتيل كات" تلاطف قطتها السمينة التي ترقد أمام بابها لا تتنازل وتلقي عليّ بنظرة ، كأني أحقر وأضعف من خُلق.  تحول عني جميع الناس وتخلى عني الأصحاب وباعوا الود والوفاق، خانتني كل الكائنات حتى الهواء..هذا الكائن الشفاف قذف بي بعيدا كطائر مسكين أثقلته الغيوم وتلاعبت به العواصف والرياح، لم يحترم أحد عذابي، وهكذا..؟ سلمني الرب للوحدة وهجرني  كما هجرني الناس والملائكة والشياطين. فكيف لا أدعوك وأكتب إليك ؟ وكيف لا أفضل  مرافقتك في النار على رفقتهم  في النعيم؟

تعال يا عزيزي إبليس.. آنس وحدتي ولا تهجرني..

 تعال نعد معا من جديد.. بعد عشرين عاما عشتها حبيس الهم والأحزان، في غرفة ضيقة مظلمة وخانقة بالكاد تسع جسدي الهزيل كشعرة دقيقة، تنفست فيها وحدتي وكآبتي، في عالم مختلف له قوانينه الخاصة وأسلوب حياة يتفرد به. خلف قضبان مظلمة يتساوى فيها الليل والنهار على حد سواء، قضيت سنواتي الطويلة حتى فقدت القدرة على الصياح والنواح، ووجدت نفسي عالقا بين أضواء باهتة وتحت أعمال جبرية قاسية في بقعة منسية من العالم أو جزيرة معزولة عن الدنيا تسبح في محيط الكون الشاسع ،  ظهري تقلب على لوح خشن، وسترت جسدي أسمال بالية في عالم اجتمع فيه الأخيار والأشرار، كل فرد فيه له قصته الكئيبة. وكل ماكنت أخشاه أن ألفظ أنفاسي الأخيرة في هذا المكان، فانتظرت الحرية بشغف مستبد.  

ضاعت سنوات عمري هباء ياصديقي، تناثرت أمامي كما يتناثر الرماد في العيون المهلكة  وأوراق الخريف الميتة على أرض جرداء،  وأنا..؟ أقف ساكنا مجمدا، تكبل الأغلال أجنحتي، تمنعني عن الطيران.

وإذ مرت السنون و جاء موعد إطلاق سراحي،  وخرجت إلى الدنيا والنور، إلى أرض الله الواسعة والسماء الرحبة، وكانت تلك أقصى أحلامي وغاية أمنياتي.  وكنت أظن الدنيا فضاء مفتوحا تستقبل أجنحتي بين ذراعيها الحنونين، لكني وجدت نفسي عالقا من جديد،  تحاشى الناس  النظر والحديث إلي، ألقوا الحجرعلى بيتي الزجاجي، غرسوا أنيابهم في ظهري وأنا أحاول التجديف بذراعين عاريتين ..أنا الغريق يا إبليس، وكلما حاولت حفر اسمي في الصخر من جديد كنت أتقازم حتى ابتعلني الوجود  والوجوه  تتعملق من حولي وتصرخ: "أيها السجين..أيها السجين" ثم تجلدني بلا رحمة أو شفقة.

انتقلت من جحيم السجن إلى جحيم أشد لهيبا، ياصديقي.. فهناك في زنزانتي  وخلف القضبان..؟ كنا جميعا سواء، لا وجوه تأكلني ولا ذئاب تنهش اسمي أو تنكر استقامتي، ولا قلوب تترصد الخطأ مني وتعايرني بالماضي.

فقد كل شيء معناه يا إبليس، جف ماء قلبي، ضاعت حياتي هباء لأجل لحظة واحدة، وسواي ضميره نائم و يعيش حرا تضمه الدنيا بدفء تحت جناحيها وتمنحه كل التبجيل والاحترام وتغرقه بالمال والجاه والسعادة،  أستميحك عذرا واسأل..أتظل النقمة تلحق بي وباسمي رغم حسن طويتي ونقاء سريرتي وأظل ملعونا مثلك إلى آخر الزمان؟ أينكر الناس و الإله كل سنوات عمري أمام لحظة واحدة من الزمن لا تساوي شيئا أمام دهره الذي خلقه..؟ أيطردني من بابه يا سيد الجحيم؟ هل العيب أني ولجت  وغصت إلى جوانب الستر والخفاء في نفسي  كما ولجت جوانب النور منها؟ لكني أشهد بالحق..كل الحق لأنت أطهر مني وأفضل  بتحملك لعنة الإله والناس أجمعين مذ خلقت إلى يوم الدين، ورضاك بقدرك التعس وتضحيتك بشرف اسمك ومقامك ليتعرف الناس إلى نورهم من خلال ظلمتك.

"يا صاحب الجبروت...

يا إبليس..

 لك العمر المديد..

 أما أنا..؟ فلا  أريد سوى حياة نهار واحد..انهض راضيا مستقبلا الحب، وأصعد بروحي بهدوء وأمان للسماء إذ غابت الشمس خلف البحار.  فهل تعرف بلادا أزحف اليها..؟ بلادا بعيدة يركب أهلها الأيائل والأفيال، تصادق العفاريت  وتؤمن بالأساطير وقصص ملوك الجان والغيلان، لا تعرف للماضي معنى وتغرق في النسيان، أحلم..والحلم فيها مباح  بمن يغمس كسرة خبزه في قهوة وحدتي. 
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف