الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الفتوة التشغرجوي يشار كمال بقلم:رائد الحواري

تاريخ النشر : 2020-08-10
الفتوة التشغرجوي
يشار كمال.
الأدب أبقى من السياسة وأثبت، كما أنه أقرب إلى الحقيقة، من هنا يمكننا أن نجد حال أي دولة/أمة من خلال ما كتبه الشعراء/الأدباء، في هذه الرواية يكشف لنا "يشار كمال" الواقع العثماني على حقيقته، مبينا أن الدولة العثمانية العثماني لم تكن دولة عادلة، بل مجرد جماعة/طبقة اقطاعية تتقاسم الأرض والناس، وتعمل على استغلالهم، ملحقة بهم أشد أنواع الظلم، وبما أن الكاتب تركي، فإن هذا يزيد من أهمية الرواية، بمعنى أن (ادانة) العهد العثماني جاءت من البيت نفسه، وليس من خارجه، بحيث يفقد أولئك الذين يدافعون عن العثمانية أهم الحصون التي يختبئون فيها، وتضعهم في موضع حرج.
الرواية تتحدث عن شخصية حقيقية "الفتوة محمد الشغرجوي" الذي عمل على انتزاع حقوق الناس من الأغوات وأعادتها لهم، فقد كان يقوم بدور الصعاليك في العصر الجاهلي، يأخذ مال الأغنياء ويوزعه على الفقراء، حتى أنه كان ملجأ المظلومين، الذين يبدون ما وقع عليهم من ظلم، ليقوم بإحقاق العدالة لهم، والقصاص من أولئك الأغوات، وبما أن الطبقة المتأذية من "الفتوة الشغرجوي" تمثل الأقطاع ورجال النظام الذي تعتمد عليه الدولة، فقد كان هناك حالة حرب ومطاردة بين الفريقين.
إذن "الفتوة محمد الشغرجوي" مطارد (فرارية) من الدولة ورجال النظام، ووقع بينهم أكثر من واقعة، كان الحسم فيها لصاحب الحق، الفرارية، وقد اعطته التجارب صورة عن العثمانية، والتي جاءت من خلال عبارات تذم العثماني، والمقصود بعثماني الدولة/نظام الحكم/رجال النظام بصرف النظر عن مواقعهم ومكانتهم، "لا يمكن الوثوق بالعثماني" ص13 و15، "لا يمكن أن يكون العثماني صادقا" ص16، "لا تثق بالعثماني، العثماني سافل، العثماني ظالم" 19، "لا تثق بالعثماني حتى لو كان أبوك" 116، "كان العثمانيون كدوامة العشب وظلم فوق الناس" ص152، هذه النعوت تؤكد على أن الدولة العثمانية لم يكن مرضي عنها من قبل الاتراك أنفسهم، فما بالنا نحن في المنطقة العربية، ولماذا ينعتنا بعضهم بأننا (خنا الدولة والخلافة)؟، فالأتراك انفسهم ثاروا على نهج الدولة وظلمها، فلماذا نطالب نحن العرب بالإخلاص لها، والبقاء ساكتين/ثابتين/راضين بالظلم والظلام؟.
أخلاق الفتوة محمد التشغرجوي
البطل يمتاز بصفات استثنائية، تميزه عن غيرة من الناس، وهي احد عناصر جذب الجمهور، الذي يجد في أخلاق القائد مبعث أمل ومثل على العطاء والإخلاص، فهو قادر على أن يحافظ على ربطة جائش رغم اتقاد الغريزة/العاطفة، فقد أحب أحدى الفتيات وطلب يدها من والدها ورفض، ورغم هذا الموقف إلا أن "التشغرجوي": "..لن يأخذ الفتاة دون رضاه، حتى لو مات عشقا، التشغرجوي رجل مخلص لمبادئه، وأول ما بادئه هو عدم المساس بالعرض، والنظر إلى امرأة أحد أو ابنته بسوء، وقد أطلق النار على أغلب رجاله الذين أبدوا أي تصرف سيء إزاء النساء" ص109، وهذا ما جعل الناس تلتف حوله وتؤيده وتحميه.
ولم تقتصر أخلاقه على هذا الأمر فحسب، بل تعدها إلى تعامله مع أعداءه، جنود النظام: "كان التشغرجوي لا يطلق النار على الجنود في الواجهات، وعندما كان يجز الضباط كما يجز العشب، لا يمس الجنود بأذى" ص142، فالرجل كان يحسن التعامل حتى مع أعداءه، لهذا هو لم يكن قاطع طريق أو لص، بل ثائر على النظام الظالم، ولم يكن قاتل، لهذا كان رحيما حتى مع مطارديه.
الفتوة القاضي
أخلاقة "التشغرجوي" جعلت منه قاضيا وملجأ للمظلومين، يأتون إليه للبت في قضاياهم: "الناس لا يدعون الفتوة الذي لا يريد التدخل بأي شيء براحته، المشتكون يتدفقون إلى بابه كل يوم دون استثناء، الأغا الفلاني أخذ حقي، فلا لا يزوجني ابنته لأني فقير، الدرك فعلوا معي كذا، أنا رجل فقير يا فتة، فلا قتل ابني الوحيد دون أي سبب. أنا امرأة يافتوة، ابني ذهب إلى اليمن ولم يعد، أخذ آغا القرية خليل الأقرع حقنا من يدنا، بقينا مع كنتي وأحفادي جياعا وعراه في الوسط، ذهبنا إلى الحكومة يا فتوة، لدى خليل الأقرع نفوذ، يدفع الرشوة...مع الزمن حل التشغرجوي محل المحاكم العثمانيين" ص82و83، إذن حجم الظلم هو الذي دفع الناس ليلجؤوا إلى الفتوة، كما أن سمعته الطيبة وأخلاقه الحميدة جعلت منه ميزان للعادلة.
أعمال التشغرجوي
هناك أعمال جعلت من الفتوة رجل محبوب من قبل الناس، فقد كان رجل (اشتراكي) يوزع الثروة بالتساوي بين الناس، فبعد أن أخذ الأموال من المصطفى آغا، وزعها على الناس بهذا الشكل: "للبنات بداية. لكل واحدة عشر ذهبيات... هذا من أجل جهازكن يا بنات
...خلال خمسة أو ستة أيام تجولوا على اثنتي عشرة قرية، جهزوا الفتيات، ودفعوا المئكالات للشباب، وثمن الدواء للمرضى، وثمن الخبز للفقراء" ص55و57، عندما يكون النظام برمته فاسد ومنحاز للمتنفذين، كان لا بد من وجود شخص من "التشغرجوي" يعمل على إزالة الظلم وإقامة العدالة في المجتمع، فالناس الضعفاء البسطاء وجودوا فيه المنقذ والمخلص من جور الدولة ورجالها.
التشغرجوي والناس
من هنا نشأت علاقة وطيدة بينه وبين الناس، فكانوا يأونه وقت المطاردة والحصار: "يبحث سعيد باشا عن مآويه. ينظر فلا يجد آغا أو عاملا مياميا، أو قرويا أو بدويا إلا وهو مأوي للتشغرجوي، الجميع يؤوونه، وهكذا غدا من غير الممكن تمييز المأوي الأساسي. مع تعرض الناس للضرب يتحولون إلى مناهضين للدولة" ص120، فالدولة الفاسدة تريد أن يؤازرها الناس، لكنهم يقفوا مع مصالحهم، مع من يدافع عنهم، ويحقق مطالبهم، لهذا كان "التشغرجوي محاط بالجماهير التي تدفع ثمن موقفها، بحمايته من المطاردين، وبعدم الكشف من مكانه.
ولم تتوقف العلاقة بين التشغرجوي والناس عند هذا الحد، لقد تجاوز المائل المادية إلى النواحي النفسية: "صار التشغرجوي مصر فرح، أدمع العيون، هذا يعني أن التشغرجوي ضروري جدا للناس" ص187، من هنا كان من الصعب جدا القضاء عليه، وكان لا بد من وجود جواسيس يعملون على أنهم من العامة، ليستطيعوا أن يعرفوا مكانه وتحركاته، يقول مطارد التشغرجوي رشيدو باشا وقاتله: "...أن الفتوات لم يكنوا هكذا وحدهم، الشعب. وجزء من الوجهاء، مع هؤلاء الفتوات، ... يشون لهم، ويؤوونهم" ص208.
أثر التشغرجوي اجتماعيا
لهذا كان "التشغرجوي" علم شعبي، اعطاه الناس صفات خارقة، صفات القديسين والأولياء: "فقد انتشر خبر أنه يصلي، وأنه ولي من أولياء الله، وأن الرصاص لا يؤثر فيه، بعد ذلك، انتشر خبر إحراقه تسعة أرناؤوطيين أحياء للممارستهم الفتوة باسم التشغرجوي مما نشر الذعر في كل الجهات" ص58، هذا في حياته، وبعد موته يقول عنده قاتله، رشيدو باشا: "قبر التشغرجوي خارج نازللي على الطريق، ومنذ ذلك اليوم يزور القريون القبر باعتباره مقام ولي.
..وحتى بعد سنوات طويلة جدا، فإن القرويين الذين يمرون من ذلك الطريق، وقبلوصولهم إلى القبر بنصف ساعة، يصرخون ملء أفواههم: أيها الفتوة التشغرجوي! أيها الفتوة التشغرجوي! أفسح لنا كي نمر، لسنا غرباء" ص248، بهذه الفقرة يتم ختم الرواية، والتي تؤكد على بقاء "التشغرجوي" حاضرا في ذاكرة المجتمع، ومؤثرا في ثقافتهم، فقد حولوه إلى ولي، إلى قديس، فبقى حيا بينهم، بينما قتلته لا يذكرون إلا بالسوء.
الرواية من منشورات مدى للنشر والتوزيع، دمشق، سورية.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف