تجليات الوَجَع..في قصيدة"يا طارق الباب-للشاعر التونسي القدير طاهر مشي
يبدأ الشاعر-د-طاهر مشي بوصف المشاعر الصادقة في هذا النص بأجمل المفردات،والصور الشِّعرية الرائعة، فقد ارتقى فيه الحس الجمالي والفنّي،وتجلى فيه البوح مِن بدايته حتى النهاية؛ حيث ارتقى الشاعر بوصف عشق القوافي،وصور سنين الغياب،ولوعة البُعد،وحنين الذكريات.
ثم-أراه- يلغي خطوط عزّة النفس إلى الانكسار،وذلك من خلال مفردات دموع العذاب التي ألمح إليها الشاعر بمهارة عالية يستشفّ المتلقي بعدها الفني بين السطور،ورغم هذا الخضوع إلا أنه اتجلى بعمق عاطفي رائع، وتزيّنت أبيات القصيدة بهذا البوح مهما كان ظهور الانكسار-المتخفي-في تضاعيف الكلمات.
ويجد المتلقي الكريم حجم المُعاناة التي أبرزها الشاعر"طاهر مشي"في هذا النص،ليعكس لنا واقعه الذي يعيشه الممتلئ بالشعور التراجيدي للحسرة واللوعة التي لا تفارقه،ونلحظ شمولية العامل الفنّي في هذا النص،فقد كان جيّدًا مبنى ومعنى،ما أسهم في الاستماع له والتشوّق لجميع أبيات النص بحيث كلما ينتهي بيت..نتشوّق للآخر.
ثم ينقلنا الشاعربعد ذلك إلى مرحلة الطيف الذي تسبب في بوح الخافق،وهيض المشاعر، والبُعد عن مجالسة الآخرين وهجرهم،ليعيش مع الفضاء،يحاور روحه الموغلة في التشظي، يناجي-مفردات-الفراق الأليم،كل ذلك لما أصباه من هيام وضيم وحزن عميق وصل لأعلى الدرجات.
ونجد أن العطاء الشاعري متزايد، وصور المعاني توشّحت بالإبداع والتميز، فقد كدّسه الشاعر في التركيز على لوعة الغياب،وجرح الفراق،والحنين الدفين ما بين الضلوع العوج،وهو بذلك يحقّق-ببراعة واقتدار-نصًا باهرًا.
ونحن نقرأ -القصيدة-ينهض السؤال،هل ما يبدو من جمل آمرة هي فعلا تأمرنا لتسيطر علينا ام أنها توحي لنا بذلك لأنها تخاطب الذات بضمير الغائب،وأنها تفرض علينا ان تصير جملا مقروءة لا مسموعة..ومابين إرادتين،مابين رغبتين، ما بين التطلع والمصادرة يتأسس الذهول المفضي الى الابتهاج..وبالتالي الى الجمال .. والجمال قرين الحرية ..
وينهي شاعرنا طاهر مشي هذا النص-مرّة-بالتساؤل:" هل من مجيب يرد الشّوق مرتجلا..؟"
ومرة بالتعجب: من ذلك الفراق القاسي الذي تسبب في الألم إلى حد كبير،وكان في النهاية بصورة مؤثرة جدًا لا يستطيع القلب أن يتحمّلها،لذا لا غرابة أن يعيش الصدمة التي أبرز جوانبها في هذا النص الذي لا يكتبه إلاّ شاعر واسع الثقافة والفكر،يمتلك أدوات الشِعر المتكاملة،في زمن متخم بنصوص ينآى الكثير منها عن الإبداع..
يا طارق الباب
يا طارق الباب أهل الدار قد رحلوا
يا مُهْرِق الدمع فالأشواق تبتهل
كلّت سواعدنا من هول محنتنا
والباب موصود بالأصفاد يكتحل
يا خل دربي كفى نوحٌ ولا عتب
إن المآقي لمنها الدمع ينهمل
والدّرب أشْواك أدمتنا بلا سبب
والنبض أشْلاء مَا أقساه مِن أجل
رفقا ببابٍ بَدا للناس في ترف
فهو الحزين وكل الطَّرْق يحتمل
في غفلة العين أشتاتي مفارقة
هل من مجيب يرد الشّوق مرتجل
أمهل ردائي قليل الصّبر يلحفها
فِي بحَره الشّوق بدر الليل يغْتسل
ذُرْنِي أيا صَاح من أشْعارك الأمَل
علّ الجِراح بهذا النّظم تنْدَمل
طاهر مشي
محمد المحسن (ناقد وشاعر تونسي)
يبدأ الشاعر-د-طاهر مشي بوصف المشاعر الصادقة في هذا النص بأجمل المفردات،والصور الشِّعرية الرائعة، فقد ارتقى فيه الحس الجمالي والفنّي،وتجلى فيه البوح مِن بدايته حتى النهاية؛ حيث ارتقى الشاعر بوصف عشق القوافي،وصور سنين الغياب،ولوعة البُعد،وحنين الذكريات.
ثم-أراه- يلغي خطوط عزّة النفس إلى الانكسار،وذلك من خلال مفردات دموع العذاب التي ألمح إليها الشاعر بمهارة عالية يستشفّ المتلقي بعدها الفني بين السطور،ورغم هذا الخضوع إلا أنه اتجلى بعمق عاطفي رائع، وتزيّنت أبيات القصيدة بهذا البوح مهما كان ظهور الانكسار-المتخفي-في تضاعيف الكلمات.
ويجد المتلقي الكريم حجم المُعاناة التي أبرزها الشاعر"طاهر مشي"في هذا النص،ليعكس لنا واقعه الذي يعيشه الممتلئ بالشعور التراجيدي للحسرة واللوعة التي لا تفارقه،ونلحظ شمولية العامل الفنّي في هذا النص،فقد كان جيّدًا مبنى ومعنى،ما أسهم في الاستماع له والتشوّق لجميع أبيات النص بحيث كلما ينتهي بيت..نتشوّق للآخر.
ثم ينقلنا الشاعربعد ذلك إلى مرحلة الطيف الذي تسبب في بوح الخافق،وهيض المشاعر، والبُعد عن مجالسة الآخرين وهجرهم،ليعيش مع الفضاء،يحاور روحه الموغلة في التشظي، يناجي-مفردات-الفراق الأليم،كل ذلك لما أصباه من هيام وضيم وحزن عميق وصل لأعلى الدرجات.
ونجد أن العطاء الشاعري متزايد، وصور المعاني توشّحت بالإبداع والتميز، فقد كدّسه الشاعر في التركيز على لوعة الغياب،وجرح الفراق،والحنين الدفين ما بين الضلوع العوج،وهو بذلك يحقّق-ببراعة واقتدار-نصًا باهرًا.
ونحن نقرأ -القصيدة-ينهض السؤال،هل ما يبدو من جمل آمرة هي فعلا تأمرنا لتسيطر علينا ام أنها توحي لنا بذلك لأنها تخاطب الذات بضمير الغائب،وأنها تفرض علينا ان تصير جملا مقروءة لا مسموعة..ومابين إرادتين،مابين رغبتين، ما بين التطلع والمصادرة يتأسس الذهول المفضي الى الابتهاج..وبالتالي الى الجمال .. والجمال قرين الحرية ..
وينهي شاعرنا طاهر مشي هذا النص-مرّة-بالتساؤل:" هل من مجيب يرد الشّوق مرتجلا..؟"
ومرة بالتعجب: من ذلك الفراق القاسي الذي تسبب في الألم إلى حد كبير،وكان في النهاية بصورة مؤثرة جدًا لا يستطيع القلب أن يتحمّلها،لذا لا غرابة أن يعيش الصدمة التي أبرز جوانبها في هذا النص الذي لا يكتبه إلاّ شاعر واسع الثقافة والفكر،يمتلك أدوات الشِعر المتكاملة،في زمن متخم بنصوص ينآى الكثير منها عن الإبداع..
يا طارق الباب
يا طارق الباب أهل الدار قد رحلوا
يا مُهْرِق الدمع فالأشواق تبتهل
كلّت سواعدنا من هول محنتنا
والباب موصود بالأصفاد يكتحل
يا خل دربي كفى نوحٌ ولا عتب
إن المآقي لمنها الدمع ينهمل
والدّرب أشْواك أدمتنا بلا سبب
والنبض أشْلاء مَا أقساه مِن أجل
رفقا ببابٍ بَدا للناس في ترف
فهو الحزين وكل الطَّرْق يحتمل
في غفلة العين أشتاتي مفارقة
هل من مجيب يرد الشّوق مرتجل
أمهل ردائي قليل الصّبر يلحفها
فِي بحَره الشّوق بدر الليل يغْتسل
ذُرْنِي أيا صَاح من أشْعارك الأمَل
علّ الجِراح بهذا النّظم تنْدَمل
طاهر مشي
محمد المحسن (ناقد وشاعر تونسي)