الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

آيا صوفيا وأزمة التحول بقلم:عادل بن مليح الأنصاري

تاريخ النشر : 2020-07-27
آيا صوفيا وأزمة التحول  بقلم:عادل بن مليح الأنصاري
آيا صوفيا وأزمة التحول

(عادل بن مليح الأنصاري)

آيا صوفيا , هل هو كنيسة , أم متحف , أم مسجد ؟

في البدء بُنيت الكاتدرائية المسيحية في بين عامي 532 و 537م ، في عهد الإمبراطور الروماني جستينيان الأول ، وأعتبر المبنى وقتها جوهرة العمارة البيزنطية , بل وغيرت تاريخ العمارة الإنسانية , وأنها أعظم الكنائس المسيحية , وكذلك تُعتبر رمزا ثقافيا ومعماريا للحضارة البيزنطية والحضارة المسيحية الأرثوذكسية , تقع على الضفة الأوربية من مدينة إسطنبول أو ما كانت تعرف بالقسطنطينية , وقد استعملت كاتدرائية لبطريركية مسيحية أرثوذكسية , وكاتدرائية روما نية كاثوليكية , وعندما فتح المسلمون القسطنطينية تحت راية العثمانيين عام 1453 بقيادة السلطان الفاتح محمد الثاني , حُولت الكاتدرائية إلى مسجد , وفي العام 1935حُول المسجد إلى متحف , وهذا العام (2020) أُعلن عن إعادته كمسجد من قبل الرئيس التركي أردوغان .
ولكن هذه الخطوة لم تمر مرور الكرام , فهذا المتحف أو الكاتدرائية أو المسجد , ليس كغيره من الآثار الدينية في أي مكان , فقد تعرضت الخطوة لانتقادات واسعة وشديدة من اليونان وروسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليونسكو ورؤساء الطوائف المسيحيَّة مثل بطريرك القسطنطينية المسكوني وبطريرك الكنيسة الروسية الأرثوذكسية وغيرهم , وقال البطريرك برثلماوس الأول ، وهو الزعيم الروحي لنحو 300 مليون مسيحي أرثوذكسي في العالم : "تحويل آيا صوفيا إلى مسجد سيثير غضب ملايين المسيحيين حول العالم" وسيتسبب في "شرخ" بين الشرق والغرب .
وحتى من الناحية الاقتصادية فقد كان آيا صوفيا مزارا لأكثر من 3ملايين زائر سنويا , وهذا يعني دخول العلمانيين وأباطرة السياحة الأتراك ضمن معسكر الرفض , فما هي المخاطر التي يواجهها أردوغان من وراء هذه الخطوة الجريئة ؟
يقال أن اردوغان ومنذ وقت طويل تحدث عن حلمه بتحويل آيا صوفيا لمسجد لأستاذه نجم الدين أربيكان , واليوم وبعد أن حقق حلمه هذا هل سيستمر في استمراره على ارض الواقع , أم أن العواصف الهوجاء التي يجابهها ستقتلع ذلك الحلم ؟
من المعروف أن أردوغان جلب على نفسه المتاعب من كل شبر في هذا العالم , فبعض العرب يرونه كقائد مهووس بقيادة العالم الإسلامي , مما يعني خلق ملاذ آمن للمتعصبين دينيا والخارجين على حكامهم مما يعرفون (بأصحاب الفكر الإسلامي الإرهابي) , والأوربيين والروس وغيرهم يشاطرونهم تلك المخاوف , تركيا من الدول المتاخمة للحدود الأوربية , وكذلك من الدول الصاعدة بقوة في شتى المجالات , وتعتبر السند الأول لمسلمي أوربا القريبين منها , فأردوغان خسر الكثير من العرب خاصة بعد تدخله في ليبيا وسوريا , وانتقاده لكثير من الأنظمة العربية , وخسر الأوربيين بمحاولته اسلمة تركيا وبعث الروح الإسلامية في (الرجل المريض) الذي دوخ أوربا لعقود , تركيا حاولت عام 1987 للانضمام إلى الاتحاد الأوربي بصفتها دولة عضو , وبدأت بالانضمام إلى الجماعة الاقتصادية الأوربية , وقدمت طلبا رسميا بذلك , وكانت من أول الدول التي انضمت بعد الدول العشر المؤسِسة , ثم أصبحت تركيا في عام 1992 عضوا منتسبا إلى اتحاد أوربا الغربية وبقيت فيه حتى عام 2011 , وبدأت المفاوضات على حصولها على العضوية الكاملة في الاتحاد الأوربي في 3 اكتوبر 2005 , وبعد بطء شديد في الإجراءات توقفت المفاوضات عام 2016 فقد اتهم الاتحاد الأوربي تركيا بانتهاك حقوق الإنسان , وكذلك قصور سيادة القانون في البلاد , في 26 يونيو عام 2018، صرح مجلس الشؤون العامة في الاتحاد الأوروبي بأن «المجلسَ يلاحظ تحرك تركيا بعيدًا عن الاتحاد الأوروبي. ومن ثم فإن مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي قد وصلت إلى طريق مسدود , ومن الملاحظ أن تركيا من حيث عدد السكان تأتي الثانية في أوربا بعد ألمانيا , مما يعطيها الحق في وجود أكبر عدد من الممثلين داخل البرلمان الأوربي , وستكون من الأعضاء الفاعلين فيه في حال انضمامها للاتحاد , ومن هنا تكمن خطورة قبول عضويتها في الاتحاد الأوربي , حيث ستنتقل مشاكلها (الإسلامية) وكذلك مشاكلها مع العديد من الأنظمة العربية القوية والمؤثرة عالميا إلى داخل البرلمان الأوربي , كما أن تحول تركيا الواضح نحو التيار الإسلامي مع ما يلاحظ من انتشار للإسلام في أوربا ذاتها , قد يمنحها نوع من القيادة الروحية لملايين الأوربيين ثم بقية أنحاء العالم كافة , هذا بالإضافة إلى أن انضمامها للاتحاد الأوربي يعني تدفق المهاجرين الأتراك وما تمثله العمالة التركية من رخص في الأيدي العاملة الماهرة من خلق نوع من التحدي أمام أبناء القارة الأوربية الآخرين , وكذلك تدفق السلع التركية الرخيصة وربما القليلة الجودة بالنسبة للأوربيين .

تركيا اليوم وكأنها جعلت من آيا صوفيا حصان طروادة الذي يخبئ مخاوف الكثيرين , فليس المشكلة في كنيسة تحولت لجامع أو متحف تحول لجامع كما يصرخ الجميع شرقا وغربا , فهناك الكثير من الجوامع تحولت لكنائس وربما بارات وأماكن دعارة وأيضا حضائر للحيوانات , وبعض الكنائس ربما تحولت لمساجد , وكلها مرت دون ضوضاء , ولكن آيا صوفيا هي المفجر الذي وجد الكثيرين فيه فرصة للتخلص من الرئيس التركي الذي يريد أن يحاول أن يغير التاريخ , فلا الأوربيين يريدون عضوا قائدا لعقيدة ناصبوها العداء قرونا , بل وهزمتهم شر هزيمة , ومحت من الوجود إمبراطورياتهم , بل وربما ستنطوي تحت لوائه كل مسلمي أوربا ويعتبرون تركيا القائد الروحي لهم , ولا بعض القيادات العربية القوية والمؤثرة تريد لتركيا من تزعم الروح الإسلامية في العالم , وتمنحهم أرضا آمنة لينطلقوا منها في الإنكار على دولهم ما يرونه تهاونا في العقيدة .

لن تنتهي هذه الهجمة الممنهجة والشرسة على أردوغان حتى يحدث أمر من اثنين , إما سقوطه تحت سلطة العلمانيين الذين تتفق رؤاهم مع الغرب والشرق , أو ينتصر أردوغان في حروبه المختلفة والمشتعلة عسكريا واقتصاديا ودينيا وسياسيا , هذه الحرب التي تأجج لظاها بتحول آيا صوفيا , وللأسف امتدت خسائرها حتى طالت التاريخ الذي كنا نعتز به وحتى القريب من الوقت , فظهرت صفحات جديدة تسيء لتاريخ الدولة العثمانية وخلفائها الذين درسنا عنهم ما يؤجج الفخر ذات يوم , وحت بشارة المصطفى عليه الصلاة والسلام تحولت من فتح لغزو , وتحول خلفاء بني عثمان لغزاة ومجرمي حرب وحياتهم مجون ولهاث خلف الجواري , وهذا ليس دفاعا عن تركيا أو أردوغان أو حتى تاريخ الدولة العثمانية , ولكن هذا ما درسناه في كتبنا المدرسية التي وضعتها لنا وزارات التربية ذات زمن , أردوغان رجل سيمر عبر التاريخ كلمح البصر , وسيترك اثرا ربما يراه البعض سيئا ويراه البعض حسنا , ولكن التاريخ يعلمنا دروسا لن يستطيع احد من البشر تغييرها , وصفحاته مليئة بتلك القصص السيء منها والحسن , فما يحدث يُكتب ولن يُمحى .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف