الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/24
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

قصيدة للشاعر أنور بن حسين أبهرتني.. فأعدت قراءتها ثانية متأنيا ومتأملا بقلم: محمد المحسن

تاريخ النشر : 2020-08-13
قصيدة للشاعر أنور بن حسين أبهرتني.. فأعدت قراءتها ثانية متأنيا ومتأملا بقلم: محمد المحسن
قصيدة للشاعر التونسي المتميز أنور بن حسين أبهرتني.. فأعدت قراءتها ثانية متأنيا ومتأملا (المدينة..التي تنام داخلنا)


الحديث عن تجربة الشاعر التونسي المتميز أنور بن حسين يعني الخوض في الحداثة الشعرية،وما تعنيه قصيدة النثر في مصطلح الحداثة الشعرية.
والمتتبع لحكاية النشأة والتطور لهذا الوليد الشعري الذي تمرد إن صح التعبير على القولبة العروضية-كما يقول أحد النقاد العرب-التي رسمت المشهد التعريفي للقصيدة العربية لقرون طويلة.بل تجاوزت هذه الهيمنة للحدود المعرفية للقصيدة ونفذت إلى الإحداثيات السلوكية والنفسية للبنية المجتمعية، وصارت تتمازج مع تعريف مفاهيم الخير والشر وملامح الشخصية وغرائزها.
وبعد هذا التجذر والتناسل العروضي في ذاكرة تعتاش الملحمة والأسطورة والخرافة والإرث الديني،حضرت قصيدة النثر،لتطرح الأسئلة من جديد.
ومن هنا بدأت المكابدة بين جيل يؤمن بالعروض ويؤمن بالتغيير والتجديد وبين جيل لا يرى في التجديد جدوى،وللحقيقة لم يكن المنحى التجديدي محلي النشأة بل كان تماهيا مع موجات الحداثة الغربية،وهذا لا يعد عيباً فقراءة التجارب الحداثية واستشفاف روحها ريادة بحد ذاتها.
قصيده النثر التي اجتذبت الشاعر التونس المنبجس من ضلوع مدينة سوسة الساحلية الحالمة، أنور بن يونس إلى حقولها تمخّصت عن نص يتناغم مع طروحات الحداثة ويسمو بها إلى مناطق معرفية وكونية غيّرت كثيراً في النص الشعري (وهذا الرأي يخصتي)،بل أثّرت كثيراً في اشتغالات أجناس أدبية أخرى كالرواية والقصة والمسرح في الأدب العربي.
لم تكن كتابة الشعر بطريقة النثر سهلة كما يتخيلها البعض،بل هي مكابدة فلسفية قبل أن تكون مغامرة لغوية،يقول بورخس* في كتابه (صنعة الشعر) "لقد بدأت بالاعتقاد أن الشعر الحر او الشعر المنثور هو أسهل من الأشكال المقيدة إلى قواعد وقوالب قديمة ثابتة،وأنا اليوم شبه متأكد من أن بيت الشعر الحر أصعب بكثير من الأشكال الموزونة والكلاسيكية التقليدية."
لم يكن -في تقديري-أنور بن حسين- مهتماً بفكرة الاجيال الشعرية التي مورست قسراً في تاريخ الشعر التونسي،بل يرى القصيدة كأنها دفق مستمر يجايل فكرة الوجود والإنسان والحب.كان مستفزاً ومتأملاً حاذقاً،ومنشغلاً في معترك الإبداع ببراعة واقتدار،لم يدع الزمن ينفلت من بين أصابعه،كما لم يترك القصيدة تتخلّص من عقال اكراهاته عليها..
إنَّ القراءةَ النقديّةَ الفاحصةَ لشعرِ أنور بن حسين ستتوفّر على دلالاتٍ مُعمَّقة رغم بساطة العبارةِ والبُعد عن التعقيدِ والغموض المُفرغ،وهو ما نراه يتراكم في نصوصٍ كثيرة تتوهّمُ الإنتماء للحداثة.
وأدعو ثانية -المتلقي الكريم- قراءة هذه القصيدة التي أدهشتني وداعبت-قسر إرادتي-ذائقتي الفنية:
يكبر الشوق في الأزقة والشوارع
الأرصفة الجريحة تعرف صوتي
المدينة التي لم تطأها قدماي يوما
كأني على أسفلتها ضريحا
و كأنها إيقاع ناي على جناح أشرعتي
رقصة ترتعش في نبض وردة
أسطورة تفلت من سحر السطور
تولد لغة من العبث والشتات
تسمو شمسا بين مشرقين
شهابا بين ضفتين
حلما ينبت بين الأخضر واليابس
كشجرة زيتون يسقي زيتها جراح السنين
يضمد الطعنات والخيانات
الطريق ليل لا نراه
الوصول أبعد من مرمى البصر
ماذا لو ضاع الطريق
بين كابوس وشجرة زقوم ذابلة
**
تلك التفاصيل التي نجهلها
رتق على قماش الحضارة المنكوبة
خوف يحبس أنفاسه بمخدع الخديعة
يفلت من سطو الخناجر والحناجر
يتشكل شفرة عبور بين اللحم والأظافر
أقلام تجدف في الرماد
الأقداح تسكب أسرارها على كف الرغيف الأخير
الطين يرمم شقوق الانكسارات التي لا تنتهي
يلون التراب برائحة البرتقال
يروي جفاف النبع والأنهار
يترك للبحر متسعا ليبتلع زيف الخرافة
يقذف بها يما على سواحل المجازر
ويضع الغزاة في شراك الانتحار الاضطراري
الذاكرة تتمرغ على الجمر والرماد
يا قدس يا قبس الفاكهة الخالدة
يا نشيدا يبعث من نبض الرفوف والحروف
يا عروسا تتحلى بكحل الأحجار العتيقة
يا رسما فاضت على ضفافه الأقمار
يا طيفا يطفو مجازا بين شقوق الجدران
يقيم ناسكا بين فصول الشوق والاشتياق
يتمنى لو يكون رائحة برتقال في ثنايا الحقول
أو غصن زيتون يملأ كف الفراغ
**
نموت ونحيا...
نعود من تحت التراب نسيما يعبق بالحنين
أو حروفا صلبة تولد في الغيب أغنية
تمطر صهيل الرصاص
نؤجل المصير إلى النفخة الأولى
لنا الأتي ...لنا الغيب
لنا رب يحمينا
اقرؤوا تعاليم السماء
اقرؤوا وعد بلفور مرة أخرى
اقرؤوا إنجيلكم, توراتكم, وتعاويذكم
وأخرجوا لنا جملة تعيدكم إلى تاريخنا
**
أجسادنا صفحات بيضاء
البياض يحاصر بقايا السواد
ينسف كل الألوان التي تنسلخ من الفراغ
يترك الحبر يتمرغ على نزيف الصدى
يباغت القادمين من الصفحة الأخيرة للأزل
فيكون المعنى آخر من ينتصر
لنا الأزل ...لنا الخواتيم
على اكفنا تستقر الحكاية
أشيائكم نزق على البياض
خرافة طويناها مع آخر جندي
استسلم لأساطيرنا الأولى
في النهاية تهرب الأمنيات من الظلال
تحفر صمتها على جسد البياض
صوتا معتقا بالصهيل
**
السماء تحمينا
و ما تحت النديم ينادينا
لكم أشيائكم وصواريخكم
فاخرجوا من أشيائنا وعطرنا
من صلصال رفاتنا الموغل في القدم
نرنو إليكم من الأزل
نجمع رصاصكم في هواء أهوائنا
نرسم به قدسا نراها ولا ترونها
هي المدينة التي تنام داخلنا
رائحة الياسمين تغسل أجسادنا عند الفراق
أنظروا في الصباح
هل ترون القدس في مراياكم
نحن نراها كما نراكم
تتجلى لنا قصيدة في أجمل الأوقات
نحضنها عند الفجر طيفا
نمسي نجوما تضيئها مساء
القدس نعشقها وتعشقنا
قصة حب ...
كل يوم نلتقي بها
مرة في بيتنا
مرة في السماء
مرة تضمنا تحت أعطافها نتدثر بأنفاسها
ومرة تواري أجسادنا بمسكها
**
غزة برد يطوف حوله أوار من حطب الفجيعة
سحابة تخمد خيفا ينفخ سموم الغابرين
الطريق جلي كما نراه
والسراب يفضح عيون العابرين
فما سلككم إلى أسوار مينودا؟
تتوسلون بحرها والقوافل
عناقيد العنب على بلاط هيلاريون
شقف الفخار على التل القديم
والصليب المعقوف في المقام المقدس
غزة أبواب موصدة
لا يدخلها من يدنو خلسة من أبوابها
هل أفشي لكم سرا من أسرار المدينة ؟
غين : غالب ومغلوب وغيث غزير
زاد : زفرات من زبور الأولين
تاء : تاب على أعتابها من حاباها وتاه من عداها
يسري الأحرار للمدينة نهارا
تعرج بهم ليلا في سمائها
فتبدو كالعراجين المضيئة تتدلى وتلتف حولها
كأنها الأطياف تشيد من القصائد سورا منيعا
لا تجوز الاستعارات في وصف الزيتون والياسمين
ويحتار المجاز على الشرفات
وأخيرا..أتمنى أن أطالع نصوصا أخرى للشاعر أنور بن حسين يختمر معها عشب الكلام..


محمد المحسن

*يقول ماريو بارغاس يوسا إن بورخيس هو الذي فتح بوابات أوربا والعالم أمام الرواية الأمريكية اللاتينية في الستينات، وهنا في ست محاضرات يحكي بورخيس عن الشعر الجديد والقديم من زوايا خاصة، وفي لغات متعددة، تلعب الذاكرة الشخصية فيها دوراً إبداعياً في الأفكار والتشريح وبورخيس حالة إبداعية ملونة ومبهرة.
أظن أن ما قرأته أهم بكثير مما كتبته
هذا ما يخبرك به بورخيس الموسوعي صاحب الرؤية الأدبية الأكثر جمالا وتفردا..
*خورخي لويس بورخيس (بالإسبانية: (Speaker Icon.svg audio) Jorge Luis Borges)، عاش بين 24 أغسطس 1899 - 14 يونيو 1986، كاتب أرجنتيني يعتبر من أبرز كتاب القرن العشرين بالإضافة إلى الكتابة فقد كان بورخيس شاعرا وناقدا وله عدة رسائل. ترجمت أعماله إلى الإنجليزية والسويدية والعربية والإيطالية والألمانية والفرنسية والدنماركية والبرتغالية.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف