الأخبار
محمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيلإسرائيل ترفض طلباً لتركيا وقطر لتنفيذ إنزالات جوية للمساعدات بغزةشاهد: المقاومة اللبنانية تقصف مستوطنتي (شتولا) و(كريات شمونة)الصحة: حصيلة الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة 32 ألفا و490 شهيداً
2024/3/28
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

عيون لا تنسى بقلم:محمد سليمان الدرقاوي

تاريخ النشر : 2020-07-10
عيون لا تنسى بقلم:محمد سليمان الدرقاوي
حين دخلت الصافية الى بيتنا لم تكن غير طفلة لا يتجاوز عمرها ست سنوات ، حرمها ابوها من المدرسة وأتى بها من البادية ليتجر بها كخادمة في حي بالمدينة، مشهور بغنى أصحابه ،وتشغليهم لخادمات بثمن مرتفع ؛ تلقفتها والدتي بالصدفة ، وقد طرق ابوها باب بيتنا بالخطأ، يبحت عن رجل مقاول في البناء ، كان قد أوصاه بخادمة صغيرة لزوجته الثانية التي ماتزوجها الا بعد أن هددته بفضيحة، فقد وثقت به حين طلبت منه حملها معه في سيارته الى المدينة حتى تعمل خادمة في احدى البيوتات ..اغراها بالمبيت معه في احدى منازله الاقتصادية التي يتاجر في بنائها للطبقات الفقيرة ، وقد اعد واحدة لخلواته ونزواته الخاصة .. تعمد ان يتوقف أكثر من مرة في الطريق الى أن داهمه الليل ، فاغرى البنت بالمبيت معه الى الصباح ، لكنه وقع فيها فاغتصبها ، ومارس عليها شذوذا فظيعا بعد أن لعبت الخمرة برأسه وغيبته عن وعيه ، فما كان منه بعد أن أمتنعت عن كل اغراء مادي كتعويض الا أن يجبر ضررها بالزواج بها شرط ان تتكتم على ماوقع ويظل زواجهما في السر، ومن شهرها الأول حملت منه.. . .
استطاعت والدتي أن تقنع أبا الصافية أنه يعرض ابنته للظلم والعذاب وهي لازالت طفلة لا تميز بين خير وشر ،فالبيت الذي يبحث عنه ،صاحبته هي نفسها كانت خادمة في العشرين من عمرها وقد تزوجها الرجل الماما لفضيحة قد تأتي على مستقبله وسمعته ، ومن تسقطت نفسه طمعا على امرأة التقطها من الطريق ، قادر أن يطمع في غيرها خصوصا اذا كانت بجمال الصافية ، كما أن معاملة خادمة لخادمة لن تكون محمودة ، غيرة وحقد على النفس قبل الغير ، ثم خوف على رجل قد يضيع منها وقد صادته بنصب فكيف أذا كبرت الصافية أمامه وازدادت تفتحا وجمالا فلن يلبث أن يميل اليها ...
لم يكن ابو الصافية في حاجة الى إقناع فكما قالت والدتي وهي تحكي لوالدي كيف أقنعت أبا الصافية انه هو نفسه كان يتصرف بنوع من قلة الاهتمام فكأنه يريد التخلص من البنت لكن مااتارني ـ تقول أمي ـ ان البنت بسرعة وقفت بجانبي وتمسكت بيدي وكأنها تتوسلني ان أبقيها عندي، وامام عيونها الفاتنة غامرت ،بسرعة اخرجت له تسبيقا ما ان تسلمه مني حتى غادر دون ان يسلم على البنت وكأنه ليس أباها ..

لم تكن الصافية تكبرني الا ببضعة أشهر لكن عيونها الكحلية جعلتني اتعلق بها تعلق صبي بثدي أمه ،كنت أجلس قبالتها وأظل انظر الى عينيها الكحليتين كالليل بزرقة البحر في اعماقهما ..
كنت مأخوذا بعيينها الى درجة الهوس ،حتى أني صرت كثيرا ما اتملى عيون أمي وابي ثم اتملى عيونها .لامقارنة!!.. فعيون الصافية بحر أزرق لامع، أكاد أسمع هدير موجه من بين أشفارها الليلية الطويلة ..وهي تلعب معي كنت أكره أن اغلبها في لعبة بل افضل ان اتركها تغلبني ، خصوصا اذا كانت المخاطرة بيننا قبلا على الخدين ، فقد كنت أجد متعة وشفتاها على خدي تهتزان بقبلة ، لا أحاول بزها الا اذا كانت المخاطرة قبلا على اليدين ، فكم كان يلد لي أن اقبل يديها الرطبتين ...
لم تحس الصافية عندنا ابدا أنها خادمة ،فقد جعلتها أمي موضع بنتها التي كم تمنت أن يرزقها الله بها بعدي أو قبلي ، ومكنها ذكاؤها من أن تلتقط بسرعة طقوس بيتنا وعاداته ، فتعلمت بسرعة من أمي تطريز المناديل والازر والوسائد.. وصارت بيننا اختي التي لم تلدها أمي ، فكل مايقع بيننا ونحن نلعب هو من باب براءة الاخوة والأخوات ، فالصافية قد صارت هي من يعتني بكي قمصاني ، واعداد طعامي ومراقبتي بدقة قبل الخروج الى مدرستي ، كانت كلماتها ورائي كنشيد يومي ،تردده على مسامعي :
عندك توسخ حوائجك ، عندك يكون شي واحد أحسن منك نقطا ، اعرف نفسك من انت ...
وكان اول سؤال تطرح علي عند العودة :
شحال جبتي اليوم !!
كانت الصافية اختي الكبيرة الحريصة على تربيتي ومستواي التعليمي ...وتصير اكثر حرصا حين اخبرها ان عندنا امتحان في مادة ما ،فالصافية لن تنام ولا تتركني انام تسال عن الصغيرة والكبيرة ، وتطرح عشرات الأسئلة التي تحتم ان أرد عليها والتي لا يمكن ان تخطر على بال المعلم نفسه ،والحق يقال انها كانت موسوعة أسئلة ومن تلك الأسئلة كونت معارفي وصرت الاول الذي لا يمكن ان يبزه احد ..
ومن كثرة حرصها على ما استظهره عليها من دروس وتستمعه من قراءاتي وَمِمَّا تولده من أسئلة تعلمت أن تقرأ وتكتب وأن تصحح لي اخطائي عند استظهار او مراقبة واجباتي المدرسية ...
كل من يرى الصافية وهي تنمو وقد زادتها المراهقة فتنة ، يكبر ويهلل لما وهبها الله من جمال وما تعيشه من عناية وتشب عليه من تنشئة اصيلة .. حتى أن أمي كثيرا ما كانت تتخلف عن أكثر من دعوة او تلبيها بلا مصاحبة الصافية خوفا عليها من عين حاسدة لا تراقب الله في غيرها ..
كل ذلك قد أثمر في الصافية حبا لنا ، ووفاء وثقة ..فقد أدركت ما نكنه لها فآلت على نفسها أن تجازي بالحب حبا ..وقد سمعت مرة ابي يقول لعمتي :
والله لو ان الحاجة انزلت الصافية من بطنها لما احبتنا وعاملتنا كما تحبنا الصافية وتعاملنا ..
كانت الصافية تكره أن تتكلم عن أبيها ، أما أمها فقد كانت تتشنج وتضغط على أسنانها ثم تشرع في البكاء كلما سألناها عنها .. وقد كانت امي تظن كل ذلك من تربية اليتم وتشدد الأب وغلظته، وقد اكتشفت ذلك فيه مما لاحظته من محاولة تخلصه من الصافية ومن تهرب الصافية من العودة معه ..
جلست الصافية مرة بين يدي الحاجة لتمشط شعرها وتلف لها ظفيرتها كعادتها ، وقد كان من طبيعتها أن تقبل يدي الحاجة عند الختام وتقول : شكرا خالتي العزيزة، ..عانقت الصافية الحاجة ، ثم قالت :
ـ أنت لست خالتي ، أنت أكثر من خالة ، أنت أمي هل تسمحين ان أناديك أمي وأنادي الحاج أبي ؟
ضمتها الحاجة بين احضانها ، مسحت دمعات تسربلت على خدها وقالت لها :
طبعا أنا أمك فانت هنا بنتنا ولافرق بينك وبين ابني ، ولاتوجد قوة تبعدك عنا ..
لازلت اذكر فرحة الصافية بذلك من يومها لم تعد تناديني باسمي وانما بخيي العزيز ..
اقبلت أمي ذات مساء بعد زيارة لخالتي المريضة ، ظلت تطرق الباب لكن بلا رد ..عدت من المدرسة لأجد أمي في قلق كبير على الصافية ، أين هي ؟ هل نامت ؟ ليس من عادتها أن تنام مساء ، هل خرجت ؟ لايمكن ؟فما تعودت أن تخرج بلا إذن ..
دخلت من دار الجيران ، ونفدت الى بيتنا عبر السطوح ..ما أن نزلت الادراج حتى وجدت الصافية راسها على عتبة احدى الغرف ودمها قد صار وسط البيت سيولا .. ارتعبت وشرعت اصيح وأبكي ، بصعوبة استطعت الوصول الى الباب لأفتحه ..
كان المشهد بشعا حقا ، كيف ماتت الصافية ، وماذا كانت تفعل حتى سقطت بتلك الطريقة على عتبة الغرفة ؟
حين اقبل أبي أصر على استدعاء الشرطة بعد ان وجدنا خزانة امي مفتوحة وكل ما فيها من ذهب قد تم نهبه .. فالعملية اذن عملية نهب وسرقة نتج عنها قتل ..
بعد تدقيق من الشرطة عرفنا ان أحدا قد طرق الباب ولما فتحت له الصافية هجم عليها فقتلها بعد لي عنقها ثم أسقطها عمدا بتلك الطريقة للتوهيم..
لم يخطر ببالنا ان يكون ابوها هو الزائر ، فكلنا يعلم أنه قلما يأتي لزيارتها اذ يكتفي بزيارة متجر ابي ليتسلم شهرية الصافية ثم يعود ادراجه من حيث اتى ..وحدها والدتي قالت : ان الصافية لن تفتح الباب لاي كان الا اذا كانت تعرفه ، وقد تمسكت الشرطة بهذا الدليل لتكتشف في الأخير ان القاتل هو الأب ، ضحى بروح ابنته من اجل نهب اسرة أكرمته بتربية وتنشئة فلذة كبده ، وقد عرفنا كيف تم قتلها من خلال إعادة تشخيص الواقعة ..
اقبل والدها يطرق بابنا بعد ترصده لعدة ايام للداخل والخارج ،بمجرد خروج الحاجة سار خلفها الى ان ابتعدت بمسافة ليست قصيرة ،عاد مسرعا الى البيت الذي لم تكن فيه غير الصافية ، طرق الباب عدة مرات ولم تفتح له الصافية الا بعد أن تأكدت منه ، لكنها منعته من الدخول الى البيت بحجة ان اهله غائبون ، لكنه اصر على الدخول ،دفعها بقوة الى الداخل ثم لحق بها وصفق الباب وراءه..
كما عرفنا أنه هو قاتل أم الصافية بنفس الطريقة التي قتل بها ابنته ..
احد ضباط الشرطة اخبر ابي ان الصافية كان لابد ان تموت فقد كانت تهديدا يؤرق أباها بالليل والنهار ،فهي قد رأت الأب وهو يقتل أمها ،التي كان يشك فيها ويغار من كل عين تنظر اليها فالمرأة كانت صنما للفتنة تتحين أية غفلة من زوجهاالذي كان لا يتركها تغيب لحظة عن عينيه لتفر مع احد شباب الدوار الذي كانت له بها علاقة حب قبل ان تتزوج كرها من والد الصافية ؛ غادر الشاب القرية للدراسة في الخارج ، وصار مخرجا سينيمائيا ما ان رآها حتى ازداد هياما بها ،أرسل اليها أخته لتقترح عليها الفرار مع أخيها الى كندا ، ثم استطاع ان يزور لها جواز سفر باسم موهوم ولقب مشهور ،لكن الأب استطاع ان يكشف اللعبة فقتل ام الصافية بلي عنقها وكانت الصافية شاهدة على فعلته ...
هكذا غابت الصافية عن بيتنا الذي تحول الى معزوفة صمت حزينة كان لها اثر على تعلمي وحرصي على واجباتي ونتائج امتحاناتي ..لمدة تزيد عن السنة
الى ان رأيتها مرة في أحلامي وهي تقبلني وتقول : ان كنت اخي حقا وتحبني فلا تتأخر كما صرت بعدي..
الى اليوم وبعد أزيد من عشرين عاما مازلت أذكر ان اختا لي رائعة الجمال ماتت بعد أن وشمت في اعماقي عيونا ليلية بعمق البحر ..أتلوى حزنا لطريقة موتها ، واني لأواصل ذكرها حتى آخر رمق من وجودي .. كان موت الصافية حدادا مؤثرا في بيتنا
تبكيها والدتي بالليل والنهار ،فأمي لم تفقد في الصافية بنتا سهرت على تربيتها وإنما فقدت فلذة كبد وبضعة منها وتمزيقة من حياتها ...
مرة وبعد ثلاث سنوات من موت الصافية قال لها ابي مازحا :لو بقيت لتزوجتها
تبسمت والدتي من وراء حزنها وقالت:
للي فاتك خليه لأولادك ،لا يهم المهم ان تبقى ... نار فراق الصافية لن تنطفئ الا بموتي ...
حقا عيون الصافية عيون لايمكن أن تنسى ...فلانراها الا في اشهار ات المجلات ،او بعض ملكات الجمال الأفريقيات ، عيون الصافية الخالق وحده قادر على ان يجعل البحر بصفاء زرقته يهدر من وراء رموشها الليلية ، فجمال الصافية كان ادق من ريشة رسّام وجراحة إزميل نحات ..
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف