الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/19
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الشاعرتان: فائزة القادري ونازك الملائكة بقلم:يونس عودة

تاريخ النشر : 2020-07-10
الشاعرتان:
فائزة القادري و نازك الملائكة

ناديت الوردة ذات صباح:" يا وردة، إني عطشى"
فرنت وانتفضت وابتسمت
وجهًا، قلبًا، شفةً، رمشا
منحتني العطر، اللون، الحب، وما بخلت
فرشت لي خديها وحنت
وسألت حبيبي أن ألقاه
فتطلع في وقال: أجل، إن شاء الله
نازك الملائكة
يبدو أن بلاد الرافدين- كعادتها- ترفد الجميع بكل خير ممكن، فطالما كانت قبلة للنحاة واللغويين، وموئلا للشعر والخطابة والبلاغة. امتداداً لهذا الزخم الغني بمكنونات اللغة والشعر، تطل علينا ايقونة من ماجدات العراق اللواتي تركن بصمة مؤثرة في مجال الشعر الحر: الشاعرة نازك الملائكة.
تعتبر الشاعرة نازك الملائكة من رواد التغيير في شكل القصيدة العربية ونسقها المعتاد، إذ توافق عملها هذا مع البعض من أبناء جلدتها أمثال بدر شاكر السياب، بلند الحيدري، عبدالوهاب البياتي.
لربما حاق بالقصيدة العربية بعض التغيير على مدار القرون السابقة؛ ففي العصر العباسي على سبيل المثال، قام أبو نواس بحملة شعواء ضد المقدمة الطللية للقصيدة العربية، بينما تزعم أبو العتاهية حملة ضد الاوزان الشعرية، متخذا أوزانا اخرى خاصة وغير مألوفة. ومما انماز به العصر العباسي هو إيلاء الشعراء اهتماما كبيرا بالزخرفة اللفظية على حساب المعنى، وهذا قادهم الى ما يسمى ب " الترف الفكري" الذي شمل أضْرُبًا كثيرة من المجالات الثقافية آنذاك. في منتصف القرن العشرين، شهد الشعر العربي حركات فنية جردته من البنائية الفنية والتقنية ومفاهيمه والتزامه بنسقه المعهود من حيث عمودية القصيدة ووحدتها وبناؤها وقافيتها وعدم جواز الخروج على البحور الخليلية.
يعزى التغيير في بنية القصيدة العربية نحو الشعر الحر إلى أمرين : الدافع الاجتماعي، والدافع النفسي. فالاجتماعي يتمثل في ما طرأ على المجتمع من تغييرات أيدولوجية وتغيير في أنماط الحياة والبنية الإجتماعية والتكوين الحضاري. فالشاعرة نازك الملائكة هنا تكاد تثأر للمرأة لتنقذها من تلكم السطوة الذكورية التي لا تتخذ منها إلا دمية وجارية وخادمة ووسيلة اشباع لغرائز الرجل. وهذا ما جعلها تكاد لا تقدم على الزواج مبكرًا، إلا أن عملها مع الدكتورعبدالهادي محبوبة – الذي اصبح زوجها فيما بعد- في نفس الجامعة قد غير نظرتها للحياة الإجتماعية إلى حد ما.
الدافع الثاني الذي أثر في تغيير البنية في القصيدة العربية كان نفسيا؛ وشمل كما يراه الباحثون التوق إلى التخلص من تركة الإستعمار وما خلفه من كبت روحي ومادي في الوطن العربي، والسعي إلى إثبات كينونة الفرد واستقلاليته ، وهذا ما جعل البياتي والسياب والملائكة يقومون بمحاولات جادة للتخلص من رتابة القافية في الشعر العربي. فقد ثارت الملائكة وشعراء الحداثة على تقديس البناء التقليدي للقصيدة العربية، وتم تحويل هذا كله إلى نظام من الحرية والتحرر من الأوزان القديمة وتصرفوا بأشكال التفعيلات والقوافي وفقا لما يقتضيه الحال.
وفي المقابل، فالشاعرة العربية فائزة القادري لها نظرة عميقة في البناء الفني للشعر؛ هي لا تعيب أيا من أنواع الشعر، سواء العمودي أم الحر. فهي تكتب وتبدع في كلا المجالين. فطالما وُجهت لها الاسئلة في لقاءاتها الكثيرة مع وسائل الاعلام وفي المؤتمرات، ومن خلال المركز الثقافي الذي تديره بكل حرفية ومهنية، ففي كل هذه الأماكن كان ردها بأن لا يوجد نسق إلهي منزل لكيفية كتابة القصيدة العربية، شريطة أن يكون المعنى حاضرًا، وألا يضيع بين زخرفة الكلام على حساب المقصود والمرجو من وراء القصيدة.
أستحلف قلبك بالمكنون
أن تعبر بي
إلى حتفي المجنون
كما ترتضيه اللغة الضوئية
إذا نويت يا سلطانا طاعنا في الحسن
بوكزة بعد أو حب،
..أن ترديني
..حاذر أن تدفنني
لريح القصائد أنذرني
..واذروني
ولا تسقط
ولا تسقط أنت
فائزة القادري
.

القادري لم تكتب الشعر الحر انتقاما من ظرف ما، أو تشجيعا لأمر مجتمعي أو مساندة فئة على حساب اخرى؛ كتبت لأنها ترى في هذا المجال إنعتاقا بيِّنًا وتحررًا من قيد الأوزان، في حين رأت نازك الملائكة في المرأة العربية منذ أزمان ضاربة في عمق الموروث العربي، وخاصة في العصر العباسي، رأت فيها السلعة المهانة التي تتقاذفها الأيدي إشباعا لطاقات الذكور ونزواتهم ومتعتهم.
في المقابل، فالقادري تتسامى وتعلو فوق كل ما يشين المرأة العربية؛ كتبت فيها أجمل الأشعار، وامتدحتها وأشادت بوجودها ركيزة صالحة، ولبنة مثلى في رقي المجتمع. كما أن القادري تقدر الإرتباط الإجتماعي تحت مظلة الزواج الشرعي ولا تضرب عنه صفحا لا من قريب ولا من بعيد كنازك الملائكة، التي كانت تتوجس خيفة من هذا الإرتباط كونه يذكرها بالعبودية والرق تجاه النساء؛ إذ تعتقد أن حريتها كذلك في عدم الزواج، لتفلت من ذلكم الرق .
فائزة القادري تنظر إلى الرجل كشقيق ورفيق درب وصانع حياة في المجتمع. ففي جميع قصائدها في باكورة ديوانها عما قريب، لا تحط من قيمة الرجل تصريحا او تلميحًا؛ فالمركز الثقافي الذي تديره، جلُّ اعضائه رجال من نخبة المجتمع من مثقفين وشعراء وذوي الإختصاصات الاخرى من متذوقي القصيدة العمودية و قصيدة النثر. فهي تناقش وتحاور الرجال في كل ما يتعلق ببناء القصيدة، وأكثر من ذلك، هي مرجع للكثيرين- من الشباب- المبتدئين في مضمار الشعر.
نازك الملائكة يعتور الكثير من شعرها المسحة الحزينة والمرارة والحداد ؛ بل كان للموت موقعا متقدما في كتاباتها، لكن هذا لا يعني أن قصائدها تخلو من الجانب الإيجابي والمضيء. القادري، على النقيض من الملائكة، يجد القارىء في قصائدها الحياة بكل معانيها؛ فلا مجال للحزن او الترح، فكل أعمالها في ديوانها المرتقب، تحض على الحياة والتمتع بالمباح. هذه رسالتها لكل الوطن العربي. صحيح أن بعض قصائدها الوطنية ذكرت الجروح النازفة للوطن، إلا أنها تبث بصيص الأمل في النفوس، وأن الوطن سينهض يوما لا محالة، وسيكون أكثر روعة وجمالا كما كان، بل أفضل مما كان.
ما يجمع نازك الملائكة وفائزة القادري وكذلك فدوى طوقان، أنهن –ثلاثتهن- يراعين الخلق الحسن ويحافظن على موروث القيم العائلية والأسرية. فنازك الملائكة- رغم إقامتها في أمريكا- إلا ان شعرها لا يشي بالتجرؤ على الأعراف السائدة؛ بقيت محافظة على معدنها الأصيل. كذلك فدوى طوقان، التي تنحدر من اسرة محافظة وتحترم العادات والتقاليد، فحينما كتبت سيرتها الروائية، حذفت أي شيء يتعلق بحياتها العاطفية. القادري- لا نزكي على الله أحدا- فلم تهف هفوة واحدة، ولم تنزلق منها كلمة شائنة في أي من قصائدها الكثيرة. هي قبل أن تكون شاعرة، هي سليلة اسرة معروفة ومحافظة، أسرة تحترم العادات وتصونها، وهي حسب الدارج من القول:" إبنة بلد" بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. إنسانة تحمل الدرجة الجامعية، مثقفة وتنويرية. وكل هذا جعل منها أيقونة نضرةً، ومثلا رائعا يحتذى للنشء الجديد، والقديم، على حد سواء.
نازك الملائكة امتطت صهوة الأثير وأتمت دراستها في الادب في جامعة ويسكونسن- أمريكا. غادرت ارض الوطن-العراق- لعدة دول منها الكويت -قبل الغزو- ثم الى مصر حيث كانت بصحبة ابنها البراق. وحين توفى زوجها، لم يخبرها احد بذلك حفاظا على حالتها النفسية التي بدأت في التدهور، وقيل لها يومذاك بأن زوجها عاد الى العراق.
القادري هي سنديانة الوطن، ونخلته السامقة المتجذرة. لم يخطر في بالها مجرد خاطر مغادرة أرض الوطن. أيعقل أن تكون كتبت نفائس الأشعار في حب الوطن، ثم تحمل حقيبتها وتغادر؟ لم ولن تغادر وطنها مهما حدث، فرسالتها الأعم والأشمل لأبناء الوطن قاطبة :" الوطن..الوطن".
وفي الختام، ومهما كتبنا عن هاتين الشاعرتين، فلن نَفِهِما حقهما؛ فحياتهما حافلة بعظيم الأفعال، هما نبراسان نيران يبددان ظلمة الليل وحلكته. لعل في قادم الأيام نصوغ في حقيهما معا ما يليق بتاريخهما المشرف. نفخر بهما ونرفع القبعة لكليهما :" فائزة القادري، ونازك الملائكة".
يونس عودة- الاردن
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف