الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

دراسة لرواية خيمة مشرعة للريح للكاتب مصطفى القرنة بقلم:حياة قاصدي

تاريخ النشر : 2020-07-11
قراءة لرواية خيمة مشرعة للريح للكاتب مصطفى القرنة

المدينة الفاضلة ،حلم أفلاطون الذي سبقه ،حلم الإنسانية منذ أول عهودها ،وهو الإنسان يصارع صعوبة الحياة وقساوة الطبيعة ومسالك الأرض المستعصية وما تحويه من أسرار في سبيل الوصول إلى شمس العدالة وأنوار الحق .
أجمل الأحلام لدى البشرية هي المدينة أو القرية والقبيلة الفاضلة بما تمنحه من سلام وطمأنينة وتوفره من إمكانيات العيش الكريم ،تتفرق العصور وتختلف ، ولكل عصر أساليبه التي تميزه لكن الذي يربط بين جميع هذه الأزمنة هو جوهر واحد تشترك فيه جميع الإنسانية .....
رحلة هذه المرة مع صاحب الخيال الواسع التي يأخذنا من خلالها إلى متاهة القبيلة العربية في العصور الغابرة ،في عمق التاريخ حيث كانت العرب في الجزيرة العربية تعيش حياة البداوة في قلب الصحراء وفي جذور الطبيعة الأولى ،في عالم البيداء حيث ولد العربي الأصيل بمميزاته وصفاته وما جعلت منه الطبيعة من مختلف الطباع التي توارثها من جيل إلى آخر ،منبثقة من خصال الفروسية وصلابة الحياة ،شاسعة هي الصحراء وواسع فضاوها وفيها ترعرعت روح ذلك الفارس العربي الذي تناديه الحرية وتستهويه المغامرة حيث منحت غرابة الصحراء السبيل إلى كشف أغوار الكون .
يعشق العربي بيئته الصحراوية ويجد في حرية مجالها سعادته الروحية ،عند عودة بهران من بصرى ،يصف المدينة بجمال اسوارها ويتمنى أحد القوم لو تبنى في القبيلة مثل تلك الأسوار ، فيرد عليه سيدها جوشم قائلا :لماذا نحشر أنفسنا داخل الأسوار ؟ألا تحب أن نشم النسيم العليل ،أراهن لو حجزتك أياما في هذه المدينة ستهرب من فوق أسوارها .

على التلة المشتعلة نيران تبدأ قاطرة الإنطلاق ، ذات ليل غير عادي ،إجتمع أبناء سيد القبيلة جوثم ،حيدان وبهران ليتحدثا عن رحلتهما ، سيقودان القوافل لجلب ما ينقص القبيلة من متطلبات العيش ، رحلة يراها حيدان ستأخذه إلى المجهول هذه المرة لكن عليه القيام بها ،ففي زمن القبيلة على الزعيم أن يفرض زعامته بالمغامرة والصراع من أجل البقاء ،البقاء قويا خاصة في الوقت الذي يصارع فيه الفقير والضعيف والعبد من أجل لقمة العيش .
الرواية عميقة عمق تاريخ البشرية ، في قبيلة جديلة إحدى القبائل العربية يسلط الكاتب ضوء عدسات الكاميرا لنستقرأ تاريخا يهمنا ، عبر العديد من الأحداث التي ترابطت فيما بينها لنكتشف كيف كانت الحياة الإقتصادية والإجتماعية وكما أن الحوار الذي إتسمت به الرواية والذي طغى بصفة قوية عليها يمنحنا الإطلاع على مميزات تلك الحقبة الزمنية الضاربة في فترة جذور ما قبل الإسلام .
تحضر المرأة بقوة في الرواية كحضورها الفعلي ، نجدها ترمز للحب والحياة كما هو الحال في تواجد هالة وناعمة ،هالة وهي إبنة عبيد أخ سيد القوم جوشم وزوجته المتمطرة ،وناعمة إبنة جنيد وهو من وجهاء القوم يمارس تجارة الرقيق ويرتاد مدينة خَيْبَر في تجارته ،ليزور صديقه حيي اليهودي حيي وابنته مرانة ،وأما هالة فهي حبيبة إبن عمها حيدان وناعمة تقع هي أيضا في حب بهران . لكل شخصية من الشخصيات دورها المهم في الرواية ،لكل منها دورا وهدفا يوضحه الكاتب من خلال الحوار خاصة .
دور هالة وناعمة هو جلب الماء ،يرمزان إلى النبع ،رمز الحياة والعطاء والحب ،يرمز وجودهما ودورهما إلى قيم الصبر والوفاء لدى الأنثى العربية لحبيبها وإلى خدمة الأمهات المريضات والوقوف على سلامة نظام الأسرة بكل ما تقدمه من خدمات مثل جلب الحطب والطبخ .
ويمثل الإخوة حيدان وبهران العصب الإقتصادي للقبيلة والقوة والفروسية ،عليهم يتوقف تزويد القبيلة بما يلزمها ،حيث نقص الكلأ وصعوبة الزراعة يجبر القبائل إلى السفر وجلب القوافل التجارية من بلاد الشام كما عرف عن العرب قديما ،فبعد عودة بهران يوزع المال والأرباح على عدد من رجال القبيلة الذين اعتادوا على منحهم أملاكهم بغرض التجارة والربح المادي ،وقافلة حيدان ستعود محملة بالاموال والخمور التي توصف على لسان أحدهم بامور الشام اللذيذة .
ورغم جمال صبايا بصرى في حديث حيدان (صبايا بصرى جميلات جدا ،إنهن يخبلن لُب رجالنا )
يظل وفاء الإخوة إلى أنثى القبيلة راسخا مثل رسوخ حب الأرض ،رغم تعدد المشاكل ونشوء الصراعات التي كان من الممكن أن تقضي على هذا الحب إلا أنهم تمسكوا جميعهم بحب ظل يمثل أجمل رموز الوفاء والتعلق ،تتعرض هالة إلى مضايقات من طرف والدتها المتمطرة وإلى الاختطاف من قبل قبيلة أخرى ومع إختفاء حيدان وبقائه محاصرا في غزة لمدة طويلة تنجح في النهاية في اللقاء بحيدان بعد عودته ليخلصها من ألاعيب والدتها التي كانت تعارض زواجهما .
رموز عديدة في الرواية تمنح القارئ مفاتيح ليقرأ ذهنية الإنسان العربي في تلك المرحلة ، تمثل قصة العجوز التي ستنقذ من الموت ليث في رحلته للبحث عن حيدان روح الوفاء بالعهد ،بعد أن طلبت منه أن يعاهدها للبقاء معه لأنها وحيدة في قلب الصحراء ،توحي أيضا برمزية جد هامة وهي إصرار الإنسان على مقاومة صعوبة الحياة حينما علمته كيف يزرع في الأرض القاحلة ،ليعترف لها في النهاية بقيمتها في حياته (إنتظري لقد علمتني الكثير ولا زلت بحاجة إلى التعليم ،كنت أمي التي ماتت وانا صغير وكنت أبي الذي غرق في البحر وأعدت لي بعض معاني الحياة )
ترمز العجوز إلى الحكمة التي سنبلغها عندما نتيه في هذه الحياة ،عندما تضربنا شمس صحرائها لنستفيق على صوت دروسها لنكمل المسير بذهنية ناضجة ،هكذا وصف الكاتب عودة ليث في الأخير بلحيته الطويلة كدلالة على النضج والحكمة .
تتحدث الرواية عن عادات العرب المتعددة ،عن الأشهر الحرم حيث نجد في حوار عنها (تسير القوافل في آمان الله في هذه الأشهر )إذ يهدف الكاتب من خلاله إلى أن العرب سيعودون للقتال عند إنتهائها .
أهم ما يميز الرواية هو شخصية المتمطرة زوجة عبيد أخ سيد القوم ،لعبت دورا في زرع الفتنة بين زوجها وأخيه ،عملت كل ما في وسعها لتدمير القبيلة وتفكيك أواصر قوتها وترابطها ،وخططت لخروج زوجها من القبيلة وتأسيس قبيلة أخرى بزعامتها لمحاربة جوشم وأبنائه ،وصفها الكاتب أنها يهودية من مدينة يثرِب في إشارة إلى دور اليهود في المجتمع العربي وما يحمله من دلالات لها علاقة بواقعنا الحالي ،وفي يثرِب وخيبر كان لليهود أكبر الأدوار داخل مجتمع قبائل تلك الفترة وأوضحها التي ورد ذكرها في المصادر التاريخية في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ،
وفي العلاقات التجارية نجد إشارة إلى كيفية إستغلال اليهود التجار العرب وسرقة أموالهم عبر إستعمال نقطة الضعف الرئيسية وهي المرأة ،حيث كان جنيد والد ناعمة يتردد على بيت حيي صديقه اليهودي ،فكان يمنحه الخمر ويسلبه أمواله (لقد أخذت منك ثلاثة آلاف درهم أيها الحمار )
في النهاية يتزوج جنيد ابنة اليهودي حيي وهي مرانة وهذه دلالة على بقاء التغلغل اليهودي لدى العرب ،حيث تبقى حبالهم تلتف حول أعناقنا كما يثبت ذلك الواقع .لقد لعبت هذه اليهودية دورا خطيرا في الرواية ،كانت تسرق المال لجنيد لتتزوج عشيقها اليهودي يوسف ،ثم تواطأت مع يوسف لقتل والدها الذي كان معارضا لزواجها منه ،وبعد تشعب الأحداث تمكنت من الزواج من جنيد والدخول إلى بيته والظهور بمظهر الطيبة .
في الرواية دلالات ورموز متعددة ودروس تجعلنا نقرأ تاريخ منطقة هامة في تاريخنا لا يسعنا المجال إلى ذكرها كلها ،لذلك فقراءة الرواية تستوجب منا أن نقرأها بعين المحلل والمتفحص لتاريخ يشبه الواقع .
تنشد هالة حالتها وهي مقيدة بفعل خيانة والدتها لها ولزوجها
خيمة ....مشرعة للريح
فيها طائر جريح
لا يسمعه أحد
وهو يصيح
الصحراء وفيها أناس
منظر عام للصحراء
يا أهل الصحراء هلموا
في الخيمة قلب يتمزق
ينبض بالحب ويتدفق
فترقرق يا رمل ..ترفق .
تظل خيمة المتمطرة خاوية ،مشرعة تلعب بها الريح ....
ينجح الكاتب بمهارته في نسج مملكة جميلة بأحداثها وعقدها وأحلامها وتحدياتها لينتصر في الأخير الخير بمثله الطاهرة ،تقول ناعمة لوالدها جنيد أنها تتمنى الزواج بمن تحب والعيش دون حروب مع زوجها الذي تحبه فيرد عليها والدها :كل إنسان يعيش فيه عالمان الخير والشر .
حياة قاصدي
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف