
سميح صباع شاعر غادرنا قبل الأوان
انت حي بشعرك أيها الشاعر !!
نبيل عودة
تحل في هذه الأيام، الذكرى السنوية لوفاة الشاعر سميح صباغ الذي رحل قبل أوانه،مخلفا وراءه تراثا شعريا أصيلا في مضمونه ، ورائعا في أصالته الفنية ، وساحرا في صياغاتهورؤيته الشعرية ، وبليغا في لغته وحلمه الانساني .
ولد الشاعر سميح صباغ ، لعائلة مستورة الحال ، في 1947 – 06 – 19 في قرية البقيعةالتي تقع في الجليل الأعلى من بلادنا فلسطين ، ذو الطبيعة الساحرة. يقول الشاعر حسينمهنا ، أقرب أصدقاء سميح : ' كان لقرية البقيعة الجليلية ، وطنه الصغير هذا ... نصيبوافر من العشق الصوفي الذي ألهمه بواكير قصائده متغنيا بعيون مائها وخضرة هضابها وعبقعبيرها ... مؤمنا ايمانا مطلقا بأن من اتسع قلبه لقريته اتسع لهذا العالم...'
على مقاعد الدراسة الثانوية تفتحت شهية سميح للأدب العربي وللشعر العربي ، وقرران يكون معلما للغة العربية التي أضحت معشوقته الأبدية، فالتحق بعد الثانوية بدار المعلمينالعرب في حيفا.
سميح صباغ لم يلفت أنظار نقاد أدبنا المحلي، فهو من ' قبيلة قليلة عددها'، ولايمت بصلة القرابة أو الصداقة أو الجيرة أو المصالح السياسية – الأدبية لأي من نقادنافي زمن حياته القصيرة والثرية بالابداع الشعري .وما عدا مراجعة أو اثنتين ، نسي سميح، واندثرت ذكراه الا من قلوب القليل القليل من محبيه شاعرا وانسانا.
كنت قد كتبت مراجعة ثقافية عن ديوان سميح صباغ الكامل الذي صدر بعد وفاته، ونشرتهفي كتابي 'الآنطلاقة' الصادر عام 2002 عن دائرة الثقافة العربية في الناصرة، وأجزمأن ديوان سميح لم يلق أي التفاتة ثقافية أخرى.
بأسى شديد أقول ان تجاهل الشاعر سميح صباغ ، هو معيار سلبي يعكس حالتنا الثقافية، حالة تردي المقاييس الثقافية، وغياب الذائقة الأدبية.
حقا لم يكتب في سنواته الأخيرة الشعر .. ربما حالته الصحية الصعبة انتصرت علىالشاعر وأصمتته. وهو الذي عاش حياته متحديا رافضا الذل، فكان منذ بداياته على وعي سياسيووطني أصيل ، كانت فترة نشوئه هي فترة سيطرة الحكم العسكري على جهاز التعليم ، وعلىكل تفاصيل حياتنا .
أفتقد اليوم هذه المصداقية الأدبيةوالانسانية التي ميزت شعر سميح صباغ، افتقد للموقف الانساني المستقيم الذي لم يترددفي دفع أغلى ثمن يملكه الانسان، ثمن لقمة العيش في سبيل المصداقية الشخصية والأدبية.
ان تجاهل هذا الشاعر الأصيل الرائع والمبدع والجريء سياسيا وثقافيا، في فترةسوداء وبالغة الصعوبة من تاريخنا السياسي والثقافي .. هو أمر مخجل لنا ثقافيا، ومخجلأكثر حين نقرأ عن مهرجانات التبجيل والتتويج لشعراء بلا لغة وبلا ثقافة وبلا أبسط رؤيةأدبية وفكرية، ولندوات شعرية بلا شعر، ولنصوص بلا معنى.
تمر الأعوام وما زال التوهج الشعريفي قصائد سميح صباغ متقدا، وأختصر كل الكلام في هذا الموقف المؤلم لاقرباء وأحباء شاديالريف (كما كان ينشر بهذا الاسم حتى لا يحرم من سلك التعليم، لكن الأمر لم يساعدهوعرف من هو شادي الريف ولم يحصل على حلم حياته ان يكون معلما للغة العربية)– ولسميحصباغ ، وللغيورين على ثقافتنا ، أقول : انت حي بشعرك أيها الشاعر !!
يروق لي أن أعطي نموذجا شعريا كاملا لشاعرنا الراحل عنا والباقي في روح ثقافتنا،قصيدة نشرها في (1967–07–06) ووقعها باسم “شادي الريف” ومنشورة في ديوانه الكامل أقرأوامعي هذه القصيدة الرائعة:
اني بغير كرامتي لن أشبعا – للشاعر سميح صباغ
نغــم يضـج بجانبــي ملوعــــــا
يحكـي شكاياتـي فيقطــر ادمعــا
ارنو الى الماضي الكئيب مفجعا
فيكاد قلبـي ان يشــق الأضلعـــا
وتهــزنــي أصــداؤه فيــذيبنـــي
نغماً على لهب الحروف موقعــا
سنتان من عمري وليس بهيـّــن
عهد الشباب يمر أقتم موجعـــــا
حبسوا القصيد ولم يزل في مهده
رياّن يدفــق بالمشاعـــر طيّعـــــا
*****
يـا لقمـة حبست نشيــدي حقبــــة
ايظـــل لحنــي خلفهـــا متقنعـــــا؟!
قـدر يعـذبنــي ويـدمـي خاطـــري..
فينز من دمــي النشيــد ملوّعـــــا
دربان في قلبي الجريح تصارعــا
فوقعت بينهما اخاف المصرعــــا..!
قـيــد الطـغــاة بأضلعــي متربــــعٌ
ونداء حرفـي لــم يــزل متوجعـــا
يــا لقمــة وقــع الفـؤاد بقيدهــــا
انـي بغيـر كرامتـي لـن أشبعــــــا
سأخـط دربــاً لي، جديـداً نيّــــراً
فـي موكـب العمـال زاهٍ مطلعـــــا
ولسوف احكي للطغاة مصيرهــــم
بقصائدي والشعب يصنع مصرعا
تمر السنوات.. وما زال التوهج الشعري في قصائد سميح صباغ متقدا، وأختصر كل الكلامفي هذا الموقف المؤلم لأقرباء وأحباء شادي الريف – سميح صباغ، وللغيورين على ثقافتنا،وأقول:
أنت حيٌّ بشعرك أيها الشاعر!!
نبيل عودة –[email protected]
انت حي بشعرك أيها الشاعر !!
نبيل عودة
تحل في هذه الأيام، الذكرى السنوية لوفاة الشاعر سميح صباغ الذي رحل قبل أوانه،مخلفا وراءه تراثا شعريا أصيلا في مضمونه ، ورائعا في أصالته الفنية ، وساحرا في صياغاتهورؤيته الشعرية ، وبليغا في لغته وحلمه الانساني .
ولد الشاعر سميح صباغ ، لعائلة مستورة الحال ، في 1947 – 06 – 19 في قرية البقيعةالتي تقع في الجليل الأعلى من بلادنا فلسطين ، ذو الطبيعة الساحرة. يقول الشاعر حسينمهنا ، أقرب أصدقاء سميح : ' كان لقرية البقيعة الجليلية ، وطنه الصغير هذا ... نصيبوافر من العشق الصوفي الذي ألهمه بواكير قصائده متغنيا بعيون مائها وخضرة هضابها وعبقعبيرها ... مؤمنا ايمانا مطلقا بأن من اتسع قلبه لقريته اتسع لهذا العالم...'
على مقاعد الدراسة الثانوية تفتحت شهية سميح للأدب العربي وللشعر العربي ، وقرران يكون معلما للغة العربية التي أضحت معشوقته الأبدية، فالتحق بعد الثانوية بدار المعلمينالعرب في حيفا.
سميح صباغ لم يلفت أنظار نقاد أدبنا المحلي، فهو من ' قبيلة قليلة عددها'، ولايمت بصلة القرابة أو الصداقة أو الجيرة أو المصالح السياسية – الأدبية لأي من نقادنافي زمن حياته القصيرة والثرية بالابداع الشعري .وما عدا مراجعة أو اثنتين ، نسي سميح، واندثرت ذكراه الا من قلوب القليل القليل من محبيه شاعرا وانسانا.
كنت قد كتبت مراجعة ثقافية عن ديوان سميح صباغ الكامل الذي صدر بعد وفاته، ونشرتهفي كتابي 'الآنطلاقة' الصادر عام 2002 عن دائرة الثقافة العربية في الناصرة، وأجزمأن ديوان سميح لم يلق أي التفاتة ثقافية أخرى.
بأسى شديد أقول ان تجاهل الشاعر سميح صباغ ، هو معيار سلبي يعكس حالتنا الثقافية، حالة تردي المقاييس الثقافية، وغياب الذائقة الأدبية.
حقا لم يكتب في سنواته الأخيرة الشعر .. ربما حالته الصحية الصعبة انتصرت علىالشاعر وأصمتته. وهو الذي عاش حياته متحديا رافضا الذل، فكان منذ بداياته على وعي سياسيووطني أصيل ، كانت فترة نشوئه هي فترة سيطرة الحكم العسكري على جهاز التعليم ، وعلىكل تفاصيل حياتنا .
أفتقد اليوم هذه المصداقية الأدبيةوالانسانية التي ميزت شعر سميح صباغ، افتقد للموقف الانساني المستقيم الذي لم يترددفي دفع أغلى ثمن يملكه الانسان، ثمن لقمة العيش في سبيل المصداقية الشخصية والأدبية.
ان تجاهل هذا الشاعر الأصيل الرائع والمبدع والجريء سياسيا وثقافيا، في فترةسوداء وبالغة الصعوبة من تاريخنا السياسي والثقافي .. هو أمر مخجل لنا ثقافيا، ومخجلأكثر حين نقرأ عن مهرجانات التبجيل والتتويج لشعراء بلا لغة وبلا ثقافة وبلا أبسط رؤيةأدبية وفكرية، ولندوات شعرية بلا شعر، ولنصوص بلا معنى.
تمر الأعوام وما زال التوهج الشعريفي قصائد سميح صباغ متقدا، وأختصر كل الكلام في هذا الموقف المؤلم لاقرباء وأحباء شاديالريف (كما كان ينشر بهذا الاسم حتى لا يحرم من سلك التعليم، لكن الأمر لم يساعدهوعرف من هو شادي الريف ولم يحصل على حلم حياته ان يكون معلما للغة العربية)– ولسميحصباغ ، وللغيورين على ثقافتنا ، أقول : انت حي بشعرك أيها الشاعر !!
يروق لي أن أعطي نموذجا شعريا كاملا لشاعرنا الراحل عنا والباقي في روح ثقافتنا،قصيدة نشرها في (1967–07–06) ووقعها باسم “شادي الريف” ومنشورة في ديوانه الكامل أقرأوامعي هذه القصيدة الرائعة:
اني بغير كرامتي لن أشبعا – للشاعر سميح صباغ
نغــم يضـج بجانبــي ملوعــــــا
يحكـي شكاياتـي فيقطــر ادمعــا
ارنو الى الماضي الكئيب مفجعا
فيكاد قلبـي ان يشــق الأضلعـــا
وتهــزنــي أصــداؤه فيــذيبنـــي
نغماً على لهب الحروف موقعــا
سنتان من عمري وليس بهيـّــن
عهد الشباب يمر أقتم موجعـــــا
حبسوا القصيد ولم يزل في مهده
رياّن يدفــق بالمشاعـــر طيّعـــــا
*****
يـا لقمـة حبست نشيــدي حقبــــة
ايظـــل لحنــي خلفهـــا متقنعـــــا؟!
قـدر يعـذبنــي ويـدمـي خاطـــري..
فينز من دمــي النشيــد ملوّعـــــا
دربان في قلبي الجريح تصارعــا
فوقعت بينهما اخاف المصرعــــا..!
قـيــد الطـغــاة بأضلعــي متربــــعٌ
ونداء حرفـي لــم يــزل متوجعـــا
يــا لقمــة وقــع الفـؤاد بقيدهــــا
انـي بغيـر كرامتـي لـن أشبعــــــا
سأخـط دربــاً لي، جديـداً نيّــــراً
فـي موكـب العمـال زاهٍ مطلعـــــا
ولسوف احكي للطغاة مصيرهــــم
بقصائدي والشعب يصنع مصرعا
تمر السنوات.. وما زال التوهج الشعري في قصائد سميح صباغ متقدا، وأختصر كل الكلامفي هذا الموقف المؤلم لأقرباء وأحباء شادي الريف – سميح صباغ، وللغيورين على ثقافتنا،وأقول:
أنت حيٌّ بشعرك أيها الشاعر!!
نبيل عودة –[email protected]