الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

دراسة تحليليَّة لرواية الثلج يأتي من النافذة وفق المنهج الواقعي بقلم : بدر فواز رشواني

تاريخ النشر : 2020-08-16
بقلم : بدر فواز رشواني
دراسة تحليلية لرواية " الثلج يأتي من النافذة " للأديب حنا مينة على وفق المنهج الواقعي :
الواقعية مذهبٌ أدبيٌّ و نقديٌّ يعتمد على الوثائق و الواقع ، و تعني تصوير أحوال الطبقة الكادحة في المجتمع ، و الواقعية أصبحت اصطلاحاً نقديَّاً تعني طريقة التبنِّي من الفلسفة ، و هذا يعني أنَّها تَصدرُ عن الفلسفة ، و تصفُ غرضاً هو بلوغ الحقيقة .
و يضع جورج لوكاتش تعريفاً للواقعيَّة : " تصوير الملامح الكليَّة للواقع ، و الكليَّة سمة من سمات الواقعيَّة ؛ لأنَّ الأديب الواقعي يريد أن يكتبَ رواية واقعية ، و يجب أن نجد فيها نظرة واقعيَّة كاملة " .
أ‌- نبذة عن حنا مينة :
إنَّهُ واحد من الروائيين القلائل الذينَ احترفوا الفن الروائي ، فكانت الرواية أداته الرئيسة و همَّهُ الأخيرة : " إمَّا أن أكونَ روائيَّاً أو لا أكون " ، يقول متحدِّثاً عن تجربتِهِ : " لقد بدأتُ حياتي الأدبيَّة بكتابةِ القصة القصيرة عام 1945م ، و نشرتُ أقاصيص في صحفٍ و مجلاتٍ سورية و لبنان و لكنَّني لم أجمعها ، و بعضها ضاع " .

إنَّ مسيرَته الخاصة معروفة فهو ينتمي إلى وسط فقير ، توقَّفَ عن الدراسة في نهاية الحلقة الابتدائية و التحقَ بمهن مختلفة قبل أن يتمَّ الاعتراف بموهبتهِ الأدبية و يبدأ العمل في المجال الثقافي و في الحوارات العديدة التي أجريتْ معَهُ .
ب‌- ملخَّص الرواية :
إنَّ حنا مينة من الكتَّاب الذينَ يُعدُّونَ في إطار المدرسة الواقعيَّة ، و قد برزَ في الرواية السورية منذ روايته الأولى " المصابيح الزرق " عام 1945 م .
"الثلج يأتي من النافذة" رواية بطل يهرب في البداية عن مواجهة الاستبداد و لكن في المراحل المختلفة ، تعلَّمَ مبادئ النضال و اجتازَ مراحل الوعي ، و يطوَّر شخصيته من مستوى الشخص العادي إلى مستوى البطل الثوري و المناضل .
و حنا مينة يقدِّم رؤية للعالم تختلف عن الأمثلة التي رأيناها من قبل و حتى الآن ، تتَّخذ هذه الرواية من البيئات الشعبية المسحوقة إطاراً مكانيَّاً لأحداثِها و شخوصها ، فتبرز بذلك رؤيتها غير التقليديَّة للإنسان العادي حيث نراه يعي مستقبله و يسهم في الثورة على الواقع .
هذه الرواية ترصد أحداث عامين من عمر شاب مناضل التجأَ إلى خارج حدود بلده ، و إنَّهَ لأمرٍ جديد و طيِّب أن تعالجَ رواية عربية مثل هذه الهموم لدى مناضل عصامي هو إلى ذلك مثقَّفٌ مرهف الحس .
يتسلَّلُ فيَّاض من الحدود السورية اللبنانية سيراً على الأقدام بعد أن أخذت السلطات الرجعيَّة الحاكمة في سورية ذلك العهد تطارد التقدميين ، لقد لوحقَ في دمشق بوصفِهِ كاتباً يساريَّاً معارضاً فاضطرَّ إلى الانقطاع عن مدرستِهِ – و هو المعلّم – متوارياً عن الأنظار فترة إلى أنْ نصحَهُ رفاق لهُ مغادرة البلاد و مواصلة المعركة من الخارج ، فالتجأ إلى لبنان .
و في بيروت يقيم بينَ أفراد أسرة رفيقه اللبناني خليل غزالة فترةً ، و يشغل بعدها عاملاً في مطعم الجبل متنكِّراً باسم " ميشيل " ، بيد أنَّهُ ما يلبث حتى يترك العمل عائداً إلى بيت رفيق النضال " خليل " ، ثمَّ يُراد لهُ تحت الخوف من اكتشاف مقرَّهُ ، أن ينتقل إلى بيت رفيق آخر ليسَ لهُ بهِ معرفة سابقة ، هو " جوزيف بو عبده " ، و هنا ينعم فياض بمستوى لين من العيشة يهيئ لهُ فرص المطالعة و الكتابة ، و لكن مضيفهُ يخسر في يوم قريب عمله فيرحل عنهُ ليعثرَ على عملٍ في بناء يشيَّدُ ، متخفياً تحت اسم " سليمان " ، ثمَّ يعود إلى " جوزيف " و هناك يوافيه أحد الرفاق ليصحبه إلى حيث لا نعلم ، فإنَّهُ يجب أن يغادر هذه المنطقة .
هذا بإيجاز بالغ ، ما وقعَ لفيَّاض خلال الأشهر الأولى من التجائهِ إلى خارج البلاد .
أمَّا القسم الخامس و الأخير من الرواية فيحدّثنا عما وقعَ لمناضلنا الشاب في مراحل أخرى من حياتهِ و هو في منفاه الاختياري ، و نعرفُ أنَّ فيَّاض قد أُلقِيَ القبض عليه بعد عام ، ثمَّ نعرِفُ أنَّهُ قد أُطْلِقَ سراحهُ بعد أن أمضى في السجن نحو أشهر ستة .
ثمَّ يقرر بعد هذا الاغتراب الطويل العودة إلى وطنهِ ، و يجتاز الحدود الفاصلة ، الموضع ذاته الذي تسلَّلَ منهُ قبلَ عامين ، ...........يُقبِّل تراب الوطن ........ ، و يستقبل دمشق هاتفاً و كأنَّهُ يؤدِّي قَسماً : " أبداً لن أهرب بعدَ الآن " .
ج- الواقعيَّة عند حنا مينة :
إنَّ حنا مينة يُصنَّفُ في إطار التقليد الواقعي في الأدب السوري و يعتقد بإمكان الواقعية أن تتضمَّنُ التيارات المعروفة مثل الرومانسية و الرمزية ، و هذا الرأي يفسِّرُ و يبرِّرُ استخدام الرمز أو تقنيَّات عصرية في رواياته .
إنَّ رواية " الثلج يأتي من النافذة " صوَّرت حركة المجتمع و تطوره بالرؤية الواقعية الاشتراكية ، و لا شك أنَّ هذه الرؤية تفرض على حنا مينة الغوص في جذور المشكلات و الكشف عن أسباب الفوضى و القهر و الارتباك التي تسود المجتمع ، كما تفتح أمامه مجال رسم طريق الخلاص حسب رؤيته ، و لئن كانَ حنا مينة على حدِّ قوله كاتب الفرح و الكفاح الإنسانيين ؛ لأنَّهُ يعرف كيفَ يُصغي إلى دبيب الحياة في قلب الجماد ، فإنَّهُ كذلك الروائي الذي يعرف كيف يوظِّف الجماد في خدمةِ الحياة ، حياة أبطاله ، و هذا أحد أسرار تقنيات الرواية الحديثة .
و أهم الموضوعات التي تتحدَّثُ عنها الروايات الواقعية هي الأحداث السياسية الكبرى و انعكاسها ، و تؤكد الواقعية على الانطلاق من إيديولوجيَّة محدَّدة للحياة و للإنسان و مفهوم للفن ، و ذلك يجعل رؤية الفنان أكثر عمقاً و شمولية و تماسكاً .
و المهم من هذا كله ، أنَّ حنا مينة يفيض علينا بصورِ الواقع و الصراع الاجتماعي و الشخصيات الإنسانية المختلفة عاماً بعَدَ عامٍ .
د- السمات الواقعية للرواية :
إنَّ إقناع القارئ يشكل أحد شروط الكتابة الواقعيَّة ، و على النص أن يتوصَّل إلى إقناعه بأنَّ العالمَ الذي يقدِّمَهُ يمكن أن يكون لهُ وجود في الواقع ، و أنَّهُ يتطابق مع الواقع المعاش ، و في سبيل هذا الهدف على الكاتب تبرير العرض لأقصى درجة و جعل عناصر القصَّة يتظافر بعضها مع بعض .
و من السمات البارزة في الرواية :
1- النموذجيَّة :
إنَّ أشخاص الرواية هم نماذج بالتأكيد ، و لكنَّهم مميَّزون أيضاً بأفكارهم و أنشطتهم ، دون اهتمام بصفاتهم الجسدية .
إنَّ لهم ماضياً و تاريخاً و لا ينبثقون من العدم ليختفوا من حيث أتوا ، حيث يتوقفونَ عن تأدية وظيفة في البرنامج السردي ، فمواقفهم و أفعالهم و أفكارهم معلنة بواسطة الأشخاص الآخرين أو الراوي ، كما أنَّهم يملكون الحيوية ، و من النادر ألَّا يبدي أحد الأشخاص دليلاً على مشاعر نبيلة أو لا يثير تعاطف القارئ و لو جرى تقديمه بطريقة سلبية في لحظات أخرى ، و لكن الشخصيات توزَّعت ما بين النجاح و الفشل ، و ما يُلاحَظْ أنَّ الإخفاق كله كان من نصيب أولئكَ الذين أسبغَ عليهم المؤلف لبوس النضال في حينَ أصابت الشخصيات الأخرى اللا منتمية و الساذجة و الطيِّبة معاً حظاً أوفى من النجاح ، و إنَّ خطأً ما في تكوين الشخص الروائي يجعل منه نموذجاً غير مقنع شبحاً يروح و يغدو أمامَ القارئ على غير مقتضى العقل و منطق الأشياء .
2- الارتباط بتجارب الحياة :
إنَّ المحيط الذي يتطور فيه الأفراد شديد الارتباط بتجربة من تجارب الحياة و هؤلاء الأشخاص يمكن تمييزهم و تعريفهم بدرجة رئيسة من خلال أنشطة يوميَّة : الأكل ، الفسحة المسائية ، و الحديث مع المعارف ، و المشاركة في عرس ، و العمل ، و هذه الرواية من الروايات التي تُعنى بطبائع أبطالها و بالمناخ الاجتماعي و الروحي الذي ينتمون إليه ، و إنَّ أبطال روايتنا هذه : المناضل ، و العاشق ، و الطامع ، و المخذول ، و البرجوازي و الرأسمالي و البغى العاهرة .
3- الصراع و سمو البطل إلى مرحلة المناضل الثوري :
إنَّ الروايات الملتزمة بالرؤية الاشتراكية تنطلق من إيديولوجيَّة تحدد مفهوماً معيَّناً للإنسان و تصوراً خاصاً للعلاقات الداخلية التي يتفاعل معها عبرَ صراعه مع القوى التي تحاول أن تقيّد تطوره و تقدمه .
إنَّ رواية " الثلج يأتي من النافذة " عبارة عن همزة وصل بين المناضل و نضاله ، فهي بعبارة أخرى تصف كيف يسمو البطل من مرتبةِ الإنسان العادي إلى مرتبة المناضل الثوري عن طريق التجربة الشخصية و الصراع مع النفس و الخارج ، و نستطيع إذ ذاك أن نميِّزَ عدَّة مراحل في درب فيَّاض الثوري :
أ‌- مرحلة التعلم في المغارة على ضوء الشموس : هنا حيث لا نوافذ و لا أبواب تعلَّمَ خليل النضال .
أمَّا فيَّاض فإنَّهُ كان يافعاً و لم يستطع في هذه المرحلة سوى أن يتلقَّن المبادئ الثورية الأولى ، و هذه المرحلة إضافةً إلى العمل النضالي و السجن في الوطن ، ثمَّ قرار الهرب إلى لبنان ، تقع على خط الزمن قبل بدء الرواية .
ب‌- مرحلة التردد و التخفِّي في بيت أبو خليل : يبدو البطل في البدء رافضاً ، إنَّ هرب فيَّاض من بلدِهِ و لجوئهِ إلى لبنان يعنيان أنَّ روح النضال لم تنضج عنده بعد ، يقول له أبو خليل : "" كان عليك ألَّا تفعل هذا ، كان عليك أن تصمدَ أكثر "" ، و يذوق فياض مرارة السجن و الغربة ، مرارة الإغراء و الدِّعة .
تلعب النافذة الدور الأساسي في هذه المرحلة ، فهي تكاد تُنسي البطل سجنه و غربته و تغريه بالعودة إلى حياة ما قبل التجربة ، حياة المثقَّف البرجوازي ( زواج ، أولاد ، هموم عائلية بسيطة ، مغامرات ، .......... ) ، و يضطر عندئذٍ أن يقارن بين خليل و جوزيف فيختار أن يعيش كخليل ، مناضلاً ثوراً يكدح و يعمل .
تُعدُّ هذه المرحلة حلقة رئيسة يتقرَّر فيها مصير البطل ، إنَّها مرحلة تحول فياض من هارب متردد إلى عامل مناضل .
ج- مرحلة العمل اليدوي الشاق : إنَّ العمل قيمة إنسانيَّة و تجربة ضرورية للاندماج في الواقع ، لذلك يصمم فياض على العمل بيديه ليثبت إنسانيته و يدفع عنها الفساد و إذا كان هربه إلى بيت خليل تعبيراً عن أزمةِ انتمائهِ كمثقَّف برجوازي صغير إلى الثورة ، فإنَّ تصميمه على العمل يعدُّ بمنزلةِ انتصار على ما تبقَّى في نفسِهِ من آثار الطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها .و ينخرط في عداد العمال البائسين الذينَ تمصُّ البرجوازية دماءهم ، يركز حنا مينة على الصراع الطبقي و البحث عن عالم جديد ، فإنَّهُ يرى أنَّ الإرادة الإنسانيَّة هي الفصل في تحقيق الآمال و حل الكثير من المشاكل .
د- مرحلة النضال الفعلي : و تعدُّ هذه المرحلة ذروة تجربة المناضل فياض ، يعمل في كتابةِ منشورات ثورية و طبعها ، فهو قد تعدَّى مرحلة العمل الفردي (المعانة الشخصية) إلى نشر المبادئ الثورية ( الكفاح السرِّي و العمل القيادي ) ، فالعمل إلى جانب الثقافة (فياض) و الثقافة إلى جانب العمل (خليل) ، هما طريق صنع المناضلين الثوريين ، و هما طريق الخلاص من الحيرة و التردّد ، بل الخلاص من الغربة ، لذلك يشعر فيَّاض الآن بأنَّ البرد ليس من الثلج و إنَّما " البرد كانَ من الغربة و التجربة ، و الآن وداعاً للغربة " .
فمن القضايا الهامة التي بحثها النقد الواقعي العربي هي ظاهرة الحداثة الشعرية العربية ، نرى أنَّ الحداثة التي برزت في روايات حنا مينة بشكل عام ، و رواية ( الثلج يأتي من النافذة ) بشكل خاص ، هي نتاج اجتماعي طبقي سببهُ صعود البرجوازية العربية الصغيرة ، و لا يتعلق ذلك بالمضمون بل يتناول الشكل الجديد أيضاً ، و يفسر أيضاً أنَّ الشكل محافظٌ و المضمون ثوري ، و أنَّ المضمون الثوري الجديد يتطلّب بالضرورة شكلاً جديداً .
و نذهب في تفسير الرواية إلى أنَّها اتصفت بعدةِ سمات رأيناها عند خليل و فياض و الشخصيات الأخرى ، و الأكثر تجسيداً ظهرت في تصوير النافذة الذي صورها الأديب ( حنا مينة ) :
" إنَّ النافذة تواكب البطل الفيَّاض طيلة إقامته في لبنان ، أي فعلياً من بداية الرواية إلى آخرها ، و هي من العناصر الأساسية التي تكوِّن التجربة النضالية التي عاشها ، ففي بادئ الأمر كانت النافذة كوَّةٌ في جدار تطلُّ على الخارج عندما كان فيَّاض يقع فريسة صراعه الداخلي و عندما كانت تستغرقه أفكاره ، فليس للنافذة في هذا المعنى أيةَ وظيفة روائية ، فوظيفتها هنا عملية لا تتعدَّى السماح للبطل بإطالة لا مبالية نحو الخارج ، ثمَّ تتطور النافذة عنده فيصبح هناك نافذة أخرى مقابلة لنافذته ، يطلُّ منها رأس صغير جميل يرنو إلى فياض بعينين برَّاقين ، فتصبح النافذة عنده هي المنفذ الوحيد للخروج من سجنِهِ ، فهو لا يستطيع مغادرة غرفته نهاراً حتى لو كان ذلك للذهاب إلى المرحاض ، فبسبب هذا الرأس الصغير ترتعش أوصاله ، و تصيح غرائزه و يحسُّ أنَّهُ يسكن الغرفة للمرَّة الأولى ، ففي النافذة المقابلة رأى وجهاً و ابتسامة و دعوة إلى الحبِّ " و هذا كله يكشف عن حب فيَّاض الأفلاطوني لفتاة النافذة المقابلة و اسمها دينيز " .
يتبيَّن لنا مما تقدَّمَ أنَّ النافذة عنصر من عناصر المجابهة بين المناضل و العالم الموضوعي الخارجي ، أي بين الذات و الموضوع ، فحيث توجد النافذة يوجد الإغراء بالتخلِّي عن سبيل النضال ، فهي إذن مرحلة من مراحل تكوين الذات و الوسيلة التي يحدِّد البطل بواسطتها شخصيته النضالية .
و السؤال الذي يتبادر إلى أذهاننا الآن هو : هل تحافظ النافذة في هذه المرحلة النهائية على وظائفها التي رأيناها ؟؟؟

في الحقيقة لا يتغيَّر عمل النافذة ، المعاني المكافح الذي يعيش تجربة الثورة المعذِّبة ، و التغير الأساسي و الوحيد الذي يطرأ على وظيفة النافذة هو أنَّها لم تعد إغراءً بالتخلِّي عن طريق الكفاح و النضال على العكس من ذلك إنَّها تصرف فيَّاضاً عن اجترار ذكريات الماضي و تدفعه إلى الأمل في مستقبلٍ أفضل يملؤُهُ دفء الحياة و نار المحبَّةِ .

بقلم : بدر فواز رشواني
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف