الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

خبزٌ حافّ بقلم محمود فودة

تاريخ النشر : 2020-08-08
خبزٌ حافّ بقلم محمود فودة
بضعة أفواه جائعة تنتظرني هناك...، لم يسعفني الوقت لأتناول الطعام بعد يوم دراسي مرهق، نظرات أبي المتعجلة سهام تلاحقني، أتلكأ وأدور بين حجرات البيت، طاردني بنداءاته حين استبطأني، كبس عليّ بجسده، ودهمني بحميّته المعتادة، يحمل في يمينه رغيفين ملفوفين من الخبز الفلاحي الطري، و يده الأخرى تعلو وتهبط في حده يلقي علي شريطا من التكليفات: اكنس الزريبة قبل ما تدخل البهايم على الطاولة، ارو أرض البرسيم، كسّر عيدان الذرة في طاولة العلف، عيناي تعلوان وتهبطان مع حركة يده السريعة، تقطر ملامح وجهه جدا... حِش جسر المروى الجانبية، ألهبت أوامره الصارمة ظهري الغض، لمعت الدموع في عيني وقلت في نفسي: كفاية... الرحمة حلوة، انخفض صوته قليلا : تعود ومعك حزمة برسيم للبط والفراخ ساعة أن تسمع آذان المغرب.
انسللت مسرعا قبل أن يتذكر شيئا فيزيدني تكليفا جديدا، علت شفتي ابتسامة، ضممت قبضة يدي و لكمت بها الهواء بقوة أفرغت ما بداخلي من غضب مكتوم، شعرت بأنني شفيت غليلي حين أخفيت عنه من أمور الغيط، فردت الرغيفين، معترضا صحت وأنا أتوارى: خبز حاف! ردت أمي التي كانت تجلس متوارية في ظل جدار البيت تغربل القمح: الخبز الحاف يربي الأكتاف، قفزت على ظهر الحمار ودفعته ناحية الغيط،تربعت علي برذعته، حمارنا يحفظ الطريق جيدا، خمس دقائق بتوقيت حمارنا حتى أصل إلى الغيط، خمس دقائق انفصلت فيها عن عالم الواقع، لم يبق مني إلا عينان معلقتان بالأرض تتابع الشريط الترابي وهو يسير عكس اتجاهنا وأذنان مشوشتان بأصوات متداخلة، عشت حكته من قماش خيالاتي، غبطت أترابي الذين يلعبون (البليّ) أو يستحمون في مياه الترعة الضحلة... توقف الحمار، فأدركت أننا في الغيط، غفوت للحظات كأني في حلم طويل، مرقت كلمات محبوسة حانقة من سهم لساني صارخا، أليس لهذا الشقاء من نهاية؟ لا أدرى لماذا انتفض الحمار وقفز في الهواء، ربما رأى قطا يطارد فأرا خرج من كومة قش بالجرن، نهضت من الأرض وأنا ألملم شتات نفسي و أجمع الرغيفين وأنفضهما من التراب، لففت حبل الحمار حول الوتد بكسل، أفكر من أين أبدأ، جلست على جسر المروى تحت الكافورة العتيقة، قضمت لقمة من الرغيف، لُكتها في فمي، قطعت أخرى و ألقيتها في المروى، أحلم بكوب شاي يساعدني على بلع الخبز، ألوك أحلامي مع القضمة الثانية و الثالثة، ألقيت مزيدا من فتات الخبز، تمنيت لو تخرج لي سمكة كبيرة من تحت جذوع الكافورة الخاوية فأنتزع خاتم سليمان من فمها... ضحلت مياه المروي بفعل الجفاف واقتراب موسم حصاد الأرز الذي تتدلى سنابله الذهبية تحت بساط أخضر نضيد تنظر يد حاصدها بعد أيام، ريثما تيبس الأرض وتتحمل عجلات (الكومباين)، مياه المروى عكرة، تتصارع الأسماك علي فتات الخبز وتتسارع الفكرة في دائرة عقلي... سال لعابي... تأكدت من قوة السد الذي صنعته بالقناة، تبينت الطريق من بدايته إلى نهايته، لم ألمح ظل أبي لكن روحه تهفو بالمكان، نضحت الماء إلى الناحية الأخرى من السد، ارتفع، الماء المتراكم أمامه، ازدادضغط الماء على جسده الطيني، قلقي وخوفي جعلاني لا أقدر حجم الماء جيدا دعمت السد بمزيد من الطين، أخشى أن تحل الكارثة، مر الوقت سريعا، لا آبه لخوار الأبقار المزعج ، بقدر ما أخشى أن ينشق الطريق عن أبي، اطمأننت حينما بدأ قاع المروي ينكشف أمامي، انشغلت بالنضحات الأخيرة قبل حصد الصيد الكبير، شعرت بشيء ما يحجب ظل الشمس الذي يلفح قفاي وظهري، رفعت رأسي لأضع الدلو على حافة القناة، تجمدت في مكاني... نعم هو فوق رأسي، يحدجني بنظرات ساخطة... بتعمل أيه يا ابن ال... جوّعت البهايم، بينما استدار يبحث عن عصا أو حجر، ألقيت الدلو عند قدميه وأفلتُ من علقة ساخنة ... جُلت في الغيط أنجز ما كلفني به على عجل، راقبته جيدا، حرصت ألا أقترب منه أو يقترب مني، أنهيت ما أملي عليّ، فصرت في مأمن من بطشه، عدت إلى الصيد فوجدت السد قد انهار، قبيل المغرب شد أبي كرسيه الصغير وجلس تحت البقرة يحلبها، كنت وجلا وأنا أناوله إناء اللبن، رشقني بنظرات متفرقة معجونة بماء اللوم، تمتم بكلمات تعودت عليها حينما ينقص اللبن عن قدره المعلوم، انتهي يوم من الشقاء اللذيذ مع صوت تواشيح المغرب القادم من بعيد عبر مئذنة مسجد القرية.
تحلقنا بعد المغرب حول صينية الطعام، فتت أبي الخبز، ووضع عليه ما تبقي من أرز الغداء، سكب عليه اللبن المغلي وقلب ما في الإناء، تبدلت قسمات وجهه، أمسى يقطر رضا وحبا، اشتجرت الملاعق في معزوفة جميلة في قعر الوعاء وعلى ثنايا الأسنان ... قلت مازحا ( مش كان فاتنا بناكل سمك الوقت) رد أبي مبتسما يا ابني هو أنا بنفخ في قربة مخرومة، البهايم عندي أهم من أي حاجة؛ هي اللي بتأكلنا وبتعلمكم وبتصرف عليكم...
في صباح اليوم التالي جلست في فصلي الذي يبدو كسجن عتيق، لكنني أجد الأنس بين جدرانه القاتمة الباردة، أومن أنه طريق الخلاص من الشقاء، لمحت أبي من بين القضبان الحديدية لشباك الفصل، اعتراني قلق كبير، أجاء ليأخذني معه لأساعده في طارئ؟، هل استدعاه مدير المدرسة؟ أأتى ليسأل المعلمين عن مستوانا الدراسي، بكيت خجلا حين سمعته من خلف شباك فصلي يقول لمعلمي: أنا على أستعداد أن أبيع بهائمي بل أبيع ملابسي حتى أعلم أولادي.
٢٠٢٠/٨/٣
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف