حول مفهوم الشعرية
د. محمد عبدالله القواسمة
يتردد مصطلح الشعرية Poetics في الدراسات الأدبية والنقدية، الحديثة والمعاصرة، خاصة منذ بداية القرن العشرين، وتكونت في بعض البلاد العربية مختبرات تحت مسمى مختبرات الشعريات كما في مصر والمغرب. وللكلمة في تراثنا القديم مترادفات كثيرة، مثل: فن الشعر، وعمود الشعر، وصناعة الشعر، والتخييل، والصناعة، ونظم الكلام، ونظرية النظم. وقد استخدم النقاد والباحثون المحدثون ألفاظًا أخرى للدلالة على ما يشير إليه المصطلح، مثل: علم الأدب، والفن الإبداعي، ونظرية الشعر، والأدبية، والإنشائية، والشاعرية، والهيكلانية، والإبداع، ونظرية الخطاب وغيرها.
ويعود أصل المصطلح إلى الفيلسوف اليوناني أرسطو في كتابه "فن الشعر" الذي ترجمه قديمًا أبو بشر متى بن يونس 328 هـ بعنوان "أبو طيقا". وأرسطو من أوائل الذين حاولوا تعريف مفهوم الشعرية، انطلاقا من مبدأ أن الأدب محاكاة. فما تاريخ الشعرية إلا إعادة تأويل لكتابه السالف الذكر، وكتب الشعرية ما هي إلا مجرد تعليقات عليه. كما يرى الناقد والفيلسوف الفرنسي البلغاري تودوروف في كتابه "الشعرية" الذي ترجمه شكري المبخوت.
وللمصطلح تعريفات كثيرة ومختلفة تلتقي كلها تقريبًا في قوانين الخطاب الأدبي؛ فهي تسعى إلى استنباط القوانين التي توجه الخطاب اللغوي وجهة أدبية. وكانت المدرسة الشكلانية الروسية، التي هي من أهم المدارس التي أحدثت ثورة في عالم النقد الأدبي ما بين الأعوام 1904-1930 أول من سعت لإقامة علم للأدب بوضع مبادئ مستمدة من الأدب نفسه. يقول أبرز أعلام هذه المدرسة رومان جاكبسون R.Jakobson: "ليس موضوع العلم الأدبي هو الأدب وإنما الأدبية، أي ما يجعل من عمل معين عملا أدبيا" وبذلك وسّعت المدرسة مفهوم الشعرية ليشمل الأدب شعرا ونثرا ، وكل الأجناس والأنواع ، بخلاف شعرية أرسطو التي كانت مركزة على معالجة الملحمة والدراما مهملة جزءًا مهمًا من الأدب وهو الشعر الغنائي.
ويستخدم تودوروفTodorov وهو من أبرز المهتمين بالشعرية المصطلح مرادفًا لـعلم نظرية الأدب، بهذا فعلى الشعرية أن تجيب عن السؤال: ما الأدب؟ كما عليها أن تعرّف الخطاب الأدبي. وتجيب عن سؤال آخر: ما الوسائل الوصفية الكفيلة بتمييز مستويات المعنى، وتحديد مكونات النص الأدبي؟ إن تودوروف لا يهمه النص إلاّ من حيث كونه حاملًا قوانينه. وربما لهذا وصفت شعريته بـالتجريدية لا التجريبية، لأنها لا تهتم بشعرية الأدباء والتيارات أو المدارس الأدبية، بل تهتم باستكشاف قوانين الخطاب، فشعريته امتداد للشعرية الشكلانية.
هكذا نميز بين ثلاثة مفاهيم لمصطلح الشعرية:
الأول يعنى بالخصائص الفنية في مرحلة تاريخية معينة لتيار أو ظاهرة أو حركة أدبية، فنقول: الشعرية الكلاسيكية والشعرية الرومانسية والشعرية الرمزية وشعرية قصيدة النثر.
الثاني ويعنى بالميزات الفنية لتجربة أديب معين، فنقول: شعرية المتنبي، وشعرية شوقي وشعرية السياب.
الثالث ويهتم بالخصائص الفنية لنص محدد، أو مجموعة من النصوص الروائية، أو الشعرية، أو المسرحية.
ولعل المفهوم الأخير لمصطلح الشعرية هو الذي يصلح (كما أرى) للتعامل مع الخطابات المختلفة واستكناه مكوناتها ومعرفة خصائصها المختلفة. وبخاصة السردية منها. كما أن مصطلح الشعرية هو المصطلح المناسب من بين المصطلحات الكثيرة التي عرفها النقد العربي ترجمة للمصطلح الغربي Poetics.
[email protected]
د. محمد عبدالله القواسمة
يتردد مصطلح الشعرية Poetics في الدراسات الأدبية والنقدية، الحديثة والمعاصرة، خاصة منذ بداية القرن العشرين، وتكونت في بعض البلاد العربية مختبرات تحت مسمى مختبرات الشعريات كما في مصر والمغرب. وللكلمة في تراثنا القديم مترادفات كثيرة، مثل: فن الشعر، وعمود الشعر، وصناعة الشعر، والتخييل، والصناعة، ونظم الكلام، ونظرية النظم. وقد استخدم النقاد والباحثون المحدثون ألفاظًا أخرى للدلالة على ما يشير إليه المصطلح، مثل: علم الأدب، والفن الإبداعي، ونظرية الشعر، والأدبية، والإنشائية، والشاعرية، والهيكلانية، والإبداع، ونظرية الخطاب وغيرها.
ويعود أصل المصطلح إلى الفيلسوف اليوناني أرسطو في كتابه "فن الشعر" الذي ترجمه قديمًا أبو بشر متى بن يونس 328 هـ بعنوان "أبو طيقا". وأرسطو من أوائل الذين حاولوا تعريف مفهوم الشعرية، انطلاقا من مبدأ أن الأدب محاكاة. فما تاريخ الشعرية إلا إعادة تأويل لكتابه السالف الذكر، وكتب الشعرية ما هي إلا مجرد تعليقات عليه. كما يرى الناقد والفيلسوف الفرنسي البلغاري تودوروف في كتابه "الشعرية" الذي ترجمه شكري المبخوت.
وللمصطلح تعريفات كثيرة ومختلفة تلتقي كلها تقريبًا في قوانين الخطاب الأدبي؛ فهي تسعى إلى استنباط القوانين التي توجه الخطاب اللغوي وجهة أدبية. وكانت المدرسة الشكلانية الروسية، التي هي من أهم المدارس التي أحدثت ثورة في عالم النقد الأدبي ما بين الأعوام 1904-1930 أول من سعت لإقامة علم للأدب بوضع مبادئ مستمدة من الأدب نفسه. يقول أبرز أعلام هذه المدرسة رومان جاكبسون R.Jakobson: "ليس موضوع العلم الأدبي هو الأدب وإنما الأدبية، أي ما يجعل من عمل معين عملا أدبيا" وبذلك وسّعت المدرسة مفهوم الشعرية ليشمل الأدب شعرا ونثرا ، وكل الأجناس والأنواع ، بخلاف شعرية أرسطو التي كانت مركزة على معالجة الملحمة والدراما مهملة جزءًا مهمًا من الأدب وهو الشعر الغنائي.
ويستخدم تودوروفTodorov وهو من أبرز المهتمين بالشعرية المصطلح مرادفًا لـعلم نظرية الأدب، بهذا فعلى الشعرية أن تجيب عن السؤال: ما الأدب؟ كما عليها أن تعرّف الخطاب الأدبي. وتجيب عن سؤال آخر: ما الوسائل الوصفية الكفيلة بتمييز مستويات المعنى، وتحديد مكونات النص الأدبي؟ إن تودوروف لا يهمه النص إلاّ من حيث كونه حاملًا قوانينه. وربما لهذا وصفت شعريته بـالتجريدية لا التجريبية، لأنها لا تهتم بشعرية الأدباء والتيارات أو المدارس الأدبية، بل تهتم باستكشاف قوانين الخطاب، فشعريته امتداد للشعرية الشكلانية.
هكذا نميز بين ثلاثة مفاهيم لمصطلح الشعرية:
الأول يعنى بالخصائص الفنية في مرحلة تاريخية معينة لتيار أو ظاهرة أو حركة أدبية، فنقول: الشعرية الكلاسيكية والشعرية الرومانسية والشعرية الرمزية وشعرية قصيدة النثر.
الثاني ويعنى بالميزات الفنية لتجربة أديب معين، فنقول: شعرية المتنبي، وشعرية شوقي وشعرية السياب.
الثالث ويهتم بالخصائص الفنية لنص محدد، أو مجموعة من النصوص الروائية، أو الشعرية، أو المسرحية.
ولعل المفهوم الأخير لمصطلح الشعرية هو الذي يصلح (كما أرى) للتعامل مع الخطابات المختلفة واستكناه مكوناتها ومعرفة خصائصها المختلفة. وبخاصة السردية منها. كما أن مصطلح الشعرية هو المصطلح المناسب من بين المصطلحات الكثيرة التي عرفها النقد العربي ترجمة للمصطلح الغربي Poetics.
[email protected]