الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

شطحات على إيقاع العشق للشاعر جلال باباي بقلم:محمد المحسن

تاريخ النشر : 2020-08-17
شطحات على إيقاع العشق للشاعر جلال باباي بقلم:محمد المحسن
شطحات على إيقاع العشق - للشاعر التونسي الكبير جلال باباي
(سفر ارتدادي عبر الذاكرة..)


تصدير:إن الإبداع كحرية الإرادة : ينطوي على سر دفين * المفكر يونج

إن الكتابة الشعرية في وجه من الوجوه هي وعي –التشظي- ورغبة جامحة لتجاوزه،وهي كذلك فعل واع يصوغ جدلية علاقة الفكر بالممارسة،وهي بالتالي لحظة التجلي حيث يسمو الشاعر-بشاعريته-إلى ما وراء تخوم الذات ليستشرف الآتي ويستبصر آفاق الوجود. فالشاعر يؤسس للمستقبل، فهو يخاطب وجدان المتقبل ويسعى لتشكيل ذاكرة جديدة رغم عسر الولادة: ولادة الذات المبدعة، وولادة النص المتسم بالابداع، لذا نراه وهو ينشئ ابداعه وينحته يرنو إلى شق طريق التفرد والابتكار معتمدا وعي الذات بذاتها وبمن حولها مختزلا ونيابة عن القارئ ما يعتمل في نفسه من مشاهد التمزق والتشظي، فالخطاب الشعري لم يعد يقصد نقل الذات إلى الآخر، بقدر ما يطمح إلى التأثير في المتلقي بالتراكيب والتعابير المصورة وما يتعلق بها من ايحاءات ظلال في المعنى، ولذا لا عجب أن يتماهى جلال باباي مع أهوال الابداع معتمدا في تجلياته الشعرية الموسيقى جرسا وايقاعا بما من شأنه أن يحدث عميق الأثر في النفس، ولذة وانتشاء،طامحا لأن يجعل من فسيفساء الكلمة ورمزيتها وتحويل دلالتها مرتكزا جماليا تتأسس قواعده بتفاعل البنية النصية مع المتخيل الذهني لدى –القارئ- ولا عجب كذلك أن نتناغم مع نصوصه وهي تطفح بنبل الأحاسيس وصدق المشاعر وجمال الحيرة ونسافر معها عبر دروب مشرقة لم يألفها سابل، فهذه المجموعة الشعرية: شطحات على إيقاع العشق هي باكورة أشعاره وقد انبجست من ثنايا مسيرة ابداعية مرهقة كابد خلالها –هذا الشاعر الشاب- مشقة الخلق، قبل أن تكتمل –خلقا- سويا يؤسس للآتي الجليل بما يجعل المرء يتصالح مع ذاته ومحيطه، وقد وردت في طبعة أنيقة عن دار الاتحاف للنشر سنة 2000 وتضمنت ثلاث وعشرين قصيدة (23) وسمها بعنوان اشتهائي لا يخلو من استفزاز جميل مخاتل للذوات المرهفة علاوة على اهداء جميل لكل من يملكون في وجدانه موقعا وثيرا وبالاضافة إلى ما ازدانت به من –لوحة- رائعة للفنان مهدي بن يوسف تجسد في أبعادها رقصة الانسان في عناقه للأبدية.
منذ بدايات كل قصيدة من هذه المجموعة،ينتشق الشاعر عطر الجمال والبهاء والعشق الانساني،ويسافر بنا عبر آفاق قصية في سعي حثيث لتوسيع دائرة الخلاص من بوتقة الاغتراب والقلق والتشظي،ليرسم بذلك تخوم –الذات- في تطوافها بين الغربة والحنين: أعانق بقايا ذكريات، بين حنايا الزقاق / حنجرتي تجتر بقايا سيجارة / وأواري تحت وسادتي رماد المرارة ص (8) أو في قوله: هائم في الزقاق يحمل وردة / اعترته طاعة الليل / فتوسدها وارتحل / أينعت الوردة / قصيدة حب ودمعة (14) ...
ورغم عدم إلتزام –الشاعر- في قصائده بالتفعيلات الخليلية ونظام نسقها العروضي،إلا أننا ومن خلال هذه النصوص نستلهم تجليات موسيقية تتوحد فيها الأبعاد الذاتية بالأبعاد الجماعية، لا توحيد ذوبان بل توحيد تآصر وتفاعل وانسجام، فتبوح المفردة بما ليس سرا ويستساغ الفهم دون جهد ملول، فانصهار الشاعر في –قضية- شعره شكّل-محور-القصيدة بما جعلها ترد في شكل نغمة عاطفية تبشر بتوجه معرفي لأقباس لفظية لا تخلو من معان جديدة تتجلى فيها قداسة التعابير الحسية في تجاوبها الخلاق مع الضمير وهذا
يعني انفتاح الاثارة الشعرية على عوالم الذات وخبايا الوجدان بتراكب يؤسس دفقا موصولا ويفتح ثنائية التوتر بين الكائن والممكن في لغة تستحضر في بعض تداعياتها غموض الشعر وفوضاه: بين أنقاض الليل ومتاهات المسير/ أراقص عزف الوتر/على وجنتين في لون المشمش / وأبحر موجة على ضفاف البحر/ أغازل سحر اللؤلؤتين ... ص 51/52 ...
إن أغلب النصوص التي احتضنتها هذه المجموعة،تطفح بنبل السؤال وجمال الحيرة،وتنأى عن الترهل والاندلاق العاطفي بما يجعلها تحترم ذهنية القارئ وترتقي بحسه في هدأة الطريق إلى عوالم النص،ولعل المستهجن الأوحد يظهر في جزء من –قصيد- اعتراه الارتباك تخلخلت فيه اللغة،وارتد الرمز باهتا أو مسقطا يحيل تعسفا على القرآن: "ياأيتها النفس المطمئنة" غمسي أوجاعك في مياه القلق/ فبوابة القلب شاحبة/ وفمي للعبارة يسترق ص (81) .
إلا أن الشاعر يستعيد –نبضه-الدافق فيرتقي الخطاب إلى مرتبة الشعرية المتميزة وتتماهى تبعا لذلك القصائد وتتجاوز وتحيل على تفرد جمالي يجعلنا نلج ذواتنا أو هو يذكرنا بها مشروخة،مشظاة فيبدأ منها التأسيس لوجدان حميم أثير،وهذا ليس غريبا عن شاعر متميز يسعى جاهدا لفتح نافذة الخلاص من دوائر القتامة والانكسار حتى تكون الكلمات كشفا ورؤيا قد يغنيها أفق انتظار مغاير،رغم –زخات- الألم التي تبرز في سطوح بعض النصوص وأغوارها: أيتها المسافرة في قلب السماء / سحابة قزحية / فجري حزن وحدتي / حولي عيشي ... ماء بنفسجيا ... زهرا ... عوسجا/ وخليط المسك المعتق دهشة ص (56/55) .
إن في تشوش الفكر وإرهاصات الوجدان وحيرة الذات،انعطافا يستحيل-نوستالجيا- يلهب العاطفة،ويؤجج لظى الغربة بما يجعل الدعاء يتصاعد وفيه رجع صدى لابتهالات يلهج فيها اللسان بذكر- أسماء أولياء الله الصالحين- فيتأثث فضاء القصيدة بصور صوفية،تمنح الاحساس رحابة تتسع للذات في رؤاها،لذا نرى الشاعر يقول في قصيدة زهرة المتوسط ص69 : دثروني يا أحبتي/ارفعوني لصومعة المدينة/فالمنستير.../مقصدي لأبهى الرتب... وتتجاوز اللغة رغبتها في تحقيق المصالحة بين الانسان والفرح لتتألق القصائد تبعا في صور شفافة هي بين البهاء والجمال تؤسس الذات وتجسد الارادة وتلج تداعيات تصوغها الذكرى بين الوجد والحنين : يهددني الفراق/ أشتاق العناق/ يلاحقني ظل الرفاق/ وأنا ألين مغمور بالاشتياق...أنا قادم اليك/محملا بالعشق/ فاطفئي كل الأضواء... وكوني نجمتي هذه الليلة ص39/40.
إن من غايات الشعر هي إحداث الإنفعال الذي تتجانس فيه اللغة مع الحواس بما من شأنه أن يجعل –اللغة-شفيفة تفصح عما يمور في ذات الشاعر من أشجان وما يكتوي به وجدانه من مواجع تتماهى مع الواقع وتصوغه موضوعيا من خلال المضمر في الخطاب،وهذا يعني أن القصيدة تستنفر كل الجوارح وتذكي الحواس وتلهب شعلة الذات والوجدان لتؤسس الكون في تواصل أكثر انفتاحا وعمقا وشمولا..
إلا أن من غير الوجيه -ومن خلال قراءة متعجلة -تقديم حكم معياري- ( = تقييمي) على هذه النصوص دون التوغل في في خباياها لاستنطاق شخوصها وتجلية ما تضمنته من إضمار تصويري،فهي من الخصوبة ما يجعلها تقبل شتى القراءات،وهذا ما جعلني اتساءل في خاتمة هذه القراءة إن كانت هذه التيمات الثلاث : ( العشق- المرأة-الوطن) هي فقط التيمات الاساسية في هذه المجموعة أم أنها تنفتح على المزيد من التاويلات والتيمات والمكونات النصية والتحليلية الأخرى غير هاته ؟
إن أيّة إجابة عن هذا السؤال لابد وان تدفع بالقارئ الى ولوج العالم السحري الذي تضمنته هذه المجموعة لينخرط لا اراديا في جوقة الرقص الصوفي على ايقاع العشق الأزلي .
*ملاحظة : الأبيات الواردة في النصوص مقتطفة دونما انتظام وبتصرف جزئي لتوظيفات أملاها مسار الدراسة .

محمد المحسن (شاعر وناقد تونسي)
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف