لقد نجح الجميع و فشلنا نحن :
سعيد محمد الكحلوت
كاتب فلسطيني
نجحتْ التوجيهي في إدخال السرور من أوسع أبوابه و وجدنا انفسنا غارقين في فرح عابر ، اذ أن الفرح صار عزيزاً و بخيلا في هذه الرقعة التي تتناوب عليها الخُطوب تناوبَ الليل و النهار.
لكن فرحاً كهذا الذي اشتعلت السماء بالمفرقعات لأجله ، و امتلئت به صفاحتنا الفيس بوكية ، ليس إلا فرحاً فردياً ، هذا لأن أنس و ديما و محمد و مُنيف و فِراس و آية فرحوا لأنهم وحدهم أصحاب هذا الإنجاز .
حتى الطالبة صاحبة معدل 99 و أعشار لم يشاركها أحد في صناعة النجاح اذ كانت تقارع مرارة العيش بيدها المجردة إلا من العزيمة ، و تقف وحيدة تحت الأمطار اذ تغرق غرفتها المشتركة مع سكان البيت الآخرين و حاجيتهم و تحترق و اياهم صيفاً ، ولولا أنها انتصرتْ في حربها لما علمنا بهذه المعركة الفردية المباركة .
اذن سيكمل هؤلاء الناجحون مشوار الدراسة و بشكل فردي أيضاً سيخوضون معارك جديدة أبسط تلك المعارك و أقربها بعد أيام معركتهم مع الجامعات و أشباه الجامعات اذ تزين لهم تخصصات تغرق السوق الغارق أصلا بمزيد من أكوام خريجين أمثالهم استدان بعض ذويهم و باع بعضهم أثاث بيته ليدفع الأقساط الجامعية .
ثم سينضم بعد بضع سنين أبطال فرحة اليوم إلى سلسلة البطالة التي تلتف حول عنق المجتمع، فتضاعف أمراضه الموجودة من فقر و حرمان و طلاق و عنف أسري و إدمان و هجرة و تطرف في مواجهة الآخر و عمالة و ما خفي أعظم.
هذا النجاح الذي سالت له دموع الآباء قبل الأمهات يجب أن يقابل باعتراف شجاع من قبل من قرر أن يصير قطبان للسفينة و التوقف عن تكرار أن المجتمع شاشة بيضاء و أن كل شىء على ما يرام .
فنظرة عابرة للوضع العام كفيلة بأن نعلم أننا لسنا على ما يرام و أن الشاشة البيضاء لم تعد شاشة أصلا .
لكي ننجح كما نجح هؤلاء الفتية اليوم يجب أن نعترف انه قد نجح الأفراد و فشلتْ ال "نحن " .
فشلنا جميعاً في أن نعترف أن غيوم الخيبة ما زالت كبيرة و سوداء و ما زالت تمطرنا كل يوم بمزيد من الإخفاقات التي يجتر بعضها بعضا، ثم تصير سدودا منيعة في طريق التحرير و العودة و بناء الدولة ، فالعقول التي بات أكبر همها تلبية الاحتياجات الأساسية و ترواح في الدرجة الأولى من سلم الحاجات الانسانية لن تكون قادرة على التفكير لا بالقدس و لا بالعودة .
فالبتزامن مع اعلان نتائج امتحانات الثانوية العامة ، كان جهاز الاحصاء المركزي الفلسطيني يعرض ورقة عمل بمناسبة اليوم العالمي للسكان .
أذكر سريعاً هنا بعض منها : بلغ معدل كثافة السكان هنا 5,453 نسمة لكل كيلو متر مربع و هو الأعلى عالمياً ، يعاني أكثر من 52 % منهم من البطالة. في حين بلغت نسبة الآمنين غذائياً منهم فقط ٣٠% ، اذ أن 83.3 % منهم يرزحون تحت خط الفقر المدقع _ و لمن لا يعرف هذا الخط اللعين فهو 1900 شيقل لأسرة مكونة من أب و أم و ثلاث أطفال _ .
و قد تراجع متوسط الانفاق الشهري للفرد الواحد بحوالي 17% عن العام 2011 . أما المياه الصالحة للشرب الآدمي وفق معايير الجودة العالمية و التنمية المستدامة فقد حصلت على 11% .
في حين حصل جميع أبناء أصدقائي تقريباً على معدلات تجاوزت 85% .
لقد نجح الجميع و فشلنا نحن .. حظاً أوفر لنا .
سعيد محمد الكحلوت
كاتب فلسطيني
نجحتْ التوجيهي في إدخال السرور من أوسع أبوابه و وجدنا انفسنا غارقين في فرح عابر ، اذ أن الفرح صار عزيزاً و بخيلا في هذه الرقعة التي تتناوب عليها الخُطوب تناوبَ الليل و النهار.
لكن فرحاً كهذا الذي اشتعلت السماء بالمفرقعات لأجله ، و امتلئت به صفاحتنا الفيس بوكية ، ليس إلا فرحاً فردياً ، هذا لأن أنس و ديما و محمد و مُنيف و فِراس و آية فرحوا لأنهم وحدهم أصحاب هذا الإنجاز .
حتى الطالبة صاحبة معدل 99 و أعشار لم يشاركها أحد في صناعة النجاح اذ كانت تقارع مرارة العيش بيدها المجردة إلا من العزيمة ، و تقف وحيدة تحت الأمطار اذ تغرق غرفتها المشتركة مع سكان البيت الآخرين و حاجيتهم و تحترق و اياهم صيفاً ، ولولا أنها انتصرتْ في حربها لما علمنا بهذه المعركة الفردية المباركة .
اذن سيكمل هؤلاء الناجحون مشوار الدراسة و بشكل فردي أيضاً سيخوضون معارك جديدة أبسط تلك المعارك و أقربها بعد أيام معركتهم مع الجامعات و أشباه الجامعات اذ تزين لهم تخصصات تغرق السوق الغارق أصلا بمزيد من أكوام خريجين أمثالهم استدان بعض ذويهم و باع بعضهم أثاث بيته ليدفع الأقساط الجامعية .
ثم سينضم بعد بضع سنين أبطال فرحة اليوم إلى سلسلة البطالة التي تلتف حول عنق المجتمع، فتضاعف أمراضه الموجودة من فقر و حرمان و طلاق و عنف أسري و إدمان و هجرة و تطرف في مواجهة الآخر و عمالة و ما خفي أعظم.
هذا النجاح الذي سالت له دموع الآباء قبل الأمهات يجب أن يقابل باعتراف شجاع من قبل من قرر أن يصير قطبان للسفينة و التوقف عن تكرار أن المجتمع شاشة بيضاء و أن كل شىء على ما يرام .
فنظرة عابرة للوضع العام كفيلة بأن نعلم أننا لسنا على ما يرام و أن الشاشة البيضاء لم تعد شاشة أصلا .
لكي ننجح كما نجح هؤلاء الفتية اليوم يجب أن نعترف انه قد نجح الأفراد و فشلتْ ال "نحن " .
فشلنا جميعاً في أن نعترف أن غيوم الخيبة ما زالت كبيرة و سوداء و ما زالت تمطرنا كل يوم بمزيد من الإخفاقات التي يجتر بعضها بعضا، ثم تصير سدودا منيعة في طريق التحرير و العودة و بناء الدولة ، فالعقول التي بات أكبر همها تلبية الاحتياجات الأساسية و ترواح في الدرجة الأولى من سلم الحاجات الانسانية لن تكون قادرة على التفكير لا بالقدس و لا بالعودة .
فالبتزامن مع اعلان نتائج امتحانات الثانوية العامة ، كان جهاز الاحصاء المركزي الفلسطيني يعرض ورقة عمل بمناسبة اليوم العالمي للسكان .
أذكر سريعاً هنا بعض منها : بلغ معدل كثافة السكان هنا 5,453 نسمة لكل كيلو متر مربع و هو الأعلى عالمياً ، يعاني أكثر من 52 % منهم من البطالة. في حين بلغت نسبة الآمنين غذائياً منهم فقط ٣٠% ، اذ أن 83.3 % منهم يرزحون تحت خط الفقر المدقع _ و لمن لا يعرف هذا الخط اللعين فهو 1900 شيقل لأسرة مكونة من أب و أم و ثلاث أطفال _ .
و قد تراجع متوسط الانفاق الشهري للفرد الواحد بحوالي 17% عن العام 2011 . أما المياه الصالحة للشرب الآدمي وفق معايير الجودة العالمية و التنمية المستدامة فقد حصلت على 11% .
في حين حصل جميع أبناء أصدقائي تقريباً على معدلات تجاوزت 85% .
لقد نجح الجميع و فشلنا نحن .. حظاً أوفر لنا .