الأخبار
2025/7/5
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

تجليات البعد الفني والجمالي في قصة "نوّار الدفلة" بقلم:محمد المحسن

تاريخ النشر : 2020-07-15
تجليات البعد الفني والجمالي في قصة "نوّار الدفلة" بقلم:محمد المحسن
تجليات البعد الفني والجمالي في قصة"نوّار الدفلة" للشاعرة والقاصة التونسية المتميزة هادية آمنة

(تقديم محمد المحسن-شاعر،وناقد تونسي)
لعلّ الحديث عن التجربة القصصية وما يتصل بها من موضوع أمرٌ ضروري للولوج إلى عالم القصة القصيرة ،إذ ما زال سؤال الإبداع هو المحرك الأساسي لكثير من التجارب الإبداعية في مجال القصة القصيرة والقالب المهم الذي تتشكّل من خلاله كثير من الأفكار.
ولما كانت القصة القصيرة في الأدب العربي نشأت لحاجة اجتماعية قبل أن تكون حاجة فنية، فإن معايشة الواقع ومعالجة قضاياه من أبرز دوافع كتابتها،إذ ما زالت-في تقديري-التغيّرات الاجتماعية والاقتصادية من أبرز المؤثرات في هذا الفن الإبداعي،وبخاصة في الفترة الأخيرة عندما ولدت القصة القصيرة جداً من رحم المتغيرات المعاصرة التي شهدها العالم في كافة مجالات الحياة.
واللوحة القصصية الجذّابة للشاعرة والقاصة التونسية المتميزة هادية آمنة تعطي صورة مشرقة عن المستوى الإبداعي الذي بلغته المرأة التونسية،بوصفها قاصة ومفكرة ومبدعة معاً، وهي تؤكد ـ في الوقت نفسه ـظهور إبداع قصصي متزايد في هذه الفترة التي شهدت سيطرة بشكل عام للفن النثري القائم على السرد والوصف معاً.
لقد رسمت القاصة/الشاعرة هادية آمنة مساراً جمالياً وفنيّاً خاصاً،يتخصّص في الإحساس وينطلق منه بعيداً الرمز والفكر الفلسفي،ممّا جعل السرد الأنثوي الذي تترجمه-هادية-ببراعة وإقتدار يمتاز بخصوصية واضحة تتشكّل من خلاله سماته ومفرداته ومضامينه،إذ تنزع إلى وصف معاناة الآخر في المجتمع وبحسّ إنساني عميق ممزوج بأنوثة المرأة وإحساسها بعيداً عن قضاياها الخاصة بل بما تشعر به المرأة من رغبة في إقامة مجتمع متماسك.
أظهرت القاصة هادية آمنة تعاملا واضحا مع اللغة يقوم على التكثيف الحاد،لتحيل إلى فضاءات خصبة من التأويل،فضلا عن طاقتها التكثيفية التي تمنح المتلقي فضاء تأمليّا واضحا كما في قصتها"نوّار الدفلة"
تمتلك-قصة نوار الدفلة-لهادية،القدرة على الحضور بالإمكانات التعبيرية والجمالية الخاصة بها،فضلا عن قدرتها على إثارة الأسئلة الثاوية في الأعماق وتشخيص محدداتها واستنطاق الخبايا والكوامن..
وإذن؟
استطاعت إذا هادية آمنة عبر قصتها القصيرة (نوّار الدفلة) أن تحقق لها جمالية تستجيب لمقوماتها الفنية والشكلية القائمة على بلاغة التكثيف والحذف والإضمار والإيحاء..وتشييد نص متبلور بألوان ماسية متعددة،بهدف تقديمها لقارئ جديد عارف بخبايا النفس ودلالات الأشياء والكائنات،قارئ يوثر قبل كل شيء الاختزال والتلميح.
ختاما أقول:
إنّ اعتماد القاصة التونسية -هادية آمنة-على إبراز فنيّة القصة فيما تسرده جعلها تتحرك في قالب فني قادر على إبراز دراما القصة القصيرة في حوارات الشحوص وحركتها المستمرة وذلك بوضوح إحساس الكاتبة بقضايا المجتمع فضلاً عن وصف المشاعر وما يعتري النفس البشرية من حالات وانفعالات مختلفة ونجاح مستمد من منطق الأحداث وحركة الشخوص ضمن ممارسة فنية قادرة على إبراز جماليات القصة القصيرة ليس بوصفها وثيقة اجتماعية أو سياسية بل بوصفها جسداً ينبض برؤى المبدع وخياله الخصب..
لنقرأ معا..الفصل السابع لقصة "نوّار الدفلة" لهادية آمنة التي أهديها باقة من التحايا،إيمانا مني بقدرتها الفائقة على الإبداع بمختلف تجلياته الخلاقة..وانتصارها الخلاّق للجمال اللغوي والأداء المجازي..
(تقديم محمد المحسن)
نوّار الدفلة , الفصل السابع
تَقَدم مُحاذرا يهْرسُ الأعشاب الصفراء اليابسة فقرقعت تحتَ نعل بوطه الأسود الذي حشر فيه جانبا من سرواله الرمادي الباهت.
انتفخت أوداجه السمراء الناتئة وبرزت عروقه وجحظت عيناه مستديرة في محجريهما. تَرْقُب سكون الظهيرة .
انزلق العوني بين أغصان الكرمة وقرفص يُدير لولب الحنفيّة العنيد ثمّ ضغط عليه بإصبعه مُغافلا فانسكبت الزخات مترددة على كفّه الممتدّة لتستقبل برودة لطيفة تُنعش متعته بسر مخبئه الظليل. بلّل رقبته المديدة فانساب الماء منزلقا على جسده المحموم الفارع النحيف في صلابة.
قرّب شفتاه من فم الصنبور مستحلبا قطراته في لذّة.
اشرأب يستطلع بعيونه المحمرة مابين فجوات خصاص النافذة الخشبيّة فمنعته العتمة لكنه استبان صوت أنين وتوجّع عقبته ضحكات متقطعة.
أهاجت الأصوات عنفوان الرغبة فيه فجمد شاخصا إلى الأغصان المتعانقة يستلهم من تشابكها الحميم الوقودَ لمرتع أحلامه النزقة.
مدّ قدمه الطويلة غير عابئ بلزاجة الطين النديّ ولا بتكسّر اليابس المنكمش منه ثمّ أرخى جفونه يستقبل ملامحهن على رفيف أصواتهنّ.
هوس انتابه فلازمه.اختلت نفسه وصارت عليلة بهنّ
آه من ذلك الجسد المرمريّ ومن تلك العيون الساحرة
تلمّظ فقد فاز بعروس أحلامه .يُمارسُ على نخبها طُقوس رغبته المكبوتة يستنزف رحيق متعته على وقع قطرات الصُنبور .
سمع حفيفا عقبته حركة طفيفة للأعشاب اليابسة فقفز مذعورا شاخصا إلى الأكمّة حينها تبيّن الجسد الرفيع لحنش صغير يروم الاندساس في مجاهل الكرمة فضغط على رأسه بكعب قدمه . حطّم عظامه لكنّ جسده الطريّ صار يتلوى ويضرب الحذاء الأسود في عنف مشوّش.
خمدت حركته كما خمدت تلك النشوة داخله فبصق عليه وقد ازداد حنقا لمّا لمح السيارة الرمادية الفلاحية تزحف نحوهم فهرول نحو المراحيض .
شَهد سي الطاهر قرب الحوض الذي صُففت على جوانبه خمسة حنفيات أصاب العطب ثلاثة منها وقد شمّر على كمّ قميصيه خالعا صندله واضعا على كتفه منشفة ورديّة.
يتوضّأ في أناة وغمغمة.. أدعية يلهج بها لسانه الذي لا يعترف إلا باللغة العربية القحّة يتكلمها في المدرسة في السوق و حتى في بيته مع زوجته وأولاده هو نائب المدير. أصيل المنطقة هو الشاهد الوحيد على فيالق المدرّسين المستجدّين في المهنة.اللذين بعد مرور سنة أو سنتين ينصرفون تاركين حقل التجارب إلى فيلق جديد تعوزه الخبرة وتؤججه فورة الشباب
حيّاه العوني في أدب ثمّ انصرف إلى المراحيض الآسنة يُنظّفها في عجلة وارباك قبل جوله المدير ...

(يتبع)

هادية آمنة
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف