الأخبار
قطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّاتإعلام الاحتلال: نتنياهو أرجأ موعداً كان محدداً لاجتياح رفحإصابة مطار عسكري إسرائيلي بالهجوم الصاروخي الإيراني
2024/4/18
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

في ذكرى محمود درويش كما لو لم تقرأه من قبل بقلم:أ. حسام شحادة

تاريخ النشر : 2020-08-10
هذه القصة وردت في مؤلفات شلومو ساند، الكاتب الفذ الذي أعاد رسم التاريخ، لقد أسرني العمق الذي تحدث فيه بغض النظر عن رأي الشخصي، نقلت القصة مع بعض التحرير.
أ. حسام شحادة

القصة
ولد في عام 1942 في قرية صغيرة، صار لاجئاً حينما نزحت عائلته في أثناء المعارك التي كانت دائرة في اللبنان، على أنقاض القرية اقيمت مستوطنة يهودية، في العام 1943 عادت عائلته خلسة إلى أقربائها في منطقة الجليل.
هكذا انضم محمود لسنوات عدة للجمهور الذي سمي في اسرائيل (حاضرون غائبون)، وهم اللاجئون الذين بقوا في وطنهم، ولكنهم فقدوا أراضيهم وكل ممتلكاتهم.

كان محمود صبيا كثير الاحلام وموهوباً، استطاع لفترات متقاربة أن يدهش مدرسيه وأصدقاءه، بلغته الغنية وخياله الجريء. انظم للحركة الشيوعية وتحول بسرعة إلى صحافي وشاعر، انتقل للسكن في مدينة حيفا والتي كانت وقتئذ المدينة المختلطة (أي اليهودية ، العربية )، التفى بشباب وشابات إسرائيليين حقيفيين وبالمقابل ألهبت أعماله الشعرية مشاعر جمهور أخذ في الازدياد، فقصيدتة الجريئة المسماة ( بطاقة هوية )، والتي كتبت في العام 1964، هزت جيلا بأكمله من الشباب العرب وتخطت حدود البلد، في مستهل القصيدة يحتج الشاعر باعتزاز أمام موظف وزارة الداخلة الإسرائيلية:
سجِّل! أنا عربي
ورقمُ بطاقتي خمسون ألف
وأطفالي ثمانيةٌ
وتاسعهم .. سيأتي بعد صيف
فهل تغضب ؟
فرضت إسرائيل على سكانها المحليين من غير اليهود حمل بطاقة هوية سجلت فيها قوميتهم على أنها ليست اسرائيلية، ولا حتى فلسطينية، إنما فقط عربية. هكذا بصورة جد متناقضة تحولت إسرئيل إلى أحد الاماكن الوحيدة في العالم التي حرّرت اعترافاً بالقومية العربية.
فالعدد المتزايد للسكان الأصليين الذين بقوا في إسرائيل سيبدأ في سنوات لاحقة بإثارة القلق لدى السلطات والسياسيين الإسرائيليين، وقد تنبأ الشاعر تماماً بذلك في حينه.

تحول محمود بسرعة إلى (عنصري تآمري) في الستينات، حيث كانت اسرائيل تخشى الشعراء أكثر من الشهداء في حينه، اعتقل لفترات متقاربة، فرض عليه الحبس المنزلي، وفي الفترات التي يسودها الهدوء حظرت عليه مغادرة حيفاً من دون الحصول على إذن مسبق من الشرطة.
لقد تحمل الملاحقات والقيود وببرودة أعصاب وبصورة غير شاعرية ، ورغم الخناق والضيق فقد تواسى في الكثير من الأصدقاء الطيبين الذين حجوا إلى شقته الواقعة في وادي النسناس في حيفا.
كان هناك بين أصدقائه البعيدين شاب شيوعي من يافا، رغم أنه لم يجيد العربية، إلا أن بعض القصائد المترجمة أثارت خياله وأغرته بمحاولة الكتابة، لقد كان يزور الشاعر عندما يتم تسريحه من الجيش. زادت الأحاديث من إيمانه وقوته بمواصلة النضال، وقد كان لهذه الأحاديث قيمة إضافية : بفضلها سرعان ما توقف عن كتابة قصائد فجة ومحرجة.
في نهاية العام 1967 عاد الشاب لزيارة حيفا، وكان قد اشترك في معارك احتلال القدس، بل وأضطر لإطلاق النارعلى الفلسطينين وتخويفهم، كانت إسرائيل في نشوة انتصارها، أما العرب فكانوا مهانين. ولقد كان شعوره سيئاً، وفاحت منه رائحة سيئة رائحة حرب نتنة. لقد اشتهى مغادرة كل شيء وترك البلد .. ولكن قبل ذلك، طلب وللمرة الأخيرة لقاء شاعرة المحبوب.
حين حارب الجندي في المدينة المقدسة، كان محمود مقيداً وقد اقتيد في شوارع حيفا إلى المعتقل، وعندما تم إخلاء سبيلة للمنزل التقى به الجندي، أمضيا معاً ليلة بيضاء، أعرب الجندي عن اشمئزازه من صهوة النصر، وكذلك عن يأسه، وعن غربته من الأرض التي سفك عليها دم زكي، حتى أنه تقيأ روحه عند نهاية الليل، عند الظهيرة، أيقظه مضيفه وترجم له قصيدة مع بزوغ خيوط ضوء النهار( جندي يحلم بالزنابق البيضاء).

يفهم – قال لي – أن الوطن:
أن أحتسى قهوة أمي
أن أعود في المساء..
سألته والأرض ؟
قال: لا أعرفها.

اعتبر نشره لقصيدة فلسطينة في العام 1968 حول الجندي، تكفيراً عن ذنبه وعنفة، وفقدان صوابه أثناء المعركة، كمن يشعر بالذنب على مشاركته في احتلال أرض ليست له، بمثابة خيانة، فجنود إسرائيليون من هذا النوع لم يكونوا موجودين، هوجم الشاعر الحيفاوي بشدة بل واتهم بالتعاون الثقافي مع العدو الصهويني
ولكن ليس لأمد بعيد، فقد ازداد تألقه من يوم إلى يوم، وسرعان ما تحول إلى رمز الصمود والثبات للفلسطينين . في نهاية المطاف ترك الجندي البلد، ولكن الشاعر كان قد تركها قبله، لم يكن قادراً على الاستمرار في تحمل الخناق البوليسي, والمضايقات والازعاجات اليومية، هرعت السلطات الإسرائيلية إلى إلغاء حنسيته المشكوك فيها، ولم ينسو أن هذا الشاعر الوقح كان أول عربي في إسرائيل يصدر ( بطاقة هوية) خاصة به، في حين ما كان يُفترض أن تكون له هوية على الإطلاق.
تنقل من عاصمة إلى أخرى فيما أخذت شهرته في الازدياد في النهاية، ومع بداية التسوية المؤقتة في سنوات اوسلو، سمح له بالعودة والإقامة في مدينة رام الله، منع من الدخول إلى إسرائيل. وفقط قبل جنازة أحد الأصدقاء لانت سلطات الأمن وسمحت له بالعودة لساعات معدودة تمكن خلالها من تأمل ربوع الطفولة، وبما أنه لم يحمل معة عبوة ناسفة فقد سمح له لاحقاً بالقيام بزيارات خاطفة أخرى.
بالمقابل مكث الجندي لسنوات عدة في باريس، ودرس هناك، وتمشى في أزقتها الجملية، ولكن هزمته الأشواق وقرر العودة، رغم غربته عن الأرض غلبته الأشواق لشوارع المدينة التي تربى فيها، فعاد للمكان الذي يدعي بأنه (دولة اليهود)، أما الشاعر المتمرد الذي كان الوطن أضيق من أن يحتويه، فمات في رام الله يوم 8 أغسطس 2008.

فريق مسج
حررت بواسطة : أ.حسام شحادة
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف