الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

قراءة في الديوان الزجلي ولد ما

تاريخ النشر : 2020-08-17
قراءة في الديوان الزجلي ولد ما
قراءة في ديوان "ولد ما"

إن النقد هو ممارسة فكرية تنهل بجهلة أمور تشكل جدودا يتقاطع معها، فالقراءة هي النوع النقدي الذي نعسى إليه ويشكل مادتنا أنقد أدبي، أم ثقافي، فالنقد ضرب من المعرفة أو التحصيل كما يقول روني ويليك وأوهتيني في كتاب نظرية الأدب ص: 13، بينما الأدب فن وفكر، فإذا طرحنا السؤال: ما الذي يعد أدبا وما الذي لا يعد؟ وما طبيعة الأدب؟ فالأدب حسب الباحث بنيشوهو غاية في الصعوبة، لأنه لا يقدم لك نفسه بسهولة، ويتطلب منك المهارة والدربة والممارسة، وقد طرح جان بول سارتر وشارل دوبوس هذا السؤال ما الأدب فهو مقرون بسؤال ما الكتابة؟ لمن نكتب؟ ولماذا نكتب؟ لأن الغاية من ورائه هي الوظيفة الاجتماعية، أو التاريخية أو النفسية أو الأسطورية.

ويقول أحمد أمين في كتابه "النقد الأدبي" ص: 187 "إن الشعر والدراما والرواية تتناول الحياة مباشرة وأما النقد فيتناول العشر والدراما والرواية، بل يتناول النقد نفسه، فإذا عرف الأدب الإنشائي بأنه تفسير للحياة في صور مختلفة من الفن الأدبي، فإن الأدب النقدي يعرف بأنه تفسير لهذا التفسير وصور هذا الفن التي يوضح فيها" وحينها نتحدث عن النص باعتباره تفسيرا للتفسير، أي للصور الفنية التي خرج بها الأدب، فهذا الأخير كما يؤكد سعيد علوش في كتابه "المصطلحات الأدبية المعاصرة" ص: 19.

الأدب موضوعات، قواعد، تقنيات أعمال، وظيفته تطبيع الذاتية، ووصف ما يطرح في مجتمع ما، فبواسطة اللغة تعيش الذاتية، ويتخذ المجتمع صور انزياحية، ويعمل الناقد على تشريح هذه النصوص من أجل إيصالها إلى القارئ، فالنص إذن إنتاج أدبي وفكري، تظل معانيه معطلة إذا لم يحرك ديناميتها قارئ كيف كان نوعه فالنظريات السياقية اجتهدت في تأويله الكاتب وأعرضت عن النص الأدبي، فإن النظرية البنيوية فتلتبه، أعلنت موته قبل أن يتجه بعضها إلى بعث دور القارئ كطرف مشارك للمعنى، لأن الناقد مشارك مع الكاتب والقارئ في بناء النص لذا يرى ديكارت في كتابه خطاب في المنهج أن هناك نوعين من القراءة القراءة المتمادية، والمتنقلة، والاستكشافية وهي القراءة التي تجمع بين الفضول والتعلم والمتعة (إيما نويل فريس) ص: 152 والقراءةالمجتهدة وبسيطة والمكررة" والثانية هي القراءة التي يمارسها الناقد فهي المعرفة والعمق، فهو القارئ المطبق أو التاريخي كما يقولياوس (جماليات التلقي ص: 26)، إذن فالنقد كتابة على كتابة، وتحليل وقراءة أولية، وثانية، وهو خطوة ترسم تصحيحا للمسار النقدي في مدارسنا وجامعاتنا، ويكون تصورا لما ينبغي أن يكون عليه النقد في مرحلة التأمل والتأويل وهذا ما سراه في ديوان (ولد ما) إن استقراء البعد النفسي في تجلياته وتطور موضوعاته، والأنثروبولوجيا بكل مدارسها وخصوصيات تربتها المعرفية، لأن هذا الديوان ببؤس العلاقة بين هذين البعدين وعلاقتها بالثقافة العربية المعاصرة. جعلتني أعيد النظر في هذا التعاون على المستوى النفسي والجسدي، وهذا التعاون هو مكون من مكونات الشخصية المشتركة بينها، ولهذا فإن الإنسان العربي والبربري في تحولاته التاريخية والحضارية، جعلت منه العلوم الإنسانية ميدنا خصبا للتطبيق سواء على المستوى الثقافي، أو الإبستيمي، أو الجسدي أو الحضاري، أو القانوني ... وهذا التطور أدى إلى بروز –الأنثروبولوجيا النفسية – التي عملت على دراسة الشخصية على المستوى المزاجي، والعقلي، والنفسي، والخلقي والجسمي. فهذه النواحي كلها تؤثر في شخصية الإنسان وتغرس فيه كل القوى التضامنية، من أجل جعل العيش في مجتمع يسوده القانون، والدين، واللغة، كلها تؤثر في الفرد والجماعة عن طريق التنشئة الاجتماعية، فقد تجعل هذه الازدواجية في المفاهيم إلغاء العدوانية وتوجه الفرد توجها حسنا، وهمسا لما وأخلاقيا، واجتماعيا، وهذا التكون لهذا الشخصية كما ذكرت درست من الباحثين الاجتماعيين، والنفسانيين ومن بين هؤلاء النفسانيين فرويد التي اعتبرها ميدانا لصراع إلى واقع المتناقضة، بينما ركز المدرسة التخييلية على دور الطفولة. والخبرات المكتسبة – لكنها أعملت الجوانب الثقافية وإعطاء الأهمية للجوانب التكوينية والبيولوجية، وهذا ما سمح لبعض الأنثربولوجيين المنتمين للجهاز النفسي، إلى إعادة الاعتبار للثقافة في تكوين الشخصية، وهذا التوجهات الجديدة في العملية التحليلية باعتبارها نقطة البداية في التحول من البعد البيولوجي إلى البعد الثقافي الذي يتناقض في وطننا العربي، وفي العالم الإسلامي، وفي افريقيا.

إن التحليل النفسي عرف تحولا في الكم والكيف وظهرت داخله انقسامات ومراجعات أدت بالبعض إلى إعادة النظر في المبادئ النظرية منهم أدليرويونج باعتبارها المبشران بالانتقال من البعد البيولوجي إلى البعد الثقافي ويرى ميولسر في هذا المقام أن أدلر يؤكد دوما على العوامل الاجتماعية في بناء الإحساس بالنفس اتجاه الآخر، بينما يونغ اهتم بالشعوب البدائية على المستوى العقلي، والعاطفي، والديني[1]، أما رايش فلم يهتم بهذه المبادئ البسيطة، بل أعاد النظر في الجهاز المفاهيميالفرويدي، النشاط الجنسي وصراع الطبقات ترجمة محمد عيناني، بيروت دار الآداب 1977. و"ما الوعي الطبقي" ترجمة جورج طرابشي 1984، والمادية الجدلية والتحليل النفسي ترجمة أبو علي ياسين، والثورة والثورة الجنسية ترجمة محمد عيناني ونجد بالفرنسية:

Psychanalyse et illucion paris – Tchou 1976 و Parle de frend, 1972 فهذه الرؤية عند رايش لم تكن رؤية منغلقة بل استحضر المادية الجدلية ليوحد بين الفكر والواقع، وليفكك حتمية اللاواعي، والكبت، مشكلا أرضية التي تقوم عليها الفرويدية الجديدة، فلم يكف رايش يقف عند حدود التحليل النفسي، في نطاق العلاج، بل أراد أن يكون فلسفة مادية سيكولوجية شاملة، تفسر السلوك، والانفعال تفسيرا تاريخيا، واجتماعيا، ونفسيا وحضاريا. فيتجاوز هذه النظريات النفسية التقليدية هي دعوة إلى ربط العلوم الإنسانية بالعلوم الحقة سواء على المستوى الجينوم، أو الوراثة أو الشهوة (البيروتوين) أو هرمون الإوكسيتوسين ...[2].

واللغة النفسية هي الوسيط بين المبدع والمتلقي والوسيط بين مضمرات التفكير ونشاط الوعي الذاتي، وانتفاضات الأحاسيس الداخلية. وبين الحالة الانكشافية والإخراجية فاللغة هي أداة يتشكل الإنسان من خلالها مبدعا متميزا ويرتسم لذاته شاعرا، بل هي الشخصية وهويته، وحقيقته الوجودية[3] وقد عبر طاغور "الإنسان فنان في الكثير من أموره" (دفاعا عن البلاغة) فالشاعر يملك لغته ليتجاوز الكلام المعياري المنطقي، من أجل بناء قصيدة عن طريق الانزياح والرمز، والأسطورة والمماثلة. وأهم سمة للفن الأدبي هي المرية كما يقول دوفرين في كتابه "جماليات العلاقات النحوية في النص الفني" ص: 7، ترجمة سلوى النجار سنة 2010، فالشاعر لا ينقل الأحداث، بل يعمل على تشكيلها وفق القانون النفسي[4]، والاجتماعي فتكون أكثر كمالا وتناغما وانسجاما، لكونه خالق، ومبدع، ينقلنا من فنن إلى فنن، نقتطف الرحيق، والأخيلة ما يحلوله وما يحقق رغبته الذاتية، فمشكل الشاعر العربي المعاصر ليس التوصيل وحده، وإنما أيضا التشكيل القصيدي يوازي به رمزيا واقعه النفسي، والفكري والروحي والاجتماعي، لأنه لا يقول الشعر ليخبر ولكن يقوله لهدف انفعالي جمالي ليحدث به أثرا انفعاليا جماليا في نفسية المتلقي[5] فالديوان هو تفجير للأنا النفسي، باعتبارها كيانا يعيش القلقوالسأم، مما جعله يؤرخ لهذه الذات بمونولوج – شعوري، يتراءى له الكون، والحياة عبارة عن تفسير، وتأويل لكل ما هو آني[6]، فإذا سألت شابا لماذا تريد أن تكتب شعرا، فإذا أجابك: لدي أشياء كثيرة أريد أن أقولها، فهو ليس بشاعر ولكن إذ قال لك: أريد أن ألم بالكلمات أصغي لما أقول فقد يصبح شاعرا قال (أودن) عن لسان ديتش (الترابط النصي ص: 221، فالشاعر يصنع الأشكال، ولا يقدم الأفكار، ويرى شبيلي "أن اللغة تؤول إلى الشيخوخة والذيول، والفناء، لولا الشعر الذي يجدد شبابها مما يضيفه لها من حيوية عن طريق المجاز[7] فالقصيدة لا تريد أن تقول بل تريد أن تكون كما قال أصحاب النقد الجديد "المؤلف اسبانكرمSpirngarm فالأدب فن وليس تاريخ مع أبعاد العلوم الإنسانية عن الأدب، وأن الشكل هو المضمون متحقق كما في الديوان.

إن دراسة العقلية النصية ليست الضرورة مرتبطة بالذات، بل مرتبطة بعلم اللغة، وعلى الأخص مع النظام المعجمي، وهو نظام يقع في مفترق الطرق بين التاريخ، والمجتمع لأنه يسهم في تحديد العقليات النصية تحديدا  أفضل، برؤية خيالية تفتح لهذا الديوان تاريخه الخاص.

لقد رسم لنا الديوان من قبل خطوطا كبرى في تاريخ العقل الشعبي، مما يجعلنا نتوافق مع الأدوات العقلية الموظفة، لأن اللغة هي اللسان المرآوي المميز للهامشي لأن كلمة كلمة لها قيم في الاستعمال، متعددة تتوزع خلال الجماعات الاجتماعية، أو تتوزع تطوريا حسب الأجيال التي تتعايش في العصر نفسه"[8].

وبدءا من هذه المعجمية، تستطيع أن تستخلص توجها إيديولوجيا يكون أكثر سخرية، وأكثر انتقادا للوضع الاجتماعي، لأن هذا الاختيار التوجهي الإبداعي يجمع الكلمات أو يختزلها ليدل على المظاهر المتنوعة لتقنية الكتابة الزجلية.

فالديوان يعيدنا في بعض الأحين إلى مفهوم الحقل المعجمي والعقلي، ليضع لنا بيانا بالتوظيفات المتنوعة للكلمات أو السياقات التي تمنحها شحنتها الإيقاعية والمعجمية لهذا الوصف، وكذا العفوية التي ترسم حدود العقل الشعبوي عبر الزمن الشفوي، وهذا الرسم هو المفتاح، والشاهد على الماضي الذي يرمز إلى الحدث الحضاري، وعلى هذا النحو ف ولد ما – وشلا ما يتكل، ونهار يكمح –وزاكلو– النشبة – كلها شبكات مترابطة في دخل العصر، يمكن أن تراها تتمد في الماضي عبر الحاضر، مما يجعل الديوان يؤرخ لعصره من خلال العصر الفاني، لأن الأثر لا يقدم الكلمات، بل يقدم لنا الأفكار، فالشاعران – عبد الحق ورشيد. ع) يقتربان من منبع الاجتماعي كي يعاولنا رصد وبناء المقولات في بعدها التنظيم التركيبي والدلالي، ومع ذلك لابد لنا من الولوج في تفصيلاته لمعرفة الشيكات الترابطية، وتمثلاتها وهذا ماثل في قصيدة "بدسبست لشي معاني" ص: 21 فهذا الوصف لمحتوى هذه القصيدة تجعل الشاعر يربط المحتوى بالتحولات السوسيولوجيا وذلك بمحاولة الكشف عن المواقف إزاء الواقع، والذاكرة، والتاريخ، وهذه التحولات منظمة في شكل شبكات مقولية، تحاول أن تبني كل الترسبات الماضية بعين اللغة الاجتماعية وهذا ما نجده في صفحة 89 "الحران" يقول: إن وظيفة اللغة الدرامية ليست مرجعية فقط بل هي فعل قولي لا تكف التحدث عن الذات والأرض، بل تظهر الفاعل الذي يطبع المعجم ليطبع الإنجازات التي تكمت في قضية بالذات، والصعوبة تظل داليا لتحديد العلاقة التي تربط بين التحولات السوسيولوجية والأفكار النقدية الإنشائية، لذا أظهر الشاعر أن الموافقة بين النظام الاجتماعي، والمستوى التقليدي، لأنهما عملا على تحريم الوعي البسيط من الدوار الذي يقوم به الماضوي في فلسفات الفاعل المبعد، وهذا التحرر من الأوهام هو الذي جعل ماركس يعيد النظر في هذا التطور في كتابه الإيديولوجيا الألمانية، إذ يرى أن الذين يتخيلون أن طريقتهم في تصوير الشر هي الطريقة التي تحدد طريقتهم من حيث أنهم كائنات اجتماعية وقد يكفي تحريرهم من الأوهام والأفكار والعقائد والكائنات المتخيلة التي يذبلون تحت نيرها لتحويل الواقع الاجتماعي السياسي ص: 36، فالديوان ينطلق من الذات، الاجتماعية، ومن حياتها لكي يكشف عن القناع أو الحجب لمعرفة الذات المضمرة، وعلاقتها المادية، ودون نعته بدليل سياحة الفكر البشري، إذ لابد أيضا من معرفة عناوين القصائد التي ترتبط بقوى إنتاجية فكرية، ومادية على أنها منتجات ضدية ترفض الشكلية، والنفعية اللتين تهتمان بالفعل الإبداعي دون تحديد موقع الإنسان تحديدا جدليا، في السيرورة التاريخية، لأن الأمر يطل ملطخا بوحل المثالية كما في الكتابات القديمة - الكلاسيكية – والرومانسية.

فهذه النزعة المادية جعلت الشاعران ينتخبان عنوانهما الدال والموحيولجعله علامة دالة على العمل تأتي في إطار السياقات النصية التي تظهر طبيعة التعالق القائمة بينه وبين البعد النفسي والاجتماعي، فالعنونة هي نص صغير موازي للنص الكبير، يحيل على الداخل/والخارج، وذلك من خلال اختراق  هذا العنوان - ولد ما – لنصوص العمل كلها الأمر الذي جعلنا ننتقل من الوحدة الصغيرة (العنوان) إلى الوحدة الكلية المنبثقة من علاقته العضوية مع التجربة الشعريةلدى الشاعرين ومن كونه غصنا بنائيا يختزل الكثرة في الوحدة، ويوزع الحقيقة في شكل أنوية خيالية، ليكون له مرجعية مستقلة، فالعنوان يحيل على مرجعية خارجية ذات دلالة موحية من الذات، والواقع، فالبنية الإيحائية إذن والوظيفة الشعرية تحيل من خلالها على الذات الكلية.

سيتخذ البحث في الديوان، تجربة الشعر عن هذين الفحلين مسارين مختلفين:

المسار الأول: يتمثل في دراسة العنوان أفقيا للوقوف على المكونات التركيبية والدلالي، أما المسار الثاني يتمثل في انفتاح العنوان باعتباره استراتيجية مفتوحة قابلة أن تستوعب كل الشرائط الاجتماعية والسياسية.

لقد اتخذت هذه الاستراتيجية أكثر من مسار من أجل الكشف عن وظيفة الكتابة الشعرية على المستوى الوجودي وعن علاقتها بالزمكان، كشرطين جوهريين يحاول الشاعران استعادتهما بعد مرحلة المخاض الأولى وصولا إلى مرحلة الولادة، وهذا النوع من العناوين يجبرنا أن نسأل لماذا حضور "ما" وليس الأب؟ وهل هذا قتل للمجتمع الأبوي ولفحولته؟ أم دعوة لإعادة تأنيث العنوان؟ أم أن الشاعرين عاشا عقدة الأب وليس الأم؟

ففي الديوان تحضر العناوين التي تقيم تعالقها مع الأسئلة المطروحة، حيث تتميز ببنيتها اللغوية المختصرة، في حين تتضمن بنيتها المعجمية، والدلالية والإيحائية برؤية اقتصادية وبتمظهرها المتعدد في لعبة المرايا المحدبة، (فهي لا تخلو على المستوى الدلالي من الانزياح الوصفي الذي يقيم تعالقا مع بنية اللغة الشعرية، وكذا البنية المجازية التي تشكل انزياحا لمبدأ الإبداع، والخيال، من هنا يمكن أن نلاحظ في ص: 52 – 61 – 65 – 69 – 72 – 76 – 80 – 85 – 89 – 92 – 95 – 30 – 25 ... فهذه العناوين أصبحت تركيبا عضويا، تتأسس على مجموعة محاور متنوعة من حيث التجلي، والتعرية لتغدو أنشودة تحمل دلالات فنية توضع بنى النص الشعر، وإذا كانت هذه العناوين الفرعية تتميز باقتصادها اللغوي، باستثناء بعض القصائد التي أصبحت تناصات تنحو نحو الطول النسبي في بنيتها اللغوية والتركيبية، فالشاعران يقران بضرورة البوح لكي محاكمة للسائد والقبض على الممكن، فهذه الرحلة السيزيقية جعلتهم لا يركنون إلى البساطة اللغوية، بل يستحضرون مجموعة من الصيغ الترادفية، والاشتقاقية لإملاء هذا الفضاء الشعري بأنماط شعرية إيقاعية جديدة.

إن هذه الدراسة النفسية، جعلت الديوان يبدأ بتشريح العمل الشعري، باعتباره مركبا من استجابات نفسية دالة تفسر بنيتها الشعرية معظم العناصر الجزئية والفرعية التي يواجهها الشاعر.

ففهم الديوان باختصار، هو مشكلة تتصل بالتلاحم الداخلي، والخارجي وهي مشكلة لن تحمل إلا بافتراض أن الديوان هو تناصر، وليس أي شيء سواء ما يجب أن يؤخذ أخذا حرفيا، وأن مهمة الشاعر هو أيفجر طاقته بدفقة شعورية تبني داخله دلالة شاملة إذن هو ما يمكننا من فهم نظام تواجد الأشياء وتلاقيها وما يمنح للتوليفات معناها الجغرافي المفتوح والعارض دون السقوط في شرك الوحدة والسكون على أنه توليفات شعرية لا تعرف الانقطاع، فكل توليف شعري يظل قابلا لتوليفات أخرى وتعددات أخرى لا تنتهي، أي أن كل توليف زجلي هو تعديد يغير في طبيعة التوليفات السابقة يقدم ما يتعدد، وهذا ما يضمن له حياته ويمنع نوازع الجمود، والموت من التسلل إليه.

فعملية المقاربة النفسية لهذا الديوان، جعله عبارة عن إشكال، تجلبه في ضرورة الفصل بين الذات الذي يطلق عليها المنبع والينبوع الإبداعي وبين البعد المنهجي لهذا الذات، أي التمييز بين ممارسة الذات للإبداع الشعري، وبين دراستها في الواقع، وبينهما تداخل كثيرة، فيمكننا أن نشتعل على هذا البعد التذاوتي–عبد الحق خ، ورشيد ع)، فهذا التداخل الذاتي "ولد ما" خطاب مناتل لأنه مساحق وقناع يعاني من تناقض بين قصيدته، وبين المضمر، فما تقوله القصائد هي أنها تعاني كما تعاني الذات في مجتمع يتنحح برعود الحرية، والحقيقة، فهذه المواقف المتضارية في شعرهم تندرج فيما بينها إلى مراتب ص 36 – 45 – 56 – 21 بحسب قربها، وبعدها عن الحال بالمفهوم الصوفي، ومن جهة أخرى تزكي فكرة "عقدة الأب" الذي يحمل اسمه ولا يوافق وجوده في العنوان.

وهذه الصورة الحاضرة لانتماء للأم، وليس للأب، يتجلى معناها في العنوان وفي بعض القصائد لأن كل منهما يريد أن ينتمي إلى الآخر المستعار، ولأن الانفلات من الزمني الكيميائي، والسقوط في الزمن النفسي، يجعل المعنى تتضمن الحقيقة الاستعارية، رغم تصارع الأحداث، وبهذا المعنى فالقلق، والحلم ظل يعكس الأعمال الشعرية شكلا ومضمونا، ولغة وصورا، وألوانا، وهي أرضية تكشف عن أزمة الذات في واقع تنقصه أفاق التجريب الإنساني، سواء في الممارسة أو النظرية، ويبقى السؤال وشرطه الوجود، فيما يفيد الشعر؟

سواء يراهن على الاستكشاف والمغايرة من أجل إنتاج ما لا يستنبط من المستحيل.

من هنا تتميز أصالة أنا/وأنت/بما تنطوي عليه من عناصر البوح والتشظي والتوتر بين الماضي والحاضر، والمستقبل من ناحية أخرى[9].

فالذات المعطوبة انبنث على الخطاب الشعري باعتبارها هي أول من رفعت شعار المغايرة والكتابة، ثم اتخذت لغة شعرية غرائبية كمعطى استراتيجي في بنائها الإبداعي لتتناسل مع باقي الأجناس الأخرى، وتولد عن ذلك التنظير لهذا الشعر الزجلي عبر التفكير فيه، انطلاقا من تحديد ماهيته وتجلياته المحجبة، لأن طغيان الشعر العمودي وصولته ومنهجيته قلص من هذه الولادة القيصرية، مما جعل الديوان لا يستقيم مع المعطى العام، وإنما قدر لنفسه أن يرتبط بالمكان ليأخذ قراءات التي تكشف عن نظامه الابستمولوجي.

فالشاعران عبر هذا الديوان كما قلت يمارسان لعبة السقوط والانتظار بصياغة سؤال حول الواقع الاجتماعي والهوية، والحقيقة، فهذه المفاهيم رغم سكولائيتها الثابتة والمشابهة، فإنها تخطت نفسها لتستوعب الوجه الإبداعي، الذي يتجدد بين أنامل الشاعرين وبالتالي التأثير في الوجود، والدفع بهذه الذات المستلبة إلى البعث واليقظة، لأن الشعر الزجلي عالم يطفح بالحياة، ولا يمكن أن نمسكه إلا من خلال فكرة التجدد المرسوم من طرف الأفواه، والأمثال الشعبية، وإلغاء كل ما يمكن أن يجعله محتطا، لكي يستطيع السير قدما مع الشعر العمودي، والتفعيلة، والسطر الشعري.

إن هذا الواقع (الأنا/الأنت) كما قلت هو المعرفة، التي مازالت تؤسس لنفسها وعيا أنطولوجيا، تكسر به الحجب لتعرف الموجود، بلغة التي تسكنهما، وبإبداع يراعي التحولات الاجتماعية والنفسية.


[1]- فلوجل، علم النفس في مئة عام، ترجمة لطفي فطيم، دار الطليعة، بيروت، ص: 206.

[2]- عباس فيصل، التحليل النفسي للذات الإنسانية، دار الفكر اللبناني، ص: 206.

[3]- حمادي حمود، في نظرية الأدب عند العرب، ص: 194.

[4]- أحمد حسن الزيات، دفاعا عن البلاغة، ص: 105.

[5]- عبد المنعم تليمة، مداخل إلى علم الجمال الأدبي، ص: 32 – 33.

[6]- شكري عياد، اتجاهات البحث الأسلوبي، ص: 191.

[7]- إبراهيم محمود، النقد الأدبي الحديث، ص: 20.

[8]-  Dubois. J.

[9]- جهاد فاضل، أسئلة النقد حوار مع هيجل، ص: 16.


 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف