
تتغير الأماكن التي يعمل بها، مساحة مكتبه، أثاثه وديكوراته، الساعي الذي يقف على باب مكتبه، نوعية الفناجين التي يشرب فيها قهوته، أهمية من يترددون عليه أو يتردد هو عليهم، ألازمه منذ كان الفقر يقاسمه فراشه، رفيقان نسير في درب واحد، مصيرنا واحد ... حفظته عن ظهر قلب، رسم لنفسه خطا لا يحيد عنه: الثروة والنفوذ...، امتلك أهم مكتب هندسي بالعاصمة، من خلال موقعه كرئيس للحي كوّن شبكة مصالح عنكبوتية ضخمة، له عيونه، ورجاله ذوو اليد الطولى رهن إشارته... زاملني بمكتبه رفيق جديد أنيق الشكل، له بريق يكاد يذهب بالأبصار... دبت الغيرة في قلبي وأدركت أنني قد نُحِّيت جانبا لا محالة، لكن الأيام أخلفت ظني وبددت هواجسي... مازال صاحبي وفيا لي و لا أدري سرا لذلك... اطمئناني إلى صاحب يتبدد، تنتابني حالة من الاكتئاب الشديد صديقي يبيع ضميره في سوق التجزئة لمن يدفع أكثر، غير مكترث بوصية: إياك والحرام، إياك ودعوة المظلوم.. اكتئابي يزيد حينما رأيت يده المرتعشة خوفا، تستحيل سيفا صارما يستحل به ما كان حراما، لم ألمح في عينيه يوما دمعة ندم، ولم أشعر منه بذرة أسف، نصحته كثيرا لكن شيطان الشهوة تمكن منه، ذكرته بأن ما يسطره اليوم سيجنيه غدا فكان يسخر مني، .. أبيت عليه فعله فنهرني، جافيته فقهرني، فكيف أفر من عالمه المدنس؟ أنى لي الخلاص من شره، كنت أجبن من أفعل... كم ملكني شعور التشفي فيه وأنا ألمح يديه ترتعشان مرضا لكنني كنت أموت كمدا وأنا أرى دماء الناس تتحول في رصيده البنكي ملايينَ وفي خزانته سبائكَ.... لم أعد أطاوعه، وخزات الضمير تؤلمني، يكتنفني حزن على حالي الر اهن وقلق على مصيرنا المجهول، لم ألتمس له عذرا لكني لم أفقد الأمل في استفاقته... الآن... بعد سنوات طويلة قبع فيها وحيدا خلف قضبان حديدية وحوائط باردة، تطارده لعنات المظلومين، زارني طيفه الواهن يتوسل إليّ أن أكتب وصيته الأخيرة، أبيت، بكيت طويلا... أكل الصدأ، غطائي وجفّ مدادي الأحمر.
٢٠٢٠/٧/٢٠
٢٠٢٠/٧/٢٠