الأخبار
قطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّاتإعلام الاحتلال: نتنياهو أرجأ موعداً كان محدداً لاجتياح رفحإصابة مطار عسكري إسرائيلي بالهجوم الصاروخي الإيراني
2024/4/18
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

تعدد الأصوات في قصيدة "القبلة الأخيرة" محمد شريم بقلم:رائد الحواري

تاريخ النشر : 2020-08-05
تعدد الأصوات في قصيدة
"القبلة الأخيرة"
محمد شريم
أن تأتي قصة بصيغة شعرية، فهذا ابداع متعدد الأوجه، حيث أن فنية القصة تستوقف المتلقي بجمالها وطريقة تقديمها، وأيضا لوجود مجموعة أصوات في القصة/القصيدة، إضافة إلى الألفاظ المجردة التي تخدم مضمون القصة/القصيدة، وإذا علمنا أن فكرة القصيدة تتحدث عن الأم، فإن هذا يعد عامل جذب إضافي للقارئ.
يفتتح الشاعر القصيدة بصوته هو، صوت القاص:
"زَفَرَ الشَّقِيُّ بِساعَةِ البَأْساءِ
والعَينُ تَذْرِفُ دَمْعَها بِسَخاءِ
وَمَضَى يُسَائِلُ نَفْسَهُ بِمَلامَةٍ
والجِسْمُ في عَدْوَى مِنَ الخُلَطاءِ:"
الفعل الماضي "زفر" يشير إلى أن القصة حدثت وانتهت، وهذا الماضي ينسجم مع طبيعة سرد القصص، بمعنى أنها حدثت وانتهت، وما قصها إلا تأكيدا على الحكمة التي فيها وعلى المتعة التي تحدثها في المتلقي، ولكن دائما الفعل الماضي لا يستهوي القارئ، فهو يشعر بعدم (أهميته) فهو من الماضي، لهذا كان لا بد من جذب القارئ للقصة/للقصيدة، فكان الفعل المضارع/الحاضر هو البديل، لهذا جاء استخدام "تذرف، ومضى، يسائل" فبدت وكأن الأحداث تجرى الأن أمامنا، وهذا اعطا القصيدة/القصة حياة جديدة.
بعد هذه المقدمة، ينسحب الشاعر ويتقدم (بطل) القصة ليحدثنا بصوته هو عما أصابه:


"مَا كانَ أَجْدَرَنِيْ بِأَخْذِ نَصِيْحَةٍ
كَمْ رَدَّدَتْها أَلْسُنُ الخُبَراءِ!"
حالة الندم نجدها في لفظ "رددتها" فجاء تكرار حرف الدال وتتابعه وكأنها دوي، فالقاص يوصل لنا ندمه ووجعه من خلال الألفاظ المجردة، وهذا يشير إلى أنه يتحدث من داخله، من معناته، وليس من خلال تقمص أدوار/شخصيات.
ونجد تكامل الألفاظ في هذا البيت:
"مُتَسَلِّلَيْنِ بِثَغْرَةٍ مَفْتُوحَةٍ
كَمْ غَلَّقَتْها آلَةُ الأَعْداءِ!"
تكرار وتلاصق حرف اللام في "متسللين" يخدم الفكرة، زمالة السيء ورفاقته، وبما أن لفظ "متسلل" يشير إلى حالة غير سوية، إلى فعل غير (عادي/طبيعي) فقد اتبعها بلفاظ "بثغرة، وهذا الانسجام بين "متسللين وثغرة" يخدم فكرة سوء الفعل.
وإذا ما توقفنا عند البيت سنجد أن هناك مجموع ألفاظ متكاملة، تتآلف لتخدم فكرة التسلل: "بتغرة، مفتوحة، اغلقتها" فهذه الألفاظ بشكلها المجرد توصل فكرة الفعل غير السوي "التسلل".
والشاعر يشير إلى حالة الانسجام مع هذا الرفيق من خلال قوله:

"فَإِذا رَجَعْتُ مَعَ الصَّبَاحِ لِثَغْرَتي
يَمْضِي مَعِي مُتَغَلْغِلاً بِدِمائِي"
افعال "رجعت، يمضي" يخدمان فكرة استمرار التلاقي بينهما، كما أن فتكرار حرفي الغين واللام في لفظ "متغلغلا" يشيران إلى حالة التلازم والتوحد بين القاص ورفيقه السيء، ولكن أيضا نجد (ندم) من الشاعر على صحبة هذا الرفيق، من خلال حديثه المنفصل عن نفسه "رجعت" وعن صديق "يمضي" فبدا هذا الفصل ـ السير بتجاهين متعاكسين ـ يخدم فكرة الندم التي يبدها القاص.

إذا كان الفظ "رددتها" المجرد يشير إلى حالة الندم، فأن القاص في هذا البيت يؤكد على ندمه:
"فَتَسَلَّلَ الضَّيْفُ الكَرِيْهُ بِدائِهِ
فِيْ خِفْيَةٍ لِيَبِيْتَ فِيْ أَعْضائي"
وجود ألفاظ "الكريه، بدائه، خفية" والتي تنتهي بحرفي لهاء أو بالتاء المربطة، واللذان يلفظا قريبا من (آه) اشارة أخرى من القاص على الندم والألم الذي يحمله.
يقدمنا القاص أكثر من حالة الندم التي يحملها من خلال:
"وَتَعَالَتِ الحُمَّى ، فَصِرْتُ كَشُعْلَةٍ
وَقَّادَةٍ جَلَّتْ عَنِ الإِطْفاءِ
الصَّدْرُ يُطْبِقُ مِنْ دُخَان حَرِيْقِها
وَلَهِيْبُها يَنْسَابُ فِيْ أَحْشائِي"
هناك مجموعة ألفاظ (حارة) تخدم فكرة النار/الحريق: "تعالت، الحمى، كشعلة، وقادة، الإطفاء، دخان، حريقها، لهيبها" فهذه الألفاظ بمعناها المجرد تخدم فكرة (الحرقة) على ما كان، على ما أقدم عليه القاص من صحبة، ويؤكد على صدق ندمه من خلال استخدامه "الصدر، أحشائي"، وبهذا يكون شديد الندم.

أن ابتعاد الشاعر عن القص وانزوائه، وتقديم (القاص) ليحدثنا بصوته، يشير إلى أن الشاعر ـ في العقل الباطن ـ أراد ان تكون القصيدة/القصة محكمة، مقنعة للمتلقي، فلو أن الحديث عن الوجع جاء بصوت الشاعر (الخارجي) وليس بصوت (أنا) المتكلم، لبدا ضعيفا وباهتا، لكن عندما جاء بصوت أنا المتكلم كان مقنعا وحاميا، وهذا ما وجدناه في الألفاظ المجردة والحروف التي استخدمها (القاص السارد) وليس الشاعر الكاتب.
بعد حديث القاص عن ألمه يتقدم الشاعر من جديد ليحدثنا بصوته عن مجريات الأحداث والشخصيات:
"يَمْشِيْ عَلَى حَذَرٍ ، يُوازِنُ خَطْوَهُ ،
يَخْشَى السُّقُوْطَ بِحُفْرَةِ اللَّأْواءِ
كَالبَهْلَوانِ عَلَى الحِبَالِ إِذا مَشَى
يَبْقَى يُحَاذِرُ خَطْوَةَ الإِرْداءِ!"
ما كان للقاص أن يستخدم تشبيهات "كالبهلوان" لأنه كان منسجم مع قص، حالة الندم التي يبديها، وبما أنه كان يتحدث بألم ووجع، لم يكن متاح له استخدام التشبيهات، فهاجسه إيصال الفكرة، فحديثه الذي يحمل الألم والوجع، والذي ركز على المعاناة التي يمر بها، ابقاه (أسير) لنهج الفكرة وما يتعلق بها، بينما الشاعر الذي يتحدث عن حدث خارجي، سيكون أقل اندماجا مع الأحداث والشخصيات، وهذا عطاه شيئا من (الحيادية) ليسرد القصة بصفته (شاعرا)، من هنا نجده يسهب في الوصف والتشبيه.
وإذا ما توقفنا عند البيتين سنجدهما يتلاقيان في أكثر من لفظ: "يمشي/مشى، حذر/يحاذر، خطوة/خطوة، يوازي/يبقى" وهذا يؤكد على تباين لغة القص التي جاءت على لسان أنا المتكلم/القاص، عن لغة أنا الشاعر، فهنا أخذت اللغة تميل نحو (المد والإطالة والتشبيه)، وهذا التباين في اللغة القصيدة/القصة ينم على قدرة الشاعر على استخدام أكثر من لغة، وعلى أنه منسجم ومتوحد مع نصه/قصيدته/قصته.
إذن هناك أكثر من صيغة خطاب في القصيدة، فقبل أن يدخل الشاعر علينا بلغته الشعرية ويحدثنا، رأينا أن (القاص) تحدث بألم وحرارة لكن لغة الشاعر تميل إلى الوصف والتشبيه، تستمر القصيدة على هاذين المسارين، مسار يأتي بصوت الشاعر، وآخر يأتي بصوت القاص:
"مِثْلَ الَّذي جَرَعَ الشَّرابَ مُسَمَّماً
لَمَّا أَتاهُ بِكَأْسِهِ اللأْلاءِ!
وَكَسَرْتُ مِنْ حُمْقِيْ تَجَمُّعَ أُسْرَتي
فَتَنَاثَرَ الأَحْبابُ مِثْلَ هَبَاءِ"
فالأول بالتأكيد صوت الشاعر والثاني صوت القاص، وهذا التمييز بين الأصوات لا يقتصر على هو المتكلم الخارجي، أو أنا، بل من خلال الألفاظ المجردة، والحميمية التي تحملها، ففي البيت الثاني نجد أكثر من لفظ مرتبط بفعل "كسرت": "فتناثر، هباء" وتناقض بين فعل "كسرت/ تجمع" يشير إلى وجود ترابط الحدث، كل هذا يجعل لغة أنا القاص تتميز عن لغة الشاعر الخارجي.


الام
لفظ الأم جاء بصيغة الألم والوجع وليس بصيغة محايدة:
"أُمَّاهُ دُونَكِ نِصفَ عُمْري .. كُلَّهُ!
وَلْتَبْرحي المَشْفَى بِخَيْرِ شِفَاءِ"
لفظ "أماه" يحمل بين ثناياه الألم والوجع، فحرف الهاء الذي يلفظ "آه" يحمل هذا الألم، فهنا كانت المتكلم هو القاص، وليس الشاعر، فلغة الشاعر/هو الخارجي تتباين عن لغة أننا/القاص:
" فَأَجَابَهُمْ: هَلْ حَانَ وَقْتُ مُصِيْبَتي
وَبِها انْضَمَمْتُ لِزُمْرَةِ التُّعَساءِ

وَفَقَدْتُ أُمَّيَ بَعْدَ سُوْءِ تَصَرُّفي
لِأَعِيْشَ في كَمَدٍ بِغَيْرِ عَزاءِ؟!"
فالشاعر استخدم لفظ أمي، وليس أماه، علما بأن الحديث متعلق برحيلها، "وفقدت"، بينما في صيغة القاص كان متعلق بأمل الشفاء، بمعنى أن حميمية اللفظ "أماه" كان من المفترض أن تأتي عند الفقدان وليس عن الأمل بالشفاء،.
وإذا ما قارنا صيغة أنا المتكلم في المقطع الأول وصيغة (تقمص) دور الأنا في المقطع الثاني، يمكننا التمييز بينهما، فالأولى "أماه، دونك نصف عمر.. كله" جاءت بحميمية وخارج من داخل القاص، أما الثانية: "وفقدت أمي" والتي جاءت على لسان القاص من خلال الشاعر، بدت ضعيفة وغير حارة كما في المقطع الأول، لهذا كانت أضعف وأقل اقناعا للمتلقي، لكنها تخدم فكرة التمييز بين صوت القاص والشاعر، فكرة أن هناك أكثر من صوت في القصة/القصيدة.

القصيدة منشورة على صحيفة الوسيط المغربي، وعلى صفحة الشاعر.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف