الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

تحليل قصيدة "دع عنك لومي فإنَّ اللومَ إغراءُ " لأبي نوَّاس بقلم: بدر فواز رشواني

تاريخ النشر : 2020-08-22
دراسة تحليليَّة " بدر فواز رشواني "

تحليل قصيدة "دع عنك لومي فإنَّ اللومَ إغراءُ " لأبي نوَّاس

دَعْ عَنْكَ لَوْمي فإنّ اللّوْمَ إغْرَاءُ ودَاوني بالّتي كانَتْ هيَ الدّاءُ
صَفراءُ لا تَنْزلُ الأحزانُ سَاحَتها لَوْ مَسّها حَجَرٌ مَسّتْهُ سَرّاءُ
قامْت بِإبْريقِها ، والليلُ مُعْتَكِرُ فَلاحَ مِنْ وَجْهِها في البَيتِ لألاءُ
فأرْسلَتْ مِنْ فَم الإبْريق صافيَة ً كأنَّما أخذَها بالعينِ إغفاءُ

رقَّتْ عَنِ الماء حتى ما يلائمُها لَطافَة ً، وَجَفا عَنْ شَكلِها الماءُ

فلَوْ مَزَجْتَ بها نُوراً لَمَازَجَها حتى تَوَلدَ أنْوارٌ وأَضواءُ

دارتْ على فِتْيَة ٍ دانً الزمانُ لهمْ ، فَما يُصيبُهُمُ إلاّ بِما شاؤوا

لتِلكَ أَبْكِي ، ولا أبكي لمنزلة ٍ كانتْ تَحُلُّ بها هندٌ وأسماءُ

حاشا لِدُرَّة َ أن تُبْنَى الخيامُ لها وَأنْ تَرُوحَ عَلَيْها الإبْلُ وَالشّاءُ

فقلْ لمنْ يدَّعِي في العلمِ فلسفة ً حفِظْتَ شَيئًا ، وغابَتْ عنك أشياءُ

لا تحْظُرالعفوَ إن كنتَ امرَأً حَرجًا فَإنّ حَظْرَكَهُ في الدّين إزْراءُ





الدراسة الفنيَّة :

يتعاطى بعضهم مع هذا النصّ باعتباره قصيدةً خمريّة، موضوعُها الخمرةُ، إذ يصفها الشاعر ويصف فعلها في نفسه، ويعبّر عن إعزازه لها بإبرازه مكانتَها السامية في عينيه.
ووصْفُ أبي نواس لخمرته وصفٌ تعبيريّ أو وجدانيّ ؛ إذ يراها مُنْشِية مُنْسِيَة للهمّ، تطرد الحزن وتبعث في الروح فرحًا، رقيقةً راقيةً، تُماثِل النور رقّةً ولطفًا، بل هي في منـزلة الحبيبة الحسناء التي يتعلّق بها الفؤاد فتسبيه.
في وصفه التعبيريّ هذا، يَعْمَد إلى المبالغات التي تبلغ حدود الغلوّ (المغالاة)، وذلك حين يزعم أنّها قادرة على بثّ السرور في الحجارة؛ وأنّها بوهجها الشديد تأسر المقلةَ الناظرةَ إليها؛ وأنّها تمتنع عن الامتزاج بالماء لأنّه يتّصف بالخشونة بينما هي لطيفة رقيقة؛ وأنّها كالنور، بل يخيَّل إليه أنّ المزج بين الاثنين -الخمرة والنور- من شأنه أن يولّد مزيدًا من الأنوار (وبهذا يرقى الشاعر بخمرته إلى مصافّ الروح، إذ يجعلها بمرتبة النور). وفي بعض المبالغات هنا ("لو مسّها حجر مسّته سرّاء"؛ "فلو مزجت بها نورًا لمَازَجَها"...)، يعمد الشاعر إلى توليد صورة ذهنيّة تقوم على تركيبٍ لُغويّ شَرطيّ تعجيزيّ (عَبْرَ "لو")، صورةٍ لا حضور لها في واقع الحياة. في هذه المبالغات يظهر انفعال الشاعر بالخمرة، إذ يكشف بهذه المبالغات، التي تحاول تجاوُزَ الواقع المحسوس والتفوّقَ عليه، يكشف عن شوق إليها دائم عارم، وعن تقديرٍ لها يحدو به إلى اعتبارها حالة من العجب والسحْر. والوصف في هذا النصّ، إضافة إلى كونه وصفًا تعبيريًّا -في الغالب-، هو وصفٌ موظَّفٌ. فالشاعر يصف خمرته ويتغنّى بها مبتغيًا بذلك الدفاع عن تعلّقه الشديد بها، وتبرير رفضه عتابَ اللائم الموبِّخ (النظّام). فالخمرة التي تتوافر فيها مواصفاتٌ عظيمة إلى هذا الحدّ -كما تتبدّى في وصف الشاعر لها-، خمرة ٌ كهذه جديرةٌ أن يتعلّق القلب بها والروح -وَفْقَ منطق أبي نواس-، لا سيّما حين يكسوها الشاعر رداءَ الأنوثة والنعومة، فتغدو كإمرأة كاملة الأنوثة والرقّة ("وجفا عن شكلها الماء")، وجوهرةً عظيمةً نفيسةً ("حاشا لدرّةَ أن تُبنى الخيام لها"... - والشاعر هنا يمنع "درّة" من الصرف، يعاملها كما لو كانت اسم علم مؤنّث، فكأنّه -من حيث يدري أو لا يدري- يتابع التعاطي مع خمرته باعتباره إيّاها أنثى، لا مجرّد كلمة مؤنّثة فحسب)، نفيسةً تُنافِسُ حبيبات الشاعر العربيّ مكانةً، فهي تقيم في الحواضر لا في البوادي، في القصور لا في الخيام.
*من ناحية أخرى، يمكن التعاطي مع هذا النصّ باعتباره تعبيرًا عن صراع أو صراعات*:
- صراع بين القديم والجديد (أو التقليد والتجديد)؛ فأبو نواس يدعو إلى التجديد الشعريّ، والآخرون تقليديّون متمسّكون بالنهج الشعريّ القديم لا يواكبون العصر.
- صراع بين الحرّيّة والتزمّت؛ فأبو نواس يمثّل التحرّر، وهو -في رفضه اللوم- يرفض التزمّت المعتقديّ الذي يبدو في موقف النظّام اللائم الذي يقول بأنّ المغفرة الإلهيّة لا تشمل المؤمن المرتكب للكبائر.
- صراع بين الحضارة والبداوة؛ وذلك أنّ الخمرة هنا عنوان الحضارة، أو رمز لها، أو أحد مظاهرها البارزة.
- صراع بين الشعوبيّة والعروبيّة؛ حيث يعلن أبو نواس شعوبيّته المتعالية والساخرة من العرب، من شعرهم الذي ينحو منحى التقليد، ومن طرائق عيشهم البدائيّة .

في هذا النصّ ترابطٌ يمكن اعتباره نتيجةً طبيعيّة للحياة العبّاسيّة، يكشف عنه هذا التماسكُ بين أبياتها الذي تؤكّده الوحدة الموضوعيّة والعلاقات المعنويّة في الأفكار والصور.
فالقصيدة تبدأ برفض اللوم رفضًا تامًّا صارمًا، يَتبعه تبريرٌ فلسفيّ لعدم جدوى اللوم بعامّة؛ إذ يراه الشاعر ذا مفعول عكسيّ، فهو (اللوم) يغري الـمَلُوم بالتصلّب في موقفه وسلوكه؛ ثمّ يعتبر الداء دواءً له. كلّ هذا حشَدَهُ الشاعرُ في مطلع القصيدة (في البيت الأوّل -على وجه التحديد).
بعد ذلك، ينتقل مباشَرةً إلى تحديد هذا الدواء الذي يراه اللائم داءً، فإذا هو الخمرة -سبب اللوم ودافِعُ النظم-، فيصفها ويصف مجلسها، يذكر لونها وأثرها في النفس، ويذكر عنصرًا جماليًّا مهمًّا في مجالس الشرب تمثّله الساقيةُ الغلاميّةُ ذات الوجه المتوهّج ألقًا؛ ويذكر ندماءه جاعلاً إيّاهم رجالاً طافحين فتوّةً، يعرفون كيف ينهلون من نبع اللذّة، مثبتين أنّه في مستطاعهم أن يتحكّموا بمصايرهم، وحضورهم في مجالس الخمرة هو التعبير عن ذلك. حضورهم ذاك هو اقتناصُ مُتَعٍ وقطْفُ أفراحٍ. والشاعر يأتي بكلّ هذا الوصف المتغنّي بـِ "حبيبته" ومرافقاتها، المُعْلي من شأنها، يأتي به ضربةً دفاعيّة عن علاقته بالخمرة، تلك العلاقة التي تطوّرت إلى تعلّق، إلى حبّ حارق وشوق جارف (حتّى إنّ أبا نواس "يبكي" بحثًا عنها -وما البكاء هنا سوى ترجمة لحبّ وحنين وشوق). بعد هذا الوصف التبريريّ، يعود الشاعر إلى ذكر لائمه النظّام، فيتّهمه بادّعاء المعرفة الدينيّة أو الإيمانيّة، وبالتزمّت والإساءة إلى جوهر الدين (وجوهره التسامح والرحمة والمغفرة)، حين يزعم أنّ المغفرة الإلهيّة لن تكون لمن هم على شاكلة أبي نواس من ذوي المجون والتهتّك.

تجتمع في هذا النصّ جملة من الأفكار المرتبطة بما شاع في عصر أبي نواس من مَناحٍ فكريّة وثقافيّة. فإضافةً إلى تعبيره عن موقف شعوبيّ يتعالى على العرب ويحطّ من شأنهم، وإضافة إلى اتّضاح قوله بالقدريّة، يبدو متأثّرًا بالأفكار الفلسفيّة. عن هذا يكشف استخدامُه للفظة "فلسفة" في نهاية القصيدة، وإشارتُه التحليليّةُ النفسيّة السريعة في المطلع، حيث يُظهِر الشاعر درايةً بطبيعة البشر، إذ يَعتبر المعاندةَ طبعًا متأصّلاً في النفس البشريّة، ومن ثَمّ فاللوم جهد مضيَّع، وبخاصّة إذا كان على الملأ؛ فهو عند ذاك -وإن ارتدى كساءَ الحرص والنصح والإرشاد والتوجيه - لا يختلف عن التقريع.
وللفكر المرجئيّ أثرٌ في النصّ (في ختامه).
فاتّكال الشاعر على رحمة الله مردُّه أنّه أخذ بالفكرة المرجئيّة (نسبةً إلى فرقة "المرجئة" التي ظهرت في أعقاب معركة صفّين، والتي تبنّى أتباعها موقفَ الحياد في قضيّة الخلافة، مرجئين البتَّ في شأن أحقّيّة عليّ أو معاوية بها إلى يوم الدين)، الفكرة التي مفادها أنّ المؤمن المرتكب الكبيرة يعاقَب في الجحيم بمقدار خطيئته، ثمّ يحظى بثواب الجنّة، وقد يُعفى عنه كلّيًّا سلفًا؛ وتلك فكرة لاقت لدى أبي نواس قبولاً وراقت له، فمن خلالها حلّل لنفسه معاقرة الخمرة دون خشية من عقاب.
و لا بدَّ لنا ها هنا أن نذكر مكونات مجلس الشراب في القصيدة :
يتكون مجلس الشراب في القصيدة من : خمرة ، ساقية ، فتية إبريق ، بيت وليل :

1- الخمرة : هي الداء والدواء ، صفراء اللون ، تذهب الأحزان وتدخل السرور حتى على الحجر ، صافية ، تؤنس عين الشاعر وتبعث فيها نشوة كأنها نشوة الإغفاء ، أرق من الماء ، لطيفة ، إن مُزجت بالنور تتولد الأنوار والأضواء .

2- الساقية : غلاميه ، فتاة جميلة يشع النور من وجهها ، تحمل بيدها إبريقا تسكب منه الخمرة للفتيان .

3- الفتية : فتية ( قدريون ) ، أحرار يفعلون ما يحلو لهم ، يؤمنون بأن الإنسان قادر على أن يصنع تصرفه بنفسه ، حر ، يختار ما يشاء ، ويتصرف كما يشاء ، وهو ليس مجبرا فحسب ، بل يخضع له القدر .

4- الإبريق : وهو أداة الشراب . قد تكون الأباريق كعادتهم من الذهب أو الفضة .

5- البيت : وهو عنصر المكان ( الخمارة : مكان شرب الخمر ) .

6- الليل : عنصر الزمان ، وفيه يحلو السمر والسهر .

و إذا ما جئنا إلى دراسة الصور الشعرية في القصيدة نجد بأننا نستطيع أن لو نتصوَّر الأحداث و كأنها ماثلة أمامنا .

وهذه الصور تتمثل فيما يلي :

1- صورة اهتزاز الحجر عند ملامسته للخمرة . وهذه الصورة تمثل تأثير الخمرة على شاربها وذلك بإدخال السرور على نفسه ، بحيث لا يخالط النفس حزن أبدا . وذكر الحجر دلالة على شدة تأثير الخمرة على شاربها .

لو مسها حجر مسته سرّاء

2- صورة الساقية الجميلة المشرقة الوجه ، تدور على فتية تسقيهم الخمرة .

فلاح في البيت من وجهها لألآء

3- صورة الخمرة الصافية ، الرقيقة ، اللطيفة المشعة .

فأرسلت من فم الإبريق صافية كأنما أخذها بالعين إغفاء
رقت عن الماء حتى ما يلائمها لطافة وجفا عن شكلها لماء
فلو مزجت بها نورا لمازجها حتى تولد أنوار وأضواء


4- صورة الماء المنزاح عن الخمرة لرقتها .

رقت عن الماء حتى ما يلائمها لطافة وجفا عن شكلها لماء


5- صورة الفتيان الأحرار الذين خضع لهم الزمن يفعلون ما يشاءون .

دارت على فتية دار الزمان لهم فما يصيبهم إلا بما شاءوا
و في دراستنا للتشبيه المباشر و الغير مباشر في القصيدة نجد ، بأنَّ التشبيه المباشر كان ظاهراً في : كأنما أخذها بالعين إغفاء .

في شطر هذا البيت : ( الخمرة تؤنس عين الشاعر وتبعث فيها نشوة ، كأنها نشوة الإغفاء ) . فالشاعر كان يتذوق الخمرة بعينيه – أي : يمتع نظره فيها – بقدر ما ينعم بمذاقها .

أمَّا التشبيه غير المباشر الذي تنطوي على مضمونه العبارات :

1 - فلاح من وجهها في البيت لألآء . ( قرن الشاعر بين ألق الوجه والتلألؤ ) 2 - فلو مزجت بها نورا لمازجها . ( قرن وماثل بينها – أي الخمرة - وبين النور ) .

أمَّا الكناية كانت ظاهرة في :
1 - ( الدُّرّة ) كناية عن ( الخمرة ) .
2- ( تبنى الخيام لها ) كناية عن ( شرب الأعراب للخمرة ) .
3- ( تروح عليها الإبل والشاء ) كناية عن ( الجو الذي لا يليق بالسكر وشرب الخمرة ) .

الخاتمة :
ينبع موقف أبي نواس الفكري من نظرية المرجئة التي كان يحرص على ادعائها لأنها توافق تصرفه وهي : ( إن الله لا يعاقب الناس على خطاياهم مباشرة ، بل يرجئ ذلك إلى يوم القيامة ، وإن المؤمن إذا خرج من الدنيا على طاعة وتوبة استحق الثواب والعوض ، وإذا خرج من غير توبة عن كبيرة ارتكبها استحق الخلود في النار ، وكان عقابه أخف من عذاب الكفار ) .

بقلم :
بدر فواز رشواني
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف